الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وما كانَ مُنْتَصِرًا﴾ ﴿هُنالِكَ الوَلايَةُ لِلَّهِ الحَقِّ هو خَيْرٌ ثَوابًا وخَيْرٌ عُقْبا﴾ .
اعْلَمْ أنَّ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: قِراءاتٌ سَبْعِيَّةٌ، وأقْوالًا لِعُلَماءِ التَّفْسِيرِ، بَعْضُها يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ، وقَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ أنَّ الآيَةَ قَدْ تَكُونُ فِيها مَذاهِبُ العُلَماءِ، يَشْهَدُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنها قُرْآنٌ، فَنَذْكُرُ الجَمِيعَ وأدِلَّتَهُ في القُرْآنِ. فَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ﴾ [الكهف: ٤٣]، قَرَأهُ السَّبْعَةُ ما عَدا حَمْزَةَ والكِسائِيَّ بِالتّاءِ المُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ، وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: ”وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِئَةٌ“ بِالياءِ المُثَنّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وقَوْلَـهُ: ﴿الوَلايَةُ لِلَّهِ الحَقِّ﴾ [الكهف: ٤٤]، قَرَأهُ السَّبْعَةُ (p-٢٧٩)ما عَدا حَمْزَةَ والكِسائِيَّ أيْضًا ”الوَلايَةُ“ بِفَتْحِ الواوِ، وقَرَأهُ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِكَسْرِ الواوِ، وقَوْلَهُ ”الحَقِّ“ قَرَأهُ السَّبْعَةُ ما عَدا أبا عَمْرٍو والكِسائِيَّ بِالخَفْضِ نَعْتا ”لِلَّهِ“، وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو والكِسائِيُّ بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِلْوَلايَةِ، فَعَلى قِراءَةِ مَن قَرَأ ”الوَلايَةُ لِلَّهِ“ بِفَتْحِ الواوِ فَإنَّ مَعْناها: المُوالاةُ والصِّلَةُ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فَفي مَعْنى الآيَةِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ مَعْنى ﴿هُنالِكَ الوَلايَةُ لِلَّهِ﴾، أيْ: في ذَلِكَ المَقامِ، وتِلْكَ الحالِ تَكُونُ الوَلايَةُ مِن كُلِّ أحَدٍ لِلَّهِ؛ لِأنَّ الكافِرَ إذا رَأى العَذابَ رَجَعَ إلى اللَّهِ، وعَلى هَذا المَعْنى فالآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا رَأوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ [غافر: ٨٤]، وقَوْلِـهِ في فِرْعَوْنَ: ﴿حَتّى إذا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنتُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرائِيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ ﴿آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٩٠ - ٩١]، ونَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الوَلايَةَ في مِثْلِ ذَلِكَ المَقامِ وتِلْكَ الحالِ لِلَّهِ وحْدَهُ، فَيُوالِي فِيهِ المُسْلِمِينَ ولايَةَ رَحْمَةٍ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ ولِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢٥٧]، وقَوْلِـهِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١]، ولَهُ عَلى الكافِرِينَ ولايَةُ المُلْكِ والقَهْرِ، كَما في قَوْلِهِ: ﴿وَرُدُّوا إلى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٣٠]، وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ فالوِلايَةُ بِالكَسْرِ بِمَعْنى المُلْكِ والسُّلْطانِ، والآيَةُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ؛ كَقَوْلِهِ: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ [غافر: ١٦]، وقَوْلِـهِ: ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ [الفرقان: ٢٦]، وقَوْلِـهِ: ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ [الحج: ٥٦]، وعَلى قِراءَةِ ”الحَقِّ“ بِالجَرِّ نَعْتًا لِلَّهِ، فالآيَةُ كَقَوْلِهِ: ﴿وَرُدُّوا إلى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ﴾ الآيَةَ [الكهف: ٤٤]، وقَوْلِـهِ: ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ﴾ الآيَةَ [يونس: ٣٢]، وقَوْلِـهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ ويَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ المُبِينُ﴾ [النور: ٢٥]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ، وعَلى قِراءَةِ ”الحَقُّ“ بِالرَّفْعِ نَعْتًا لِلْوَلايَةِ، عَلى أنَّ الوَلايَةَ بِمَعْنى المُلْكِ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ .
وَما ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا عَنْ هَذا الكافِرِ: مِن أنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مَن دُونِ اللَّهِ ذَكَرَ نَحْوَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الكُفّارِ، كَقَوْلِهِ في قارُونَ: ﴿فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأرْضَ فَما كانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: ٨١]، (p-٢٨٠)وَقَوْلِـهِ: ﴿فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ﴾ [الطارق: ١٠]، والآياتُ بِمِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ جِدًّا. وقَوْلُهُ: هُنالِكَ، قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: هو مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدَهُ، والوَقْفُ تامٌّ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وَما كانَ مُنْتَصِرًا﴾، وقالَ بَعْضُهم: هو مُتَعَلِّقٌ بِما قَبْلَهُ، فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ فالظَّرْفُ الَّذِي هو ”هُنالِكَ“ عامِلُهُ ما بَعْدَهُ، أيِ: الوَلايَةُ كائِنَةٌ لِلَّهِ هُنالِكَ. وعَلى الثّانِي فالعامِلُ في الظَّرْفِ اسْمُ الفاعِلِ الَّذِي هو ”مُنْتَصِرًا“ أيْ: لَمْ يَكُنِ انْتِصارُهُ واقِعًا هُنالِكَ. وقَوْلُهُ: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوابًا﴾، أيْ: جَزاءً كَما تَقَدَّمَ، وقَوْلُهُ ”عُقْبًا“ أيْ: عاقِبَةً ومَآلًا، وقَرَأهُ السَّبْعَةُ ما عَدا عاصِمًا وحَمْزَةَ ”عُقُبًا“ بِضَمَّتَيْنِ. وقِراءَةُ عاصِمٍ وحَمْزَةَ ”عُقْبًا“ بِضَمِّ العَيْنِ وسُكُونِ القافِ والمَعْنى واحِدٌ. وقَوْلُهُ ”ثَوابًا“ وقَوْلُهُ ”عُقْبًا“ كِلاهُما مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ بَعْدَ صِيغَةِ التَّفْضِيلِ الَّتِي هي ”خَيْرٌ“ كَما قالَ في الخُلاصَةِ:
؎والفاعِلَ المَعْنى انْصِبَنْ بِأفْعَلا مُفَضِّلًا كَأنْتَ أعْلى مَنزِلًا
وَلَفْظَةُ خَيْرٍ وشَرٍّ كِلْتاهُما تَأْتِي صِيغَةَ تَفْضِيلٍ حُذِفَتْ مِنها الهَمْزَةُ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ، قالَ ابْنُ مالِكٍ في الكافِيَةِ:
؎وَغالِبًا أغْناهم خَيْرٌ وشَرٌّ ∗∗∗ عَنْ قَوْلِهِمْ أُخَرُ مِنهُ وأشَّرُ
* * *
* تَنْبِيهٌ
قَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: فِئَةٌ مَحْذُوفٌ مِنهُ حَرْفٌ بِلا خِلافٍ، إلّا أنَّ العُلَماءَ اخْتَلَفُوا في الحَرْفِ المَحْذُوفِ. هَلْ هو ياءٌ أوْ واوٌ، وهَلْ هو العَيْنُ أوِ اللّامُ ؟ قالَ بَعْضُهم: المَحْذُوفُ العَيْنُ، وأصْلُهُ ياءٌ. وأصْلُ المادَّةِ ف ي أ، مِن فاءَ يَفِيءُ: إذا رَجَعَ؛ لِأنَّ فِئَةَ الرَّجُلِ طائِفَتُهُ الَّتِي يَرْجِعُ إلَيْها في أُمُورِهِ، وعَلى هَذا فالتّاءُ عِوَضٌ عَنِ العَيْنِ المَحْذُوفَةِ، ووَزْنُهُ بِالمِيزانِ الصَّرْفِيِّ ”فِلَةٌ“ وقالَ بَعْضُهم: المَحْذُوفُ اللّامِ، وأصْلُهُ واوٌ، مِن فَأوْتُ رَأْسَهُ: إذا شَقَقْتَهُ نِصْفَيْنِ، وعَلَيْهِ فالفِئَةُ الفِرْقَةُ مِنَ النّاسِ. وعَلى هَذا فَوَزْنُهُ بِالمِيزانِ الصَّرْفِيِّ ”فِعَةٌ“ والتّاءُ عِوَضٌ عَنِ اللّامِ، وكِلا القَوْلَيْنِ نَصَرَهُ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةࣱ یَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق