الباحث القرآني

* اللغة: (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) الإخلاد إلى الشيء الميل اليه من الاطمئنان به. وفي المصباح: خلد بالمكان خلودا من باب قعد: أقام، وأخلد بالألف مثله، وخلد إلى كذا وأخلد إليه: ركن. (يَلْهَثْ) : يدلع لسانه، يقال: لهث يلهث بفتح العين في الماضي والمضارع لهثا ولهاثا، وهو خروج لسانه في حال راحته وإعيائه، وهي طبيعة لازمة للكلب، وأما غيره من الحيوان فلا يلهث إلا إذا أعيا أو عطش. وفي الصحاح لهث الكلب إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش، وقوله تعالى: «إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث» لأنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هاربا، وإن تتركه شدّ عليك ونبح، فيتعب نفسه في الحالين، فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان. * الإعراب: (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الواو عاطفة، والكاف ومدخولها صفة لمصدر محذوف، وقد تقدمت له نظائر كثيرة، والآيات مفعول به، ولعلهم الواو عاطفة على محذوف تقديره: ليتدبروها، ولعل واسمها، وجملة يرجعون خبرها، وجملة الرجاء حالية (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) الواو عاطفة على متعلق «إذ» بقوله: «وإذ أخذ» ، واتل فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت، وعليهم جار ومجرور متعلقان ب «اتل» ، ونبأ مفعول به، والذي مضاف إليه، وجملة آتيناه صلة الموصول، وآياتنا مفعول به ثان، فانسلخ عطف على آتيناه، ومنها جار ومجرور متعلقان بانسلخ (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) أتبع فعل ماض رباعي يتعدى لواحد فيكون بمعنى أدركه، ويتعدى لاثنين، فتكون الهاء المفعول به الأول، والمفعول به الثاني محذوف تقديره: فأتبعه الشيطان خطواته، أي جعله تابعا لها، والشيطان فاعل، فكان عطف على أتبعه، واسمها مستتر، ومن الغاوين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبرها (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) والواو حالية، ولو شرطية غير جازمة، وشيئا فعل وفاعل، واللام جواب لو، وجملة رفعناه لا محل لها، وبها جار ومجرور متعلقان برفعناه (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) الواو عاطفة، ولكن واسمها، وجملة أخلد خبر لكن، وإلى الأرض جار ومجرور متعلقان بأخلد (وَاتَّبَعَ هَواهُ) عطف على أخلد، وهواه مفعول به (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) الفاء الفصيحة، ومثله مبتدأ، وكمثل الكلب خبره، وإن شرطية، وتحمل فعل الشرط، وعليه جار ومجرور متعلقان بتحمل، ويلهث جواب الشرط، وأو حرف عطف، وتتركه عطف على فعل الشرط وجوابه المتقدمين، وسيأتي مزيد من القول في محل الجملة الشرطية، لطول الكلام، في باب الفوائد (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ذلك مبتدأ، ومثل القوم خبره، والجملة حالية، والذين نعت للقوم، وجملة كذبوا لا محل لها لأنها صلة، وبآياتنا جار ومجرور متعلقان بكذبوا (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الفاء الفصيحة، أي: إذا تحققت أن المثل المذكور مثل هؤلاء المكذبين فاقصصه عليهم، واقصص فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت، والقصص بمعنى المقصوص مفعول به، وجملة الرجاء في محل نصب حال من الضمير المخاطب المخاطب في «اقصص» ، والمعنى راجيا تفكيرهم (ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ساء فعل ماض جامد لإنشاء الذم، ومثلا تمييز، والقوم مبتدأ، خبره جملة ساء، ولا بد من تقدير محذوف ليكون التمييز والفاعل والمخصوص بالذم كلها متحدة معنى، والتقدير: ساء مثل القوم أو ساء أصحاب مثل القوم، والذين نعت للقوم، وجملة كذبوا بآياتنا صلة. وسيأتي مزيد من القول في هذه الآية في باب البلاغة (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) الواو عاطفة، وأنفسهم مفعول به مقدم ليظلمون، وكان واسمها، وجملة يظلمون خبرها، ويجوز أن يكون ما بعد الواو العاطفة داخلا في الصلة معطوفا على كذبوا، بمعنى الذين جمعوا بين تكذيب الآيات وظلم أنفسهم، أو منقطعا عنها، بمعنى ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم. * البلاغة: في هذه الآيات فنون من البلاغة نجملها فيما يلي: وقد سماه الجاحظ: 1- المذهب الكلامي: هذه التسمية كما ذكر ابن المعتز في كتابه وزعم الجاحظ أنه لا يوجد منه شيء في القرآن. والكتاب الكريم مشحون به. وتعريف هذا الباب هو أنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند، وتفلّ سلاح المكابر المتعنت، على طريقة علماء الكلام. ومنه منطقيّ تستنتج فيه النتائج من المقدمات الصادقة. والآية المقصودة بهذا الفن هي قوله تعالى: «ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه» وترتيب المقدمتين في هذه الكلمات والنتيجة أنا نقول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولو شاء الله رفع بلعام بن باعوراء المقصود بهذه الآية، فقد بعثه الله إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقطعه، فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآية وما بعدها. هذا ولا يكون المقصود، بالمدح أو الذم إلا من جنس المرتفع بنعم وبئس، فإن وجد كلام ظاهره مخالف لهذا الحكم فليعلم أن هناك محذوفا يذكره يرجع الكلام إلى هذا الأصل المقرر، فمن قوله سبحانه: «ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا» والقوم ليسوا من جنس المثل، فالتقدير: ساء مثلا مثل القوم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وعلى هذا يقاس. 2- التشبيه التّمثيليّ: في قوله: «واتل عليهم نبأ الذي آتيناه» إلى آخر الآية، فقد شبه حال من أعطي شيئا فلم يقبله بالكلب الذي إن حملت عليه نبح وولى ذاهبا، وإن تركته شدّ عليك ونبح، فإن الكلب يعطي الجد والجهد من نفسه في كل حالة من الحالات، وشبه رفضه وقذفه لها ورده لها بعد الحرص عليها، وفرط الرغبة فيها، بالكلب، إذا رجع ينبح بعد اطرادك له وواجب أن يكون رفض الأشياء الخطيرة النفيسة في خدن طلبها والحرص عليها، والكلب إذا أتعب نفسه في شدة النباح مقبلا عليك ومدبرا عنك لهث واعتراه ما يعتريه عند التعب والعطش. * الفوائد: الجملة الشرطية في محل نصب على الحال، أي: لاهثا في الحالتين، قاله الزمخشري وأبو البقاء. قال بعضهم: «وأما الشرطية فلا تقع بتمامها موقع الحال، فلا يقال: جاء زيد إن يسأل يعط، على الحال بل لو أريد ذلك لجعلت الشرطية خبرا عن ضمير ما أريد الحال عنه، نحو: جاء زيد هو وإن يسأل يعط، فيكون الواقع موقع الحال، ولكن بعد ما أخرجوها عن حقيقة الشرط. وتلك الجملة لم تخل من أن يعطف عليها ما يناقضها أو لم يعطف، والأول ترك الواو مستمرا فيه، نحو: أتيتك إن أتيتني وإن لم تأتني، إذ لا يخفى أن النقيضين من الشرط في مثل هذا الموضع لا يبقيان على معنى الشرط، بل يتحولان إلى معنى التسوية، كالاستفهامين المتناقضين في قوله: «أأنذرتهم أم لم تنذرهم» ، وأما الثاني فلا بد فيه من الواو، نحو: أتيتك وإن لم تأتني، ولو ترك الواو لالتبس بالشرط حقيقة، فقوله: «إن تحمل عليه يهلث أو تتركه يلهث» من قبيل الأول، لأن الحمل عليه والترك نقيضان. وهذا من أدق المباحث فتأمله لأنه جدير بالتأمل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب