الباحث القرآني
(p-٣٤٧)سُورَةُ الأحْزابِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإجْماعِهِمْ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ سَبَبُ نُزُولِها «أنَّ أبا سُفْيانَ بْنَ حَرْبٍ، وعِكْرِمَةَ بْنَ أبِي جَهْلٍ، وأبا الأعْوَرِ السِّلْمِيَّ، قَدِمُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في المُوادَعَةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهُمْ، فَنَزَلُوا عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، ومَعْتِبِ بْنِ قُشَيْرٍ، والجَدِّ بْنِ قَيْسٍ؛ فَتَكَلَّمُوا فِيما بَيْنَهُمْ، وأتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَدَعُوهُ إلى أمْرِهِمْ (p-٣٤٨)وَعَرَضُوا عَلَيْهِ أشْياءَ كَرِهَها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ مُقاتِلٌ: سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنْ يَرْفُضَ ذِكْرَ اللّاتِ والعُزّى ويَقُولَ: إنَّ لَها شَفاعَةً، فَكَرِهَ ذَلِكَ، ونَزَلَتْ [هَذِهِ] الآيَةُ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ﴿وَلا تُطِعِ الكافِرِينَ﴾ الَّذِينَ يَقُولُونَ: اطْرُدْ عَنّا أتْباعَكَ مِن ضُعَفاءِ المُسْلِمِينَ ﴿والمُنافِقِينَ﴾ فَلا تَقْبَلْ مِنهم رَأْيًا.
فَإنْ قِيلَ: ما الفائِدَةُ في أمْرِ اللَّهِ تَعالى رَسُولَهُ بِالتَّقْوى، وهو سَيِّدُ المُتَّقِينَ؟! فَعَنْهُ ثَلاثَةُ أجْوِبَةٍ.
أحَدُها: أنَّ المُرادَ بِذَلِكَ اسْتِدامَةُ ما هو عَلَيْهِ. والثّانِي: الإكْثارُ مِمّا هو فِيهِ. والثّالِثُ: أنَّهُ خِطابٌ وُوجِهَ بِهِ، والمُرادُ أُمَّتُهُ.
قالَ المُفَسِّرُونَ: وأرادَ بِالكافِرِينَ في هَذِهِ الآيَةِ: أبا سُفْيانَ، وعِكْرِمَةَ، وأبا الأعْوَرِ، وبِالمُنافِقِينَ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أبِي سَرْحٍ، وطُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ. وما بَعْدَ هَذا قَدْ سَبَقَ بَيانُهُ [النِّساءِ: ٨١] إلى قَوْلِهِ: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ﴾ وفي سَبَبِ نُزُولِها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يَقُولُونَ: لِمُحَمَّدٍ قَلْبانِ، قَلْبٌ مَعَنا، وقَلْبٌ مَعَ أصْحابِهِ، فَأكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعالى، ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
(p-٣٤٩)والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الفِهْرِيِّ- كَذا نَسَبَهُ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وقالَ الفَرّاءُ: جَمِيلُ بْنُ أسَدٍ، ويُكَنّى: أبا مَعْمَرٍ. وقالَ مُقاتِلٌ: أبُو مَعْمَرِ بْنُ أنَسٍ الفِهْرِيُّ وكانَ لَبِيبًا حافِظًا لِما سَمِعَ، فَقالَتْ قُرَيْشٌ: ما حَفِظَ هَذِهِ الأشْياءَ إلّا ولَهُ قَلْبانِ في جَوْفِهِ، وكانَ يَقُولُ: إنَّ لِي قَلْبَيْنِ أعْقِلُ بِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما أفْضَلَ مِن عَقْلِ مُحَمَّدٍ، فَلَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ وهُزِمَ المُشْرِكُونَ وفِيهِمْ يَوْمَئِذٍ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ، تَلَقّاهُ أبُو سُفْيانَ وهو مُعَلِّقٌ إحْدى نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ، والأُخْرى في رِجْلِهِ، فَقالَ لَهُ: ما حالُ النّاسِ؟ فَقالَ: انْهَزَمُوا، قالَ: فَما بالُكَ إحْدى نَعْلَيْكَ في يَدِكَ والأُخْرى في رِجْلِكَ؟ قالَ: ما شَعَرْتُ إلّا أنَّهُما في رِجْلَيَّ، فَعَرَفُوا [يَوْمَئِذٍ] أنَّهُ لَوْ كانَ لَهُ قَلْبانِ لَما نَسِيَ نَعْلَهُ في يَدِهِ؛ وهَذا قَوْلُ جَماعَةٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وقَدْ قالَ الزُّهْرِيُّ في هَذا قَوْلًا عَجِيبًا، قالَ: بَلَغَنا أنَّ ذَلِكَ في زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ ضُرِبَ لَهُ مَثَلٌ يَقُولُ: لَيْسَ ابْنُ رَجُلٍ آخَرَ ابْنَكَ. قالَ الأخْفَشُ: " مِن " زائِدَةٌ في قَوْلِهِ: ﴿مِن قَلْبَيْنِ﴾ .
(p-٣٥٠)قالَ الزَّجّاجُ: أكْذَبَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ هَذا الرَّجُلَ الَّذِي قالَ: لِي قَلْبانِ، ثُمَّ قَرَّرَ بِهَذا الكَلامِ ما يَقُولُهُ المُشْرِكُونَ وغَيْرُهم مِمّا لا حَقِيقَةَ لَهُ، فَقالَ: ﴿وَما جَعَلَ أزْواجَكُمُ اللائِي تُظاهِرُونَ مِنهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ﴾ فَأعْلَمَ اللَّهُ تَعالى أنَّ الزَّوْجَةَ لا تَكُونُ أُمًّا، وكانَتِ الجاهِلِيَّةُ تُطَلِّقُ بِهَذا الكَلامِ، وهو أنْ يَقُولَ لَها: أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكُمْ﴾ أيْ: ما جَعَلَ مَن تَدْعُونَهُ ابْنًا- ولَيْسَ بِوَلَدٍ في الحَقِيقَةِ- ابْنًا ﴿ذَلِكم قَوْلُكم بِأفْواهِكُمْ﴾ أيْ: نَسَبُ مَن لا حَقِيقَةَ لِنَسَبِهِ قَوْلٌ بِالفَمِ لا حَقِيقَةَ تَحْتَهُ ﴿واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ﴾ أيْ: لا يَجْعَلُ غَيْرَ الِابْنِ ابْنًا ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ أيْ: لِلسَّبِيلِ المُسْتَقِيمِ.
(p-٣٥١)وَذَكَرَ المُفَسِّرُونَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَما جَعَلَ أزْواجَكُمُ اللائِي تُظاهِرُونَ مِنهُنَّ﴾ نَزَلَتْ في أوْسِ بْنِ الصّامِتِ وامْرَأتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ.
وَمَعْنى الكَلامِ: ما جَعَلَ أزْواجَكُمُ اللّائِي تُظاهِرُونَ مِنهُنَّ كَأُمَّهاتِكم في التَّحْرِيمِ، إنَّما قَوْلُكم مَعْصِيَةٌ، وفِيهِ كَفّارَةٌ، وأزْواجُكم لَكم حَلالٌ؛ وسَنَشْرَحُ هَذا في سُورَةِ (المُجادَلَةِ) إنْ شاءَ اللَّهُ. وذَكَرُوا أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكُمْ﴾ نَزَلَ في زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ، أعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وتَبَنّاهُ قَبْلَ الوَحْيِ،فَلَمّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قالَ اليَهُودُ والمُنافِقُونَ: تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ امْرَأةَ ابْنِهِ وهو يَنْهى النّاسَ عَنْها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا","وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا","مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلࣲ مِّن قَلۡبَیۡنِ فِی جَوۡفِهِۦۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَ ٰجَكُمُ ٱلَّـٰۤـِٔی تُظَـٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِیَاۤءَكُمۡ أَبۡنَاۤءَكُمۡۚ ذَ ٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَ ٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ یَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ یَهۡدِی ٱلسَّبِیلَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق