الباحث القرآني
يقول الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب ١]، البسملة تقدم الكلام عليها من حيث المعنى ومن حيث الإعراب، وقلنا في الإعراب: إنها جارٌّ ومجرور متعلِّق بمحذوف، وأنه ينبغي أن يُقَدَّر ذلك المحذوف فعلًا خاصًّا متأخِّرًا.
مثال ذلك: عندما تريد أن تقرأ تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، يكون التقدير: بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ، وهو أحسن من أن تقول: التقدير ابتدائي بسم الله الرحمن الرحيم، أو: التقدير أبتدئ بسم الله الرحمن الرحيم، لماذا؟ لأننا إذا قَدَّرْنَاه فعلًا خاصًّا كان أدلَّ على المقصود؛ فإن كلمة (ابتداء) عامة في كل ما يُبْتَدَأ به، لكن إذا عَيَّنْتَ الفعل وقلت: باسم الله أقرأ، كان أدل على المقصود، هذا واحد.
نقدِّره فعلًا؛ لأن الأصل في الأعمال هي الأفعال، ولهذا تعمل بدون شرط، وأما ما يعمل من الأسماء فإنه لا يعمل إلا بشروط، كاسم الفاعل واسم المفعول والمصدر، وما أشبه ذلك، نجعله متأخِّرًا لسببين:
السبب الأول: التبرك بالبداءة باسم الله، والثاني: الدلالة على الحصر؛ لأن تأخير العامل يدل على الحصر، أو بعبارة أعم؛ لأن تأخير ما حقه التقديم يدل على الحصر.
إذن نقول في البسملة كلما جاءت: متعلِّقة بماذا؟ بمحذوف، ويقدَّر هذا المحذوف فعلًا خاصًّا متأخِّرًا.
عندما تريد أن تتوضأ كيف نقدِّر؟ باسم الله أتوضأ، عندما يريد الإنسان أن يذبح ذبيحة يقول: التقدير باسم الله أذبح، وعلى هذا فَقِسْ.
يقول الله: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وهنا (اسم) مضاف إلى (الله) وهو مفرد، فيُفِيد العموم، ولهذا قدَّرَه الشُّرَّاح بأن المعنى: بكل اسم من أسماء الله، والاسم مأخوذ من السمو وهو الارتفاع، وقيل: من السِّمَة وهي العلامة، ولو قيل بأنه مأخوذ من هذا وهذا لم يكن بعيدًا؛ لأنه يُظْهِر المسمي فيكون فيه معنى الارتفاع، ولأنه يُمَيِّزه فيكون فيه معنى العلامة، وأسماء الله تعالى تقدم الكلام عليها في درس التوحيد، لا حاجة إلى الكلام عليها هنا.
﴿الله﴾ عَلَمٌ على ذات الله سبحانه وتعالى، وهو أصل الأعلام، أسماء الله كما نعرف أعلام وأوصاف، لكن أصلها كلمة (الله)، ولهذا تأتي الأسماء دائمًا تبعًا لها فهي الأصل، وربما تأتي لفظ الجلالة تابعة لغيرها من الأسماء، مثل: ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [إبراهيم ١، ٢]، فهنا (الله) تابعة لما قبلها.
وقوله: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اسمان مشتقان مِن ؟ من الرحمة، لكن الأول منهما يدل على الرحمة باعتبارها وصفًا لله، والثاني يدل على الرحمة باعتبارها فعلًا له، فهو رحمن وهو رحيم، مُتَّصِف بالرحمة، وفاعل للرحمة، يعني أنه سبحانه وتعالى مع كونه رحيمًا فإنه يرحم، وهذا الذي قَرَّرْتُه هو ما قرره ابن القيم رحمه الله في الفرق بين الرحمن وبين الرحيم، وإن كان بعض العلماء يفرِّق بينهما بأن الرحمن ذو الرحمة العامة، والرحيم ذو الرحمة الخاصة، ويقول: إنه يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٤٣]، لكن المعنى الذي أشار إليه ابن القيم أبلغ وأحسن، ولهذا جاءت (الرحمن) على وزن فَعْلَان، وهذا الوزن يدل غالبًا على السعة والامتلاء، فهو سبحانه وتعالى واسع الرحمة، وهو سبحانه وتعالى يرحم من يشاء، كما قال تعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت ٢١].
والبسملة آية من كتاب الله، تأتي في مبتدأ كل سورة، إلا في سورة براءة؛ فإنه ليس فيها بسملة، وذكر أهل العلم أن سبب سقوط البسملة في (براءة) أن الصحابة رضي الله عنهم أشكل عليهم هل هي من سورة الأنفال، أو هي سورة مستقلة، فجعلوا بينهما فاصلًا ولم يكتبوا ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وهذا واضح، لكن أوضح منه أنه لو كانت البسملة قد نزلت بين سورة الأنفال و(براءة) لم يمكن أن تسقط؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، لكن لما أشكل على الصحابة هل هي مستقلة (براءة) أو من سورة الأنفال وضعوا الفاصل فقط.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾، النداء هنا للنبي صلي الله عليه وسلم بوصفه نبيًّا، وقد يناديه الله تعالى بوصفه رسولًا، فيخاطبه سبحانه وتعالى بوصفه رسولًا في مقام الرسالة كما في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧].
والنبي مشتَقّ، أصلها: النبيء، وقيل: أصلها: النَّبِيُو، بالواو، فعلى القول الأول يكون مشتقًّا من النبأ، وأُبْدِلَت الهمزة بالياء تخفيفًا، وعلى القول الثاني يكون مشتقًّا من النَّبْوَة وهي الارتفاع، ولا شك أن مقام النبوة أنه مقام رفيع، وأن النبي مُخْبِرٌ ومُخْبَرٌ أيضًا، فهو فَعِيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول.
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾، والمراد به نبينا محمد ﷺ، يقول: ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾، ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾: دُمْ على تقواه، صَرَفَها المؤلف عن ظاهر لفظها؛ لأنك إذا أمرت أحدًا بشيء فالأصل أنه غير مُتَلَبِّس به، فإذا قلت: يا فلان قُمْ، فهل هو قائم، ولَّا لا؟ لا، هذا هو الأصل، الأصل أن الأمر إنشاء ما لم يكن، فإذا قلت: يا فلان قم، أو يا فلان اقعد، فإنه حين توجيه الأمر إليه ليس متصفًا بهذا الوصف، أليس كذلك؟
النبي عليه الصلاة والسلام قال الله له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾، فلو أخذنا بظاهر العبارة لكان النبي صلي الله عليه وسلم حين توجيه الخطاب إليه لم يكن مُتَّقِيًا، وهذا أمر لا يمكن، لذلك يكون معنى ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾ أي: دم على تقواه، ومن هنا نأخذ أن الأمر بالشيء قد يكون أمرًا بتجديده، وقد يكون أمرًا بالاستمرار عليه، عرفتم؟
وقد يكون أمرًا بالتفصيل لهذا المأمور به، فمثلًا إذا قلت: يا أيها المؤمن آمِنْ، فالمعنى: دُمْ على إيمانك وحَقِّقْه.
وفي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ﴾ [النساء ١٣٦]، الأمر هنا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ﴾، أي: دُومُوا عليه، لكن فيه تفصيل، يعني: آمَنُوا مُجْمَلًا، ثم قال: ﴿آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ﴾.
فصار إذن توجيه الأمر في الأصل يوجَّه الأمر في الأصل إلى مَن لم يكن مُتَلَبِّسًا به، هذا هو الأصل، وقد يوجَّه إليه لطلب الاستمرار، وقد يوجَّه إليه لبيان التفصيل، كما في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ﴾، وقوله: ﴿اتَّقِ اللَّهَ﴾ دائمًا تأتي التقوى في القرآن الكريم كثيرًا، فما معنى التقوى، ومن أين هي مشتقة؟ نقول: هي مشتقة من الوقاية، ولهذا يقولون: إن أصل التاء فيها واو، فتَقْوَى بمعنى وَقْوَى هذا أصلها، وإذا كانت بمعنى الوقاية فإن التقوى هي أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله عز وجل، ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وعلى هذا فنقول: إن المراد بالتقوى فِعْل أوامر الله واجتناب نواهيه.
ومن المعلوم أننا إذا قلنا: فِعْل أوامر الله، أوامر مضاف إلى الله، أن الإنسان سينوي بهذا الفعل امتثال أمر الله، وكذلك إذا قلنا: اجتناب نَهْي الله، فإن الإنسان سيجتنبه؛ لأن الله نهى عنه؛ لأن مجرد الفعل بدون نية ليس بتقوى، ومجرد الترك بدون نية ليس بتقوى، لكن لما كان الفعل والترك مضافًا إلى الله صار لا بد فيه من النية.
﴿اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ فيما يخالف شريعتك، ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ عَطْف قولِه: ﴿وَلَا تُطِعِ﴾ على ﴿اتَّقِ اللهَ﴾ من باب عطف الخاص على العام؛ لأن ترك طاعة هؤلاء من تقوى الله عز وجل، فيكون عطفه على التقوى من باب عطف الخاص على العام، وهذا كثير في القرآن والسنة وكلام العرب.
﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾، الكافر هو الذي صرَّح بكفره وأعلنه، وأما المنافق فهو الذي أخفى كُفْرَه، وأَظْهَرَ أنه مؤمن، فمن اين اشتُقّ الكفر أو الكافر؟
يقولون: إن الكُفْر في الأصل الستر، ومنه: الكُفُرَّى وهو غلاف الطلع؛ لأنه يستره، هذا في الأصل، وسُمِّي الذي لا يؤمن بالله كافرًا لأنه سَتَرَ نعمة الله عز وجل، وجحد شريعته، فصار بذلك ساترًا للحق، وساترًا للنعمة التي أنعم الله بها عليه، وأما النفاق فإنه مأخوذ من نَافِقَاء اليربوع، اليربوع دويبة معروفة تتخذ بيتًا في الأرض، وتحفر الجحر وتجعل له بابًا، وتجعل في آخره بابًا مُغْلَقًا بشيء من التراب، بمعنى أنها تحفر، إذا وصلت إلى منتهى الحجر حفرت إلى أن يبقى عليها شيء قليل من طبقة الأرض، بحيث إذا دفعته برأسها، أو إذا دفعه برأسه انفتح، هذه هي النافقاء، لماذا يصنع ذلك؟ لأجل إذا حُجِرَ من باب الْجُحْر خرج من هذا، فهكذا المنافق إذا خُوطِب بالإيمان قال: إنه مؤمن، فتخلَّص، كما أنه إذا أتى إلى قومه يقول: إنه كافر، فيتخلَّص من ملامة هؤلاء وملامة هؤلاء.
﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾، معلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يطيع الكافر، لكن الذي قد يمكن أن يطيع المنافق؛ لأن المنافق لا يُحِسّ بنفاقه وكفره، ولا يُعْلَم عنه، فقد يغتر به الإنسان، فلهذا قدَّم الله الكافرين هنا على المنافقين، مع أنه في باب الوعيد يقدِّم المنافقين على الكافرين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء ١٤٠]، وقال تعالى: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ [الأحزاب ٧٣].
﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ يقول المؤلف: (فيما يخالف شريعتك)، هذا القيد يقتضي تخصيص النهي، مع أن النهي مطلَق ﴿لَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾، فما الذي حمل المؤلف على أن يقيِّده بما يخالف الشريعة؟ حمله على ذلك لأنه لو فُرِضَ أن الكافر أو المنافق أَمَرَ بما يوافق الشريعة لكان لزامًا علينا أن نطيعه، لا لأنه أَمَرَ، ولكن لأن هذا مقتضى الشريعة، هذا وجه.
ووجه آخر هو أن يقال: إن تقييد المؤلف ذلك بيان للواقع؛ لأن الكافر والمنافق لعداوتهما لشريعة النبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يأمر إلا بما يخالف الشريعة، فيكون هذا القيد بيانًا للواقع، والقيد الذي يكون بيانًا للواقع لا يقيِّد؛ لأنه لا يراد.
وأظن أن في ذلك أمثلة مرت علينا كثيرًا، فمن يأتي لي بمثال يكون فيه القيد بيانًا للواقع وغير مراد؟ (...) إلى شيء لا ينفعهم، ولكن هذا بيان للوقع.
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة ٢١]، فإن قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ قَيْد مُبَيِّن للواقع، وليس المعنى أن هناك ربًّا لم يخلق وربًّا خلق، واضح؟ الأمثلة في هذا كثيرة، فهنا يمكن أن نحمل كلام المؤلف في قوله: (فيما يخالف شريعتك ) على أنه بيان للواقع، وهو أن الكافر والمنافق لا يمكن أن يأمران إلا بما يخالف الشريعة؛ لأن الكافر كافر بها، والمنافق أيضًا كافر بها لكنه يُظْهِر الإيمان.
ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بما يكون قبل كونه، ﴿حَكِيمًا﴾ فيما يخلقه، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ هذه الجملة محلها أو موضعها مما قبلها في المعنى تعليلية، ووجه كونها تعليلًا لما قبلها أن الله لَمَّا أمر نبيه ﷺ بالتقوى، ونهاه عن طاعة الكافرين بَيَّنَ أن هذا الأمر والنهي صادر عن علم وحكمة، وأنه سبحانه وتعالى أعلم بما يكيده هؤلاء الأعداء من الكفار والمنافقين، فلا تطعهم فليسوا أهل نصر لك أبدًا.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ بما يكون قبل كونه، هل هذا التقييد صحيح؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ليش؟ لأنه عليم بما يكون قبل كونه وبعد كونه حال كونه موجودًا، وبعد كونه حال كونه معدومًا، فإن علم الله تعالى يتعلق بالأشياء في أحوالها الثلاث؛ قبل الوجود، وحين الوجود، وبعد العدم، ولَّا لا؟
قبل الوجود وحين الوجود وبعد العدم، عرفتم؟ عِلْم المخلوق لا يتعلق بالأشياء في هذه الأحوال كلها، قبل الوجود معلوم أنه لا يعلمه، وحين الوجود يعلمه –مثلًا-، لنفرض أنه يعلمه، وبعد العدم قد ينساه، ولَّا لا؟ فعلم المخلوق محفوف بنقصين: جهل سابق، ونسيان لاحق، أما الله عز وجل فإن علمه كامل جملة وتفصيلًا في جميع الأحوال، قبل الوجود، وحين الوجود، وبعد العدم، ولهذا قال موسى عليه السلام: ﴿عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى﴾ [طـه ٥٢]، فنفى عنه الضلال الذي هو الجهل، والنسيان الذي هو الذهول عن الشيء بعد علمه.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا﴾ إذا نقول: ﴿عَلِيمًا﴾ بما يكون قبل كونه، وبما يكون حين كونه، وبما يكون بعد عدمه، في كل الأحوال.
﴿حَكِيمًا﴾ مرت علينا كثيرًا، وبَيَّنَّا أنه مشتق من الحكمة والْحُكْم، من الحكمة والحكم، وأن حكم الله عز وجل كوني وشرعي، وأن الحكمة نوعان أيضًا: غائية وصورية؛ صورية مو معناها أنها بالصورة فقط، لكن كون الشيء على هذه الصورة حكمة، والغاية منه حكمة أخرى.
فإذا كان كذلك فكم تكون الأقسام؟ أربعة؟ نعم، نشوف: حُكْم مشتمل على الحكمة في صورته وغايته، حكم كوني، حكم شرعي مشتمل على الحكمة في صورته وفي غايته، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، وهنا إشكال في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ﴾؛ لأن المعروف أن الشيء الماضي قد مضى، ﴿كَانَ عَلِيمًا﴾ فهل يفيد أنه الآن ليس بعليم ؟ لا، لماذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هو هذا؛ لأن (كان) قد تكون مسلوبة الزمان، ويُقْصَد بها اتصاف اسمها بخبرها، وتَحَقُّق ذلك الاتصاف بدون أن يلاحظ الزمن فيها، عرفتم؟ وهي كلما جاءت بالنسبة إلى الله تعالى وأسمائه وصفاته فإنها على هذا الباب، أيش؟ أنها تفيد تحقُّق اتصاف الموصوف الذي هو اسمها بصفته وهو خبرها، بقطع النظر عن الزمان، فعليه نقول: إن الفعل هنا مسلوب الزمان، يعني: لم يزل ولا يزال عليمًا حكيمًا.
العلم والحكمة من الصفات الذاتية أو الفعلية ؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: من الصفات الذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال عليمًا، ولم يزل ولا يزال حكيمًا، والله أعلم. (...)
وفي لفظ ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ ، ﴿يَعْمَلُونَ﴾ حسب النسخة اللي عندي.
﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الأحزاب ٢]، نقول في ﴿اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ كما قلنا في ﴿اتَّقِ اللهَ﴾، يعني: استمر على اتباعه واتباع ما يوحَى إلى النبي ﷺ بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام يشمل اتباعه بالتبليغ، واتباعه بالدعوة، واتباعه بالعمل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام مأمور بالأمور الثلاثة؛ مأمور بتبليغه، وبالدعوة إليه، وبالعمل به.
وقوله: ﴿مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ الوحي في الأصل الإعلام بسرعة وخفاء، الإعلام بسرعة وخفاء يسمى وحيًا، والمراد به هنا إبلاغ النبي ﷺ ما شَرَعَه الله سبحانه وتعالى، سواء كان بواسطة أو بغير واسطة.
ومعلوم أن إبلاغ الله سبحانه وتعالى لنبيه ﷺ الوحي ظاهر أو لا، هو ظاهر للناس؟ لا؛ لأن الرسول ما يُعْرَف أنه يوحَى إليه إلا بما يظهر من علامات الوحي، لكن لا ندري كيف يُوحَى إليه لولا أنه أخبرنا بذلك.
وقوله: ﴿مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾، (ما) هذه اسم موصول من صِيَغ العموم تشمل كل ما يُوحَى إلى النبي ﷺ.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ يفيد أن هؤلاء الكافرين والمنافقين كانوا يحاولون من النبي ﷺ أن يخالف شريعته، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قد لا يعلم بذلك، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي: هؤلاء الكفار والمنافقون، ﴿بِمَا يعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ ، والخبير مشتق من الخبرة، وهي العلم ببواطن الأمور، ولهذا سُمِّي صاحب الحرث والزرع سُمِّي خبيرًا، وسُمِّيَت المزارعة مخابرة؛ لأن الحب يُدْفَن في الأرض فيكون باطنًا غير ظاهر، فالخبير هو العليم بماذا؟ ببواطن الأمور.
إذن الخبير أَخَصّ من العليم؛ لأن العليم يشمل العالم بظواهر الأمور وببواطنها، لكن الخبير أخص؛ هو العالم ببواطن الأمور، والعالم بالبواطن عالم بالظواهر من باب أولى.
وعندي يقول المؤلف: (وفي قراءة بالفوقانية)، فيقال: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾، (في قراءة) اصطلاح المؤلف رحمه الله أنه إذا قال: (في قراءة) فهي سبعية، وإذا قال: قُرِئَ فهي شاذة، وعلى هذا ففي الآية قراءتان سبعيتان.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أنا عندي (في قراءة بالفوقانية) عندكم (بالتحتانية)؟
* طالب: لا، بالفوقانية.
* الشيخ: بالفوقانية؛ لأن المؤلف أثبت ﴿يَعْمَلُونَ﴾، هنا نقول: في الآية قراءتان سبعيتان تجوز القراءة بكل منهما، وعندما نقول: تجوز، فليس معناه أن القراءة بهذا وبهذا على حد سواء، لكن المعنى أن القراءة بهما غير ممنوعة؛ لأن الأفضل أن تقرأ بهذه تارة وبهذه تارة، فإن اختلاف القراءات كاختلاف العبادات، وقد ذكرنا أن الأفضل في العبادات الواردة على وجوه متنوعة، أيش الأفضل؟ أن تأتي بهذه مرة وبهذه مرة، لأجل أن تكون قد عملت بالسنة في جميع وجوهها، كذلك في القراءات الأفضل أن تأتي بهذه مرة وبهذه أخرى، بشرط أن تكون عالِمًا بالقراءة، ولكن هذا القول الذي نقوله إنما هو في قراءة الإنسان الخاصة، أما قراءته على العامة فإنه لا ينبغي أن يخرج عن القراءة الموجودة بين أيديهم، لماذا؟ لأن العامي لا يدرك هذه القراءات، أو لا يدرك اختلاف هذه القراءات، فإذا قرأت القرآن بغير ما بين يديه فإنه سيُنْكِر عليك، لكن هذا الإنكار ربما تجيب عنه، لكن سيقع في نفسه شيء من الشك، يقول: إذن القرآن ما ضُبِط، ما دام واحد يقرأ بهذا، وواحد يقرأ بهذا معناه لم يُضْبَط القرآن، فيقع في قلبه شيء من الشك، ولهذا ينبغي لنا أن نُحَدِّث الناس بما تدركه عقولهم، كما في حديث علي: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ»[[أخرجه البخاري (١٢٧) عن علي رضي الله عنه موقوفًا.]].
فالحاصل أن الإنسان طالب العلم الذي يعرف القراءات ينبغي له أن يقرأ أحيانًا بهذه وأحيانًا بهذه، ولكن هل يجمع بين القراءتين؟ يعني –مثلًا- هنا أقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾، لا، الأفضل يأتي بهذا مرة وبهذا مرة؛ لأنك إذا جمعت بين القراءتين فقد خالفت، إذ إن مَن قرأها بالتاء لا يقرؤها بالياء، فكيف تجمع بينهما؟
ولكن بعض أهل العلم يقول: لا بأس أن تجمع بين القراءتين، سواء كانت منفصلة أو غير منفصلة، بمعنى أنه يجوز أن تقرأ بالقراءتين في الآية الواحدة، ويجوز أن تقرأ في آية بقراءة قارئ، وفي آية أخرى بقراءة قارئ آخر.
أما الثانية -وهي أن تقرأ في آية بقراءة قارئ، وفي آية أخرى بقراءة قارئ آخر- فهي جائزة، أما الجمع بين القراءتين في آية واحدة وفي تلاوة واحدة فإن في جوازه نظرًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني –مثلًا- تقرأ هنا: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ على قراءة أحد القراء، ثم تأتي –مثلًا- في قراءة ثانية تخالفه في آية أخرى فتقرأ بها. (...)
هل مجرد النداء يعتبر تعظيمًا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا.
* الطالب: النداء (...).
* الشيخ: أحسنت، من ندائه بوصف النبوة، مع أن الأنبياء الذين سِوَاه يناديهم الله تعالى بأسمائهم: يا موسي، يا عيسى، وما أشبه ذلك، أما النبي عليه الصلاة والسلام ما ناداه إلا بوصف النبوة أو الرسالة.
فإن قلت: أليس الله قد قال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران ١٤٤]، وقال: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح ٢٩]؟
* الطالب: هذا ليس مقام نداء وخطاب.
* الشيخ: نعم، هذا ليس مقام نداء وخطاب، لكن هو مقام خبر.
* ويُسْتَفَاد من الآية الكريمة: وجوب التقوى.
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿اتَّقِ اللهَ﴾، نعم.
* ويستفاد منها: وجوب التقوى على الأمة.
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا كان الرسول ﷺ يُؤْمَر بالتقوى فغيره من باب أولى، هذا وجه، وجه آخر؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أن الخطاب الموجَّه للرسول عليه الصلاة والسلام موجَّه له ولأمته، ما لم يقم دليل على تخصيصه.
بهذه المناسبة الخطابات الموجَّهة للرسول عليه الصلاة والسلام إما أن يقوم دليل على العموم، أن يكون في نفس الخطاب ما يدل على العموم، أو فيه ما يدل على الخصوص، أو فيه ما لا يدل على هذا ولا على هذا، فالذي فيه ما يدل على العموم للعموم، ومن يأتي بمثال له؟
* طالب: الخصوص؟
* الشيخ: لا، العموم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا ما فيه دليل على العموم.
* طالب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾.
* الشيخ: نعم، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق ١]، أو فيه ما يدل على الخصوص؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، صح، له أمثلة كثيرة، أو فيه ما لا يدل على هذا ولا هذا؟ مثل هذه الآية، ولكن حكمها عام، حكمها عام للنبي ﷺ ولأمته، واضح؟
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن النبي ﷺ عبد مأمور مكلَّف، مِن؟
* طالب: بأمره بالتقوى وعدم إطاعة الكافرين والمنافقين.
* الشيخ: نعم، أحسنت، بأمره بالتقوى وعدم إطاعة الكافرين والمنافقين.
* ويستفاد من ذلك: أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة فإن التكاليف لا تسقط عنه؟
* طالب: ذلك أن (...).
* الشيخ: وعلى هذا يتفرع على هذه الفائدة بيان ضلال أولئك لصوفية الذين يقولون: إن الإنسان إذا وصل إلى درجة المعايَنَة سقطت عنه التكاليف، ولَّا لا؟ لأننا نقول: لا أحد يبلغ مرتبة النبي ﷺ عند الله عز وجل، ومع ذلك لم تسقط عنه التكاليف.
فإن قالوا: إن الله يقول: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر ٩٩]، يعني: حتى تصل إلى درجة اليقين ثم تنتهي عن العبادة، فبماذا نجيبهم؟
* طالب: المراد باليقين هنا الموت.
* الشيخ: هل عندك دليل على أن اليقين هو الموت؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هم يقولون: ﴿حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾: حتى تصل إلى درجة اليقين ثم قف، فنحن الآن نريد أن نجد دليلًا يدل على أن اليقين هو الموت.
* الطالب: قول بعض السلف: وجَاهَد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين.
* الشيخ: لا، هذا قول السلف، نبغي من الكتاب أو من السنة.
* طالب: ﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾.
* الشيخ: نعم، قولهم –أي: أصحاب الجحيم-: ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ [المدثر ٤٦، ٤٧]، أتاهم اليقين يعني أنهم وصلوا إلى درجة اليقين؟ أبدًا، ماتوا على التكذيب، ولا وصلوا إلى درجة اليقين، وإذا كان هؤلاء يقولون: إننا وصلنا إلى درجة يقين يكونون به من أصحاب الجحيم، فنحن نوافقهم على ذلك، واضح؟
* ويستفاد من الآية الكريمة: تحريم طاعة الكافرين والمنافقين والركون إليهم؛ لقوله: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾.
* ويستفاد منها: أن الكافر والمنافق لا يمكن أن يكون ناصحًا للمؤمنين أبدًا.
* طالب: هنا (...).
* الشيخ: نعم، ولو كان يمكن أن يكون فيه النصح ما نهى عن طاعتهم مطلقًا؛ لأن الناصح يطاع.
* ويستفاد من الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: العليم، والحكيم.
والسؤال الآن: هل علم الله عز وجل خاصّ بالماضي والحاضر، أو شامل؟
* الطالب: (...)
* الشيخ: سؤال لم يرد في الشرح، هل عِلْم الله عز وجل متعلق بالواجب، أو بالمستحيل، أو بالممكن، أو بالجميع؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ممكن يكون في السماوات والأرض غالب غير الله؟ غير ممكن، وكذلك ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون ٩١]، هذا بالمستحيل، مثال تعلّق عِلْم الله بالواجب؟ كثير هذا كثير جدًّا.
* طالب: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [المجادلة ٧].
* الشيخ: لا.
* طالب: يعلم (...).
* الشيخ: يا إخواني، كل ما أخبر الله به عن نفسه فهو من العلم بالواجب؛ لأن الله يجب له صفات الكمال، فإذا أخبر عن نفسه بهذه الصفات صار متعلقًا بالواجب، أما الممكن فهو مثل ما قال الأخ: ﴿اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ﴾ [الرعد ٨]، هذا من الممكن ولَّا من الواجب؟ من الممكن؛ لأن حَمْل الأنثى وغَيْض الأرحام وزيادة الأرحام ممكن ولَّا واجب ولَّا جائز؟ ممكن.
إذن فصار عِلْم الله شاملًا لكل شيء جملةً وتفصيلًا، حاضرًا ومستقبلًا وماضيًا، واجبًا وممكنًا وجائزًا، ولهذا يقول السفاريني في عقيدته:
؎وَالْعِلْمُ وَالْكَلَامُ قَدْ تَعَلَّقَا ∗∗∗ بِكُلِّ شَيْءٍ يَا خَلِيلِي مُطْلَقَا
* طالب: (...).
* الشيخ: الواجب عندهم ضد المستحيل والممكن؛ لأنهم يقولون: الأشياء على ثلاثة أمور؛ إما واجبة، يعني لا بد من وجودها، ما هو بالواجب اللي يُثَاب فاعله ويستحق العقاب تاركه، الواجب الذي لا بد منه، والمستحيل الذي لا يمكن، والممكن الذي جائز الوقوع وعدمه.
* ويستفاد من الآية الكريمة: وجوب اتِّباع ما أُنْزِل على النبي ﷺ، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾، فإن قلت: هل هذا على العموم؛ أنه يجب اتباع ما أنزل على الرسول؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: إذن يجب أن نرفع الأيدي في الصلاة، ويجب أن نُسَبِّح أكثر من مرة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إذن معناه نقول: هذا يُسْتَثْنَى منه ما قام الدليل على أنه ليس بواجب، لكن ما صحّ عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولو كان غير واجب يجب اعتقاد مشروعيته، حتى وإن كان غير واجب الفعل، أفهمتم الآن؟
فعندنا اعتقاد المشروعية، وتنفيذ هذا المشروع، تنفيذ المشروع على حسب ما جاءت به الأدلة؛ إما واجب وإما مستحب، وأما اعتقاد المشروعية فيما صح فهو واجب.
فمثلًا: يجب عليَّ أن أعتقد مشروعية مجافاة العضدين عن الجنبين في السجود، ونعتقد مشروعية الالتفات في الصلاة عند السلام، لكن فِعْل ذلك يتوقف على الأدلة التفصيلية، إن دلت الأدلة على وجوبه فهو واجب، وإن دَلَّت على أنه مستحب فهو مستحب.
* ويستفاد من الآية الكريمة: ثبوت رسالة النبي ﷺ ونبوته.
* طالب: ﴿مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾، ومن أول الآية ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾، نعم.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن لله تعالى ربوبية خاصة بالنسبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لقوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾، وقد مَرَّ علينا كثيرًا أن الربوبية نوعان والعبودية نوعان؛ ربوبية عامة وربوبية خاصة، فمثال الربوبية العامة قوله تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [مريم ٦٥]، هذه عامة ولَّا خاصة؟ عامة.
ومثال الخصوصية مثل هذه الآية: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾، وقد اجتمع النوعان في قوله تعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢]، وكذلك العبودية نوعان: عامة وخاصة، فالعامة مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر ٤٤] عام.
والخاصة: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ [الإسراء ١]، المراد الرسول عليه الصلاة والسلام.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن عِلْم الله تعالى شامل للأمور الباطنة؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
* ويستفاد منها: تحذير الإنسان من المخالفة.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، نقول: تحذير الإنسان من المخالفة.
* طالب: (...).
* الشيخ: لأن هذا يوجِب أننا لا نخالف الله، ما دمنا نعلم أنه خبير بما نعمل فإنه لا يمكن أن نخالف الله عز وجل، واضح؟ مثل ما لو قلت –مثلًا-: اذهب وأنا أعلم ما تفعل، أيش المراد بهذا؟ التهديد والتحذير من المخالفة، فكل نص يأتي يُبَيِّن الله فيه أنه يعلم ما نعمل فهو تحذير لنا من مخالفته. (...)
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق