الباحث القرآني
فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾ أَيْ وَاذْكُرْ لَهُمْ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ تَذْكِيرِ الْمَوَاثِيقِ فِي كِتَابِهِمْ مَا أَخَذْتُ مِنَ الْمَوَاثِيقِ مِنَ الْعِبَادِ يَوْمَ الذَّرِّ. وَهَذِهِ آيَةٌ مُشْكِلَةٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهَا وَأَحْكَامِهَا، فَنَذْكُرُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ ذَلِكَ حَسَبَ مَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ مِنْ ظُهُورِ بني آدم بعضهم من بعض. قالوا: معنى "أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ" دَلَّهُمْ بِخَلْقِهِ عَلَى توحيده، لأن كل بالغ يعلم ضرور أَنَّ لَهُ رَبًّا وَاحِدًا. "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ" أَيْ قَالَ. فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمْ، وَالْإِقْرَارِ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ:" قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [[راجع ج ١٥ ص ٣٤٤.]] ". ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَفَّالُ وَأَطْنَبَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْرَجَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ خَلْقِ الْأَجْسَادِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْمَعْرِفَةِ مَا عَلِمَتْ بِهِ مَا خَاطَبَهَا. قُلْتُ: وَفِي الحديث عن النبي صلى الله عيلة وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَخْرَجَ الْأَشْبَاحَ فِيهَا الْأَرْوَاحُ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَرَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غافِلِينَ" فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعلمون ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ". فَقَالَ رَجُلٌ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ". قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعُ الْإِسْنَادِ، لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ. وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَا [[في ك: مسلم بن يسار يعرف. لعله الصواب.]] يُعْرَفُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ نُعَيْمُ بْنُ رَبِيعَةَ، ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ، وَنُعَيْمٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِحَمْلِ الْعِلْمِ. لَكِنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَغَيْرِهِمْ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:" لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا (مِنْ ذُرِّيَّتِهِ [[الزيادة عن صحيح الترمذي.]]) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ يَا رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ فَقَالَ رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ قَالَ سِتِّينَ سَنَةً قَالَ أَيْ رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمَّا انْقَضَى عُمُرُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال أو لم تُعْطِهَا ابْنكَ دَاوُدَ قَالَ فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتَهُ وَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ". فِي غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ: فَحِينَئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ. فِي رِوَايَةٍ: فرأى فيهم الضعف وَالْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ (وَالذَّلِيلَ [[من ج.]]) وَالْمُبْتَلَى وَالصَّحِيحَ. فَقَالَ (لَهُ [[من ج.]]) آدَمُ: يَا رَبِّ، مَا هَذَا؟ أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ! قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أُشْكَرَ. وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ "أُخِذُوا مِنْ ظَهْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ مِنَ الرَّأْسِ". وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عُقُولًا كَنَمْلَةِ سُلَيْمَانَ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ وَأَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. فَأَقَرُّوا بذلك والتزموه، وأعلمهم بِأَنَّهُ سَيَبْعَثُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ، فَشَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ، فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يُولَدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْهِ الْعَهْدُ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُخِذَ فِيهِ الْمِيثَاقُ حِينَ أُخْرِجُوا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِبَطْنِ نُعْمَانَ، وَادٍ إِلَى جَنْبِ عَرَفَةَ. و (روي [[من ك.]]) عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ بِرَهْبَا- أَرْضٍ بِالْهِنْدِ- الَّذِي هَبَطَ فِيهِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَهَبَطَ اللَّهُ آدَمَ بِالْهِنْدِ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ: "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا" قَالَ يَحْيَى قَالَ الْحَسَنُ: ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَيْهَا مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَخْرَجَ مِنْ صَفْحَةِ ظَهْرِهِ الْيُمْنَى ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، فَقَالَ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي. وَأَخْرَجَ مِنْ صَفْحَةِ ظَهْرِهِ الْيُسْرَى ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ وَقَالَ لَهُمُ ادْخُلُوا النَّارَ وَلَا أُبَالِي. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: خَرَجَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ لِلْجَنَّةِ بَيْضَاءَ، وَكُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ لِلنَّارِ سَوْدَاءَ. الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ [[من ع.]]):" فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ الْخَلْقَ وَهُمْ لَمْ يُذْنِبُوا، أَوْ يُعَاقِبْهُمْ عَلَى مَا أَرَادَهُ مِنْهُمْ وَكَتَبَهُ عَلَيْهِمْ وَسَاقَهُمْ إِلَيْهِ، قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ، أَعَقْلًا أَمْ شَرْعًا؟ فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّ الرَّحِيمَ الْحَكِيمَ مِنَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. قُلْنَا: لِأَنَّ فَوْقَهُ آمِرًا يَأْمُرُهُ وَنَاهِيًا يَنْهَاهُ، وَرَبُّنَا تَعَالَى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يسئلون وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ الْخَلْقُ بِالْخَالِقِ، وَلَا تُحْمَلَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ عَلَى أَفْعَالِ الْإِلَهِ، وَبِالْحَقِيقَةِ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا لِلَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَالْخَلْقُ بِأَجْمَعِهِمْ لَهُ، صَرَفَهُمْ كَيْفَ شَاءَ، وَحَكَمَ بَيْنَهُمْ [[في ى: وحكيم فيهم كما أراد.]] بِمَا أَرَادَ، وَهَذَا الَّذِي يَجِدُهُ الْآدَمِيُّ إِنَّمَا تَبْعَثُ عَلَيْهِ رِقَّةُ الْجِبِلَّةِ وَشَفَقَةُ الْجِنْسِيَّةِ وَحُبُّ الثَّنَاءِ والمدح، لما يتوقع فذلك مِنَ الِانْتِفَاعِ، وَالْبَارِي تَعَالَى مُتَقَدِّسٌ عَنْ ذَلِكَ كله، فلا يجوز أن يعتبر به". وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ أَوْ عَامَّةٌ. فَقِيلَ: الْآيَةُ خَاصَّةٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: "مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ" فَخَرَجَ مِنْ هَذَا (الْحَدِيثِ [[من ج.]]) مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ آدم لصلبه. وقال جل وعز: (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ) فَخَرَجَ مِنْهَا كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آباء مشركون.
وَقِيلَ: هِيَ مَخْصُوصَةٌ فِيمَنْ أُخِذَ عَلَيْهِ الْعَهْدُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقِيلَ: بَلْ هِيَ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ طِفْلًا فَغُذِّيَ وَرُبِّيَ، وَأَنَّ لَهُ مُدَبِّرًا وَخَالِقًا. فَهَذَا مَعْنَى "وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ". وَمَعْنَى (قالُوا بَلى) ٣٠ أَيْ إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا اعْتَرَفَ الْخَلْقُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ الرَّبُّ ثُمَّ ذَهَلُوا عَنْهُ ذَكَّرَهُمْ بِأَنْبِيَائِهِ وَخَتَمَ الذِّكْرَ بِأَفْضَلِ أَصْفِيَائِهِ لِتَقُومَ حُجَّتُهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ: "فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ»". ثم مكنه من الصيطرة، وَأَتَاهُ السَّلْطَنَةَ، وَمَكَّنَ لَهُ دِينَهُ فِي الْأَرْضِ. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ [[في ى "الطرلوسى" بالسين المهملة.]]: إِنَّ هَذَا الْعَهْدَ يَلْزَمُ الْبَشَرَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَذْكُرُونَهُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، كَمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ مَنْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ وَقَدْ نَسِيَهُ". الرَّابِعَةُ- وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ مَاتَ صَغِيرًا دَخَلَ الْجَنَّةَ لِإِقْرَارِهِ فِي، الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ. وَمَنْ بَلَغَ الْعَقْلَ لَمْ يُغْنِهِ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ. وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبَابِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اخْتُلِفَ فِيهَا لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي" الرُّومِ [[راجع ج ١٤ ص ٢٤ فما بعد.]] "إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ "وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِنْ ظُهُورِهِمْ ﴾بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ" مِنْ بَنِي آدَمَ". وَأَلْفَاظُ الْآيَةِ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَخْذَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَلَيْسَ لِآدَمَ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ بِحَسَبِ اللَّفْظِ. وَوَجْهُ النَّظْمِ عَلَى هَذَا: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ ذُرِّيَّتَهُمْ. وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ ظَهْرَ آدَمَ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُوهُ. وَأَنَّهُمْ أُخْرِجُوا يَوْمَ الْمِيثَاقِ مِنْ ظَهْرِهِ. فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لِقَوْلِهِ: "مِنْ بَنِي آدَمَ".
(ذُرِّيَّتَهُمْ) قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَابْنُ كَثِيرٍ بِالتَّوْحِيدِ وَفَتْحِ التَّاءِ، وَهِيَ تَقَعُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [[راجع ج ٤ ص ٦٩ فما بعد.]] "فَهَذَا لِلْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ هِبَةَ وَلَدٍ فَبُشِّرَ بِيَحْيَى. وَأَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى التَّوْحِيدِ في قوله:" مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ [[راجع ج ١١ ص ١٢٠.]] "ولا شي أَكْثَرَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ. وَقَالَ:" وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ "فهذا للجمع. وقرا الباقون " ذُرِّيَّاتهمْ "بِالْجَمْعِ، لِأَنَّ الذُّرِّيَّةَ لَمَّا كَانَتْ تَقَعُ لِلْوَاحِدِ أَتَى بِلَفْظٍ لَا يَقَعُ لِلْوَاحِدِ فَجَمَعَ لِتَخْلُصَ الْكَلِمَةُ إِلَى مَعْنَاهَا الْمَقْصُودِ إِلَيْهِ لَا يشركها فيه شي وَهُوَ الْجَمْعُ، لِأَنَّ ظُهُورَ بَنِي آدَمَ اسْتُخْرِجَ مِنْهَا ذُرِّيَّاتٌ كَثِيرَةٌ مُتَنَاسِبَةٌ، أَعْقَابٌ بَعْدَ أَعْقَابٍ، لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ، فَجَمَعَ لِهَذَا الْمَعْنَى. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿بَلى﴾ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا فِي" الْبَقَرَةِ" عِنْدَ قَوْلِهِ بَلَى مِنْ كسب سيئة مستوفى، فتأمله هناك [[راجع ج ٢ ص ١١.]].
(أن يقولوا) "أو يقولوا" قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ فِيهِمَا. رَدَّهُمَا عَلَى لفظ الغيبة المتكرر قبله، وهو قول: "مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ". وَقَوْلُهُ: "قالُوا بَلى ٣٠" أَيْضًا لَفْظُ غَيْبَةٍ. وَكَذَا "وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ" "وَلَعَلَّهُمْ" فَحَمَلَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ لَفْظِ الْغَيْبَةِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا، رَدُّوهُ عَلَى لَفْظِ الْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ". وَيَكُونُ "شَهِدْنا ١٣٠" مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ. لَمَّا قَالُوا "بَلى " قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: "شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا" "أَوْ تَقُولُوا" أَيْ لِئَلَّا تَقُولُوا. وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا بَلَى، فَأَقَرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: اشْهَدُوا قَالُوا شَهِدْنَا بِإِقْرَارِكُمْ لِئَلَّا تَقُولُوا أَوْ تَقُولُوا. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: قَوْلُهُ "شَهِدْنا ١٣٠" هُوَ مِنْ قَوْلِ بَنِي آدَمَ، وَالْمَعْنَى: شَهِدْنَا أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَشْهَدَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا قَالُوا بَلَى شَهِدَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ فَيُوقَفُ عَلَى "بَلَى" وَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ بَنِي آدَمَ، لِأَنَّ "أَنْ" مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا قَبْلَ بَلَى، مِنْ قَوْلِهِ: "وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ" لِئَلَّا يَقُولُوا. وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ [[في ع: عن مجاهد.]] عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ كَمَا يُؤْخَذُ بِالْمُشْطِ مِنَ الرَّأْسِ فَقَالَ لَهُمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا "أَيْ شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ بِالْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ لِئَلَّا تَقُولُوا. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّاءِ. قَالَ مَكِّيٌّ: وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِصِحَّةِ مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ" شَهِدْنَا" مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَلَائِكَةِ. وَالْمَعْنَى: فَشَهِدْنَا عَلَى إِقْرَارِكُمْ، قَالَهُ أَبُو مَالِكٍ، وَرُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ أيضا.
(وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) أَيِ اقْتَدَيْنَا بِهِمْ.
(أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) بِمَعْنَى: لَسْتَ تَفْعَلُ هذا. ولا عذر للمقلد في التوحيد.
{"ayahs_start":172,"ayahs":["وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤۚ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ","أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ","وَكَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"],"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق