الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"أولئك"، هؤلاء الصابرون، الذين وصفهم ونَعتهم -"عليهم"، يعني: لَهم،"صلوات"، يعني: مغفرة."وصلوات الله" على عباده، غُفرانه لعباده، كالذي روي عن النبي ﷺ أنه قال: ٢٣٢٨-"اللهم صَلِّ على آل أبي أوْفى". [[الحديث: ٢٣٢٨- هو جزء من حديث صحيح. رواه البخاري ٣: ٢٨٦ (من الفتح) . ومسلم ١: ٢٩٧- كلاهما من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن أبي أوفى قال، "كان رسول الله ﷺ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم، فأتاه أبي أبو أوفى بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى". قال الحافظ: "يريد أبا أوفى نفسه، لأن الآل يطلق على ذات الشيء. . . وقيل لا يقال ذلك إلا في حق الرجل الجليل القدر". وهذه فائدة نفيسة، من الحافظ ابن حجر، رحمه الله.]] * * * يعني: اغفر لَهم. وقد بينا"الصلاة" وما أصلها في غير هذا الموضع. [[انظر ما سلف ١: ٢٤٢ / ثم ٢: ٥٠٥ / ثم ٢: ٣٧، ٢١٣، ٢١٤.]] وقوله:"ورحمة"، يعني: ولهُم مع المغفرة، التي بها صَفح عن ذنوبهم وتغمَّدها، رحمة من الله ورأفة. ثم أخبر تعالى ذكره -مع الذي ذكر أنه مُعطيهم على اصطبارهم على محنه، تسليمًا منهم لقضائه، من المغفرة والرحمة- أنهم هم المهتدون، المصيبون طريق الحقّ، والقائلون مَا يُرْضى عنهم والفاعلون ما استوجبوا به من الله الجزيل من الثواب. وقد بينا معنى"الاهتداء"، فيما مضى، فإنه بمعنى الرشد للصواب. [[انظر ما سلف ١: ١٦٦-١٧٠، ٢٣٠، ٢٤٩، ٥٤٩-٥٥١ / ثم ٢: ٢١١/ ثم هذا الجزء ٣: ١٠١، ١٤٠، ١٤١.]] * * * وبمعنى ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:"الذين إذا أصابتهم مُصيبه قالوا إنا لله وإنا إليه رَاجعون أولئكَ عليهم صَلوات من ربهم وَرحمه وأولئك هم المهتلون" قال، أخبر الله أنّ المؤمن إذا سَلّم الأمرَ إلى الله، ورَجع واسترْجع عند المصيبة، كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاةُ من الله، والرحمة، وتحقيق سَبيل الهدى. وقال رسول الله ﷺ: مَن استرْجع عند المصيبة، جبر الله مُصيبته، وأحسن عُقباه، وَجعل له خَلفًا صالحًا يرضاه. [[الحديث: ٢٣٢٩- ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٢: ٣٣٠-٣٣١، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه علي بن أبي طلحة، وهو ضعيف". وذكره السيوطي في الدر المنثور ١: ١٥٦، وزاد نسبته لابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان. وعلي بن أبي طلحة: سبق في: ١٨٣٣ أنه ثقة، وأن علة هذا الإسناد -وهو كثير الدوران في تفسير الطبري-: انقطاعه، لأن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، ولم يره.]] ٢٣٣٠- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"أولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمة"، يقول: الصلوات والرحمة على الذين صبروا واسترجعوا. ٢٣٣١- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان العُصفُريّ، عن سعيد بن جبير قال: مَا أعطِيَ أحدٌ ما أعطيت هذه الأمة:"الذينَ إذا أصابتهم مصيبه قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صَلواتٌ من رَبهم وَرحمة"، ولو أعطيها أحدٌ لأعطيها يعقوب عليه السلام، ألم تسمعْ إلى قوله: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ [سورة يوسف: ٨٤] . [[الخبر: ٢٣٣١- سفيان العصفري: هو سفيان بن زياد العصفري، وهو ثقة، وثقه ابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة. مترجم في التهذيب ٤: ١١١، برقم: ١٩٨. وابن أبي حاتم ٢/١/٢٢١، برقم: ٩٦٦. والكبير للبخاري ٢/٢/٩٣، برقم: ٢٠٧٦، لكن لم يذكر نسبته"العصفري". وهو يشتبه على كثير من العلماء بآخر، هو"سفيان بن دينار، أبو الورقاء الأحمري". فقد ترجمه ابن أبي حاتم ٢/١/٢٢٠-٢٢١، برقم: ٦٩٥، وثبت في بعض نسخه زيادة"العصفري" في نسبته. والبخاري ترجم"الأحمري" ٢/٢/٩٢، برقم: ٢٠٧٣. ولم يذكر فيه"العصفري" أيضًا. وترجم في التهذيب ٤: ١٠٩، برقم: ١٩٣- مع شيء من التخليط في الترجمتين، يظهر بالتأمل. ومع هذا التخليط فقد رجح الحافظ أنهما اثنان، وقال في ترجمة"سفيان بن دينار"-: "والتحقيق فيه: أن سفيان بن دينار التمار هذا، يقال له: العصفري، أيضًا، وأن سفيان بن زياد العصفري: آخر، بينه الباحي". وقال في ترجمة الآخر: "والصحيح أنهما اثنان، كما قال ابن معين وغيره". وأيا ما كان فالاثنان قتان.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب