الباحث القرآني
(p-٢٧٣)سُورَةُ الأحْزابِ
مَقْصُودُها الحَثُّ عَلى الصِّدْقِ في الإخْلاصِ في التَّوَجُّهِ إلى الخالِقِ مِن [غَيْرِ] مُراعاةٍ بِوَجْهٍ ما لِلْخَلائِقِ، لِأنَّهُ عَلِيمٌ بِما يُصْلِحُهُمْ، حَكِيمٌ فِيما يَفْعَلُهُ فَهو يُعْلِي مَن يَشاءُ وإنْ كانَ ضَعِيفًا، ويُرْدِي مَن يُرِيدُ وإنْ كانَ قَوِيًّا، فَلا يَهْتَمَّنَّ الماضِي لِأمْرِهِ بِرَجاءٍ لِأحَدٍ مِنهم في بِرِّهِ ولا خَوْفٍ مِنهُ في عَظِيمِ شَرِّهِ وخِفِيِّ مَكْرِهِ، واسْمُها واضِحٌ في ذَلِكَ بِتَأمُّلِ القِصَّةِ الَّتِي أشارَ إلَيْها ودَلَّ عَلَيْها بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي مَهْما أرادَ كانَ الرَّحْمَن الَّذِي سَرَتْ رَحْمَتُهُ خِلالَ الوُجُودِ، فَشَمَلَتْ كُلَّ مَوْجُودٍ، بِالكَرَمِ والجُودِ الرَّحِيم لِمَن تَوَكَّلَ عَلَيْهِ بِالعَطْفِ إلَيْهِ.
لَمّا خُتِمَتِ الَّتِي قَبْلَها بِالإعْراضِ عَنِ الكافِرِينَ، وانْتِظارِ ما يَحْكُمُ بِهِ فِيهِمْ رَبُّ العالَمِينَ، بَعْدَ تَحْقِيقِ أنَّ تَنْزِيلَ الكِتابِ مِن عِنْدِ المُدَبِّرِ لِهَذا الخَلْقِ كُلِّهِ، والنَّهْيِ عَنِ الشَّكِّ في لِقائِهِ، افْتَتَحَ هَذِهِ بِالأمْرِ بِأساسِ ذَلِكَ، والنَّهْيِ عَنْ طاعَةِ المُخالِفِينَ مُجاهِرِينَ كانُوا أوْ مُتَساتِرِينَ، والأمْرُ بِاتِّباعِ الوَحْيِ الَّذِي أعْظَمُهُ الكِتابُ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الإعْراضَ إنَّما يَكُونُ (p-٢٧٤)طاعَةً لِلَّهِ مَعَ مُراعاةِ تَقْواهُ فَقالَ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ﴾ عَبَّرَ بِأداةِ التَّوَسُّطِ إيماءً إلى أنَّ وقْتَ نُزُولِ السُّورَةِ - وهو آخِرُ سَنَةِ خَمْسٍ، غَبَّ وقْعَةِ الأحْزابِ - أوْسَطَ مُدَّةِ ما بَعْدَ الهِجْرَةِ إلاحَةً إلى أنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِن أمَدِ كَمالِ النُّصْرَةِ الَّتِي اقْتَضاها وصْفُ النُّبُوَّةِ الدّالُّ عَلى الرَّفْعَةِ إلّا القَلِيلُ وعَبَّرَ بِهِ لِاقْتِضاءِ مَقْصُودِ السُّورَةِ مَقامَ النُّبُوَّةِ الَّذِي هو بَيْنَ الرَّبِّ وعَبْدِهِ في تَقْرِيبِهِ وإعْلائِهِ إلى جَنابِهِ إذا قُرِئَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وإنْ قُرِئَ بِهِ كانَ اللَّحْظُ إلى إنْبائِهِ بِالخَفِيِّ وتَفْصِيلِهِ لِلْجَلِيِّ، وقالَ الحِرالِيُّ في كِتابٍ لَهُ في أُصُولِ الدِّينِ: حَقِيقَةُ النُّبُوَّةِ وُرُودُ غَيْبٍ ظاهِرٍ أيْ مِنَ الحَقِّ بِالوَحْيِ لِخاصٍّ مِنَ الخَلْقِ، خَفِيَ عَنِ العامَّةِ مِنهُمْ، ثُمَّ قَدْ يَخْتَصُّ مَقْصِدُ ذَلِكَ الوارِدِ المُقِيمِ لِذَلِكَ الواحِدِ بِذاتِهِ، فَيَكُونُ نَبِيًّا غَيْرَ رَسُولٍ، وقَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَمامِ أمْرِهِ في ذاتِهِ مَوارِدَ إقامَةِ غَيْرِهِ فَيَصِيرُ رَسُولًا. والرُّتْبَةُ الأُولى كَثِيرَةُ الوُقُوعِ في الخَلْقِ، وهي النُّبُوَّةُ، والثّانِيَةُ قَلِيلَةُ الوُقُوعِ، فالرُّسُلُ مِعْشارُ مِعْشارِ الأنْبِياءِ، ولِلنُّبُوَّةِ اشْتِقاقانِ: أحَدُهُما [مِنَ] النَّبَأِ وهو الخَبَرُ، وذَلِكَ لِمَنِ اصْطُفِيَ مِنَ البَشَرِ لِرُتْبَةِ السَّماعِ والإنْباءِ فَنُبِّئَ ونَبَّأ غَيْرَهُ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حَقِيقَةُ ما نُبِّئَ بِهِ ولا ما نَبَّأ (p-٢٧٥)فَيَكُونُ حامِلَ عِلْمٍ، والِاشْتِقاقُ الثّانِي مِنَ النُّبُوَّةِ وهي الِارْتِفاعُ والعُلُوُّ، وذَلِكَ لِمَن أعْلى عَنْ رُتْبَةِ النَّبَأِ إلى رُتْبَةِ العِلْمِ. فَكانَ مُطَّلِعًا عَلى عِلْمِ ما ورَدَ عَلَيْهِ مِنَ الغَيْبِ عَلى حَقِيقَتِهِ وكَمالِهِ، فَمَن عَلا عَنِ الحَظِّ المُتَنَزِّلِ العَقْلِيِّ إلى رُتْبَةِ سَماعٍ، كانَ نَبِيئًا بِالهَمْزِ، ومَن عَلا عَنْ ذَلِكَ إلى رُتْبَةِ عِلْمٍ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ كانَ نَبِيًّا غَيْرَ مَهْمُوزٍ، فَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَثَلًا في عِلْمِ الأسْماءِ نَبِيٌّ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وفي ما وراءَهُ نَبِيءٌ بِهَمْزٍ، [وكَذَلِكَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيما أُرِيَ مِنَ المَلَكُوتِ نَبِيٌّ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وفِيما وراءَهُ نَبِيءٌ بِهَمْزٍ]. انْتَهى. ولَمْ يُنادِهِ سُبْحانَهُ بِاسْمِهِ تَشْرِيفًا لِقَدْرِهِ، وإعْلاءً لِمَحَلِّهِ، وحَيْثُ سَمّاهُ بِاسْمِهِ في الأخْبارِ فَلِلتَّشْرِيفِ مِن جِهَةٍ أُخْرى، وهي تَعْيِينُهُ وتَخْصِيصُهُ إزالَةً لِلَّبْسِ عَنْهُ، وقَطْعًا لِشُبَهِ التَّعَنُّتِ.
ولَمّا ناداهُ سُبْحانَهُ بِهَذا الِاسْمِ الشَّرِيفِ المُقْتَضِي لِلِانْبِساطِ، أمَرَهُ بِالخَوْفِ فَقالَ: ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾ أيْ زِدْ مِنَ التَّقْوى يا أعْلى الخَلائِقِ بِمِقْدارِ ما تَقْدِرُ عَلَيْهِ لِذِي الجَلالِ كُلِّهِ والإكْرامِ، لِئَلّا تَلْتَفِتَ إلى شَيْءٍ سِواهُ، فَإنَّهُ أهْلٌ لِأنْ يُرْهَبَ لِما لَهُ مِن خِلالِ الجَلالِ، والعَظَمَةِ والكَمالِ.
ولَمّا وجَّهَ إلَيْهِ الأمْرَ بِخَشْيَةِ الوَلِيِّ الوَدُودِ، أتْبَعَهُ النَّهْيَ عَنِ الِالتِفاتِ (p-٢٧٦)نَحْوَ العَدُوِّ والحَسُودِ. فَقالَ: ﴿ولا تُطِعِ الكافِرِينَ﴾ أيِ المُمانِعِينَ ﴿والمُنافِقِينَ﴾ أيِ المُصانِعَيْنِ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْكَ الخالِقُ فِيهِ بِأمْرٍ وإنْ لاحَ لائِحُ خَوْفٍ أوْ بَرَقَ بارِقُ رَجاءٍ، ولا سِيَّما سُؤالُنا في شَيْءٍ مِمّا يَقْتَرِحُونَهُ رَجاءَ إيمانِهِمْ مِثْلَ أنْ تُعَيِّنَ لَهم وقْتَ السّاعَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيها الفَتْحُ، فَإنَّهم إنَّما يَطْلُبُونَ ذَلِكَ اسْتِهْزاءً، قالَ أبُو حَيّانَ: وسَبَبُ نُزُولِها أنَّهُ رُوِيَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمّا قَدِمَ المَدِينَةَ كانَ يُحِبُّ إسْلامَ اليَهُودِ، فَتابَعَهُ ناسٌ مِنهم عَلى النِّفاقِ، وكانَ يُلِينُ لَهم جانِبَهُ، وكانُوا يُظْهِرُونَ النَّصائِحَ مِن طُرُقِ المُخادَعَةِ، فَنَزَلَتْ تَحْذِيرًا لَهُ مِنهُمْ،» وتَنْبِيهًا عَلى عَداوَتِهِمْ - انْتَهى ثُمَّ عَلَّلَ الأمْرَ والنَّهْيَ بِما يُزِيلُ الهُمُومَ ويُوجِبُ الإقْبالَ عَلَيْهِما واللُّزُومَ، فَقالَ مُلَوِّحًا إلى أنْ لَهم أغْوارًا في مَكْرِهِمْ رُبَّما خَفِيَتْ عَلَيْهِ ﷺ، وأكَّدَ تَرْغِيبًا في الإقْبالِ عَلى مَعْلُولِهِ بِغايَةِ الِاهْتِمامِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيْ بِعَظِيمِ كَمالِهِ وعِزِّ جَلالِهِ ﴿كانَ﴾ أزَلًا وأبَدًا ﴿عَلِيمًا﴾ شامِلَ العِلْمِ ﴿حَكِيمًا﴾ بالِغَ الحِكْمَةِ فَهو لَمْ يَأْمُرْكَ بِأمْرٍ إلّا وقَدْ عَلِمَ ما يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وأحْكَمَ إصْلاحَ الحالِ فِيهِ.
وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ في بُرْهانِهِ: افْتَتَحَها سُبْحانَهُ بِأمْرِ (p-٢٧٧)نَبِيِّهِ بِاتِّقائِهِ، ونَهْيِهِ عَنِ الصَّغْوِ إلى الكافِرِينَ والمُنافِقِينَ، واتِّباعِهِ ما يُوحِي إلَيْهِ، تَنْزِيهًا لِقَدْرِهِ عَنْ مِحْنَةِ مَن سَبَقَ لَهُ الِامْتِحانُ مِمَّنْ قَدَّمَ ذِكْرَهُ في سُورَةِ السَّجْدَةِ، وأمْرًا لَهُ بِالتَّسْلِيمِ لِخالِقِهِ والتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ﴿واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهو يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٤] ولَمّا تَحَصَّلَ مِنَ السُّورَتَيْنِ مِنَ الإشارَةِ إلى السَّوابِقِ ﴿ولَوْ شِئْنا لآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ [السجدة: ١٣] كانَ ذَلِكَ مَظِنَّةً لِتَأْنِيسِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وصالِحِي أتْباعِهِ، ولِهَذا أعْقَبَ سُورَةَ السَّجْدَةِ بِهَذِهِ السُّورَةِ المُضَمَّنَةِ مِنَ التَّأْنِيسِ والبِشارَةِ ما يَجْرِي عَلى المَعْهُودِ مِن لُطْفِهِ تَعالى وسَعَةِ رَحْمَتِهِ، فافْتَتَحَ سُبْحانَهُ السُّورَةَ بِخِطابِ نَبِيِّهِ ﷺ بِالتَّقْوى، وإعْلامِهِ بِما [قَدْ] أعْطاهُ قَبْلُ مِن سُلُوكِ سَبِيلِ النَّجاةِ وإنْ ورَدَ عَلى طَرِيقَةِ الأمْرِ لِيُشْعِرَهُ بِاسْتِقامَةِ سَبِيلِهِ، وإيضاحِ دَلِيلِهِ، وخاطَبَهُ بِلَفْظِ النُّبُوَّةِ لِأنَّهُ أمْرٌ عَقِبَ تَخْوِيفٍ وإنْذارٍ وإنْ كانَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ نَزَّهَ اللَّهَ قَدْرَهُ عَلى أنْ يَكُونَ مِنهُ خِلافُ التَّقْوى، وعَصَمَهُ مِن كُلِّ ما يُنافِرُ نَزاهَةَ حالِهِ وعَلَيِّ مَنصِبِهِ، ولَكِنْ طَرِيقَةُ خَطابِهِ تَعالى لِلْعِبادِ أنَّهُ تَعالى مَتى جُرِّدَ ذِكْرُهم لِلْمَدْحِ مِن غَيْرِ أمْرٍ ولا نَهْيٍ (p-٢٧٨)فَهُوَ مَوْضِعُ ذِكْرِهِمْ بِالأخَصِّ الأمْدَحِ عَنْ مَحْمُودِ صِفاتِهِمْ، ومِنهُ ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح: ٢٩] الآياتُ، فَذُكِرَ ﷺ بِاسْمِ الرِّسالَةِ، ومَهْما كانَ الأمْرُ والنَّهْيُ، عَدَلَ في الغالِبِ إلى الأعَمِّ، ومِنهُ ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلى القِتالِ﴾ [الأنفال: ٦٥] ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ [الطلاق: ١] ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ [التحريم: ١] ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ جاهِدِ الكُفّارَ والمُنافِقِينَ﴾ [التحريم: ٩] ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا جاءَكَ المُؤْمِناتُ﴾ [الممتحنة: ١٢] وقَدْ تَبَيَّنَ في غَيْرِ هَذا، وأنَّ ما ورَدَ عَلى خِلافِ هَذا القانُونِ فَلِسَبَبٍ خاصٍّ اسْتَدْعى العُدُولَ عَنِ المُطَّرِدِ كَقَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧] فَوَجْهُ هَذا أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ ﴿وإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾ [المائدة: ٦٧] مَوْقَعُهُ شَدِيدٌ، فَعُودِلَ بِذِكْرِهِ ﷺ بِاسْمِ الرِّسالَةِ لِضَرْبٍ مِنَ التَّلَطُّفِ، فَهو مِن بابِ ﴿عَفا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣] وفِيهِ بَعْضُ غُمُوضٍ، وأيْضًا فَإنَّهُ لَمّا قِيلَ لَهُ ”بَلِّغْ“ طابَقَ هَذا ذِكْرَهُ بِالرِّسالَةِ، فَإنَّ المُبَلِّغَ رَسُولٌ، والرَّسُولُ مُبَلِّغٌ، ولا يَلْزَمُ النَّبِيَّ أنْ يُبَلِّغَ إلّا أنْ يُرْسَلَ، وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١] فَأمْرُهُ وإنْ كانَ نَهْيًا أوْضَحُ مِنَ الأوَّلِ، لِأنَّهُ تَسْلِيَةٌ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَأْنِيسٌ وأمْرٌ بِالصَّبْرِ والرِّفْقِ بِنَفْسِهِ، فَبابُهُ (p-٢٧٩)راجِعٌ إلى ما يَرِدُ مَدْحًا مُجَرَّدًا عَنِ الطَّلَبِ، وعَلى ما أُشِيرَ إلَيْهِ يَخْرُجُ [ما ورَدَ مِن هَذا. ولَمّا افْتُتِحَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِما حاصِلُهُ ما قَدَّمْناهُ] مِن إعْلامِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن هَذا الأمْرِ بِعَلِيِّ حالِهِ ومَزِيَّةِ قَدْرِهِ، ناسَبَ ذَلِكَ ما احْتَوَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ مِن بابِ التَّنْزِيهِ في مَواضِعَ مِنها إعْلامُهُ تَعالى بِأنَّ أزْواجَ نَبِيِّهِ ﷺ أُمَّهاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَنُزِّهْنَ عَنْ أنْ يَكُونَ حُكْمُهُنَّ حُكْمَ غَيْرِهِنَّ مِنَ النِّساءِ مَزِيَّةً لَهُنَّ وتَخْصِيصًا وإجْلالًا لِنَبِيِّهِ ﷺ، ومِنها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَمّا رَأى المُؤْمِنُونَ الأحْزابَ﴾ [الأحزاب: ٢٢] - الآيَةُ، فَنَزَّهَهم عَنْ تَطَرُّقِ سُوءٍ أوْ دُخُولِ ارْتِيابٍ عَلى مَصُونِ مُعْتَقَداتِهِمْ وجَلِيلِ إيمانِهِمْ ﴿قالُوا هَذا ما وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ وما زادَهم إلا إيمانًا وتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٢] والآيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا﴾ [الأحزاب: ٢٣] - الآيَةُ، ومِنها ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٢] فَنَزَّهَهُنَّ سُبْحانَهُ وبَيَّنَ شَرَفَهُنَّ عَلى مَن عَداهُنَّ، ومِنها تَنْزِيهُ أهْلِ البَيْتِ وتَكْرِمَتُهم ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ﴾ [الأحزاب: ٣٣] الآيَةُ، ومِنها الأمْرُ بِالحِجابِ ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ وبَناتِكَ ونِساءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] فَنَزَّهَ المُؤْمِناتِ عَنْ حالَةِ الجاهِلِيَّةِ مِنَ التَّبَرُّجِ وعَدَمِ الحِجابِ، وصانَهُنَّ عَنِ التَّبَذُّلِ والِامْتِهانِ، ومِنها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا (p-٢٨٠)كالَّذِينَ آذَوْا مُوسى﴾ [الأحزاب: ٦٩] فَوَصّاهم جَلَّ وتَعالى ونَزَّهَهم بِما نَهاهم عَنْهُ أنْ يَتَشَبَّهُوا بِمَنِ اسْتَحَقَّ اللَّعْنَ والغَضَبَ في سُوءِ أدَبِهِمْ وعَظِيمِ مُرْتَكَبِهِمْ، إلى ما تَضَمَّنَتِ السُّورَةُ مِن هَذا القَبِيلِ، ثُمَّ أتْبَعَ سُبْحانَهُ ما تَقَدَّمَ بِالبِشارَةِ العامَّةِ واللُّطْفِ الشّامِلِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إنّا أرْسَلْناكَ شاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥] ﴿وداعِيًا إلى اللَّهِ بِإذْنِهِ وسِراجًا مُنِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٦] ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأنَّ لَهم مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٧] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤١] - إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٤] وقَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] - إلى قَوْلِهِ: ﴿وأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣٥] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٧٠] - إلى قَوْلِهِ: ﴿عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧١] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَتُوبَ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٣] وقَوْلِهِ تَعالى مُثْنِيًا عَلى المُؤْمِنِينَ بِوَفائِهِمْ وصِدْقِهِمْ ﴿ولَمّا رَأى المُؤْمِنُونَ الأحْزابَ قالُوا هَذا ما وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ﴾ [الأحزاب: ٢٢] إلى قَوْلِهِ: ﴿وما بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ [الأحزاب: ٢٣] [وقَوْلِهِ] سُبْحانَهُ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ نَبِيِّهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ ﴿إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [الأحزاب: ٥٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿وإثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨] وفي (p-٢٨١)هَذِهِ الآياتِ مِن تَأْنِيسِ المُؤْمِنِينَ وبِشارَتِهِمْ وتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِمْ ما يَكْسِرُ سَوْرَةَ الخَوْفِ الحاصِلِ مِن سُورَتَيْ لُقْمانَ والسَّجْدَةِ ويَسْكُنُ رَوْعُهم تَأْنِيسًا لا رَفْعًا ومِن هَذا القَبِيلِ أيْضًا ما تَضَمَّنَتِ السُّورَةُ مِن تَعْدادِ نِعَمِهِ تَعالى عَلَيْهِمْ وتَحْسِينِ خَلاصِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم إذْ جاءَتْكم جُنُودٌ فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب: ٩] - إلى قَوْلِهِ: ﴿هُنالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وزُلْزِلُوا زِلْزالا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ١١] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا وكَفى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتالَ﴾ [الأحزاب: ٢٥] إلى قَوْلِهِ: ﴿وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢٧] وخَتَمَ السُّورَةَ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ والمَغْفِرَةِ أوْضَحَ شاهِدٍ لِما تَمَهَّدَ مِن دَلِيلِ قَصْدِها وبَيانِها عَلى ما وضَّحَ الحَمْدُ لِلَّهِ ولَمّا كانَ حاصِلُها رَحْمَةً ولُطْفًا ونِعْمَةً، لا يَقْدِرُ عَظِيمَ قَدْرِها، ويَنْقَطِعُ العالَمُ دُونَ الوَفاءِ بِشُكْرِها، أعْقَبَ بِما يَنْبَغِي مِنَ الحَمْدِ يَعْنِي أوَّلَ سَبَأٍ. انْتَهى.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق