الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِن عِبادِنا مَن كانَ تَقِيًّا﴾، الإشارَةُ في قَوْلِهِ: تِلْكَ [مريم: ٦٣]، إلى ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وعَدَ الرَّحْمَنُ عِبادَهُ بِالغَيْبِ﴾ الآيَةَ، وقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّهُ يُورِثُ المُتَّقِينَ مِن عِبادِهِ جَنَّتَهُ، وقَدْ بَيَّنَ هَذا المَعْنى أيْضًا في مَواضِعَ أُخَرَ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ - إلى قَوْلِهِ - ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١ - ١١]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَسارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكم وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الآياتِ [آل عمران: ١٣٣]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهم إلى الجَنَّةِ زُمَرًا﴾ الآيَةَ [الزمر: ٧١]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]،
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَمَعْنى إيراثِهِمُ الجَنَّةَ: الإنْعامُ عَلَيْهِمْ بِالخُلُودِ فِيها في أكْمَلِ نَعِيمٍ وسُرُورٍ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في ) الكَشّافِ (: نُورِثُ أيْ: نُبْقِي عَلَيْهِ الجَنَّةَ كَما نُبْقِي عَلى الوارِثِ مالَ المَوْرُوثِ، ولِأنَّ الأتْقِياءَ يَلْقَوْنَ رَبَّهم يَوْمَ القِيامَةِ قَدِ انْقَضَتْ أعْمالُهم، وثَمَرَتُها باقِيَةٌ وهي الجَنَّةُ، فَإذا أدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ فَقَدْ أوْرَثَهم مِن تَقْواهم كَما يُورِثُ الوارِثُ المالَ مِنَ المُتَوَفّى، وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: مَعْنى إيراثِهِمُ الجَنَّةَ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ لِكُلِّ نَفْسٍ مَنزِلًا في الجَنَّةِ، ومَنزِلًا في النّارِ، فَإذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ؛ أراهم مَنازِلَهم في النّارِ لَوْ كَفَرُوا وعَصَوُا اللَّهَ لِيَزْدادَ سُرُورُهم وغِبْطَتُهم؛ وعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهَذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدانا اللَّهُ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٤٣]، وكَذَلِكَ يَرى أهْلُ النّارِ مَنازِلَهم في الجَنَّةِ لَوْ آمَنُوا واتَّقَوُا اللَّهَ لِتَزْدادَ نَدامَتُهم وحَسْرَتُهم، وعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الواحِدُ مِنهم: (p-٤٧٢)﴿لَوْ أنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى يَجْعَلُ مَنازِلَ أهْلِ الجَنَّةِ في النّارِ لِأهْلِ النّارِ، ومَنازِلَ أهْلِ النّارِ في الجَنَّةِ لِأهْلِ الجَنَّةِ فَيَرِثُونَ مَنازِلَ أهْلِ النّارِ في الجَنَّةِ، وهَذا هو مَعْنى الإيراثِ المَذْكُورِ عَلى هَذا القَوْلِ.
قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ: قَدْ جاءَ حَدِيثٌ يَدُلُّ لِما ذُكِرَ مِن أنَّ لِكُلِّ أحَدٍ مَنزِلًا في الجَنَّةِ ومَنزِلًا في النّارِ، إلّا أنَّ حَمْلَ الآيَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَوابٍ؛ لِأنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَرِثُونَ مِنَ الجَنَّةِ مَنازِلَهُمُ المُعَدَّةَ لَهم بِأعْمالِهِمْ وتَقْواهم، كَما قَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]، ونَحْوِها مِنَ الآياتِ، ولَوْ فَرَضْنا أنَّهم يَرِثُونَ مَنازِلَ أهْلِ النّارِ فَحَمْلُ الآيَةِ عَلى ذَلِكَ يُوهِمُ أنَّهم لَيْسَ لَهم في الجَنَّةِ إلّا ما أُورِثُوا مِن مَنازِلِ أهْلِ النّارِ والواقِعُ بِخِلافِ ذَلِكَ كَما تَرى، والحَدِيثُ المَذْكُورُ هو ما رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ في المُسْنَدِ، والحاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ «كُلُّ أهْلِ الجَنَّةِ يَرى مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ فَيَقُولُ: لَوْلا أنَّ اللَّهَ، هَدانِي فَيَكُونُ لَهُ أشْكْرَ، وكُلُّ أهْلِ النّارِ يَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ فَيَقُولُ: لَوْ أنَّ اللَّهَ هَدانِي، فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةً» اهـ، وعَلَّمَ في الجامِعِ الصَّغِيرِ عَلى هَذا الحَدِيثِ عَلامَةَ الصِّحَّةِ، وقالَ شارِحُهُ المُناوِيُّ: قالَ الحاكِمُ: صَحِيحٌ عَلى شَرْطِهِما وأقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ، وقالَ الهَيْثَمِيُّ رِجالُ أحْمَدَ رِجالُ الصَّحِيحِ. اهـ.
{"ayah":"تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِی نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق