الباحث القرآني
(p-٨٩٢).
قَفّى سُبْحانَهُ قِصَّةَ إبْراهِيمَ بِقِصَّةِ مُوسى لِأنَّهُ تِلْوُهُ في الشَّرَفِ، وقَدَّمَهُ عَلى إسْماعِيلَ لِئَلّا يَفْصِلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ذِكْرِ يَعْقُوبَ أيْ: واقْرَأْ عَلَيْهِمْ مِنَ القُرْآنِ قِصَّةَ مُوسى ﴿إنَّهُ كانَ مُخْلَصًا﴾ قَرَأ أهْلُ الكُوفَةِ بِفَتْحِ اللّامِ أيْ: جَعَلْناهُ مُخْتارًا وأخْلَصْناهُ، وقَرَأ الباقُونَ بِكَسْرِها أيْ: أخْلَصَ العِبادَةَ والتَّوْحِيدَ لِلَّهِ غَيْرَ مُراءٍ لِلْعِبادِ ﴿وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ أيْ: أرْسَلَهُ اللَّهُ إلى عِبادِهِ فَأنْبَأهم عَنِ اللَّهِ بِشَرائِعِهِ الَّتِي شَرَعَها لَهم، فَهَذا وجْهُ ذِكْرِ النَّبِيِّ بَعْدَ الرَّسُولِ مَعَ اسْتِلْزامِ الرِّسالَةِ لِلنُّبُوَّةِ، فَكَأنَّهُ أرادَ بِالرَّسُولِ مَعْناهُ اللُّغَوِيَّ لا الشَّرْعِيَّ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وقالَ النَّيْسابُورِيُّ: الرَّسُولُ الَّذِي مَعَهُ كِتابٌ مِنَ الأنْبِياءِ، والنَّبِيُّ الَّذِي يُنْبِئُ عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وإنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ كِتابٌ، وكانَ المُناسِبُ ذِكْرَ الأعَمِّ قَبْلَ الأخَصِّ، إلّا أنَّ رِعايَةَ الفاصِلَةِ اقْتَضَتْ عَكْسَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ في طه ﴿بِرَبِّ هارُونَ ومُوسى﴾ [طه: ٧٠] انْتَهى.
﴿ونادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ أيْ: كَلَّمْناهُ مِن جانِبِ الطَّوْرِ، وهو جَبَلٌ بَيْنَ مِصْرَ ومَدْيَنَ اسْمُهُ زُبَيْرٌ، ومَعْنى الأيْمَنِ: أنَّهُ كانَ ذَلِكَ الجانِبُ عَنْ يَمِينِ مُوسى، فَإنَّ الشَّجَرَةَ كانَتْ في ذَلِكَ الجانِبِ، والنِّداءُ وقَعَ مِنها، ولَيْسَ المُرادُ يَمِينَ الجَبَلِ نَفْسِهِ. فَإنَّ الجِبالَ لا يَمِينٌ لَها ولا شِمالٌ. وقِيلَ: مَعْنى الأيْمَنِ المَيْمُونِ، ومَعْنى النِّداءِ أنَّهُ تَمَثَّلَ لَهُ الكَلامُ مِن ذَلِكَ الجانِبِ ﴿وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ أيْ: أدْنَيْناهُ بِتَقْرِيبِ المَنزِلَةِ حَتّى كَلَّمْناهُ، والنَّجِيُّ بِمَعْنى المُناجِي كالجَلِيسِ والنَّدِيمِ، فالتَّقْرِيبُ هُنا هو تَقْرِيبُ التَّشْرِيفِ والإكْرامِ، مُثِّلَتْ حالُهُ بِحالِ مَن قَرَّبَهُ المَلِكُ لِمُناجاتِهِ.
قالَ الزَّجّاجُ: قَرَّبَهُ مِنهُ في المَنزِلَةِ حَتّى سَمِعَ مُناجاتَهُ، وقِيلَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ رَفَعَهُ حَتّى سَمِعَ صَرِيفَ القَلَمِ. رُوِيَ هَذا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ.
﴿ووَهَبْنا لَهُ مِن رَحْمَتِنا﴾ أيْ: مِن نِعْمَتِنا، وقِيلَ: مِن أجْلِ رَحْمَتِنا، وهارُونَ عَطْفُ بَيانٍ، ونَبِيًّا حالٌ مِنهُ، وذَلِكَ حِينَ سَألَ رَبَّهُ قالَ: ﴿واجْعَلْ لِي وزِيرًا مِن أهْلِي﴾ ﴿هارُونَ أخِي﴾ [طه: ٢٩ - ٣٠] .
ووَصَفَ اللَّهُ سُبْحانَهُ إسْماعِيلَ بِصِدْقِ الوَعْدِ مَعَ كَوْنِ جَمِيعِ الأنْبِياءِ كَذَلِكَ؛ لِأنَّهُ كانَ مَشْهُورًا بِذَلِكَ مُبالِغًا فِيهِ، وناهِيكَ بِأنَّهُ وعَدَ الصَّبْرَ مِن نَفْسِهِ عَلى الذَّبْحِ فَوَفّى بِذَلِكَ، وكانَ يَنْتَظِرُ لِمَن وعَدَهُ بِوَعْدٍ الأيّامَ واللَّيالِيَ، حَتّى قِيلَ: إنَّهُ انْتَظَرَ لِبَعْضِ مَن وعَدَهُ حَوْلًا.
والمُرادُ بِإسْماعِيلَ هُنا هو إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ، ولَمْ يُخالِفْ في ذَلِكَ إلّا مَن لا يُعْتَدُّ بِهِ فَقالَ: هو إسْماعِيلُ بْنُ حُزَيْقِلَ، بَعَثَهُ اللَّهُ إلى قَوْمِهِ فَسَلَخُوا جِلْدَةَ رَأْسِهِ، فَخَيَّرَهُ اللَّهُ فِيما شاءَ مِن عَذابِهِمْ، فاسْتَعْفاهُ ورَضِيَ بِثَوابِهِ، وقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعالى في إسْماعِيلَ ﴿وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ عَلى أنَّ الرَّسُولَ لا يَجِبُ أنْ يَكُونَ صاحِبَ شَرِيعَةٍ فَإنَّ أوْلادَ إبْراهِيمَ كانُوا عَلى شَرِيعَتِهِ، وقِيلَ: إنَّهُ وصَفَهُ بِالرِّسالَةِ لِكَوْنِ إبْراهِيمَ أرْسَلَهُ إلى جُرْهُمٍ.
﴿وكانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ﴾ قِيلَ: المُرادُ بِأهْلِهِ هُنا أُمَّتُهُ، وقِيلَ: جُرْهُمٌ، وقِيلَ: عَشِيرَتُهُ كَما في قَوْلِهِ: ﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] والمُرادُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ هُنا، هُما العِبادَتانِ الشَّرْعِيَّتانِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ مَعْناهُما اللُّغَوِيُّ ﴿وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ أيْ: رَضِيًّا زاكِيًا صالِحًا.
قالَ الكِسائِيُّ والفَرّاءُ: مَن قالَ: مَرْضِيٌّ بَنى عَلى رَضِيتُ، قالا: وأهْلُ الحِجازِ يَقُولُونَ: مَرْضُوٌّ.
﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إدْرِيسَ﴾ اسْمُ إدْرِيسَ أخْنُوخُ، قِيلَ هو جَدُّ نُوحٍ، فَإنَّ نُوحًا هو ابْنُ لامِكَ بْنِ مَتُّوشَلَخَ بْنِ أخْنُوخَ، وعَلى هَذا فَيَكُونُ جَدَّ أبِي نُوحٍ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ وغَيْرُهُ، وقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذا خَطَأٌ، وامْتِناعُ إدْرِيسَ لِلْعُجْمَةِ والعَلَمِيَّةِ.
وهُوَ أوَّلُ مَن خَطَّ بِالقَلَمِ ونَظَرَ في النُّجُومِ والحِسابِ، وأوَّلُ مَن خاطَ الثِّيابَ. قِيلَ: وهو أوَّلُ مَن أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ مِن بَنِي آدَمَ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ورَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ فَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ إلى السَّماءِ الرّابِعَةِ، وقِيلَ: إلى السّادِسَةِ، وقِيلَ: إلى الثّانِيَةِ.
وقَدْ رَوى البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ الإسْراءِ وفِيهِ: ومِنهم إدْرِيسُ في الثّانِيَةِ، وهو غَلَطٌ مِن رِوايَةِ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي نَمِرٍ.
والصَّحِيحُ أنَّهُ في السَّماءِ الرّابِعَةِ كَما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ أنَسِ بْنِ مالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ.
وقِيلَ: إنَّ المُرادَ بِرَفْعِهِ مَكانًا عَلِيًّا: ما أُعْطِيَهُ مِن شَرَفِ النُّبُوَّةِ، وقِيلَ: إنَّهُ رُفِعَ إلى الجَنَّةِ.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ الإشارَةُ إلى المَذْكُورِينَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هُنا، والمَوْصُولُ صِفَتُهُ، و( ﴿مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ ) بَيانٌ لِلْمَوْصُولِ، و﴿مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ﴾ بَدَلٌ مِنهُ بِإعادَةِ الخافِضِ، وقِيلَ: إنَّ ( مِن ) في ( ﴿مِن ذُرِّيَّةِ﴾ ) آدَمَ لِلتَّبْعِيضِ ﴿ومِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ﴾ أيْ: مِن ذُرِّيَّةِ مَن حَمَلْنا مَعَهُ وهم مَن عَدا إدْرِيسَ، فَإنَّ إبْراهِيمَ كانَ مِن ذُرِّيَّةِ سامِ بْنِ نُوحٍ ﴿ومِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ﴾ وهُمُ الباقُونَ وإسْرائِيلَ أيْ: ومِن ذُرِّيَّةِ إسْرائِيلَ، ومِنهم مُوسى وهارُونُ ويَحْيى وعِيسى، وقِيلَ: إنَّهُ أرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ﴾ إدْرِيسَ وحْدَهُ، وأرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ﴾ إبْراهِيمَ وحْدَهُ، وأرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ﴾ إسْماعِيلَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ، وأرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿ومِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ وإسْرائِيلَ﴾ مُوسى وهارُونَ وزَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى ﴿ومِمَّنْ هَدَيْنا﴾ أيْ: مِن جُمْلَةِ مَن هَدَيْنا إلى الإسْلامِ ﴿واجْتَبَيْنا﴾ بِالإيمانِ ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا﴾ وهَذا خَبَرٌ لِ ( أُولَئِكَ ) ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخَبَرُ هو الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وهَذا اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ خُشُوعِهِمْ لِلَّهِ وخَشْيَتِهِمْ مِنهُ.
وقَدْ تَقَدَّمَ في سُبْحانَ بَيانُ (p-٨٩٣)مَعْنى ( ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ ): يُقالُ: بَكى يَبْكِي بُكاءً وبُكِيًّا.
قالَ الخَلِيلُ: إذا قَصَرْتَ البُكاءَ فَهو مِثْلُ الحُزْنِ أيْ: لَيْسَ مَعَهُ صَوْتٌ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎بَكَتْ عَيْنِي وحُقَّ لَها بُكاها وما يُغْنِي البُكاءُ ولا العَوِيلُ
( وسُجَّدًا ) مَنصُوبٌ عَلى الحالِ.
قالَ الزَّجّاجُ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ أنَّ الأنْبِياءَ كانُوا إذا سَمِعُوا آياتِ اللَّهِ بَكَوْا وسَجَدُوا، وقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ التِّلاوَةِ.
ولَمّا مَدَحَ هَؤُلاءِ الأنْبِياءَ بِهَذِهِ الأوْصافِ تَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ في الِاقْتِداءِ بِهِمْ وسُلُوكِ طَرِيقَتِهِمْ ذَكَرَ أضْدادَهم تَنْفِيرًا لِلنّاسِ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ فَقالَ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ أيْ: عَقِبُ سُوءٍ. قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: يُقالُ لِعَقِبِ الخَيْرِ خَلَفٌ بِفَتْحِ اللّامِ، ولِعَقِبِ الشَّرِّ خَلْفٌ بِسُكُونِ اللّامِ، وقَدْ قَدَّمْنا الكَلامَ عَلى هَذا في آخِرِ الأعْرافِ ﴿أضاعُوا الصَّلاةَ﴾ قالَ الأكْثَرُ: مَعْنى ذَلِكَ أنَّهم أخَّرُوها عَنْ وقْتِها، وقِيلَ: أضاعُوا الوَقْتَ وقِيلَ: كَفَرُوا بِها وجَحَدُوا وجُوبِها، وقِيلَ: لَمْ يَأْتُوا بِها عَلى الوَجْهِ المَشْرُوعِ.
والظّاهِرُ أنَّ مَن أخَّرَ الصَّلاةَ عَنْ وقْتِها أوْ تَرَكَ فَرْضًا مِن فُرُوضِها أوْ شَرْطًا مِن شُرُوطِها أوْ رُكْنًا مِن أرْكانِها فَقَدْ أضاعَها، ويَدْخُلُ تَحْتَ الإضاعَةِ مَن تَرَكَها بِالمَرَّةِ أوْ جَحَدَها دُخُولًا أوَّلِيًّا.
واخْتَلَفُوا فِيمَن نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ؟ فَقِيلَ: في اليَهُودِ، وقِيلَ: في النَّصارى، وقِيلَ: في قَوْمٍ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَأْتُونَ في آخِرِ الزَّمانِ، ومَعْنى ﴿واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ﴾ أيْ: فَعَلُوا ما تَشْتَهِيهِ أنْفُسُهم وتَرْغَبُ إلَيْهِ مِنَ المُحَرَّماتِ كَشُرْبِ الخَمْرِ والزِّنا ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ الغَيُّ هو الشَّرُّ عِنْدَ أهْلِ اللُّغَةِ كَما أنَّ الخَيْرَ هو الرَّشادُ.
والمَعْنى: أنَّهم سَيَلْقَوْنَ شَرًّا لا خَيْرًا، وقِيلَ: الغَيُّ الضَّلالُ، وقِيلَ: الخَيْبَةُ، وقِيلَ: هو اسْمُ وادٍ في جَهَنَّمَ، وقِيلَ: في الكَلامِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: سسَيَلْقَوْنَ جَزاءَ الغَيِّ. كَذا قالَ الزَّجّاجُ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿يَلْقَ أثامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] أيْ: جَزاءَ أثامٍ.
﴿إلّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا﴾ أيْ: تابَ مِمّا فَرَطَ مِنهُ مِن تَضْيِيعِ الصَّلَواتِ واتِّباعِ الشَّهَواتِ فَرَجَعَ إلى طاعَةِ اللَّهِ وآمَنَ بِهِ وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا، وفي هَذا الِاسْتِثْناءِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الآيَةَ في الكَفَرَةِ لا في المُسْلِمِينَ ﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ﴾ قَرَأ أبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ وابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ وأبُو عَمْرٍو ويَعْقُوبُ وأبُو بَكْرٍ ( يُدْخَلُونَ ) بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الخاءِ، وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الخاءِ ﴿ولا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ أيْ: لا يُنْقَصُ مِن أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وإنْ كانَ قَلِيلًا، فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ يُوَفِّي إلَيْهِمْ أُجُورَهم.
وانْتِصابُ ﴿جَنّاتِ عَدْنٍ﴾ عَلى البَدَلِ مِنَ الجَنَّةِ، بَدَلِ البَعْضِ لِكَوْنِ جَنّاتِ عَدْنٍ بَعْضًا مِنَ الجَنَّةِ.
قالَ الزَّجّاجُ: ويَجُوزُ ( جَنّاتُ عَدْنٍ ) بِالرَّفْعِ عَلى الِابْتِداءِ، وقُرِئَ كَذَلِكَ.
قالَ أبُو حاتِمٍ: ولَوْلا الخَطُّ لَكانَ ( جَنَّةَ عَدْنٍ ): يَعْنِي بِالإفْرادِ مَكانَ الجَمْعِ. ولَيْسَ هَذا بِشَيْءٍ، فَإنَّ الجَنَّةَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الجَنّاتِ الَّتِي هي بِمَنزِلَةِ الأنْواعِ لِلْجِنْسِ.
وقُرِئَ بِنَصْبِ الجَنّاتِ عَلى المَدْحِ، وقَدْ قُرِئَ ( جَنَّةَ ) بِالإفْرادِ ﴿الَّتِي وعَدَ الرَّحْمَنُ عِبادَهُ بِالغَيْبِ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ صِفَةٌ لِجَنّاتِ عَدْنٍ، و( بِالغَيْبِ ) في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِنَ الجَنّاتِ، أوْ مِن عِبادِهِ أيْ: مُتَلَبِّسَةً، أوْ مُتَلَبِّسِينَ بِالغَيْبِ، وقُرِئَ بِصَرْفِ عَدْنٍ، ومَنعِها عَلى أنَّها عَلَمٌ لِمَعْنى العَدْنِ وهو الإقامَةُ، أوْ عَلَمٌ لِأرْضِ الجَنَّةِ ﴿إنَّهُ كانَ وعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ أيْ: مَوْعُودُهُ عَلى العُمُومِ. فَتَدْخُلُ فِيهِ الجَنّاتُ دُخُولًا أوَّلِيًّا. قالَ الفَرّاءُ: لَمْ يَقُلْ آتِيًا؛ لِأنَّ كُلَّ ما أتاكَ فَقَدْ أتَيْتَهُ، وكَذا قالَ الزَّجّاجُ.
﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا﴾ هو الهَذَرُ مِنَ الكَلامِ الَّذِي يُلْغى ولا طائِلَ تَحْتَهُ، وهو كِنايَةٌ عَنْ عَدَمِ صُدُورِ اللَّغْوِ مِنهم، وقِيلَ: اللَّغْوُ كُلُّ ما لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ ﴿إلّا سَلامًا﴾ هو اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ أيْ: سَلامَ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ، أوْ سَلامَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمْ.
وقالَ الزَّجّاجُ: السَّلامُ اسْمٌ جامِعٌ لِلْخَيْرِ؛ لِأنَّهُ يَتَضَمَّنُ السَّلامَةَ، والمَعْنى: أنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لا يَسْمَعُونَ ما يُؤْلِمُهم وإنَّما يَسْمَعُونَ ما يُسَلِّمُهم ﴿ولَهم رِزْقُهم فِيها بُكْرَةً وعَشِيًّا﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: لَيْسَ في الجَنَّةِ بُكْرَةٌ ولا عَشِيَّةٌ، ولَكِنَّهم يُؤْتَوْنَ رِزْقَهم عَلى مِقْدارِ ما يَعْرِفُونَ مِنَ الغَداءِ والعَشاءِ.
﴿تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِن عِبادِنا مَن كانَ تَقِيًّا﴾ أيْ: هَذِهِ الجَنَّةُ الَّتِي وصَفْنا أحْوالَها نُورِثُها مَن كانَ مِن أهْلِ التَّقْوى كَما يَبْقى عَلى الوارِثِ مالُ مَوْرُوثِهِ.
قَرَأ يَعْقُوبُ ( نُوَرِّثُ ) بِفَتْحِ الواوِ وتَشْدِيدِ الرّاءِ، وقَرَأ الباقُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وقِيلَ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: نُورِثُ مَن كانَ تَقِيًّا مِن عِبادِنا.
وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ قالَ: النَّبِيُّ الَّذِي يُكَلَّمُ ويُنَزَّلُ عَلَيْهِ ولا يُرْسَلُ، ولَفْظُ ابْنِ أبِي حاتِمٍ: الأنْبِياءُ الَّذِينَ لَيْسُوا بِرُسُلٍ يُوحى إلى أحَدِهِمْ ولا يُرْسَلُ إلى أحَدٍ. والرُّسُلُ: الأنْبِياءُ الَّذِينَ يُوحى إلَيْهِمْ ويُرْسَلُونَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ قالَ: جانِبِ الجَبَلِ الأيْمَنِ ﴿وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ قالَ: نَجا بِصِدْقِهِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أبِي العالِيَةِ قالَ: قَرَّبَهُ حَتّى سَمِعَ صَرِيفَ القَلَمِ، ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ قالَ: حَتّى سَمِعَ صَرِيفَ القَلَمِ يَكْتُبُ في اللَّوْحِ. وأخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ووَهَبْنا لَهُ مِن رَحْمَتِنا أخاهُ هارُونَ﴾ قالَ: كانَ هارُونُ أكْبَرَ مِن مُوسى، ولَكِنْ إنَّما وهَبَ لَهُ نُبُوَّتَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ورَفَعْناهُ مَكانًا عَلِيًّا﴾ قالَ: كانَ إدْرِيسُ خَيّاطًا، وكانَ لا يَغْرِزُ غُرْزَةً إلّا قالَ: سُبْحانَ اللَّهِ، وكانَ يُمْسِي حِينَ يُمْسِي ولَيْسَ عَلى الأرْضِ أفْضَلُ عَمَلًا مِنهُ، فاسْتَأْذَنَ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ رَبَّهُ فَقالَ: يا رَبِّ ائْذَنْ لِي فَأهْبِطُ إلى إدْرِيسَ، فَأذِنَ لَهُ فَأتى إدْرِيسَ فَقالَ: إنِّي جِئْتُكَ لِأخْدُمَكَ، قالَ: كَيْفَ تَخْدُمُنِي وأنْتَ مَلَكٌ وأنا إنْسانٌ ؟ ثُمَّ قالَ إدْرِيسُ: هَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَ مَلَكِ المَوْتِ شَيْءٌ ؟ قالَ المَلَكُ: ذاكَ أخِي مَنِ المَلائِكَةِ، قالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَنْفَعَنِي ؟ قالَ: أمّا يُؤَخِّرُ شَيْئًا أوْ يُقَدِّمُهُ فَلا، ولَكِنْ سَأُكَلِّمُهُ لَكَ فَيَرْفُقُ بِكَ عِنْدَ المَوْتِ، فَقالَ: ارْكَبْ بَيْنَ جَناحِي، فَرَكِبَ إدْرِيسُ فَصَعِدَ إلى (p-٨٩٤)السَّماءِ العُلْيا فَلَقِيَ مَلَكَ المَوْتِ وإدْرِيسُ بَيْنَ جَناحَيْهِ، فَقالَ لَهُ المَلَكُ: إنَّ لِي إلَيْكَ حاجَةً، قالَ: عَلِمْتُ حاجَتَكَ تُكَلِّمُنِي في إدْرِيسَ، وقَدْ مُحِيَ اسْمُهُ مِنَ الصَّحِيفَةِ فَلَمْ يَبْقَ مِن أجَلِهِ إلّا نِصْفُ طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَماتَ إدْرِيسُ بَيْنَ جَناحَيِ المَلَكِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المَصاحِفِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: سَألْتُ كَعْبًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ، فَهَذا هو مِنَ الإسْرائِيلِيّاتِ الَّتِي يَرْوِيها كَعْبٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: رُفِعَ إدْرِيسُ إلى السَّماءِ السّادِسَةِ.
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ قالَ: حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ مالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «لَمّا عُرِجَ بِي رَأيْتُ إدْرِيسَ في السَّماءِ الرّابِعَةِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في الآيَةِ قالَ: رُفِعَ إدْرِيسُ كَما رُفِعَ عِيسى ولَمْ يَمُتْ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: إدْرِيسُ هو إلْياسُ. وحَسَّنَهُ السُّيُوطِيُّ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ إلى آخِرِهِ، قالَ: هَذِهِ تَسْمِيَةُ الأنْبِياءِ الَّذِينَ ذَكَرَهم، أمّا مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ: فَإدْرِيسُ ونُوحٌ، وأمّا مَن حُمِلَ مَعَ نُوحٍ فَإبْراهِيمُ، وأمّا ذُرِّيَّةُ إبْراهِيمَ: فَإسْماعِيلُ، وإسْحاقُ، ويَعْقُوبُ، وأمّا ذُرِّيَّةُ إسْرائِيلَ: فَمُوسى، وهارُونُ، وزَكَرِيّا، ويَحْيى، وعِيسى.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ قالَ: هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في الآيَةِ قالَ: هم مِن هَذِهِ الأُمَّةِ يَتَراكَبُونَ في الطُّرُقِ كَما تَراكَبُ الأنْعامُ لا يَسْتَحْيُونَ مِنَ النّاسِ، ولا يَخافُونَ مِنَ اللَّهِ في السَّماءِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿أضاعُوا الصَّلاةَ﴾ قالَ: لَيْسَ إضاعَتُها تَرْكَها قَدْ يُضَيِّعُ الإنْسانُ الشَّيْءَ ولا يَتْرُكُهُ، ولَكِنَّ إضاعَتَها إذا لَمْ يُصَلِّها لِوَقْتِها.
وأخْرَجَ أحْمَدُ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وتَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ﴾ الآيَةَ، قالَ: يَكُونُ خَلْفٌ مِن بَعْدِ سِتِّينَ سَنَةً أضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ثُمَّ يَكُونُ خَلْفٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لا يَعْدُو تَراقِيَهم، ويَقْرَأُ القُرْآنَ ثَلاثَةٌ: مُؤْمِنٌ، ومُنافِقٌ، وفاجِرٌ» .
وأخْرَجَ أحْمَدُ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: «سَيَهْلِكُ مِن أُمَّتِي أهْلُ الكِتابِ وأهْلُ اللَّبَنِ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما أهْلُ الكِتابِ ؟ قالَ: قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ الكِتابَ يُجادِلُونَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا، قُلْتُ: ما أهْلُ اللَّبَن ؟ قالَ: قَوْمٌ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ ويُضَيِّعُونَ الصَّلَواتِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ «عَنْ عائِشَةَ أنَّها كانَتْ تُرْسِلُ بِالصَّدَقَةِ لِأهْلِ الصَّدَقَةِ وتَقُولُ: لا تُعْطُوا مِنها بَرْبَرِيًّا ولا بَرْبَرِيَّةً، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: هُمُ الخَلْفُ الَّذِينَ قالَ اللَّهُ ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ قالَ: خُسْرًا.
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وهَنّادُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في البَعْثِ مِن طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ قالَ: الغَيُّ نَهْرٌ أوْ وادٍ في جَهَنَّمَ مِن قَيْحٍ بَعِيدُ القَعْرِ خَبِيثُ الطَّعْمِ، يُقْذَفُ فِيهِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ.
وقَدْ قالَ بِأنَّهُ وادٍ في جَهَنَّمَ البَراءُ بْنُ عازِبٍ. ورَوى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرانِيُّ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ، عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: «ولَوْ أنَّ صَخْرَةً زِنَةَ عَشْرِ أواقٍ قُذِفَ بِها مِن شَفِيرِ جَهَنَّمَ ما بَلَغَتْ قَعْرَها سَبْعِينَ خَرِيفًا، ثُمَّ تَنْتَهِي إلى غَيٍّ وأثامٍ، قُلْتُ: وما غَيٌّ وأثامٌ ؟ قالَ: نَهْرانِ في أسْفَلِ جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِما صَدِيدُ أهْلِ النّارِ، وهُما اللَّذانِ ذَكَرَ اللَّهُ في كِتابِهِ ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثامًا﴾» [الفرقان: ٦٨]، وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «الغَيُّ وادٍ في جَهَنَّمَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ في قَوْلِهِ: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا﴾ قالَ: باطِلًا.
وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أيْضًا في قَوْلِهِ: ﴿بُكْرَةً وعَشِيًّا﴾ قالَ: يُؤْتَوْنَ بِهِ في الآخِرَةِ عَلى مِقْدارِ ما كانُوا يُؤْتَوْنَ بِهِ في الدُّنْيا.
وأخْرَجَ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ في نَوادِرِ الأُصُولِ مِن طَرِيقِ أبانٍ، عَنِ الحَسَنِ وأبِي قِلابَةَ قالا: «قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ في الجَنَّةِ مِن لَيْلٍ ؟ قالَ: وما هَيَّجَكَ عَلى هَذا ؟ قالَ: سَمِعْتُ اللَّهَ يَذْكُرُ في الكِتابِ: ﴿ولَهم رِزْقُهم فِيها بُكْرَةً وعَشِيًّا﴾ فَقُلْتُ: اللَّيْلُ مِنَ البُكْرَةِ والعَشِيِّ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: لَيْسَ هُناكَ لَيْلٌ، وإنَّما هو ضَوْءٌ ونُورٌ، يَرُدُّ الغُدُوَّ عَلى الرَّواحِ والرَّواحَ عَلى الغُدُوِّ، تَأْتِيهِمْ طُرَفُ الهَدايا مِنَ اللَّهِ لِمَواقِيتِ الصَّلاةِ الَّتِي كانُوا يُصَلُّونَ فِيها في الدُّنْيا، وتُسَلِّمُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «ما مِن غَداةٍ مِن غَدَواتِ الجَنَّةِ، وكُلُّ الجَنَّةِ غَدَواتٌ، إلّا أنَّهُ يُزَفُّ إلى ولِيِّ اللَّهِ فِيها زَوْجَةٌ مِنَ الحُورِ العِينِ وأدْناهُنَّ الَّتِي خُلِقَتْ مِنَ الزَّعْفَرانِ» قالَ بَعْدَ إخْراجِهِ قالَ أبُو مُحَمَّدٍ: هَذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
{"ayahs_start":51,"ayahs":["وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مُوسَىٰۤۚ إِنَّهُۥ كَانَ مُخۡلَصࣰا وَكَانَ رَسُولࣰا نَّبِیࣰّا","وَنَـٰدَیۡنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلۡأَیۡمَنِ وَقَرَّبۡنَـٰهُ نَجِیࣰّا","وَوَهَبۡنَا لَهُۥ مِن رَّحۡمَتِنَاۤ أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِیࣰّا","وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ إِسۡمَـٰعِیلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولࣰا نَّبِیࣰّا","وَكَانَ یَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِیࣰّا","وَٱذۡكُرۡ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ إِدۡرِیسَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّیقࣰا نَّبِیࣰّا","وَرَفَعۡنَـٰهُ مَكَانًا عَلِیًّا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مِن ذُرِّیَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحࣲ وَمِن ذُرِّیَّةِ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَمِمَّنۡ هَدَیۡنَا وَٱجۡتَبَیۡنَاۤۚ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدࣰا وَبُكِیࣰّا ۩","۞ فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ ٰتِۖ فَسَوۡفَ یَلۡقَوۡنَ غَیًّا","إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا یُظۡلَمُونَ شَیۡـࣰٔا","جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِی وَعَدَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِیࣰّا","لَّا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَـٰمࣰاۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِیهَا بُكۡرَةࣰ وَعَشِیࣰّا","تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِی نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِیࣰّا"],"ayah":"تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِی نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق