الباحث القرآني
قوله تعالى ذكره: ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ﴾، إلى قوله: ﴿لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ﴾،
أي قل يا محمد للقائلين في التوراة والإنجيل إنهما ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ أو محمد وموسى، أو موسى وهارون إنهما ساحران، ﴿فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ﴾، من هذين الكتابين أو من هذين الرسولين، وإذا جعلت "منهما" للرسولين، فعلى قراءة من قرأ لساحران لا بد من حذف، والتقدير هو أهدى من كتابيهما ﴿أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، أي إن جئتم بالكتاب أتبعه إن كنتم صادقين في قولكم: ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ﴾، أي إن لم يجيبوك إلى ما تدعوهم إليه من الإتيان بكتاب، فاعلم أنهم إنما يتبعون أهواءهم في كفرهم وجحدهم لكتب الله وأنبيائه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ﴾، أي من أضل عن طريق الرشد ممن اتبع هواه بغير بيان عنده من الله ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ﴾، أي لا يوفقهم لإصابة الحق، أي لا أحد أضل ممن هذه صفته.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، أي ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش، ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين، والنبأ عما أحللنا بهم من العقوبات، إذ كذبوا الرسل ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، أي يتفكرون، ويعتبرون. وأصل "وصلنا" من وصل الجبال بعضها ببعض.
قال أبو عبيدة: وصَّلْنا أتممنا.
قال قتادة: معناه: وصَّلْنا لهم خبر من مضى بخبر من يأتي.
وقال ابن عيينة وصَّلنا: بَيَّنَّا.
وقال ابن زيد: وصّلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة، حتى كأنهم عاينوا الآخرة وشهدوها وهم في الدنيا، بما نريهم من الآيات في الدنيا.
قال مجاهد: وصّلنا لهم: يعني قريشاً.
وقيل: عني به اليهود.
وقرأ الحسن: "وصلنا" بالتخفيف.
وقيل: معنى ﴿وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ﴾ أي جعلنا بعضه ينزل إثر بعض مشاكلاً بعضه لبعض في باب الحكمة وحسن البيان.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾، يعني من آمن بمحمد عليه السلام من أهل الكتاب.
قال قتادة: نزلت في ناس من أهل الكتاب، كانوا على شريعة من الحق يأخذون بها وينتهون، حتى بعث الله جل ثناؤه محمداً آمنوا به وصدقوه، فأعطاهم الله أجرهم مرتين بصبرهم على الكتاب الأول، واتباعهم محمداً ﷺ، وصبرهم على ذلك.
وقيل: أعطاهم الله أجرهم مرتين بإيمانهم ببعث محمد ﷺ قبل بعثه، وإيمانهم به بعد بعثه، فبصبرهم على ذلك أعطوا أجرهم مرتين.
ويقال: إن منهم سلمان، وعبد الله بن سلام.
قال الضحاك: هم ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل، ثم أدركوا محمداً فآمنوا به، فآتاهم الله أجرهم مرتين بإيمانهم بمحمد قبل أن يبعث، وباتباعهم إياه حين بعث، فذلك قوله عنهم: ﴿إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾.
وقال الزهري: هم النجاشي وأصحابه وجه باثني عشر رجلاً، فجلسوا مع النبي عليه السلام، وكان أبو جهل وأصحابه قريباً منهم، فآمنوا بالنبي ﷺ، فلما قاموا من عنده، تبعهم أبو جهل ومن تبعه فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب، وقبحكم من وفد، لم تلبثوا أن صدقتموه، وما رأينا ركباً أحمق ولا أسفل منكم، فقالوا: سلام عليكم لم نأل أنفسنا رشداً ﴿لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾.
* * *
وقوله: ﴿إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾، أي من قبل إتيان محمد لأنا وجدنا صفته في كتابنا فآمنا به، ثم بعث فآمنا به. والهاء في "قبله" تعود على ، النبي عليه السلام، أو على القرآن، فالتقدير: وإذا يتلى عليهم القرآن قالوا: آمنا به إنه الحق من ربنا، إنا كنا من قبل هذا القرآن - أي من قبل نزوله - مسلمين.
وقيل: نزلت في عشرين رجلاً من النصارى، قدموا على النبي عليه السلام وهو بمكة حين بلغهم خبره، فوجدوه في المجلس، فجلسوا إليه، وكلموه وساءلوه. ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا عن مسألتهم له فيما أرادوا، دعاهم النبي عليه السلام إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن، فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا، وصدقوا، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا عنه، اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم، ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال، ما نعلم ركباً أحمق منكم، فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه لم نأل أنفسنا خيراً.
وقيل: كانوا ثمانين رجلاً، منهم أربعون من نصارى نجران واثنان وثلاثون من نصارى الحبشة، وثمانية من الروم، وفيهم نزل من قوله: ﴿ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ﴾ إلى قوله: ﴿لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ﴾.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ﴾، وقد تقدم تفسير هذا في الآية التي قبل هذه.
* * *
ثم قال: ﴿وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ﴾، أي ويدفعون بالحسنة من أعمالهم السيئة، أي يدفعون بالاستغفار والتوبة: الذنوب.
وقال الزجاج: ويدفعون بما يعملون من الحسنات ما تقدم لهم من السيئات.
* * *
وقوله: ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ قال قتادة: صبروا على الكتاب الأول، وعلى اتباع محمد، وهو قول ابن زيد.
وقيل: صبروا على الإيمان بمحمد قبل أن يبعث، وعلى اتباعه بعد أن بعث، قاله الضحاك.
وعن مجاهد: في قوله: ﴿يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ﴾، أنها نزلت في قوم مشركين أسلموا، فكان قومهم يؤذونهم، فأعطوا أجرهم مرتين بصبرهم.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾، أي وإذا سمع هؤلاء الذين أوتوا الكتاب اللغو: وهو الباطل من القول، أعرضوا عنه.
وقيل: المعنى إذا سمعوا ما زيد في كتاب الله وغير مما ليس منه، أعرضوا عنه، قاله ابن زيد.
وقال مجاهد: هم ناس من أهل الكتاب أسلموا، فكان المشركون يؤذونهم، فكانوا يصفحون عنهم ويقولون: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ﴾ فمعنى ﴿أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾ لم يصغوا إليه ولا التفتوا.
﴿لَنَآ أَعْمَالُنَا﴾ أي قد رضينا بها لأنفسنا ﴿وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾، أي قد رضيتم بها لأنفسكم ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾، أي أمنة لكم منا أن نسابكم أو تسمعوا منا ما لا تحبون ﴿لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ﴾، أي لا نريد محاورة أهل الجهل.
وقيل: معناه: لا نطلب عمل أهل الجهل.
وقال بعض العلماء: الآية منسوخة، نهى النبي ﷺ عن الابتداء بالسلام على الكفار. وهذا لا يصح لأن الآية ليست من السلام الذي هو تحية، إنما هو من المتاركة والمباراة.
وقال جماعة: هي منسوخة بالأمر بالقتال.
وقيل: الآية محكمة، وإنما هذا قول حسن ومخاطبة جميلة.
{"ayahs_start":49,"ayahs":["قُلۡ فَأۡتُوا۟ بِكِتَـٰبࣲ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَاۤ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","فَإِن لَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یَتَّبِعُونَ أَهۡوَاۤءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَیۡرِ هُدࣰى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","۞ وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ","ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ یُؤۡمِنُونَ","وَإِذَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِهِۦۤ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَاۤ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِینَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَیۡنِ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّیِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ","وَإِذَا سَمِعُوا۟ ٱللَّغۡوَ أَعۡرَضُوا۟ عَنۡهُ وَقَالُوا۟ لَنَاۤ أَعۡمَـٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَـٰلُكُمۡ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِی ٱلۡجَـٰهِلِینَ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَیۡنِ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّیِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق