الباحث القرآني

وقوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها قيل: «ثُمَّ» هنا: لترتيب الإخْبَارِ لا لترتِيبِ الوُجُودِ [[في (ثمّ) هذه أوجه: «أحدها» : أنها على بابها من الترتيب بمهلة، وذلك أنه يروى أنه تعالى أخرجنا من ظهر آدم كالذّر ثم خلق حوّاء بعد ذلك بزمان. «الثاني» : أنها على بابها أيضا، ولكن لمدرك آخر وهو أن يعطف بها ما بعدها على ما فهم من الصفة في قوله «واحدة» إذ التقدير من نفس وحدت أي: انفردت ثم جعل منها زوجها. «الثالث» : إنها للترتيب في الإخبار لا في الزمان الوجودي كأنه قيل: كان من أمرها قبل ذلك أن جعل منها زوجها. ينظر: «الدر المصون» (6/ 5- 6) .]] ، وقيل: قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ: هو أخذ الذريةَ مِن ظهر آدم، وذلك شيءٌ كان قبل خلق حَوَّاءَ، ت: وهذا يحتاج إلى سندٍ قاطعٍ. وقوله سبحانه: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ قالت فرقة: الأولى هي ظَهْرُ الأَبِ، ثم رَحِمُ الأمِّ، ثم المَشِيمَةُ في البَطْن، وقال مجاهد وغيره: هي المَشِيمَةُ والرَّحِمُ والبَطْنُ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 615) برقم: (30069) عن عكرمة، و (30071) عن ابن عبّاس، و (30072) عن مجاهد، وبرقم: (30073) عن قتادة، وبرقم: (30074) عن السدي، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 72) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 520) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 46) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 603) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة، ولعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد.]] ، وهذه الآياتُ كلُّها فيها عِبَرٌ وتنبيهٌ على تَوْحِيدِ الخالِق الذَّي لاَ يَسْتَحِقُّ العبادةَ غَيْرُهُ وتوهينٌ لأمْرِ الأصنام. وقوله سبحانه: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ... الآية، قال ابن عبّاس: هذه هذه الآيةُ مخاطبَةٌ للكفارِ [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 617) برقم: (30079) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 520) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 604) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الأسماء والصفات» .]] ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 521) .]] : وتحتملُ أن تكونَ مخاطبةً لجميع الناس، لأن اللَّهَ سبحانه غنيٌّ عَن جميعِ الناسِ، وهم فقراءُ إليه، واخْتَلَفَ المتأولونَ مِن أهْلِ السنةِ في تأويل قوله تعالى: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ فقالت فرقة: «الرِّضا» بمعنى الإرادَةِ، والكلامُ ظاهرُه العمومُ، ومعناه الخصوصُ فيمن قَضَى اللَّهُ له بالإيمان، وحتَّمَهُ له، فعبادُه على هذا ملائكتُهُ ومؤمِنو الإنْسِ والجِنِّ، وهذا يتركَّبُ على قول ابن عباس [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 521) .]] ، وقالت فرقة: الكلامُ عُمُومٌ صحيحٌ، والكُفْرُ يقعُ مِمَّنْ يَقَعُ بإرادَةِ اللَّهِ تعالى، إلا أنه بَعْدَ وُقُوعِهِ لاَ يَرْضَاهُ دِيناً لهم، ومعنى لا يرضاه: لا يشكرُه لهُمْ، ولا يثيبهم به خيرا، فالرضا: على هذا هو صفةُ فِعْلٍ بمعنى القَبُولِ، ونحوِه، وتأمَّلِ الإرَادَةَ فإنما هي حقيقةٌ فيما لَمْ يَقَعْ بَعْدُ، والرِّضا، فإنما هُو حقيقةٌ فِيمَا قَدْ وَقَعَ، واعْتَبِرْ هذا في/ آيات القرآن تجِدْهُ، وإنْ كانت العربُ قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوُّز هذا بَدَلَ هذا. وقوله تعالى: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ عمومٌ، والشكرُ الحقيقيُّ في ضِمْنِهِ الإيمانُ، قال النوويُّ: وَرُوِّينَا في «سُنَنِ أبي دَاوُدَ» عن أبي سعيد الخدريّ، أن رسول الله ﷺ قال: «من قال: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبّاً وبِالإسْلاَمِ دينا وبمحمّد ﷺ رسولا، وجبت له الجنّة» [[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1/ 518) كتاب «الدعاء» . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.]] انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب