الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ﴾ قد ذكرنا معنى الصلاة واشتقاقها فيما تقدم [[تقدم ذلك عند قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: 3].]]، وهي في اللغة: الدعاء، ومنه قوله: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ يسكنهم [[ينظر في معنى الصلاة: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 231، "تفسير الثعلبي" 1/ 1280، "المفردات" ص 287 قال: .. والصلاة، قال كثير من أهل اللغة: هي الدعاء والتبريك والتمجيد، يقال: صليت عليه، أي دعوت له وزكيت وصلوات الرسول، وصلاة الله للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إياهم، ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما هي من الناس.]]. وقال أبو عبيدة: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ﴾ يقول: ترحّم من ربهم [["مجاز القرآن" لأبي عبيدة ص 61 - 62.]]، واحتجّ بقول الأعشى: تقولُ بنتي وقد قَرّبْتُ مُرْتَحِلًا ... يا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأوصابَ والوجعا عليكِ مِثْلُ الذي صلَّيتِ فاغتمضي ... نومًا فإنّ لجنب المرء مضطجَعا [[البيتان في "ديوانه" ص 106، وفي "الخزانة" 1/ 359، و"مراتب النحويين" ص 194.]] يروى (مثل) رفعًا ونصبًا، فمن نصب فهو إغراء، ومن رفع فهو ردّ عليها، كأنه قال: عليك مثل دعائك، أي: ينالك من الخير مثل الذي أردت لي. فأبو عبيدة يجعل صليت بمعنى: ترحمت، وغيره من أهل اللغة يجعله بمعنى: دعوت، وأحدهما يقرب من الآخر؛ لأن المترحم على الإنسان داعٍ له، والداعي للإنسان مترحّم عليه [[سقطت من (م).]]، ولهذا المعنى كان الصلاة منّا دعاء، ومن الله تعالى رحمة [[قال الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 231: الصلاة في اللغة على ضربين: أحدهما: الركوع والسجود، والآخر: الرحمة والثناء والدعاء، فصلاة الناس على الميت، إنما معناها الدعاء، والثناء على الله صلاة، والصلاة من الله عز وجل على أنبيائه وعباده معناها: الرحمة لهم والثناء عليهم، وصلاتنا: الركوع والسجود كما وصفنا، والدعاء صلاة.]]. وأنشد الأزهري في تفسير هذه الآية قول الشاعر: صلّى على يحيى وأشياعه ... ربٌّ كريمٌ وشفيعٌ مُطاعْ [[البيت للسفاح بن بكير اليربوعي، في "شرح اختيارات المفضل" ص 1362، وقيل: هو لرجل من قُريع يرثي يحيى بن ميسرة صاحب مصعب بن الزبير. ينظر: "الخزانة" 1/ 141، وبلا نسبة في "لسان العرب" 4/ 2490 (صلا).]] قال: معناه [[في (ش): (ومعناه).]]: ترحم الله عليه، على الدعاء، لا على الخبر. ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الصلاة [[في (ش): (الله من الله). وهو خطأ.]] من الله رحمة، ومن المخلوقين: الملائكة والإنس والجن القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح، ومن الطير والهوام: التسبيح، ومنه قوله: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ [النور: 41]. فالصلاة لها معانٍ بالتدريج، أصلها: الدعاء، ثم صارت الرحمة، لما ذكرنا من أن الداعي مترحّم، ثم صارت للمغفرة؛ لأن الترحم يوجب المغفرة، ومن ترحم الله عليه غفر له، وفسر ابن عباس الصلوات في هذه الآية بالمغفرة، فقال: ﴿صَلَوَاتٌ﴾ أي: مغفرة من ربهم [[ذكره عن ابن عباس الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1280، وبهذا فسر الطبري الرحمة ==2/ 42، ورواه ابن أبي حاتم 1/ 265 عن سعيد بن جبير، وفسر ابن كثير هذه اللفظة ص 1/ 211، فقال: ثناء من الله عليهم ورحمة. وكأنه يشير إلى تفسير أبي العالية لصلاة الله على نبيه ﷺ حيث قال: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء. ذكره البخاري (4797) كتاب التفسير، باب: (إن الله وملائكته يصلون على النبي). حديث: قبل، ينظر: "فتح الباري" 8/ 532.]]. وقيل في قوله ﷺ: "اللهم صلّ على آل [[سقطت من (ش).]] أبي أوفى [[أخرجه البخاري (4166) كتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (1078) كتاب الزكاة، باب: الدعاء لمن أتى بصدقته.]] " أي: ارحمهم، واغفر لهم. قال ابن كيسان: وجَمَع الصلوات؛ لأنه عنى بها رحمةً بعد رحمة [[ذكره في "تفسير الثعلبي" 1/ 1280.]]. وقوله تعالى: ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ قال ابن عباس: ونعمة [[ذكره في "تفسير الثعلبي" 1/ 1280.]]. وقال أهل المعاني: إنما ذكر الرحمة، ومعنى الصلوات هاهنا: الرحمة؛ لإشباع المعنى، والاتساع في اللفظ [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 478، "معالم التنزيل" 1/ 170، "المحرر الوجيز" 2/ 34.]]. ومثله قوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [الزخرف: 80]. وقال ذو الرمة: لمياءُ في شفتيها حوَّة لَعَسٌ [[عجز البيت: وفي اللثات وفي أنيابها شَنَبُ وهو في "ديوانه" ص 32، "لسان العرب" 4/ 2336 (شنب).]] وتفعل العرب ذلك كثيرًا إذا اختلف اللفظ، ألا ترى أنّ اللعَس حُوَّة، فكرر لما اختلف اللفظان. وقوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد: الذين اهتدوا للترجيع [[هذا من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها، وقد ذكره بغير نسبة الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1281.]]. وقيل: إلى الجنة والثواب، وقيل: إلى الحق والصواب [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1281، "معالم التنزيل" 1/ 170.]]، وكان عمر - رضي الله عنه - إذا قرأ هذه الآية قال: نعم [[في (م): (نعمت).]] العِدلان، ونعمت العلاوة [[في (ش) حاشية: (قال عبد المؤمن: أراد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة: الاهتداء).]] [[الأثر أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" 2/ 634، والبيهقي في "شعب الإيمان" 7/ 116، من طريق مجاهد عن عمر، والحاكم 2/ 270، وصححه على شرط الشيخين، والواحدي في "الوسيط" 1/ 226 من طريق مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر، ومجاهد لم يلق عمر، وسعيد أدرك عمر ولم يسمع منه. والأثر ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1281، و"تفسير البغوي" 1/ 170، "تفسير القرطبي" 2/ 162.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب