الباحث القرآني
﴿خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ بَيانٌ لِبَعْضٍ آخَرَ مِن أفْعالِهِ الدّالَّةِ عَلى ما ذُكِرَ، وتَرْكِ عَطْفِهِ عَلى خَلْقِ السَّماواتِ لِلْإيذانِ بِاسْتِقْلالِهِ في الدِّلالَةِ، ولِتَعَلُّقِهِ بِالعالَمِ السُّفْلِيِّ، والبَداءَةِ بِخَلْقِ الإنْسانِ لِعَراقَتِهِ في الدِّلالَةِ لِما فِيهِ مِن تَعاجِيبِ آثارِ القُدْرَةِ، وأسْرارِ الحِكْمَةِ، وأصالَتِهِ في المَعْرِفَةِ، فَإنَّ الإنْسانَ بِحالِ نَفْسِهِ أعْرَفُ. والمُرادُ بِـ "النَّفْسِ" نَفْسُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنها زَوْجَها﴾ عَطْفٌ عَلى مَحْذُوفٍ هو صِفَةٌ لِنَفْسٍ، أيْ: مِن نَفْسٍ خَلَقَها، ثُمَّ جَعَلَ مِنها زَوْجَها. أوْ عَلى مَعْنى واحِدَةٍ، أيْ: مِن نَفْسٍ وحَّدَتْ، ثُمَّ جَعَلَ مِنها زَوْجَها فَشَفَعَها. أوْ عَلى خَلْقِكم لِتَفاوُتِ ما بَيْنَهُما في الدَّلالَةِ فَإنَّهُما وإنْ كانَتا آيَتَيْنِ دالَّتَيْنِ عَلى ما ذُكِرَ. لَكِنَّ الأُولى لِاسْتِمْرارِها صارَتْ مُعْتادَةً، وأمّا الثّانِيَةُ فَحَيْثُ لَمْ تَكُنْ مُعْتادَةً خارِجَةً عَنْ قِياسِ الأُولى، كَما يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ عَنْها بِالجَعْلِ دُونَ الخَلْقِ، كانَتْ أدْخَلَ في كَوْنِها آيَةً. وأجْلَبَ لِلتَّعَجُّبِ مِنَ السّامِعِ، فَعُطِفَتْ عَلى الأُولى بِـ "ثُمَّ" دَلالَةً عَلى مُبايَنَتِها لَها فَضْلًا ومَزِيَّةٍ، وتَراخِيها عَنْها فِيما يَرْجِعُ إلى زِيادَةِ كَوْنِها آيَةً، فَهو مِنَ التَّراخِي في الحالِ والمَنزِلَةِ. وقِيلَ: أخْرَجَ ذَرِّيَّةَ آدَمَ مِن ظَهْرِهِ كالذَّرِّ، ثُمَّ خَلَقَ مِنهُ حَوّاءَ. فَفِيهِ ثَلاثُ آياتٍ مُتَرَتِّبَةٍ خَلْقُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِلا أبٍ وأُمٍّ، وخَلْقُ حَوّاءَ مِن قُصَيْراهُ، ثُمَّ تَشْعِيبُ الخَلْقِ الفائِتِ لِلْحَصْرِ مِنهُما. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْزَلَ لَكُمْ﴾ بَيانٌ لِبَعْضٍ آخَرَ مِن أفْعالِهِ الدّالَّةِ عَلى ما ذُكِرَ، أيْ: قَضى، أوْ قَسَمَ لَكم. فَإنَّ قَضاياهُ وقَسْمَهُ تُوصَفُ بِالنُّزُولِ مِنَ السَّماءِ حَيْثُ تُكْتَبُ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، أوْ أحْدَثَ لَكم بِأسْبابٍ نازِلَةٍ مِنَ السَّماءِ كالأمْطارِ وأشِعَّةِ الكَواكِبِ.
﴿مِنَ الأنْعامِ ثَمانِيَةَ أزْواجٍ﴾ ذَكَرًا وأُنْثى: هي الإبِلُ والبَقَرُ والضَّأْنُ والمَعْزِ. وقِيلَ: خَلَقَها في الجَنَّةِ ثُمَّ أنْزَلَها. وتَقْدِيمُ الظَّرْفَيْنِ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِما مَرَّ مِرارًا مِنَ الِاعْتِناءِ بِما قَدَّمَ والتَّشْوِيقِ إلى ما أخَّرَ، فَإنَّ كَوْنَ الإنْزالِ لِمَنافِعِهِمْ، وكَوْنَهُ مِنَ الجِهَةِ العالِيَةِ مِنَ الأُمُورِ المُهِمَّةِ المَشُوفَةِ إلى ما أُنْزِلُ لا مَحالَةَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَخْلُقُكم في بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ كَيْفِيَّةِ خَلْقِهِمْ، وأطْوارِهِ المُخْتَلِفَةِ الدّالَّةِ عَلى القُدْرَةِ الباهِرَةِ. وصِيغَةُ المُضارِعِ الدَّلالَةُ عَلى التَّدَرُّجِ والتَّجَدُّدِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ﴾ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ، أيْ: يَخْلُقُكم فِيها خَلْقًا كائِنًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ، أيْ: خَلْقًا مُدَرَّجًا حَيَوانًا سَوِيًّا مِن بَعْدِ عِظامٍ مَكْسُوَّةٍ لَحْمًا مِن بَعْدِ عِظامٍ عارِيَةٍ مِن بَعْدِ مُضَعٍ مُخَلَّقَةٍ، مِن بَعْدِ مُضَغٍ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ، مِن بَعْدِ عَلَقَةٍ، مِن بَعْدِ نُطْفَةٍ.
﴿فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ﴾ مُتَعَلِّقِ بِيَخْلُقُكُمْ، وهي ظُلْمَةُ البَطْنِ وظُلْمَةُ الرَّحِمِ وظُلْمَةُ المَشِيمَةِ، أوْ ظُلْمَةُ الصُّلْبِ والبَطْنِ والرَّحِمِ.
﴿ذَلِكُمُ﴾ إشارَةٌ إلَيْهِ تَعالى بِاعْتِبارِ أفْعالِهِ المَذْكُورَةِ، وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإيذانِ بِبُعْدِ مَنزِلَتِهِ تَعالى في العَظَمَةِ والكِبْرِياءِ. ومَحَلُّهُ الرَّفْعُ عَلى الِابْتِداءِ، أيْ: ذَلِكُمُ العَظِيمُ الشَّأْنِ الَّذِي عَدَدْتُ أفْعالَهُ.
﴿اللَّهُ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَبُّكُمْ﴾ خَبَرٌ آخَرُ، أيْ: مُرْبِبُكم فِيما ذُكِرَ مِنَ الأطْوارِ، وفِيما بَعْدَها، ومالِكُمُ المُسْتَحِقُّ لِتَخْصِيصِ العِبادَةِ بِهِ.
﴿لَهُ المُلْكُ﴾ عَلى الإطْلاقِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ شَرِكَةٌ في ذَلِكَ بِوَجْهٍ (p-244)مِنَ الوُجُوهِ. والجُمْلَةُ خَبَرٌ آخَرُ، وكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا إلَهَ إلا هُوَ﴾ . و "الفاءُ" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنّى تُصْرَفُونَ﴾ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما ذُكِرَ مِن شُؤُونِهِ تَعالى، أيْ: فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ عِبادَتِهِ تَعالى مَعَ وُفُورِ مُوجِباتِها ودَواعِيها، وانْتِفاءِ الصّارِفِ عَنْها بِالكُلِّيَّةِ إلى عِبادَةِ غَيْرِهِ مِن غَيْرِ داعٍ إلَيْها مَعَ كَثْرَةِ الصَّوارِفِ عَنْها ؟ !
{"ayah":"خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ ثَمَـٰنِیَةَ أَزۡوَ ٰجࣲۚ یَخۡلُقُكُمۡ فِی بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ خَلۡقࣰا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقࣲ فِی ظُلُمَـٰتࣲ ثَلَـٰثࣲۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق