الباحث القرآني
﴿أَلَمۡ یَجۡعَلۡ كَیۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِیلࣲ ٢﴾ - تفسير
٨٤٩١٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ألَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ﴾ الذي أرادوا، مِن خراب الكعبة، واستباحة أهلها، ﴿فِي تَضْلِيلٍ﴾ يعني: خسار[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٨٥٣. وذكر آخره الثعلبي ١٠/٢٩٦ منسوبًا إلى مقاتل دون تعيينه.]]. (ز)
﴿أَلَمۡ یَجۡعَلۡ كَیۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِیلࣲ ٢﴾ - قصة أصحاب الفيل
٨٤٩١٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق عكرمة- قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصِّفاح، فأتاهم عبد المُطَّلِب، فقال: إنّ هذا بيتٌ لم يُسلِّط اللهُ عليه أحدًا. قالوا: لا نرجع حتى نهدمه. وكانوا لا يُقدِّمون فيلهم إلا تأخّر، فدعا الله الطيرَ الأبابيل، فأعطاها حجارة سودًا عليها الطين، فلما حاذتْ بهم صفَّتْ عليهم، ثم رمتْهم فما بقي منهم أحد إلا أصابته الحكّة، وكانوا لا يحكّ إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه[[أخرجه البيهقي في الدلائل ١/١٢٤. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، وأبي نعيم في الدلائل.]]. (١٥/٦٥٦، ٦٥٩)
٨٤٩١٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي ظَبْيان- قال: أقبل أصحابُ الفيل، حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المُطَّلِب، فقال لملِكهم: ما جاء بك إلينا؟ ألا بعثتَ فنأتيك بكلّ شيء أردتَ؟ فقال: أُخبِرتُ بهذا البيت الذي لا يدخله أحدٌ إلا أمِن، فجئتُ أُخِيفُ أهله. فقال: إنّا نأتيك بكلّ شيء تريد، فارجع. فأبى أن يرجع إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه، وتخلَّف عبد المُطَّلِب، فقام على جبل، فقال: لا أشهد مَهْلِك هذا البيت وأهله، ثم قال: اللهم إنّ لكلّ إله حِلالًا فامنع حِلالك[[الحِلال -بالكسر-: القوم المقيمون المتجاورون، يريد: سكان الحرم. النهاية (حلل).]] لا يغلبنّ محا لهم أبدًا محالك اللهم فإن فعلتَ فأمرٌ ما بدا لك فأقبلتْ مثل السحابة من نحو البحر، حتى أظلّتهم طيرًا أبابيل التي قال الله: ﴿تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِن سِجِّيلٍ﴾ فجعل الفيل يَعِجّ عجًّا[[العجّ: الصياح ورفع الصوت. لسان العرب (عج).]]، ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾[[أخرجه الحاكم ٢/٥٣٥، والبيهقي ١/١٢١-١٢٢. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي نعيم.]]. (١٥/٦٥٧)
٨٤٩١٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق السُّدِّيّ الصغير، عن الكلبي، عن أبي صالح- قال:إنّ فتًى مِن قريش خرج في أصحاب له مُتَوَجّهين نحو الحبشة، فنَزلوا بشاطئ، آواهم المقِيل إلى مُصلًّى كان للنصارى كان على شاطئ البحر، كانت تدعوه النصارى ماء سرجسان، فلما كان عند رحيلهم جمع الفتى القرشي وأصحابه حطبًا كان فضل مِن طعامهم، فألهب فيه النار، وارتحل هو وأصحابه، فأخذت النار في مُصلّى النصارى وأحرقته، فغضب النّجاشيُّ غضبًا شديدًا، فأتاه أبْرَهَة الصباحيّ، وأبو الأكسم الكنديّ، وحجر بن شرحبيل الكنديّ العدويّ، فقال: أيها الملك، ما يُغضبك مِن هذا؟ فلا يشقّ عليك، فنحن ضامنون لك بناء ماء سرجسان، وإحراق كعبة الله؛ فإنها حِرز قريش، فيكون ماء سرجسان، فنحن نسير بك إلى الكعبة، فنحرقها، ونخرِّبها مكان سرجسان التي أحرقها القرشي، ونضمن لك فتح مكة، فتختار أي نساء قريش شئتَ منها. فلم يزالوا به حتى استخفّوه، فأخرج جموعه وعديدًا من الناس، ثم سار إلى مكة، وسار معه المقلُوس في عصابة من اليمن فيهم حيٌّ من كنانة، حتى نزلوا بوادي المجاز -واد يقال له: وادي المجاز-، فنزل به[[عزاه السيوطي إلى أبي نعيم في الدلائل.]]. (١٥/٦٥٩)
٨٤٩١٨- عن سعيد بن جُبَير -من طريق محمد بن إسماعيل- قال: أقبل أبو يكسوم صاحب الحبشة ومعه الفيل، فلما انتهى إلى الحرم بَرك الفيل، فأبى أن يدخل الحرم، فإذا وُجِّه راجعًا أسرع راجعًا، وإذا أُريد على الحرم أبى، فأُرسل عليهم طيرٌ صغارٌ بيضٌ، في أفواهها حجارة أمثال الحِمَّص، لا تقع على أحد إلا هلك[[أخرجه ابن أبي شيبة ١٤/٢٨٣.]]. (١٥/٦٥٨)
٨٤٩١٩- قال الحسن البصري: ﴿كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الفِيلِ﴾ هذا خبر أخبر الله به النبي ﷺ، وذلك أنّ العرب أهل الحَرم هدموا كنيسة للحبشة وهم نصارى، فقال أبْرَهَة بن الصباح: لَنهدمنّ كعبة العرب كما هدموا كنيستنا. وكان أبْرَهَة من أهل اليمن، ملّكته الحبشة عليهم، فبعث بالفيل وبالجنود، فجاء حتى إذا انتهى إلى الحَرم ألقى بجِرانه[[الجِران: باطن العنق، وألقى بجِرانه: برك واستراح ومدَّ عنقه على الأرض. النهاية (جرن).]]، فسقط، فوجّهوه نحو منازلهم فذهب يسعى، فإذا وُجِّه نحو الحرم ألقى بجِرانه ولم يتحرّك، وإذا وُجِّه نحو منازلهم ذهب يسعى[[ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٥/١٦٣-.]]. (ز)
٨٤٩٢٠- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الفِيلِ﴾، قال: أقبل أبْرَهَة الأشرم بالحبشة ومَن تبعه مِن غُزاة أهل اليمن إلى بيت الله؛ ليهدموه من أجل بِيعةٍ لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم حتى إذا كانوا بالصِّفاح بَرك، فكانوا إذا وجّهوه إلى بيت الله ألقى بجِرانه إلى الأرض، فإذا وجّهوه قِبل بلادهم انطلق وله هرولة، حتى إذا كانوا بنخلة اليمانية بعث الله عليهم طيرًا أبابيل بيضًا، وهي الكثيرة، مع كلّ طائر منها ثلاثة أحجار؛ حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها، حتى جعلهم الله كعصف مأكول، فنجا أبو يكسوم، فجعل كلمّا قدم أرضًا تساقط بعض لحمه حتى أتى قومه فأخبرهم الخبر، ثم هلك[[أخرجه ابن جرير ٢٤/٦٤٣. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٥/٦٥٧)
٨٤٩٢١- عن عبد الملك ابن جُرَيْج، في قوله: ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الفِيلِ﴾، قال: أبو يكسوم جبّار مِن الجبابرة، جاء بالفيل يسوقه معه الجيش؛ ليهدم -زعم- بيت الله من أجل بِيعةٍ كانت هُدمتْ باليمن، فلما دنا الفيل مِن الحَرم ضرب بجِرانه، فإذا أرادوا به الرّجعة أسرع الهرولة[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١٥/٦٥٨)
٨٤٩٢٢- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ألَمْ تَرَ﴾ ألم تعلم يا محمد ﴿كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الفِيلِ﴾ يعني: أبْرَهَة بن الأشرم اليماني وأصحابه، وذلك أنه كان بعث أبا يكسوم بن أبْرَهَة اليماني الحبشي -وهو ابنه- في جيش كثيف إلى مكة، ومعهم الفيل ليُخرِّب البيت الحرام، ويجعل الفيل مكان البيت بمكة، ليُعظّم ويُعبد كتعظيم الكعبة، وأمره أن يقتل مَن حال بينه وبين ذلك، فسار أبو يكسوم بمن معه حتى نزل بالمُغمِّس، وهو وادٍ دون الحَرم بشيء يسير، فلما أرادوا أن يسوقوا الفيل إلى مكة لم يدخل الفيل الحرم، وبَرك، فأمر أبو يكسوم أن يسقوه الخمر، فسَقوه الخمر ويردّونه في سياقه، فلما أرادوا أن يسوقوه بَرك الثانية، ولم يقم، وكلما خلّوا سبيله ولّى راجعًا إلى الوجه الذي جاء منه يهرول، ففزعوا مِن ذلك، وانصرفوا عامهم ذلك، فلما أن كان بعده بسنة أو بسنتين خرج قوم من قريش في تجارة إلى أرض النجاشي، حتى دنوا من ساحل البحر في سند[[السند: ما ارتفع من الأرض في قُبُل الجبل أو الوادي. اللسان (سند).]] حِقْف[[الحِقْف: هو ما اعوج من الرمل واستطال، ويجمع على أحقاف. النهاية (جقف).]] من أحقافها ببِيعة النصارى، وتُسمّيها: قريش الهيكل، ويُسمّيها النجاشي وأهله أرضه: ماء سرجسان، فنزل القوم في سندها، فجمعوا حطبًا، فأوقدوا نارًا، وشووا لحمًا، فلما أرادوا أن يرتحلوا تركوا النار، كما هي في يوم عاصف، [فعجت] الريح، واضطرم الهيكل نارًا، فانطلق الصّريخ إلى النجاشي، وجاءه الخبر، فأسف عند ذلك غضبًا للبيعة، وسمعتْ بذلك ملوك العرب الذين هم بحضرته، فأتَوا النّجاشي منهم حجر بن شرحبيل، وأبو يكسوم الكنديان، وأَبْرَهَة بن الصباح الكنديّ، فقالوا: أيها الملك، لا تُكاد ولا تُغلب، نحن مؤازرون لك على كعبة قريش التي بمكة، فإنها فخرهم ومعتزّهم على مَن بحضرتهم من العرب، فننسف بناءها، ونبيح دماءها، وننتهب أموالها، وتمنح حفائرها مَن شئتَ من سوامك، ونحن لك على ذلك مؤازرون، فاعزم إذا شئتَ أو أحببتَ، أيها الملك. فأرسَل الملك الأسود بن مقصود، فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض، فأخرج كتائبه جماهير، معهم الفيل، واسمه: محمود، فسار بهم وبمن معه مِن ملوك العرب تلقاء مكة في جحافل تضيق عليهم الطرق، فلما ساروا مَرّوا بخيل لعبد المطلب -جد النبي ﷺ- مسَوّمة وإبل، فاستاقها، فركب الراعي فرسًا له أعوجيًّا كان يعدّه لعبد المُطَّلِب، فأمعن في السير حتى دخل مكة، فصعد إلى الصّفا، فرقى عليه، ثم نادى بصوت رفيع: يا صباحاه، يا صباحاه، أتتكم السّودان معها فيلها، يريدون أن يهدموا كعبتكم، ويدعوا عِزّكم، ويبيحوا دماءكم، وينتهبوا أموالكم، ويستأصلوا بيضتكم، فالنّجاء النّجاء. ثم قصد إلى عبد المُطَّلِب، فأخبره بالأمر كلّه، فركب عبد المُطَّلِب فرسه، ثم أمعن جادًّا في السير حتى هجم على عسكر القوم، فاستفتح له أبْرَهَة بن الصباح، وحجر بن شراحيل، وكانا خِلَّيْن، فقالا لعبد المُطَّلِب: ارجع إلى قومك، فأخبِرهم وأنذِرهم أنّ هذا قد جاءكم حميًا آتيًا. فقال عبد المُطَّلِب: واللّات والعُزّى، لا أرجع حتى أرجع معي بخيلي ولقاحي. فلما عرفا أنه غير راجع ونازع عن قوله قصدا به إلى النّجاشي، فقالا كهيئة المستهزئين يستهزئان به: أيها الملك، اردد عليه إبله وخيله، فإنما هو وقومه لك بالغداة. فأمر بردّها، فقال عبد المُطَّلِب للنّجاشي: هل لك إلى أنْ أُعطيك أهلي ومالي، وأهل قومي، وأموالهم ولقاحهم؛ على أن تنصرف عن كعبة الله؟ قال: لا. فسار عبد المُطَّلِب بإبله وخيله حتى أحرزها، ونزل النّجاشي ذا المجاز موضع سوق الجاهلية، ومعه من العدد والعُدّة كثير، وانذعرتْ قريش، وأعروا مكة، فلحقوا بجبل حراء وثبير وما بينها من الجبال، وقال عبد المُطَّلِب لقريش: واللّات والعُزّى، لا أبرح البيت حتى يقضي الله قضاءه، فقد نبّأني أجدادي أنّ للكعبة ربًّا يمنعها، ولن تغلب النصرانية، وهذه الجنود جنود الله. وبمكة يومئذ أبو مسعود الثقفي جدّ المختار، وكان مكفوف البصر، يقيظ بالطائف، ويشتو بمكة، وكان رجلًا نبيلًا، تستقيم الأمور برأيه، وهو أول فاتق، وأول راتق، وكان خِلًّا لعبد المُطَّلِب، فقال له عبد المُطَّلِب: يا أبا مسعود، ماذا عندك، هذا يوم لا يُستغنى عن رأيك؟ قال له أبو مسعود: اصعد بنا الجبل حتى نتمكّن فيه. فصعدا الجبل، فتمكّنا فيه، فقال أبو مسعود لعبد المُطَّلِب: اعمد إلى ما ترى مِن إبلك فاجعلها حرمًا لله، وقلِّدها نعالًا، ثم أرسِلها في حَرم الله، فلعلّ بعض هؤلاء السّودان أن يعقروها، فيغضب ربّ هذا البيت، فيأخذهم عند غضبه. ففعل ذلك عبد المُطَّلِب، فعمد القوم إلى تلك الإبل، فحملوا عليها، وعقروا بعضها، فقال عبد المُطَّلِب عند ذلك-وهو يبكي-: يا ربّ إن العبد يمنع رَحله فامنع حلالك لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم عدوًا محالك فإن كنتَ تاركهم وكعبتنا فأمرٌ ما بدا لك فلم أسمع بأرجس من رجال أرادوا العِزّ فانتهكوا حرامك ثم دعا عليهم، فقال: اللهم أخز الأسود بن مقصود الآخذ الهجمة بعد التقليد قبلها إلى طماطم سود بين ثبير فالبيد والمروتين والمشاعر السود ويهدم البيت الحرام المصمود قد أجمعوا ألا يكون لك عمود اخفرهم ربي فأنت محمود فقال أبو مسعود: إنّ لهذا البيت ربًّا يمنعه منعة عظيمة، ونحن له. فلا ندري ما منعه، فقد نزل تُبّع ملك اليمن بصحن هذا البيت، وأراد هدْمه، فمنعه الله عن ذلك، وابتلاه، وأظلم عليهم ثلاثة أيام، فلما رأى ذلك تُبّع كساه الثياب البيض من الشطرين وعظّمه، ونحر له جُزرًا، ثم قال أبو مسعود لعبد المُطَّلِب: انظر نحو البحر ما ترى؟ فقال: أرى طيرًا بيضًا قد انساب مع شاطئ البحر. فقال: ارمقها ببصرك أين قرارها؟ قال: أراها قد أزرتْ على رؤوسنا. فقال: هل تعرفها؟ قال: لا، والله، ما أعرفها، ما هي بنجديّة، ولا تِهاميّة، ولا غربيّة، ولا شرقيّة، ولا يمانيّة، ولا شاميّة، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة. قال: ما قدرها؟ قال: أشباه اليعاسيب، في مناقيرها الحصى كأنها حصى الخذف، قد أقلبتْ، وهي طير أبابيل يتبع بعضها بعضًا، أمام كلّ رفقة منها طائر يقودها أحمر المنقار، أسود الرأس، طويل العنق، حتى إذا جازتْ بعسكر القوم ركدنَ فوق رؤوسهم، فلما توافتها الرّعال كلّها هالت الطير ما في مناقيرها من الحجارة على مَن تحتها، يقال: إنه كان مكتوبًا على كلّ حجر اسم صاحبه، ثم إنها عادتْ راجعة من حيث جاءتْ. فقال أبو مسعود: لأمر ما هو كائن. فلما أصبحا انحطّا من ذروة الجبل إلى الأرض، فمشيا ربوة أو ربوتين، فلم يؤنسا أحدًا، ثم دنوا، فمشيا ربوة أو ربوتين أيضًا، فلم يسمعا همسًا، فقالا: عند ذلك بات القوم سامدين، فأصبحوا نيامًا، لا يُسمع لهم ركزًا. وكانا قبل ذلك يسمعان صياحهم، وجلبة في أسواقهم، فلما دَنَيا من عسكرهم فإذا هم خامدون، يقع الحجر في بيضة الرجل فيخرقها حتى يقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة حتى يغيب في الأرض من شدّة وقْعه، فعمد عبد المُطَّلِب فأخذ فأسًا مِن فئوسهم، فخفر حتى عمّق في الأرض، وملأه من الذّهب الأحمر والجوهر الجيد، وحفر أيضًا لصاحبه فملأه من الذّهب والجوهر، ثم قال لأبي مسعود: هاتِ خاتمك، واختر أيهما شئت، خذ إن شئتَ حُفرتي، وإن شئتَ حُفرتك، وإن شئتَ فهُما لك. فقال أبو مسعود: اختر لي. فقال عبد المطلب: إنى لم أعلُ أجود المتاع في حُفرتي، وهي لك، وجلس كلّ واحد منهما على حُفرة صاحبه، ونادى عبد المُطَّلِب في الناس، فتراجعوا، فأصابوا مِن فضلهما حتى ضاقوا به ذرعًا، وساد عبد المُطَّلِب بذلك قريشًا، وأعطوه المقادة، فلم يزل عبد المُطَّلِب وأبو مسعود وأهلوهما في غِنًى مِن ذلك المال، ودفع الله ﷿ عن كعبته وقِبلته، وسلّط عليهم جنودًا لا قِبل لهم بها، وكان لهم بالمرصاد والأخذة الرابية، وأنزل فيهم: ﴿ألَمْ تَرَ﴾ يعني: يخبر نبيّه ﷺ ﴿كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الفِيلِ﴾ يعني: الأسود بن مقصود، ومَن معه من الجيش وملوك العرب ...[[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٨٤٧-٨٥٤. وقد أتم مقاتل القصة بذكر بعض ما قالته العرب من شعر في الحادثة، آثرنا حذفها لما فيه من تصحيف وعدم دقة في تحقيقها. وقد أورد القصة بطولها الثعلبيُّ في تفسيره ١٠/ ٢٩٣ معزوَّة إلى مقاتل بن سليمان.]]. (ز)
٨٤٩٢٣- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة بن الفضل-: أنّ أبْرَهَة بنى كنيسة بصنعاء، وكان نصرانيًّا، فسماها: القُلَّيْس؛ لم يُر مثلها في زمانها بشيء من الأرض؛ وكتب إلى النجاشيّ ملِك الحبشة: إني قد بنيتُ لك -أيها الملِك- كنيسة لم يُبن مثلها لملِك كان قبلك، ولستُ بمنتهٍ حتى أصرف إليها حاجّ العرب. فلما تحدّثت العرب بكتاب أبْرَهَة ذلك للنجاشيّ غضِب رجلٌ من النّسَأة[[النسأة: ما كانت تفعله العرب في الأشهر الحرم، وذلك أنهم كانوا يكرهون توالي ثلاثة أشهر حُرم لا يغيرون فيها؛ لأن حياتهم ومعاشهم من الغارة، فيحل لهم شهر المحرم، فذلك الإنساء. اللسان (نسأ).]] أحد بني فُقَيم، ثم أحد بني مالك، فخرج حتى أتى القُلَّيْس، فقعد فيها، ثم خرج فلحق بأرضه، فأُخبر أبْرَهَة بذلك، فقال: مَن صنع هذا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هذا البيت الذي تحجّ العرب إليه بمكة؛ لما سمع من قولك: أصرف إليه حاجّ العرب، فغضب، فجاء فقعد فيها، أي: أنها ليستْ لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبْرَهَة، وحلف ليسيرنّ إلى البيت فيهدمه، وعند أبْرَهَة رجال من العرب قد قدموا عليه يلتمسون فضله، منهم محمد بن خُزاعيّ بن حزابة الذَّكواني، ثم السُّلمي، في نفر من قومه، معه أخ له يُقال له: قيس بن خُزاعيّ، فبينما هم عنده غشيهم عبد لأَبْرَهَة، فبعث إليهم فيه بغذائه، وكان يأكل الخُصى، فلما أتى القوم بغذائه قالوا: واللهِ، لئن أكلنا هذا لا تزال تسبّنا به العرب ما بقينا. فقام محمد بن خُزاعيّ، فجاء أبْرَهَة، فقال: أيها الملِك، إنّ هذا يوم عيد لنا، لا نأكل فيه إلا الجُنوب والأيدى. فقال له أبْرَهَة: فسنبعث إليكم ما أحببتم، فإنما أكرمتكم بغذائي لمنزلتكم عندي. ثم إن أبْرَهَة توّج محمد بن خزاعي، وأمّره على مُضر أن يسير في الناس، يدعوهم إلى حجّ القُلَّيْس، كنيسته التي بناها، فسار محمد بن خُزاعيّ، حتى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة، وقد بلغ أهل تِهامة أمره، وما جاء له، بعثوا إليه رجلًا من هُذَيل يقال له: عروة بن حياض الملاصيّ، فرماه بسهم، فقتله، وكان مع محمد بن خُزاعيّ أخوه قيس بن خُزاعيّ، فهرب حين قُتل أخوه، فلحق بأَبْرَهَة، فأخبره بقتْله، فزاد ذلك أبْرَهَة غضبًا وحنقًا، وحلف ليغزونّ بني كنانة، وليهدمنّ البيت. ثم إن أبْرَهَة حين أجمع السير إلى البيت أمر الحُبْشان، فتهيّأتْ وتجهّزتْ، وخرج معه بالفيل، وسمعت العرب بذلك، فأعظموه، وفظعوا به، ورأوا جهاده حقًّا عليهم حين سمعوا أنه يريد هدْم الكعبة بيت الله الحرام، فخرج رجل كان مِن أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال: له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبْرَهَة وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، وعرض له، وقاتله، فهُزم، وتفرّق أصحابه، وأُخذ له ذو نَفر أسيرًا، فأُتي به، فلما أراد قتله قال له ذو نَفْر: أيها الملِك، لا تقتلني، فإنّه عسى أن يكون بقائي معك خيرًا لك مِن قتْلي. فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق، وكان أبْرَهَة رجلًا حليمًا. ثم مضى أبْرَهَة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نُفَيل بن حبيب الخثعميّ في قبيلي خثعم: شهران، وناهس، ومن معه من قبائل العرب، فقاتله، فهزمه أبْرَهَة، وأُخذ له أسيرًا، فأُتي به، فلما همّ بقتْله قال له نُفَيل: أيها الملِك، لا تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيتليّ خثعم؛ شهران، وناهس، بالسمع والطاعة. فأعفاه، وخلّى سبيله، وخرج به معه يدلّه على الطريق، حتى إذا مَرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن مُعتِّب في رجال ثقيف، فقال: أيها الملِك، إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون، ليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد -يعنون: اللّات-، إنما تريد البيت الذي بمكة -يعنون: الكعبة-، ونحن نبعث معك مَن يدلّك، فتجاوز عنهم، وبعثوا معه أبا رغال، فخرج أبْرَهَة ومعه أبو رِغال حتى أنزله المُغَمِّس[[المغمس: موضع في طرف الحرم، وهو الذي ربض فيه الفيل. معجم البلدان ٤/٥٨٣.]]، فلما أنزله به مات أبو رِغال هناك، فرَجمت العربُ قبره، فهو القبر الذي ترجم الناس بالمُغَمِّس. ولما نزل أبْرَهَة المُغَمِّس بعث رجلًا من الحبشة -يقال له: الأسود بن مقصود- على خيل له حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال أهل مكة من قريش وغيرهم، وأصاب منها مائتي بعير لعبد المُطَّلِب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيّدها، وهمّتْ قريش وكنانة وهُذيل ومَن كان بالحَرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك، وبعث أبْرَهَة حُناطة الحِمْيريّ إلى مكة، وقال له: سل عن سيّد هذا البلد وشريفهم، ثم قُل له: إنّ الملك يقول لكم: إني لم آتِ لحربكم، إنما جئتُ لهدْم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم. فإن لم يُرد حربي فأْتني به. فلما دخل حُناطة مكة سأل عن سيّد قريش وشريفها، فقيل له: عبد المُطَّلِب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَي، فجاءه، فقال له ما أمره به أبْرَهَة، فقال له عبد المُطَّلِب: واللهِ، ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم ﵇أو كما قال-، فإن يمنعه فهو بيته وحَرمه، وإن يُخلّ بينه وبينه -فواللهِ- ما عندنا له مِن دفْع عنه. أو كما قال له، فقال له حُناطة: فانطلِق إلى الملِك، فإنه قد أمرني أنْ آتيه بك. فانطلق معه عبد المُطَّلِب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نَفْر، وكان له صديقًا، فدُلّ عليه، فجاءه وهو في محبسه، فقال: يا ذا نَفْر، هل عندك غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نَفْر: وما غناء رجل أسير بيدي ملِك، ينتظر أن يقتله غدوًّا أو عشيًّا؟ ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلا أنّ أُنَيْسًا سائس الفيل لي صديق، فسأرسل إليه، فأوصيه بك، وأُعظِّم عليه حقّك، وأسأله أن يستأذن لك على الملِك، فتكلّمه بما تريد، ويشفع لك عنده بخير، إن قدر على ذلك. قال: حسبي. فبعث ذو نَفْر إلى أُنَيْس، فجاء به، فقال: يا أُنَيْس، إنّ عبد المُطَّلِب سيد قريش، وصاحب عِير مكة، يُطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب الملِك له مائتي بعير، فاستأذِن له عليه، وانفعه عنده بما استطعتَ. فقال: أفعل. فكلّم أُنَيْس أبْرَهَة، فقال: أيها الملِك، هذا سيّد قريش ببابك، يستأذن عليك، وهو صاحب عِير مكة، يُطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأْذن له عليك، فليكلّمك بحاجته، وأحسِن إليه. قال: فأذن له أبْرَهَة، وكان عبد المُطَّلِب رجلًا عظيمًا وسيمًا جسيمًا؛ فلما رآه أبْرَهَة أجلّه وأكرمه أن يجلس تحته، وكره أن تراه الحبشة يُجلسه معه على سرير مُلكه، فنزل أبْرَهَة عن سريره، فجلس على بساطه، فأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لتُرْجُمانه: قُل له: ما حاجتك إلى الملِك؟ فقال له ذلك التُّرجُمان، فقال له عبد المُطَّلِب: حاجتي إلى الملِك أن يردّ عليّ مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك قال أبْرَهَة لتُرْجُمانه: قُل له: قد كنتَ أعجبتني حين رأيتُك، ثم زهدتُ فيك حين كلّمتني، أتكلّمني في مائتي بعير أصبتُها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، قد جئتُ لهدْمه فلا تكلّمني فيه؟! قال له عبد المُطَّلِب: إني أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربًّا سيمنعه. قال: ما كان ليُمنع مني. قال: أنتَ وذاك، اردد إليّ إبلي. وكان -فيما زعم بعض أهل العلم- قد ذهب مع عبد المُطَّلِب إلى أبْرَهَة، حين بعث إليه حُناطة، يعمُر بن نُفاثة بن عدي بن الدُّئل بن بكر بن عبد مَناة بن كنانة، وهو يومئذ سيّد بني كنانة، وخُوَيْلد بن واثلة الهُذلي وهو يومئذ سيّد هُذيل، فعرضوا على أبْرَهَة ثُلُث أموال تِهامة على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبى عليهم، والله أعلم. وكان أبْرَهَة قد ردّ على عبد المُطَّلِب الإبل التي أصاب له، فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المُطَّلِب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرُّز في شَعْف الجبال والشِّعاب، تخوّفًا عليهم من مَعرّة الجيش، ثم قام عبد المُطَّلِب، فأخذ بحلقة الباب باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبْرَهَة وجنده، فقال عبد المُطَّلِب وهو آخذ حلقة باب الكعبة: يا ربِّ لا أرجو لهم سِواكا يا ربِّ فامنع منهم حِماكا إن عدوَّ البيت مَن عاداكا امنعهم أن يُخْربوا قراكا لاهُمّ إن العبد يمـــ ــنع رحْله فامنع حِلالك لا يغلبنّ صليبُهم ومِحالهم غدوا مِحالك فلئن فعلتَ فربما أولى فأمرٌ ما بدا لك ولئن فعلتَ فإنه أمرٌ تُتم به فِعالك وكنتَ إذا أتى باغٍ بسَلْم نُرجِّي أن تكون لنا كذلك فولَّوا لم ينالوا غير خِزي وكان الحين يُهلكهم هنالك ولم أسمع بأرجسَ من رجال أرادوا العز فانتهكوا حَرامك جرُّوا جموع بلادهم والفيل كي يَسْبوا عيالك ثم أرسل عبد المُطَّلِب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومَن معه من قريش إلى شَعْف الجبال، فتحرّزوا فيها ينتظرون ما أبْرَهَة فاعل بمكة إذا دخلها؛ فلما أصبح أبْرَهَة تهيّأ لدخول مكة، وهيّأ فيله، وعبّأ جيشه، وكان اسم الفيل: محمودًا، وأَبْرَهَة مُجمع لهدْم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن، فلما وجّهوا الفيل أقبل نُفَيل بن حبيب الخثعميّ، حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأُذنه، فقال: ابرُك محمود، وارجع راشدًا من حيث جئتَ؛ فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أُذنه، فبَرك الفيل، وخرج نُفَيل بن حبيب يشتدّ حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، وضربوا في رأسه بالطَّبَرْزين[[الطبرزين: فأس السرج يقاتلون به. المعرّب ص٢٧٦.]] ليقوم، فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مَراقِّه[[مرق البطن: أسفله وما حوله مما استرق منه. اللسان (رقق).]]، فبَزغوه[[البزغ: الشق. اللسان (بزغ).]] بها ليقوم، فأبى، فوجّهوه راجعًا إلى اليمن، فقام يهرول، ووجّهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى مكة فبَرك، وأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف، مع كلّ طير ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه مثل الحِمَّص والعَدَس، لا يصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلّهم أصابتْ، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا، ويسألون عن نُفَيل بن حبيب، ليدلّهم على الطريق إلى اليمن، فقال نُفَيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نِقمته: أين المفرّ والإله الطالب؟! والأشرمُ المغلوبُ غير الغالب فخرجوا يتساقطون بكلّ طريق، ويهلكون على كلّ منْهل، فأصيب أبْرَهَة في جسده، وخرجوا به معهم، تسقط أنامله أُنمُلة أُنمُلة، كلما سقطت أُنمُلة أتبعتها مِدّة تُمثُّ[[تُمثُّ: ترشح وتسيل. اللسان (مثث).]] قيحًا ودمًا، حتى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطير، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون[[أخرجه ابن جرير ٢٤/٦٣٥-٦٤٢.]]٧٣٠٤. (ز)
٨٤٩٢٤- عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس، قال: كان من حديث أصحاب الفيل أنّ أبْرَهَة الأشرم الحبشي كان ملِك اليمن، وأنّ ابن ابنته أكسوم بن الصباح الحميري خرج حاجًّا، فلما انصرف من مكة نزل في كنيسة بنجران، فغدا عليها ناس من أهل مكة، فأخذوا ما فيها من الحلي، وأخذوا متاع أكسوم، فانصرف إلى جدّه مُغضبًا، فبعث رجلًا مِن أصحابه -يُقال له: شهر بن معقود- على عشرين ألفًا من خولان والأشعريين، فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم، فتنحّتْ خثعم عن طريقهم، فلما دنا مِن الطائف خرج إليه ناس من بني خثعم، ونصر، وثقيف، فقالوا: ما حاجتك إلى طائفنا، وإنما هي قرية صغيرة؟! ولكنا ندلّك على بيت بمكة يُعبد، وحِرْز من لجأ إليه، مَن مَلكه تمّ له مُلك العرب، فعليك به، ودَعْنا منك. فأتاه، حتى إذا بلغ المُغَمِّس وجد إبلًا لعبد المُطَّلِب مائة ناقة مُقلّدة، فأنهبها بين أصحابه، فلما بلغ ذلك عبد المُطَّلِب جاءه، وكان جميلًا، وكان له صديق من أهل اليمن يقال له: ذو عمرو، فسأله أن يَرُدّ عليه إبله، فقال: إني لا أطيق ذلك، ولكن إن شئتَ أدخلتُك على الملِك. فقال عبد المُطَّلِب: فافعل. فأدخَله عليه، فقال له: إنّ لي إليك حاجة. قال: قضيتُ كلّ حاجة تطلبها. قال: أنا في بلد حرام، وفي سبيل بين أرض العرب وأرض العجم، وكانت مائة ناقة لي مُقلّدة ترعى بهذا الوادي بين مكة وتِهامة عليها نمير أهلها، ونخرج إلى تجارتنا، ونتحمل من عدوّنا، عدا عليها جيشُك فأخذوها، وليس مثلك يظلم مَن جاوره. فالتفتَ إلى ذي عمرو، ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجبًا، فقال: لو سألني كلّ شيء أُحرزه أعطيته إياه، أمّا إبلك فقد رددنا إليك ومثلها معها، فما يمنعك أن تكلّمني في بيتكم هذا وبلدكم هذ؟ فقال له عبد المُطَّلِب: أمّا بيتنا هذا وبلدنا هذا فإنّ لهما ربًّا، إن شاء أن يمنعهما منعهما، ولكني إنما أُكلّمك في مالي. فأمر عند ذلك بالرحيل، وقال: لتُهدمنّ الكعبة، ولتُنهبنّ مكة. فانصرف عبد المُطَّلِب وهو يقول: لا هُمّ إنّ المرء يمــ ـــنع رحْله فامنع حِلالك لا يغلبنّ صليبُهم ومِحالهم عدْوًا مِحالك فإذا فعلتَ فربما تحمِى فأمرٌ ما بدا لك فإذا فعلتَ فإنه أمر تُتمُ به فعالك وغدوا غدًا بجموعهم والفيل كي يَسبُوا عِيالك فإذا تركتَهم وكعــ ــــــبتنا فواحُزنًا هنالك فلما توجه شهرٌ وأصحابه بالفيل، وقد أجمعوا ما أجمعوا، طفق كلما وجّهوه أناخ وبَرك، فإذا صرفوه عنها مِن حيث أتى أسرع السير، فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل، وخرجتْ عليهم طيرٌ من البحر لها خراطيم كأنها البَلسُ[[في النهاية (بلس): قال عباد بن موسى: أظنها الزرازير. والزرازير: من رتبة العصفوريات، وهو أكبر قليلًا من العصفور، وله منقار طويل. المعجم الوسيط (زرزر).]]، شبيهة بالوطواط، حُمر وسود، فلما رأوها أشفقوا منها، وسُقط في أيديهم، فرمتْهم بحجارة مُدحرَجة كالبنادق، تقع على رأس الرجل فتخرج من جوفه، فلما أصبحوا مِن الغد أصبح عبد المُطَّلِب ومَن معه على جبالهم، فلم يروا أحدًا غشيهم، فبعث ابنه على فرس له سريع ينظر ما لقوا، فإذا هم مُشدَّخين جميعًا، فرجع يدفع فرسه كاشفًا عن فَخِذه، فلما رأى ذلك أبوه قال: إنّ ابني أفرس العرب، وما كشف عن فَخذه إلا بشيرًا أو نذيرًا. فلما دنا من ناديهم قالوا: ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعًا، فخرج عبد المُطَّلِب وأصحابه، فأخذوا أموالهم، وقال عبد المُطَّلِب: أنت منعتَ الجيش والأفيالا وقد رَعوا بمكة الأجبالا وقد خشينا منهم القتالا وكل أمر منهم مِعضالا شكرًا وحمدًا لك ذا الجلالا فانصرف شهرٌ هاربًا وحده، فأول منزل نزله سقطتْ يده اليُمنى، ثم نزل منزلًا آخر فسقطتْ رجله اليُسرى، ثم نزل منزلًا آخر فسقطتْ يده اليُسرى، ثم نزل منزلًا آخر فسقطتْ رجله اليُمنى، فأتى منزله وقومه وهو جسد لا أعضاء له، فأخبرهم الخبر، ثم فاضتْ نفسُه وهم ينظرون[[أخرجه أبو نعيم في الدلائل (٨٦). وعزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]٧٣٠٥. (١٥/٦٥٣)
٨٤٩٢٥- عن عطاء بن يسار، قال: حدّثني مَن كلّم قائد الفيل وسائسه قال لهما: أخبِراني خبر الفيل. قالا: أقبَلنا به وهو فيل الملِك النّجاشي الأكبر، لم يَسر به قطّ إلى جمْع إلا هزمهم، فلما دنونا من الحَرم جعلنا كلما نوجّهه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فينهبط، وتارة نضربه حتى نملّ ثم نتركه، فلما انتهى إلى المُغَمِّس ربض فلم يقم، فطلع العذاب. فقلنا: نجا غيركما؟ قالا: نعم، ليس كلّهم أصابه العذاب، وولّى أبْرَهَة ومَن تبعه يريد بلاده، كلما دخلوا أرضًا وقع منه عضو، حتى انتهى إلى بلاد خثعم وليس عليه غير رأسه فمات[[عزاه السيوطي إلى أبي نعيم.]]. (١٥/٦٦٥)
﴿أَلَمۡ یَجۡعَلۡ كَیۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِیلࣲ ٢﴾ - آثار متعلقة بالقصة
٨٤٩٢٦- عن قيس بن مخرمة، قال: وُلدتُ أنا ورسول الله ﷺ عام الفيل[[أخرجه ابن إسحاق (٢٩)، وأبو نعيم في الدلائل (٨٥)، والبيهقي ١/٧٦-٧٧.]]. (١٥/٦٦٨)
٨٤٩٢٧- عن أبي الحويرث، قال: سمعتُ عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني الليثي: يا قباث، أنت أكبر أم رسول اللّه؟ قال: رسول اللّه أكبر مِنِّي، وأنا أسنُّ منه، وُلد رسول اللّه ﷺ عام الفيل، ووقفتْ بي أمّي على روث الفيل[[أخرجه الثعلبي ١٠/٢٩٦.]]. (ز)
٨٤٩٢٨- عن عائشة -من طريق عمرة- قالت: لقد رأيتُ قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مُقعَديْن يَستطعمان[[أخرجه ابن إسحاق في السيرة ص٤٤، والواقدي -كما في تفسير ابن كثير ٨/٥٠٩-، والبيهقي ١/١٢٥. وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه، وأبي نعيم.]]. (١٥/٦٦٨)
٨٤٩٢٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد- قال: وُلِد النبيُّ ﷺ عام الفيل[[أخرجه البيهقي ١/٧٥. وعزاه السيوطي إلى أبي نعيم.]]. (١٥/٦٦٨)
٨٤٩٣٠- عن [سعيد بن عبد الرحمن] بن أبْزى -من طريق جعفر- قال: كان بين الفيل وبين رسول الله ﷺ عشر سنين[[أخرجه البيهقي في الدلائل ١/٧٩. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٥/٦٦٨)
٨٤٩٣١- عن محمد بن جُبَير بن مُطعم، قال: وُلِد رسول الله ﷺ عام الفيل، وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وبُني البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبّأ رسول الله ﷺ على رأس أربعين من الفيل[[أخرجه البيهقي ١/٧٨.]]. (١٥/٦٦٩)
٨٤٩٣٢- قال عُبيد بن عُمير= (ز)
٨٤٩٣٣- ومحمد بن السّائِب الكلبي: كان قبل مولد النبي ﷺ بثلاث وعشرين سنة[[تفسير الثعلبي ١٠/٢٩٦، وتفسير البغوي ٨/٥٤٠ عن الكلبي فقط.]]. (ز)
٨٤٩٣٤- قال مقاتل بن سليمان: كان أصحاب الفيل قبل مولد النبي ﷺ بأربعين سنة، وهلكوا عند أدنى الحرم، ولم يدخلوه قط ... [[تفسير مقاتل بن سليمان ٤/٨٥٣. وهو في تفسير الثعلبي ١٠/٢٩٦ وتفسير البغوي ٨/٥٤٠ معزوًّا إلى مقاتل دون تعيينه.]]. (ز)
٨٤٩٣٥- قال محمد بن السّائِب الكلبي= (ز)
٨٤٩٣٦- ومقاتل: كان صاحب الجيش أبْرَهَة، وكان أبو يكسوم مِن وزرائه ونُدمائه، فلمّا أهلكهم اللّه سبحانه بالحجارة لم يُفلتْ منهم إلا أبو يكسوم، فسار وطائر يطير فوقه، ولم يشعر به حتى دخل على النّجاشي، فأخبره بما أصابهم، فلمّا استتمّ كلامه رماه الطائر، فسقط فمات، فأرى اللّه النّجاشي كيف كان هلاك أصحابه[[تفسير الثعلبي ١٠/٢٩٦.]]. (ز)
٨٤٩٣٧- قال الواقدي: كان أبْرَهَة جدّ النجاشي الذي كان في زمن رسول اللّه ﷺ[[تفسير الثعلبي ١٠/٢٩٦.]]. (ز)
٨٤٩٣٨- عن يعقوب بن عُتبة بن المُغيرة بن الأَخْنَس -من طريق ابن إسحاق- قال: إنّ أول ما رؤيت الحصبة والجُدَرِيّ بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رؤي بها مُرار الشجر: الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام[[أخرجه ابن جرير ٢٤/٦٤٣.]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.