القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (٧١) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال بنو يعقوب لما نودوا: ﴿أيتها العير إنكم لسارقون﴾ ، وأقبلوا على المنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: ﴿ماذا تفقدون﴾ ، ما الذي تفقدون؟ = ﴿قالوا نفقد صواع الملك﴾ ، يقول: فقال لهم القوم: نفقد مشربة الملك.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه:"صَاعَ المَلِكِ"، بغير واوٍ، كأنه وجَّهه إلى"الصاع" الذي يكال به الطعام.
* * *
وروي عن أبي رجاء أنه قرأه:"صَوْعَ المَلِكِ".
* * *
وروي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه:"صَوْغَ المَلِكِ"، بالغين، كأنه وجَّهه إلى أنه مصدر من قولهم:"صاغ يَصُوغ صوغًا".
* * *
وأما الذي عليه قرأة الأمصار: فَـ ﴿صُوَاعَ المَلِكِ﴾ ، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها لإجماع الحجة عليها.
* * *
و"الصواع"، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٥٢٥- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذا الحرف: ﴿صواع الملك﴾ قال: كهيئة المكُّوك. قال: وكان للعباس مثله في الجاهلية يَشْرَبُ فيه
١٩٥٢٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿صواع الملك﴾ ، قال، كان من فضة مثل المكوك. وكان للعباس منها واحدٌ في الجاهلية.
١٩٥٢٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: ﴿قالوا نفقد صواع الملك﴾ ، قال: كان من فضة.
١٩٥٢٨- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأ: ﴿صواع الملك﴾ ، قال وكان إناءه الذي يشرب فيه، وكان إلى الطول ما هو.
١٩٥٢٩- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: ﴿صواع الملك﴾ ، قال، المكوك الفارسي.
١٩٥٣٠- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال، ﴿صواع الملك﴾ ، قال، هو المكوك الفارسيّ الذي يلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه الأعاجم.
١٩٥٣١- ... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله: ﴿صواع الملك﴾ ، قال، إناء الملك الذي كان يشرب فيه.
١٩٥٣٢- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا يحيى= يعني ابن عباد= قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ﴿صواع الملك﴾ ، مكّوك من فضة يشربون فيه. وكان للعباس واحدٌ في الجاهلية.
١٩٥٣٣- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿صواع الملك﴾ ، إناء الملك الذي يشرب فيه.
١٩٥٣٤- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: ﴿صواع الملك﴾ ، قال: هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه.
١٩٥٣٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال،"الصواع"، كان يشرب فيه يوسف.
١٩٥٣٦- حدثنا محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا صدقة بن عباد، عن أبيه عن ابن عباس: ﴿صواع الملك﴾ ، قال، كان من نحاس.
* * *
وقوله: ﴿ولمن جاء له حمل بعير﴾ ، يقول: ولمن جاء بالصواع حمل بعير من الطعام، كما:-
١٩٥٣٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿ولمن جاء به حمل بعير﴾ ، يقول: وقر بعير.
١٩٥٣٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: ﴿حمل بعير﴾ ، قال: حمل حمار= وهي لغة. [[في المطبوعة والمخطوطة:" حمل طعام" ولا معنى له، والصواب ما أثبت، وهو تفسير لقوله:" بعير"، انظر ما سلف ص: ١٦٢، رقم: ١٩٤٧٧، ١٩٤٧٨، ١٩٥٢٣، ١٩٥٢٤ وصوبت ذلك لقوله:" وهي لغة" لأنه زعموا ذلك لغة في الحمار، أما" الطعام"، فلا يصح أن يكون فيه لغة يقال لها " بعير"! .]]
١٩٥٣٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال=
١٩٥٤٠- وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿حمل بعير﴾ قال: حمل حمار= وهي لغة.
١٩٥٤١- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٥٤٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال، قوله: ﴿حمل بعير﴾ قال، حمل حمار.
* * *
وقوله، ﴿وأنا به زعيم﴾ ، يقول: وأنا بأن أوفيّه حملَ بعير من الطعام إذا جاءني بصواع الملك كفيلٌ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٥٤٣- حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿وأنا به زعيم﴾ ، يقول: كفيل.
١٩٥٤٤- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ﴿وأنا به زعيم﴾ ،"الزعيم"، هو المؤذّن الذي قال: ﴿أيتها العير﴾ .
١٩٥٤٥- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٥٤٦- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
١٩٥٤٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، وأبو خالد الأحمر، عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد، ثم ذكر نحوه.
١٩٥٤٨- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن ورقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير: ﴿وأنا به زعيم﴾ ، قال: كفيل.
١٩٥٤٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وأنا به زعيم﴾ : أي: وأنا به كفيلٌ.
١٩٥٥٠- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿وأنا به زعيم﴾ ، قال: كفيل.
١٩٥٥١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: ﴿وأنا به زعيم﴾ ، قال: كفيل.
١٩٥٥٢- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، فذكر مثله.
١٩٥٥٣- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: ﴿وأنا به زعيم﴾ ، قال: كفيل.
١٩٥٥٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير، وأنا به كفيلٌ بذلك حتى أؤدّيه إليه.
* * *
ومن"الزعيم" الذي بمعنى الكفيل، قول الشاعر: [[هو حاجز بن عوف الأزدي السروي اللص الجاهلي، وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة:" وقال المؤسى الأزدي"، وأخشى أن يكون" المؤسى" تصحيف لنسبته، وهي" السروى"، نسبة إلى" السرأة" وهي جبال الأزد.]]
فَلَسْتُ بِآمِرٍ فِيهَا بِسَلْمٍ ... وَلَكِنِّي عَلَى نَفْسِي زَعِيمُ [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣١٥، وبعد البيت، وفيه تمام معناه: بِغَزْوٍ مِثْلِ وَلْغِ الذِّئْبِ حَتَّى ... يَنُوءَ بِصَاحِبي ثَأْرٌ مُنِيمُ
وهذا البيت في لسان العرب مادة (ولغ) ، منسوبًا لحاجز اللص.]]
وأصل"الزعيم"، في كلام العرب: القائم بأمر القوم، وكذلك"الكفيل" و"الحميل". ولذلك قيل: رئيس القوم زعيمهم ومدبِّرهم. يقال منه:"قد زَعُم فلان زعامة وزَعامًا"، [[قوله:" وزعامًا"، هذا المصدر مما أغفلته معاجم اللغة، فليقيد في مكانه.]] ومنه قول ليلى الأخيلية:
حَتَّى إذَا بَرَزَ اللِّوَاءُ رَأَيْتَهُ ... تَحْتَ اللِّوَاءِ عَلَى الخَمِيسِ زَعِيمَا [[اللسان (زعم) وأمالي القالي ١: ٢٤٨، وسمط اللآلئ ٥٦١، وتمام تخريجها هناك، من قصيدة لها تعرض فيها بابن الزبير، وقبل البيت: وَمُخَرَّقِ عَنْهُ القَمِيصُ تَخَالُه ... وَسْطَ البُيُوتِ مِنَ الحَياء سَقِيمَا.]]
{"ayahs_start":71,"ayahs":["قَالُوا۟ وَأَقۡبَلُوا۟ عَلَیۡهِم مَّاذَا تَفۡقِدُونَ","قَالُوا۟ نَفۡقِدُ صُوَاعَ ٱلۡمَلِكِ وَلِمَن جَاۤءَ بِهِۦ حِمۡلُ بَعِیرࣲ وَأَنَا۠ بِهِۦ زَعِیمࣱ"],"ayah":"قَالُوا۟ وَأَقۡبَلُوا۟ عَلَیۡهِم مَّاذَا تَفۡقِدُونَ"}