الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ﴾ الْمَاضِي عَضِضْتُ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَضَضْتُ بِفَتْحِ الضَّادِ الْأُولَى. وَجَاءَ التَّوْقِيفُ عَنْ أَهْلِ التفسير، منهم ابن عباس وسعيد ابن الْمُسَيِّبِ أَنَّ الظَّالِمَ هَاهُنَا يُرَادُ بِهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَأَنَّ خَلِيلَهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَعُقْبَةُ قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: أَأُقْتَلُ دُونَهُمْ؟ فَقَالَ، نَعَمْ، بِكُفْرِكَ وَعُتُوِّكَ. فَقَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ فَقَالَ: النَّارُ. فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ. وَأُمَيَّةُ قَتَلَهُ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَانَ هَذَا مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله على وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ خَبَّرَ عَنْهُمَا بِهَذَا فَقُتِلَا عَلَى الْكُفْرِ. وَلَمْ يُسَمَّيَا فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْفَائِدَةِ، لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا سَبِيلُ كُلِّ ظالم فبل مِنْ غَيْرِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: وَكَانَ عُقْبَةُ قَدْ هَمَّ بِالْإِسْلَامِ فَمَنَعَهُ مِنْهُ أُبَيِّ بْنُ خَلَفٍ وَكَانَا خِدْنَيْنِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَتَلَهُمَا جَمِيعًا: قَتَلَ عُقْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا، وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فِي الْمُبَارَزَةِ يَوْمَ أُحُدٍ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ" هُوَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ وَيُرْوَى لِأُبَيِّ بن خلف أخ أُمَيَّةَ، وَكَانَ قَدْ صَنَعَ وَلِيمَةً فَدَعَا إِلَيْهَا قُرَيْشًا، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ إِلَّا أَنْ يُسْلِمَ. وَكَرِهَ عُقْبَةُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ طَعَامِهِ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ أَحَدٌ فَأَسْلَمَ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَكَلَ مِنْ طَعَامِهِ، فَعَاتَبَهُ خَلِيلُهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، أَوْ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَكَانَ غَائِبًا. فَقَالَ عُقْبَةُ: رَأَيْتُ عَظِيمًا أَلَّا يَحْضُرَ طَعَامِي رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ. فَقَالَ لَهُ خَلِيلُهُ: لَا أَرْضَى حَتَّى تَرْجِعَ وَتَبْصُقَ فِي وَجْهِهِ وَتَطَأَ عُنُقَهُ وَتَقُولَ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَفَعَلَ عَدُوُّ اللَّهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ خَلِيلُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ". قَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا بَصَقَ عُقْبَةُ فِي وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجَعَ بُصَاقُهُ فِي وَجْهِهِ وَشَوَى وَجْهَهُ وَشَفَتَيْهِ، حَتَّى أَثَّرَ فِي وَجْهِهِ وَأَحْرَقَ خَدَّيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ أَثَرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ حَتَّى قُتِلَ. وَعَضُّهُ يَدَيْهِ فِعْلُ النَّادِمِ الْحَزِينِ لِأَجْلِ طَاعَتِهِ خَلِيلَهُ. (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) فِي الدُّنْيَا، يَعْنِي طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. (يَا وَيْلَتَا) دُعَاءٌ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ عَلَى مُحَالَفَةِ الْكَافِرِ ومتابعته. (ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) يَعْنِي أُمَيَّةَ، وَكُنِّيَ عَنْهُ وَلَمْ يُصَرَّحْ بِاسْمِهِ لِئَلَّا يَكُونَ هَذَا الْوَعْدُ مَخْصُوصًا بِهِ وَلَا مَقْصُورًا، بَلْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو رَجَاءٍ: الظَّالِمُ عَامٌّ فِي كُلِّ ظَالِمٍ، وَفُلَانٌ: الشَّيْطَانُ. وَاحْتَجَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ بَعْدَهُ "وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا". وَقَرَأَ الْحَسَنُ "يَا وَيْلَتِي" وَقَدْ مَضَى فِي" هُودٍ [[راجع ج ٩ ص ٦٩ طبعه أولى أو ثانية.]] "بَيَانُهُ. وَالْخَلِيلُ: الصَّاحِبُ وَالصَّدِيقُ وَقَدْ مَضَى فِي" النِّسَاءِ [[راجع ج ٥ ص ٤٠٠ طبعه أولى أو ثانية.]] بَيَانُهُ. (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) أَيْ يَقُولُ هَذَا النَّادِمُ: لَقَدْ أَضَلَّنِي مَنِ اتَّخَذْتُهُ فِي الدُّنْيَا خَلِيلًا عَنِ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ بِهِ. وَقِيلَ: "عَنِ الذِّكْرِ" أَيْ عَنِ الرَّسُولِ. (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا) قِيلَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ لَا مِنْ قَوْلِ الظَّالِمِ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: "بَعْدَ إِذْ جاءَنِي". وَالْخَذْلُ التَّرْكُ مِنَ الْإِعَانَةِ، وَمِنْهُ خِذْلَانُ إبليس للمشركين لما ظهر سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ، فَلَمَّا رَأَى الْمَلَائِكَةَ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ. وَكُلُّ مَنْ صَدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَأُطِيعَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ شَيْطَانٌ لِلْإِنْسَانِ، خَذُولًا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ وَالْبَلَاءِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ: تَجَنَّبْ قَرِينَ السُّوءِ وَاصْرِمْ حِبَالَهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ وَأَحْبِبْ حَبِيبَ الصِّدْقِ وَاحْذَرْ مِرَاءَهُ تَنَلْ مِنْهُ صَفْوَ الْوُدِّ مَا لَمْ تُمَارِهِ وَفِي الشَّيْبِ مَا يَنْهَى الْحَلِيمَ عَنِ الصِّبَا إِذَا اشْتَعَلَتْ نِيرَانُهُ في عذاره آخَرُ: اصْحَبْ خِيَارَ النَّاسِ حَيْثُ لَقِيتَهُمْ خَيْرُ الصَّحَابَةِ مَنْ يَكُونُ عَفِيفَا وَالنَّاسُ مِثْلُ دَرَاهِمَ ميزتها فوجدت منها فضة وزيوفا وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:" إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ [[أحذاه: أعطاه.]] وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً "لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟ قَالَ:" مَنْ ذَكَّرَكُمْ بِاللَّهِ رُؤْيَتُهُ وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ". وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: إِنَّكَ إِنْ تَنْقِلِ الْأَحْجَارَ مَعَ الْأَبْرَارِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَأْكُلَ الْخَبِيصَ [[الخبيص: حلواء تعمل من التمر والسمن.]] مَعَ الْفُجَّارِ. وَأَنْشَدَ: وَصَاحِبْ خِيَارَ النَّاسِ تَنْجُ مُسَلَّمَا ... وَصَاحِبْ شِرَارَ النَّاسِ يَوْمًا فَتَنْدَمَا
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب