﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١].
﴿وَصَّلْنَا﴾ من التوصيل، وحروفها الأصلية (وصل)، والوصول إلى الشيء: بلوغ غايته، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى يؤكِّد في هذه الجملة يؤكد بحروف ثلاثة، وهي القَسَم واللام و(قد)، أنّه وصل لهم القول.
وقوله: ﴿وَصَّلْنَا لَهُمُ﴾، المعروف أن (وصل) تتعدى بـ(إلى)، فيقال: (وصَل إليه)، ويقال: (وصَّل إليه)، و(أوصَل إليه) هذا المعروف. وهنا عُدِّيَت باللام، تعديتها باللام؛ لأنها تضمنت معنى الوصول والبيان، ولهذا قال المؤلف في تفسيرها: (بيَّنَّا لهم).
وقد مر علينا أن اللغة العربية قد تُعدي الفعل، أو بعبارة أعم: قد تعدي العامل بغير ما يَتَعَدَّى به، لماذا؟ ذكَرنا أن لِعلماء النحو في ذلك طريقين؛ الطريق الأول: التجوز بالحرف، والطريق الثاني: التجوز بالفعل.
فمثلًا هنا أَوضحُ مثال لكم قوله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦]، العين يُشرب بِها ولَّا منها؟
* طالب: منها.
* الشيخ: يُشرَب منها، الذي يُشرب به الإناء، نعم، لكن العين يُشرب مِنها، والآية الكريمة قال الله فيها: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾، فمعلوم أن الفعل هنا عُدِّى بغير ما يَتعدى به، فقال بعضُ النحويين: إن التجوز بالحرف، وإن الباء بمعنى (مِن)، فتكون تبعيضية.
وقال بعض النحويين: بل التجوز بالفعل (يشرب)، وأنه ضُمِّن معنى (رَوِيَ، يَرْوَى)، فمعنى ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ أي: يَرْوَى بها إذا شرب منها. وهذا في الحقيقة (...) مذهب البصريين، يرون أن هذا التجوز وأن يعبر بالتجوز موافقةً لهم في التعبير.
فهنا نقول: ﴿وَصَّلْنَا لَهُمُ﴾، المعروف أن (وصَل) أو (وصَّل) يتعدى بأي شيء؟ (وصَل) ويش يتعدى به؟ بأي حرف من حروف الجر؟
* طالب: يتعدى بـ(إلى).
* الشيخ: بـ(إلى)، وهنا عُدِّي باللام، فنقول: إما أن تكون اللام بمعنى (إلى)، وإما أن نجعل (وصَّل) مشربًا معنى؟
* طالب: البيان.
* الشيخ: البيان، مشربًا معنى البيان، المعنى: ﴿وَصَّلْنَا﴾ إليهم ببيان.
﴿وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾، (القول) يقول المؤلف: (القرآن). ولعله أعمّ مما قال المؤلف، وأن مراد (القول) أي قولنا، نعم. فالله تعالى ما يزال يُنَزِّل لعباده سبحانه وتعالى مِن قوله ووحيه ما تصلح به أمورهم.
أقول: ما زال الله تعالى يوصل القول إلى عباده وهو الوحي، إلى أن وصل إلى محمد ﷺ، إلى القرآن.
﴿وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص ٥١]، يعني: ما أغفلناهم، بل ما زالت أقوالنا تصِل إلى الخلق وتُبيِّنُ لهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾.
(لعل) هنا للتعليل أو لأجل أن يتذَكَّروا، والتذكر بمعنى ذِكر الشيء، لكن لا لمجرد الذِّكْر، ولكن للاتعاظ به، ولهذا المؤلف رحمه الله دائمًا يفسِّر (يتذكرون) بلازمه، وهو الاتِّعاظ، وإلا أصل التذكر (تذكرتُ الشيء) أي: كنت مِنه على ذِكْر، لكن هناك لازم وهو الاتعاظ، أما مُجرد الذِّكر بدون اتعاظ فهذا لا ينفع، والمؤلف يقول: (يتعظون) أي تُؤَثِّر فيهم الموعظة والقول (فيؤمنون).
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ [القصص ٥٢]، ﴿آتَيْنَاهُمُ﴾ بمعنى أعطينا، فالإيتاء هنا شرعي ولَّا قدري؟ شرعي، إيتاء شرعي، ويَحتمل أن يكون ﴿آتَيْنَاهُمُ﴾ إيتاءً قدريًّا، يعني قدَّرنا أن يأتيهم الكتاب وهو الوحي فأتاهم.
وقوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ بمعنى المكتوب، والمراد به التوراة، وكذلك الإنجيل، التوراة والإنجيل كُلُّها تُسَمى كتابًا.
وقوله: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ الضمير يعود على القرآن، ﴿آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: مِن قبل القرآن.
﴿هُمْ﴾ أي: الذين آتيناهم.
﴿بِهِ﴾ (أي: بالقرآن).
﴿يُؤْمِنُونَ﴾ أي: يُصَدِّقُون ويَنقادون له.
الإعراب الآن:
الضمير مبتدأ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾، وجملة ﴿آتَيْنَاهُمُ﴾ صلة الموصول، و﴿هُمْ﴾ مبتدأ ثانٍ، و﴿بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ خبر المبتدأ الثاني الجملة، والجملة من المبتدأ الثاني والخبر، ابدأ بها؟
* طالب: ﴿هُمْ﴾.
* الشيخ: إي، صحيح.
﴿هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص ٥٢]، الجملة من المبتدأ الثاني وخبرِه خبرُ المبتدأ الأول، والفائدة من تكرار المبتدأ: لأجل أن يكون إسناده، كأنَّ إسنادَ الإيمان إليهم مرتان، كأنه قال مرتين: مرة بالضمير ﴿هُمْ﴾، ومرة بالمبتدأ الأول ﴿الَّذِينَ﴾، ما هو (...)؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب، ﴿هُمْ بِهِ﴾ وأتى بقوله: ﴿يُؤْمِنُونَ﴾، بالفعل المضارع الدالِّ على الاستمرار إشارةً إلى أنهم تلَقَّوه عن قبول وإذعان، وأنهم ما زالوا على هذا الأمر. وهذه الجملة بالنسبة لِما قبلها في المعنى كأنّها إقامة دليل على الذين كَذَّبوا بالقرآن، يعني كأنه يقول: (الذين أوتوا الكتاب من قبلكم آمنوا بالقرآن)، مما يدل على أيش؟ على أنه حق ولَّا باطل؟ على أنه حق؛ لأنهم هم مع أنهم أهل كتاب ترَكُوا كتابهم وآمنوا بالقرآن، وأنتم أهل جهل وليس لديكم كتاب، فكان حقًّا عليكم أن تكونوا أيش؟ قبْلهم في الإيمان؛ لأنه من الصعب أن الإنسان ينتقل من كتابه أو مِن دينه إلى دين آخر، لكن ليس من الصعب أن الإنسان ينتقل من جهل إلى حق وعِلم.
ثم إنه فيه أيضًا، في هذا تأنيب لهؤلاء، فيه أيضًا دليل على أنه حق؛ لأن الذين أوتوا الكتاب ما آمنوا به إلا عن علم، وهو كذلك، فإِنه ما فيه شك أن النبي ﷺ كان مكتوبًا عند بني إسرائيل في التوراة والإنجيل: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة ١٤٦]، حتى أوصافه الخِلقية موجودة عندهم، بقطع النظر عن منهاجه وسيرته: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف ١٥٧]، هذا كله موجود في التوراة والإنجيل ومعروف، ولِهذا تجمَّع اليهود في المدينة من أجل أن يستقبلوا هذا النبيَّ الذي وجدوا صفته عندهم فيؤمنوا، ﴿وَكَانُوا﴾ كما قال الله تعالى: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ﴾ أيش؟ ﴿يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: يستنصرون عليهم بهذا النبي، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة ٨٩].
فالحاصل أنه في هذه الآية، أقول: إنها وَجْهُ تَعلُّقها بما قبلها من وجهين:
الوجه الأول: تأنيب هؤلاء الجاهليِّين، ويش؟ على الكفر بمحمد ﷺ، معَ أن أهل الكتاب وهم على دين انتقلوا من دينهم إلى دينه، فكنتم أولى باتباعه.
والوجه الثاني: أنه إقامة دليل على صحة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن هؤلاء الذين عِنْدهم علمٌ من الكتاب ما انتقلوا إلا عن علم بأنّه حق، فالمناسبة واضحة جدًّا بين هذه والنصوص التي قبلها.
ولا ريب أيضًا أن في هذه الآية ثناءً على الذين آمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام مِن الذين أوتوا الكتاب، ولِهذا (...) ﴿هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾، فلم يستكبروا عنه معَ أنّ لديهم كتابهم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، يعني قوله: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص ٥٢] (...).
* الطالب: طيب يا شيخ لماذا ما قال (...)؟
* الشيخ: (...) للجنس، ينفي القول، (...) هذا الكتاب (...) يقول: ﴿مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [القصص ٤٦]، نعم؟
* الطالب: ولا نهي؟
* الشيخ: ولا نهي، ولا نفي، لكن هذه من باب الجنس، يعني معناه أننا ما تركناهم، بل إن القول وصل إليهم كما وصل إلى غيرهم، مثلما قلنا في تفسيرها: إن الله ما زال سبحانه وتعالى يُنزل الكتب على من سبق.
قال: (أيضًا)، أيش لون (أيضًا)؟ (﴿هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ أيضًا)، ويش لون (أيضًا)؟
* طالب: يعني كذلك.
* طالب: يعني اللي بعدهم.
* الشيخ: يعني كما آمنوا بكُتبهم، و(أيضًا) يقولون: إنها من الأسماء الملازِمة للنصب على المصدرية؛ لأن فعلها (آضَ، يَئِيضُ، أَيْضًا) مثل: (باع، يبيع، بيعًا)، وإنَّ معناها رجع، نعم، فالمعنى: أنهم هم أيضًا يُؤمنون بالقرآن، قال المؤلف: (نزلت في جماعة أسلموا من اليهود كعبد الله بن سلام وغيرِه، ومِن النصارى قدِموا مِن الحبشة ومِن الشام)، وكذلك مِن غير الشام.
(أسلموا من اليهود مثل عبد الله بن سلام)، واشتهر عبد الله بن سلام بالإسلام وهو مِن اليهود؛ لأنه كان حبرًا من أحبار اليهود، وكان كما قال اليهود عنه في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام: إنه خيرهم وابن خيرهم، وسيدهم وابن سيدهم[[أخرج البخاري (٤٤٨٠) من حديث أنس.]]، معترفين له بالفضل والعلم والسيادة، فلهذا كانوا يضربون به المثل؛ لأن مثل هذا يا جماعة الذي يكون سيدًا في قومه قد تَحمِله السيادة على (...)، وقد يحمله أيضًا حبُّ الرياسة على عدم الاتباع لغيره؛ لأنه إذا تبِع غيره صار مرؤوسًا لا رئيسًا، ولَّا لا؟ لكنه رضي الله عنه (...) تواضع للحق فكان مؤمنًا بالرسول عليه الصلاة والسلام.
وقصة إيمانِه معروفة؛ فإن الرسول خبَّأهُ، ودعا اليهود، وسألهم عنه، وأثنوا عليه، وسألهم عن رسالة الرسول فكذَّبوا الرسولَ عليه الصلاة والسلام، فقال لهم: «مَا رَأْيُكُمْ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟» قالوا: حاشاه من ذلك، ما يُسلم؛ لأنه من خيرهم، فخرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فما خرجوا إلا وهم يثنون عليه شرًّا؛ لأنه أسلم[[أخرج البخاري (٤٤٨٠) من حديث أنس.]].
كذلك نزلت في (جماعة من النصارى قدموا من الحبشة)، هذا ما أعرف له مثالًا، تعرفون له مثالًا؟ قدِم النصارى من نجران وأسلموا، وفيهم نزلت: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ [المائدة ٨٣]، ولكن الحبشة معروف أنه أسلم فيها نصارى، مثل مَن؟ مثل النجاشي، فإنه أسلم ودخل دين الإسلام وهو على دين النصرانية، ووصفه النبيُّ عليه الصلاة والسلام بأنه أخ للصحابة، وأنه رجل صالح، وهو كذلك، يعني: أخ لهم ورجل صالح.
فالمهم على كل حال ما يهمنا أعيان الذين أسلموا، المهم أن مِن الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى قومًا آمنوا بالقرآن أيضًا.
(﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ القرآن ﴿قَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [القصص ٥٣]).
ما شاء الله، وإذا يتلى قالوا، (إذا) كما نعرف شرطية، وجواب الشرط متصل بفعله مباشرةً، أو لا؟
* طالب: بفعل الشرط.
* الشيخ: إي، بفعل الشرط، جواب الشرط متصل بفعله مباشرة، أو لا؟
* الطالب: ﴿يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا﴾.
* الشيخ: أسألكم، هذه قاعدة عامة: جواب الشرط يكون متصلًا بفعلِه مباشرة؟
* طالب: ما هو بلازم.
* الشيخ: بمعنى أنه متى وُجِد فعل الشرط وُجِد جوابه، ما هو معناه الاتصال اللفظي؛ الاتصال الوقوعي، إذا وُجِد الشرط وُجِد المشروط، نعم، أخذتم بالكم؟ وطبعًا على حسب الحال يعني، ما هو معناه أنه قد يكون فورًا، قد يكون حتى في المستقبل، فهنا يقول: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [القصص ٥٣]، ﴿وَإِذَا يُتْلَى﴾، لم يقل: (إذا تُلِي)، فمعنى ذلك أنه أيّ آية تتلى عليهم يقولون: آمنا بها، ما آمنوا بالقرآن جملةً، آمنوا بالقرآن تفصيلًا؛ لأنَّ الفعلَ المضارع أيش يدل عليه؟ يدُل على الاستمرار، فكلما تُلِيَت عليهم آية آمَنُوا بها فزادتهم إيمانًا.
﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ أي يقرأ عليهم ﴿قَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾، مع تردُّد ونظر وتفكير ولَّا على طول يؤمنون؟
* طالب: على طول يؤمنون.
* الشيخ: على طول؛ لأنه قلنا: إن جواب الشرط يلي فعل الشرط مباشرةً: وإذا يتلى قالوا آمنا به، أي: بالذي تُلِي عليهم مِن القرآن قليلًا كان أو كثيرًا.
ثم بيَّنوا أن إيمانهم هذا عن اقتناع وعلى أساس: ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾ [القصص ٥٣]، ﴿إِنَّهُ﴾ أي: ما تُلِي عليهم من القرآن، ﴿الْحَقُّ﴾ بمعنى: الشيء الثابت الواقع الصادق خبرًا العادل حكمًا.
وقولهم: ﴿مِنْ رَبِّنَا﴾، ولم يقولوا: مِن الله؛ لأن الرب هو الذي له التصرف المطلق، فهو يتصرف بعباده شرعًا، ويش بعد؟
* طالب: وقدرًا.
* الشيخ: وقدرًا، يتصرف بهم شرعًا وقدرًا، فكأنهم يقولون: إن ربنا لن يخلينا من أن يُنزِل القرآن، وله الحكم والتصرف المطلق كونًا وشرعًا.
وقولهم: ﴿مِنْ رَبِّنَا﴾، هذا إشارة إلى أنهم رضِي الله عنهم يفتخرون بانتسابهم إلى الله، ﴿مِنْ رَبِّنَا﴾.
وقوله: ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾، الجملة من حيث المعنى محلها مما قبلها؟
* طالب: تعليلية.
* الشيخ: تعليلية، يعني: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ لا لأنه أعجبنا حُسنه وبيانه وبلاغته، ولكننا آمنا به لأنه الحق من ربنا.
فإذا قال قائل: (إنه) إذا كانت تعليلية، فلماذا لا تُفتح الهمزة: أنه ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾؟
لأن الجملة التعليلية على تقدير اللام، واللام إذا اتصلت بـ(إن) وجب فتح همزتها، فتقول: لِأن ذلك كذا، ولا تقول: لإن ذلك كذا، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون ٦٠]، ولم يقل: إنهم إلى ربهم. فهنا لماذا لم تكن تعليلية؟
قلنا: الجملة التعليلية قد تكون تعليلية من حيث المعنى فقط، يعني يلاحَظ بها المعنى فقط، وقد تكون تعليلية يُلاحَظ فيها اللفظ مع المعنى، فإن لُوحِظ معها اللفظ مع المعنى فإنها تُفتح الهمزة؛ لأنها على تقدير اللام، وإن لُوحِظ المعنى فقط فإنها تُكْسر الهمزة. وهنا لُوحِظ أيش؟
* طالب: المعنى.
* الشيخ: المعنى فقط، لوحظ المعنى فقط. وملاحظة المعنى وملاحظة اللفظ أيهما أوْلَى؟ نقول: لكل مقام مقال، فملاحظة المعنى فائدتها أن الجملة تكون من حيث اللفظ منقطعةً عما قبلها، فكأنها جملة خبرية مستقلة، وكأنها منقطعة عن اللفظ، لكن إفادة التعليل مِن السياق.
وأما التعليلية اللفظية، فإنها تكون مرتبطة بما قبلها، وإذا شئتم ما يوضح ذلك فاقرءوا قول ابن مالك: (فاكسر في الابتدا)، فهذا هو الفرق بين الجملة التعليلية التي قُصد بها اللفظ والمعنى، أو التي قُصد بها المعنى فقط.
﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص ٥٣]، مِن قَبْل أيش؟
مِن قبل القرآن، ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من قبل القرآن.
﴿مُسْلِمِينَ﴾، قال المؤلف: (موحِّدِين)، ولو أنه فسر الإسلام بظاهره لكان أولى؛ لأن الإسلام معناه الاستسلام والانقياد، وأصله من عدم المعارضة والمحاربة، ولهذا يُقال: السِّلم والإسلام، يعني معناه عدم المعارضة والمحاربة.
فكلمة ﴿مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ أي: منقادين مذعنين للحق.
وقولهم: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ ليس المراد بذلك الفخر والإعجاب بالعمل قطعًا؛ لأن السياق سياق ثناء، ولكن المراد بذلك الثناء على الله بما كانوا عليه في الحالَين؛ في الحال السابقة وفي الحال الثانية، في الحال الثانية: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ [القصص ٥٣]، والحالة الأولى كانوا من قبله مسلمين منقادين متبعين للرسول الذي جاء إليهم.
طيب، ويش إعراب ﴿مُسْلِمِينَ﴾؟
* طالب: خبر يا شيخ (كان).
* الشيخ: خبر (كان)؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: إي، خبر (كان) ولَّا ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ هو الخبر؟
* الطالب: لا، ﴿مُسْلِمِينَ﴾.
* الشيخ: إي، ﴿مُسْلِمِينَ﴾ هو الخبر، نعم، ولو تقدَّم عليه ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾؛ لأن الخبر ما تحصُل به الفائدة، سواءٌ تقدم أو تأخر.
قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص ٥٤].
﴿أُولَئِكَ﴾ المشار إليهم مَن؟ الذين أوتوا الكتاب ثم آمنوا بالرسول ﷺ، أوتوا الكتاب من قبل فآمَنوا به ثم آمَنوا بالرسول.
﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ﴾ أي: يعطون ﴿أَجْرَهُمْ﴾، وهذه فيها شاهد لدرس البارحة، أو لا؟ يعطون ﴿أَجْرَهُمْ﴾، درسنا في النحو؟
* طالب: إي.
* الشيخ: (...)؟
* الطالب: لا، هذه ﴿يُؤْتَوْنَ﴾ من باب الكسر.
* الشيخ: من باب الكسر، إي نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: مقام الفاعل؛ لأنه (...) المفعول، وهو الواو، نائب فاعل ﴿يُؤْتَوْنَ﴾ والمفعول الثاني؟ وين المفعول الثاني من ﴿يُؤْتَوْنَ﴾؟ ﴿أَجْرَهُمْ﴾ نعم.
وأما قوله: ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ فإنه مفعول مطلق، يعني أنه دال على المصدر لكنه بغير لفظه، كل ما دل على المصدر بغير لفظه فهو مفعول مطلق.
(﴿مَرَّتَيْنِ﴾ بإيمانهم بالكتابين) فهم يُؤتون أجرَهم مرتين، المرة الأولى على الإيمان بالكتاب السابق، والمرة الثانية على الإيمان بالقرآن، وأما أهل الجاهلية الذي آمنوا بالقرآن فيُعطَون أجرهم مرة واحدة؛ لأنهم ما آمنوا مرتين.
وقد ثبت بهذا الحديثُ عن النبي عليه الصلاة والسلام إضافةً لهذه الآية، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ذَكَر الذين يؤتون أجرهم مرتين الرجل الذي آمن بالكتاب الذي نَزَل إليه ثم آمن بما أُنزِل على محمد، والرجل يُعتِق المرأة ويتزوجها، والثالث العبد الذي أحسن في عبادة الله وفي معاملة مواليه[[متفق عليه؛ البخاري (٣٠١١)، ومسلم (١٥٤).]].
قال: ﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص ٥٤] الباء للسببية، و(ما) مصدرية.
وما معنى المصدرية أو ما علامتها؟ علامتها أن تُحوَّل (...) ما بعدها إلى مصدر، فهنا نقول في التحويل كما قال المؤلف: (لصبرهم)، وأسألكم الآن: هل تصح أن تكون (ما) اسمًا موصولًا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الجملة ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ يصح؟ الجملة ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾، ﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ بالذي ﴿صَبَرُوا﴾؟ لا، ما يصِح؛ لأنه أيش معنى (بالذي صبروا)؟ ثم لو كانت موصولة لكانت على تقدير الضمير: (بالذي صبروه)، وهذا ما يستقيم. فإذن هنا يتعين أن تكون مصدرية، أي: (بصبرهم)، وهو أحد محامل (ما) العشرة، نُكرِّرها لأجل تبقى في أذهانكم.
* طالب: حافظها.
* الشيخ: حافظها، اقرأها علينا.
* الطالب:
؎مَحَـــــــامِلُ (مَا) عَــــشْرٌ إِذَا رُمْتَعَــــــدَّهَا ∗∗∗ فَحَافِظْ عَلَى بَيْتٍ سَلِيمٍ مِنَ الشِّعْرِ؎سَتَفْهَمُ شَرْطَ الْوَصْلِ فَاعْجَبْ لِنُكْرِهَا ∗∗∗ بِكَـــفٍّ وَنَفْيٍ زِيــدَ تَعْظِـــــيمُمَصْـــــــدَرِ
* الشيخ: إي، ما شاء الله، أعيدها، نعم، طيب:
؎سَتَفْهَمُ شَرْطَ الْوَصْلِ فَاعْجَبْ لِنُكْرِهَا ∗∗∗ بِكَـــفٍّ وَنَفْيٍ زِيـــدَ تَعْظِــــيمُمَصْــــــدَرِ
اللي يعنينا مِن هذا البيت قوله: (مصدر).
وقوله: ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ أي: (بصبرهم على العمل بهما)، وهذا الصبر على العمل بهما هل هو مِن باب الصبر على طاعة الله، أو مِن باب الصبر عن معصية الله، أو مِن باب الصبر على أقدار الله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، نقول: هو الثلاثة تجتمِع، ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ على طاعة الله، فإن الشرع فيه أوامر شاقَّة على النفوس تحتاج إلى معالجة، فهذا صبر على طاعة الله.
في الشرائع نواهٍ نُهِي عنها، قد يشُقُّ على النفس تركُها، ففيها صبر أيش؟ عن معصية الله.
كذلك أيضًا في الشرائع إيذاء، فإن المجرمين يؤذون المؤمنين، وربما يضربونهم، وربما يقتلونَهم، أليس كذلك؟ وهذا صبر أيش؟
* طالب: على أقدار الله.
* الشيخ: على أقدار الله المؤلمة.
فعلى هذا يكون الصبر على الشرائع يتضمن الصبر بأنواعه الثلاثة: الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة، أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب، ﴿بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ﴾ [القصص ٥٤]، وأصل الصبر في اللغة الحبس، ومنه قولهم: (قُتِل فلان صبرًا) أي: محبوسًا على القتل، أُمسِك وقُتِل، فمعنى الصبر: حبس النفس، والنفس تحتاج إلى حبس على طاعة الله سبحانه وتعالى؛ لأنه كم من إنسان يقول له ضميرُه: افعل كذا من الطاعة، وربما يفعل البعض ثم يعجز فلا يصبِر نفسه. وكذلك بالنسبة للمعاصي، فإن النفس المطمئنة تزجُر المرءَ عن المعصية، ولكن تأتيها النفس الأمارة بالسوء فتأمره بالمعصية، وحينئذٍ تتصارع النفسان، والتوفيق بيد الله عز وجل.
كذلك بالنسبة للأقدار: مِن الناس مَن لا يصبر على الأقدار، بل إذا نزل به القدر يمكن - والعياذ بالله - يكفر، كما قال الله عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج ١١]، فإن بعض الناس قد لا يصبِر على الأقدار المؤلِمة، وتجده يقنط، فيه ناس يقال: إنهم إذا أصيبوا بالمصائب انتحروا! هؤلاء غاية في الصبر؟!
* طالب: لا.
* الشيخ: لا؟ بالعكس: ما فيهم صبر، هؤلاء ما صبروا على الأقدار فقَتلوا أنفسهم ليُعَذَّبُوا بما قَتلوا به أنفسهم في نار جهنم - والعياذ بالله - ويُخَلَّدُون فيها. لكن الصبر على الأقدار المؤلمة هذا أمر يمكن للإنسان أن يصبر عليه ويعني يُحاسِب نفسه حتى يستقيم في أفعاله.
فالمهم أن الصبر إذن ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة. أيهما أعلى وأكمل؟
* طالب: على طاعة الله.
* الشيخ: إي، من حيث (...) على طاعة الله، الصبر على الطاعة أفضل؛ لأن فيه جهادَين: جهاد على العمل، وجهاد على تحمُّل العمل.
ثم الصبر عن المعصية؛ لأنه (...) جهاد واحد، على العمل ولَّا على تحمل تركه؟ تحمُّل تركه، ما فيه عمل، يقال: لا تزن، نعم، ما أُمِرت وكُلِّفت بفعل شي.
الصبر على الأقدار المؤذية أو المؤلمة هو أدناه؛ لأنه صبرٌ على ما لا اختيار للمرء فيه، كما قال بعض السلف: إما أن تصبر صبر الكرام، وإما أن تَسْلُوَ سُلُوَّ البهائم. كل إنسان إذا أُصِيب بمصيبة وطال عليها الزمن تبقى في نفسه ولَّا لا؟ ينسى، يسْلُوَ سُلُوَّ البهائم، البهيمة مثلًا تجدها (...)، لكن لو يحط لها علفًا جيدًا وماءً جيدًا نسيت، فإما أن تصبر صبر الكرام وإما أن تسْلُوَ سُلُوَّ البهائم. ولهذا كان صبرُ يوسف على تَرْك الزنا بامرأة العزيز أكملَ من صبره على ما حصل من قضية إخوانه له بلا ريب، ولهذا قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف ٢٤]، ولم يقل مثلَ هذا حين ألقوه في غيابات الجب.
* طالب: قلنا: إن الصبر على الطاعة يكون أعظم من الصبر عن المعصية.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ولكن المعاصي كثرتها (...).
* الشيخ: إي، يؤلمك لكنه شيء بِغير اختيارك.
* الطالب: (...).
* الشيخ: بغير اختيارك، يعني أنت المعاصي تركتَها باختيارِك.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: تقدر تفعلها لكن ما فعلتها، أما هذا ما تقدر ترفع البلاء.
* الطالب: (...).
* الشيخ: البلاء الذي نزل عليك ما ترفعه، فأنت افرض نزل بإنسان بلاء هل يقدر يرفعه إذا قام يخبِّط وجهه ولَّا يشقق ثوبه.
* الطالب: لا، ما يقدر.
* الشيخ: ما يقدر.
* الطالب: لكن لو صبر واستسلم (...).
* الشيخ: لا؛ لأن الاستسلام للشرع أفضل مِن الاستسلام للقدر، الاستسلام للشرع هو الذي يُمدَح عليه الإنسان ويحمد ويُثنى عليه، لكن الاستسلام للقَدَر كلُّ الناس يستسلمون للقدر، حتى يعني، أما تسمع قول الجاهلي:
؎وَتَجَلُّـــــدِي لِلشَّامِتِـــــينَ أُرِيهُــمُ ∗∗∗ أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَاأَتَضَعْضَعُ
حتى الكفار الآن يعني أفعالهم تنزِل بهم المصائب، ولكن يقول: ما يهم، يصبِر ويكابد وهو كافر، ما يرجو بذلك الأجر ولا الثواب.
* طالب: بس فيه وجه يا شيخ (...) الصبر على المشاق، الصبر على الطاعات يمرن الإنسان عليه بالتدريب، يعني خلاص يأخذ عليه.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: مثل التمرن على الصلاة، على الصيام، (...).
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: لكن إذا طرأت له مصيبة عظيمة كـ(...) مثلًا.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: هذا شيء ما تمرن عليه؟
* الشيخ: إي، بس قد يتمرن عليه إن أُصِيب (...) لا يتمرن، حتى العبادات مثل الحج ما يأتي إلا مرة واحدة في العمر.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: فلذلك يعتبر صبرًا على الطاعة، مع مشقته البدنية والمالية والأمنية، مسألة للوقوع وعدم الوقوع هذا شيء آخر، مع أننا نقول: هل الرجل يكابد الطاعة ويجد من نفسه مشقة في معالجتها عند فعل الطاعة وإنسان آخر تمرَّن على الطاعة فصارت يعني أمرًا سهلًا عليه، أيهما أفضل؟
* طالب: مَن سهل عليه.
* الشيخ: أما الأول فهو أشق عملًا، والثاني أكمل حالًا، الثاني الذي صارت الطاعةُ كأنها سجية في نفسه، هذا لا شك أنه أكمل حالًا من الأول؛ لأن هذا كأن الطاعة صارت غريزة مِن محبته لها وسهولتها عليه، لكن الأول أشق عملًا، فيُعطَى هذا أجرَ الكُمَّل، وذاك يُعْطَى أجرَ الصابرين؛ لأنه فيه نوع من المكابدة والمشاق. والعلماء مختلفون في هذه المسألة أيهما أفضل؟ ولكن الصواب هذا التفصيل، فيقال: الذي يفعل الطاعة وهي سهلة عليه وينقاد لها بدون مكابَدة، هذا لا شك أنه أكمل حالًا من الأول بلا ريب، والثاني أشق عليه فيُعطَى الأجر على قدر المشقة النفسية.
الآن شوف مثلًا واحدًا يحضر للدرس بسهولة وانقياد ويرى أنه غنيمة، وآخر لا، يكابد نفسه (...) يطلع مثلًا مِن البيت لأجل أن يحضر الدرس، أيهما أكمل حالًا؟
* طالب: الأول.
* الشيخ: الأول، وإن كان الثاني يُؤْجر على فعله، لكن الأول أكمل حالًا وأقرب منزلة.
طيب، ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص ٥٤]، والباء في قوله: ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ ليش هي؟ للسببية، أي: بسبب صبرهم.
﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ [القصص ٥٤]، يدرءون: (يَدْفَعُونَ) ﴿بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾.
﴿السَّيِّئَةَ﴾ مفعول به، والباء في قوله: ﴿بِالْحَسَنَةِ﴾ هذه باء الآلة، مثلما تقول: (ذبحت بالسكين، وضربت بالعصا) فعندنا دارِئٌ ومَدْرُوء ومدروءٌ به، مَن الدارئ في الآية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، في الآية، من الدارئ؟ العاملون، والمدروء؟
* طالب: السيئة.
* الشيخ: السيئة، والمدروء به الحسنة، كما تقول: (ذبحت بالسكين)، فعندنا: ذابح ومذبوح ومذبوح به الآلة، فالحسنة لهم بمنزلة الآلة التي يتوصلون بها إلى غرضهم.
﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾، ﴿السَّيِّئَةَ﴾ يقول المؤلف: (منهم)، فإذا فعلوا سيئةً أتَوا بعدها بحسنة فاندفعت السيئة، هذه الحسنةُ المدروء بها السيئة تنقسم إلى قسمين: قسم تُزيل السيئةَ من باب المقابلة، وقسم آخر تُزيل السيئةَ من باب المحو والإزالة -أخذتم بالكم يا جماعة؟- الحسنات التي تُدْرأ بها السيئات تنقسم إلى قسمين: قسم من باب المقابلة، وقسم من باب المحو والإزالة، فإن كانت الحسنةُ المدروء بها السيئة، إن كانت توبةً، والتوبة من الحسنات ولَّا لا؟ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة ٢٢٢]، إن كان من باب التوبة فهو من باب المحو والإزالة، وإن كانت حسنةً أخرى كما لو دَفَع السيئاتِ بالصلاة: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود ١١٤]، فهذا الدرءُ من باب؟
* طالب: المقابلة.
* الشيخ: من باب المقابلة، يعني أن ثواب الحسنة يُقابَل بعقوبة السيئة، من باب الموازنة، فإذا رجَح ثوابُ الحسنة انمحت السيئة، وإلا فلا.
أيهما أكمل؟ أي الدَّرْأينِ أكمل؟ الأول ولَّا الثاني؟
الأوَّل أكمل؛ لأنه إذا حصل الأولُ صارت الحسنة الثانية زيادة رفعة في الدرجات، ما هو بمقابلة بالسيئة. ثم إنه إذا كان الدرء من باب المقابلة، فقد تضعف الحسنةُ الثانية، الحسنةُ تَضعف عن مقابلة السيئة، فصار الدرء بالتوبة أكملَ من الدرء بفِعل حسنة أخرى تُقابِل السيئة، وكِلا الأمرين يحصل بهما الدرء.
وقول المؤلف: (منهم).
يعني في الحقيقة أن هذا الكلام وجيه، لكن لو قلنا: إنها أعم، وأنهم يدرؤون بالحسنة والسيئة مِنهم ومِن غيرهم. كيف مِنهم ومِن غيرهم؟ يعني إذا أُسِيئَ إليهم دفعوا الإساءة بالإحسان، فيكون هنا ثناءً عليهم من حيث معاملتهم مع الخلق، يصلُح ولَّا ما يصلح؟ يصلح، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت ٣٤، ٣٥].
وعلى هذا فنحمِل الآية على المعنيين: يدرؤون بالحسنة السيئة بالنسبة لما يقع منهم في عبادة الله، ويدرؤون بالحسنة السيئة بالنسبة لما يقع من غيرهم في المعاملة. إذا عُوملوا، أساء إليهم أحد، قابلوه...
الشيخ: في هذا النهي، قال: هذا النفي نفي للحق، يعني للمعبود الحق، فإنه لا إله إلا الله بحسبه.
؎............................ ∗∗∗ لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا؎يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً ∗∗∗ وَمِـــنْ إِسَاءَةِ أَهْــلِ السُّــوءِإِحْـــسَـانَا؎فَلَيْــــــتَ لِي بِهِمُ قَــــــــــوْمًا إِذَارَكِبُــــوا ∗∗∗ شَنُّــــوا الإِغَــــــــــــارَةَ فُرْسَــــــــانًاوَرُكْـــبَانَا
الآن (...)؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: (...) (يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة).
* طالب: (...).
* الشيخ: للعجز، فهنا درءُ السيئة بالحسنة ممدوح إذا كان على سبيل العِز، أما إذا كان على سبيل الضعف فهذا ما هو ممدوح، لو واحد جاءه قاطع طريق وقال: يللا أعطني ثيابك. قال: أعطيك ثيابي والعصا اللي معي على البعير! ويش يصير هذا؟ أو لما قال: يللا أعطني رحل البعير، قال: اصبر اصبر، هلا أكفيك، خلني أفكه لك لأجل ما تتعب وأحمله على بعيرك، هذا طيب ولَّا لا؟
* طالب: لا، ما هو طيب.
* الشيخ: هذا ما هو طيب، هذا ضعف، ولهذا قال الرسول «لما سأله الرجل عن إنسان يأتي ليأخذَ مالك قال: «لَا تُعْطِهِ»، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: «قَاتِلْهُ»[[أخرجه مسلم (١٤٠/٢٢٥) من حديث أبي هريرة.]]. المهم أننا نقول: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ (منهم) الصواب أن نجعلها أعم، فـ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ [القصص ٥٤] منهم في معاملتهم مع الله، ومن غيرهم في معاملتهم مع مَن؟ مع الخلق.
قال: (﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [القصص ٥٤] يتصدقون)، ويُهدون أيضًا، ما هم لازم يتصدقون؛ لأن الهدية قد تكون محمودة إذا كان الغرض منها جلب المودة: «تَهَادُوا تَحَابُّوا»، «تَهَادَوْا» أو «تَهَادُوا»؟
* طالب: «تَهَادُوا».
* طالب: «تَهَادَوْا».
* الشيخ: طيب، تهادَى الرجلان يتهادَيان؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: فإذن «تَهَادَوْا تحابُّوا»[[أخرجه أحمد (٩٢٥٠) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
طيب، الشاهد أن قوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ [القصص ٥٤]، ﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾ بمعنى: أعطيناهم، فالرِّزق بمعنى العطاء، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء ٨]، أي: أعطوهم، فالرزق: العطاء.
وقوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾، (مِن) هنا هل هي لبيان الجنس أو للتبعيض؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الأَوْلَى أن نجعلها لبيان الجنس؛ لأنه في بعض الأحيان يكون إنفاق المال كلِّه من الأمور المحمودة، فقد حث النبيُّ عليه الصلاة والسلام ذات يوم على الصدقة، فقال عمر: الآن أسبق أبا بكر. فأتى بنصف ماله، ولكن أبا بكر أتى؟
* طالب: بماله كله.
* الشيخ: بمالِه كله[[أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (٥٢٧) عن عمر بن الخطاب.]]، فالإنفاق إذا جعلنا (مِن) لبيان الجنس فهو أوْلَى، أيش (...) يشمل؟
* طالب: بذل المال كله.
* الشيخ: يشمل بذل المال كله أو بعضه، يعني قد يكون من الخير بذله كله، وقد يكون من الخير بذل بعضه، حسب الحال الذي أُنفِق فيها. فـ(مِن) الأوْلَى أن نجعلها لبيان الجنس.
وقوله: ﴿يُنْفِقُونَ﴾ [القصص ٥٤]، الإنفاق بمعنى البذل، لا بمعنى الصدقة، لكن الذي أوجَب للمؤلف أن يخصَّه بالصدقة؛ لأن المقام مقام ثناء، ولكن الأولى أن نجعلَه على عمومه، ونجعل ﴿يُنْفِقُونَ﴾ أي: يبذلون ويُعطُون؛ لأنه قد يكون البذل تصدقًا خيرًا، وقد يكون البذل توددًا خيرًا أيضًا، قد يكون أفضل من الصدقة في بعض الأحيان، وعلى هذا فنقول الأَوْلى أن يجعل الإنفاق في معنى الإعطاء والبذل، سواء كان صدقة أو كان هدية أو كان هبة، وتعرفون الفرق بين الأمور الثلاثة، ويش الفرق بين الهبة والهدية والصدقة؟
* طالب: الهدية (...).
* الشيخ: إي، والصدقة تتصدق عليه.
* الطالب: الصدقة يتصدق على...
* الشيخ: على إنسان.
* الطالب: على (...).
* الشيخ: إي.
* الطالب: الهدية.
* الشيخ: والهبة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: والهبة؟ من يعرف الفرق بينها، بين الثلاثة؟
* طالب: الهدية هي إعطاء المساوي أو الأخ للإنسان بقصد التودد والتقرب، والصدقة إعطاء الأدنى بقصد الإنفاق.
* الشيخ: إي.
* الطالب: وأما...
* الشيخ: الهبة.
* الطالب: الهبة إعطاء المساوي، يعني ما هو بالدون بقصد الإعطاء.
* الشيخ: لا، الفرق بينهما: الصدقة ما أُرِيد بها وجه الله، يتقرب بها إلى الله، ما يهمه تقرب إليها بمعطى أم لا. والهدية ما قُصِد به التودد للمعطى، يعني يريد أن يتقرب إلى المُعطى ويتقرب منه المعطى. والهِبة ما قُصِد به وجه الموهوب فقط، ما قُصِد به أنه يتقرب إلى هذا الموهوب له ولا أن يتقرب إلى الله بذلك، قَصَد به نفعه، فهذه تُسمى هبة. وكلها محمودة في الواقع، لكن هل بعضها أفضل من بعض؟ هذا على حسب الحال.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [القصص ٥٤] إلى آخره.
* طالب: الترجيح في مذهب البصريين في التجوز بالفعل؟
* الشيخ: لأنه يتضمن معنيين؛ معنى (...) الفعل موجود، ومعنى (...)، وذاك ما يتضمن إلا معنى واحدًا فقط، وهو تحويل معنى الحرف إلى المعنى الجديد.
* الطالب: شيخ، ألا يكفي هذا (...)؟
* الشيخ: لا، زيادة معنى ما فيه شك أنه أولى، زيادة معنى فائدة.
* الطالب: عندنا فعل واحد.
* الشيخ: ما يخالف، فعل واحد يُشرَب معنى الفعل الثاني الذي يتعدى بهذا الحرف الموجود، (...) إذا صارت الجملة تدل على معنيين أكمل من أن تدل على معنى واحد.
* الطالب: في مثل: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا﴾ [الإنسان ٦]، ما عندنا الرواء، نقول: الشرب فقط.
* الشيخ: إي، لكن أصله الشرب قد يكون شربًا لا يروى به العبد.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: وقد يكون شربًا يروى به.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: أهل النار يشربون من الحميم شُربَ الهِيم ولا يروون، ويش الفائدة من الشرب؟ لكن هؤلاء يشربون من هذه العين ويروون بها، فتضمنت الآن معنى الشرب ومعنى الرِّي. ومنين فهمنا معنى الرِّي؟ مِن تعدي هذا الفعل بالحرف الذي يُنَاسِب الرِّي.
* الطالب: ألا يحسن أنه يتعدى الفعل (...)؟
* الشيخ: ويش؟ هذا أنسب ما يكون؛ لأن الشرب يناسبه الرِّي، ما يناسبه الشِّبَع مثلًا، ما يمكن أن تقول: ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ يعني: يشبع بها، ما يناسب.
* الطالب: يرِد عليه أنه ما يتعين، كنا ذكرنا...
* الشيخ: لا، يرد عليه أنه يتعين من المقام، ولا بد يُقدَّر فعل يناسب الفعل الثاني، مِثل أن يكون سببًا له أو متفرعًا عنه وما أشبه ذلك (...) المهم أن التضمين يُفيد معنيين، والتضمين بالحرف يفيد معنًى واحدًا.
* طالب: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ [الواقعة ٥٥] أيش تعني؟
* الشيخ: ﴿الْهِيمِ﴾ الإبل العطاش.
* الطالب: ما (...)؟
* الشيخ: إلا، هو الماء.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الهيام نوعان: هيام على الأكل، وهيام على الشرب.
* الطالب: الهيام يروى؟
* الشيخ: إلا، يروى أو لم يرو، (...) اللي يشرب ولا يروى ويش؟ سليم ولَّا مريض؟ اللي يشرب ولا يَروى سليم ولَّا مريض؟
* الطالب: لا، مريض.
* الشيخ: هذه، نعم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، (...) القرآن الكريم، وفيه بعض العامة يستنكر من بعض السائلين اللي يسأل: ارزقني ريالًا، يقول: هذا مشرك والعياذ بالله!! نعم، (...)، الرزق بمعنى العطاء. (...)
* * *
* يستفاد منه: أن الله سبحانه وتعالى لم يُخلِ الأرض من الوحي؛ لأن التوصيل معناه وَصْل الآخِر بالثاني.
* ويُستفاد منه: أن الوحي مشتمِل على غاية البيان؛ لأننا قلنا: إن (وَصَّل) مُضَمَّن معنى: بَيَّن.
* ويستفاد منه: بيان نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بإيصال القول إليهم ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ﴾ [القصص ٥١].
* ويستفاد منه أيضًا، يستفاد منها: أن الحكمة من الوحي هو التذكُّر والاتعاظ؛ لقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص ٥١].
* ويستفاد منه: إثبات العِلَّة في أحكام الله الكونية والشرعية، وأنه ما يفعل شيئًا ولا يشرعه إلا لحكمة.
* قلنا: يستفاد منه: تعليل أفعال الله وأحكام الله الكونية والشرعية، والذي خالف في ذلك؟
* طالب: الأشاعرة.
* الشيخ: وغيرهم؟ الجهمية هم الأصل، قالوا: أفعال الله ما هي تُعَلَّل، وأحكامه لا تعلل.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص ٥٢].
* يستفاد من هذا، أولًا: أن اليهود والنصارى فيهم مَن آمَن بالقرآن؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾.
* ويستفاد منه أيضًا: أن حُكْم الفرد قد يتناول جنسَه، أيش معنى هذا؟ معناه: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ﴾، لو نظرنا إليها وجدنا أنها عامة تشمل كُلَّ الذين أوتوا الكتاب. وهل هي عامة؟ هل كلُّ الذين أوتوا الكتاب من قبل آمنوا بالقرآن؟ أبدًا، فيه نصارى بقوا على نصرانيتهم وفيه يهود بقوا على يهوديتهم، ولكن مِن هؤلاء مَن آمَن، يكون معنى ذلك أننا أعطينا الجنس حكم الفرد، أو ما فهمتم هذا؟ يعني كأنه يقال: إيمان عبد الله بن سلام وإيمان النجاشي مثلًا، ما هو (...) أن هذا اسمه عبد الله بن سلام، وهذا اسمه النجاشي، لكن لأنهم أُوتُوا الكتاب، فهُم آمَنوا لا لأسمائهم، ولكن لِمَا علموا من كتبهم بأن الرسول ﷺ سيُبْعث، وهذا يقتضي أن يكون كل هذا الجنس، يجب أن يكون مُؤْمنًا وإن لم يؤمنوا كلهم.
والمهم أنه يستفاد من هذه الآية: إعطاء الجنس حكمَ الفرد، ما دام أن هذا الحكم سببُه يشمَل جميع الجنس. مثلًا: ما سبب إيمان عبد الله بن سلام؟ عِلْمُه بما في التوراة مِن صفات الرسول ﷺ، هذا العِلم يختَصُّ به ولَّا يشمل جميع اليهود؟ يشمل جميع اليهود، إذن فهنا أعطينا الجنس حكم الفرد؛ للعلة التي تشمله وغيرَه، وإلا قد يقول قائل: ما نرى أن الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، ما كلهم آمنوا، لكن نقول: ما آمن إلا بعضهم، لكن هذا الإيمان مِن بعضهم حمَلَه عليه العِلَّة الشاملة لجميع الجنس.
* فنستفيد من هذا: أننا نُعطي الجنس حكمَ الفرد إذا كان علة هذا الحكم شاملةً للجميع، إذا كانت علة هذا الحكم شاملةً للجميع فإنه يُعطَى الجنس حكم الفرد.
* يستفاد من هذه الآية أيضًا: الثناء البالغ على الذين آمنوا بالقرآن وبالكتب السابقة؛ لقوله: ﴿هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾.
* ويستفاد منه: أن صفةَ النبي ﷺ موجودة فيما سبق مِن الكتب: التوراة والإنجيل، وهذا صريح في آية الأعراف في قوله: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ...﴾ إلى آخره [الأعراف: ١٥٧].
ثم قال: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [القصص ٥٣].
* يُستفاد من هذا أيضًا، من هذه الآية: زيادة الثناء على هؤلاء بأنهم يُؤمنون بكل ما يُتلى عليهم، ما هم ما آمنوا بالقرآن جملة فقط، ولكن جملةً وتفصيلًا، وأخذنا ذلك من قوله: ﴿وَإِذَا يُتْلَى﴾، و﴿يُتْلَى﴾ فعل مضارع يدل على الحدوث والاستمرار، نعم، يدل على التجدد والحدوث، وأن هذا شأنُهم كلما تُلِي عليهم.
* ويستفاد مِنه أيضًا، مِن الآيات الكريمة: أنهم آمنوا لا لِمُجرد الهوى، ولكن آمنوا إيمانًا مبنيًّا على اقتناع. منين يؤخذ؟ من قولهم: ﴿آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾، ما آمنوا هكذا تبعًا للناس، ولكن آمنوا عن اقتناع: ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾.
* ويستفاد منه أيضًا: بأن القرآن مِن عند الله؛ لقوله: ﴿مِنْ رَبِّنَا﴾.
* ويستفاد منها: كمالُ عقلِ هؤلاء الذين آمنوا، حيثُ عبروا هنا بالربوبية: ﴿مِنْ رَبِّنَا﴾ دون الألوهية؛ لأن المقام يقتضي ذلك، فإن الرب له حُكم، يحكم بما يشاء كونًا وشرعًا.
* ويستفاد من هذا أيضًا: أن هؤلاء كانوا مؤمنين مسلمين منقادين للكتب السابقة؛ لقوله: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾.
* ويستفاد منه: جواز ثناء المرء على نفسه بالصفات المحمودة، بشرط أن يكون في ذلك مصلحة، وألا يكون فيه افتخار وعُلو على الغير؛ لقوله: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾، وهذا أمر واقع من الرسول ﷺ ومِن الصحابة ومن أهل العلم، قال النبي ﷺ:
؎«أَنَا النَّبِيُّ لَاكَــــــذِبْ» ∗∗∗ «أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣١٥) ومسلم (١٧٧٦/٧٨) من حديث البراء بن عازب.]]
وقال ابن مسعود: «لو أعلم أن أحدًا تبلغه الإبل أعلمُ بكتاب الله مني لذهبتُ إليه»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠٠٢) ومسلم (٢٤٦٣/١١٥).]]، فهذا ثناء على نفسه، لكن لمصلحة. والعلماء دائمًا إذا كتبوا في كتاب يُثنون عليه بما يقتضي هذا الكتاب مِن أوصاف الثناء، ومعلومٌ أن الثناء على الكتاب ثناء على مصنِّفه، لو أنك أثنيت على هذا البناء وقلتَ: ما شاء الله هذا بناء جيد ومحكم وجميل، من أثنيتَ عليه في الواقع؟ أثنيتَ على الباني، إي نعم، على الباني. فهذه المسألة يجوز للإنسان أن يُثنِي على نفسه بصفات الحمد، بشرط ألا يُريد بذلك الافتخار على غيره، والشرط الثاني أيضًا: أن يكون في ذلك مصلحة. أما الشرط الأول فوجهُه ظاهر؛ لأنه إذا قَصد بذلك الافتخار والعلو على الناس فهذا قصد محرم، ولهذا قال رسول الله ﷺ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ»[[أخرجه الترمذي (٣١٤٨) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]].
وكذلك أيضًا اشتراط أن يكون فيه مصلحة؛ لأنه إذا لم يكن فيه مصلحة كان لغوًا من القول على أقل ما نقول فيه، كان لغوًا من القول؛ لأنه ليش الإنسان يمدح نفسه بدون مصلحة؟ إلا أنه لولا أنه يريد أن يُبرِز صفاته لِيفتخرَ بها على غيره ما فعل ذلك، حتى لو قال: أنا ما أريد الفخر، نقول: إذن لماذا؟ نعم.
* * *
قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [القصص ٥٤].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: مصلحتُهم أنّه يحثهم على الأخذ منه.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لكن، طيب، إذا بينا أنه يحفظ كذا وكذا، فأنا مثلًا قد تكون هذه الأشياء ليست عندي فأحرِص عليها، أو أعرف مثلًا أنه أحفظ مني فأرجع إليه في المسائل. المهم ما يُعتقد بأهل العلم -لا سِيَّما المشهورون بالفضل- أنه يريد بس مجرد إظهار صفاتهم الحميدة، فهذا معنى ليس بسليم أبدًا، لكن هم يقصِدون مصلحة، والمصلحة هذه تختلف باختلاف الأحوال.
* الطالب: يعني يا شيخ ما نقول: إن الأصل (...)؟
* الشيخ: لا، نقول: الأصل أن هذا لغو من القول؛ إذ لا فائدة منه، والرسول يقول: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠١٨) ومسلم (٤٧/٧٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فما دام ما فيها خير... ثم إنها تؤدي إلى مفسدة؛ لأنه إذا فرضنا أن هذا الرجل مئة بالمئة ما قصده الافتخار، لكن يفتح بابًا لغيره، يفتح بابًا لآخرين، يفتخِرون بذلك.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [القصص ٥٤].
* يُستفاد من هذه الآية الكريمة: أن المؤمنين مِن أهل الكتاب لهم أجران؛ الأجر الأول: الإيمان بكتابهم، والثاني: الإيمان بالقرآن.
* ومن فوائدها: إثبات عدل الله سبحانه وتعالى، حيث لم يُضيِّع أجرهم الأول بالأجر الثاني، ولا الأجر الثاني بالأجر الأول.
* يستفاد من ذلك أيضًا: أن الثواب على قدر العمل، ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨]، هؤلاء كان ثوابهم مرتين؛ لأنهم عمِلوا كم؟
* طالب: مرتين.
* الشيخ: مرتين.
* ومن فوائد الآية أيضًا: إثبات الأسباب والعلل؛ لقوله: ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾.
* ومن فوائدها: فضيلة الصبر، ما دام أن الصبرَ سبب للأجر، فلا شك أنه صفة حميدة وفاضلة، نعم، وأظن أننا في التفسير ذكرنا أن الصبر ينقسم إلى ثلاثةِ أقسام:
* طالب: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
* الشيخ: المؤلمة، وأن أفضلها أولها، ثم الثاني، ثم الثالث.
* ويستفاد منها أيضًا: أن الحسنات يذهبن السيئات؛ لقوله: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أنه ينبغي مقابلة المسيء بالإحسان؛ لأن الآية كما قُلنا عامة لدرئهم سيئاتهم بحسناتهم، ودرئهم سيئات غيرهم بالإحسان إليهم، وأتينا لذلك بشاهد من القرآن. ولكن هذا الدرْء ثقيل على المرء، درءُ سيئات الغير بالإحسان إليه هذا ثقيل على المرء جدًّا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت ٣٥]، أكثرُ الناس يقول: والله لأكِيلَنَّ له الصاع بالصاعين، والصفعة بالصفعتين، لكن الأمر ليس كذلك: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أيش النتيجة؟ ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت ٣٤]، وشوف أتى بـ(إذا) الفجائية؛ للدلالة على أنَّ هذا الأمر يتحول بسرعة، هذا العدو يتحول بسرعة يكون كأنه ولي حميم، يعني: صديق قريب لك.
إذن نقول: إنه يستفاد منه أيش؟ أن الحسنات يذهبن السيئات، وأنه ينبغي مقابلة الإساءة بالإحسان، إلا أننا ذكرنا أن هذا ينبغي ألا يكون مظهر عجز في المرء، فإن كان مظهر عجز في المرء فلا ينبغي؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى ٤١].
* طالب: ولو كان فاسقًا؟
* الشيخ: إي نعم، ولو كان فاسقًا، هذا بالنسبة لحقك الخاص.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: أما بالنسبة لحق الله لا، فيعامل بما يقتضيه الشرع.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: بالنسبة لـ(...): ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود ١١٤].
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: نعم ربما تُذْهِب السيئات الحسنات بالمقابلة، بطريق المقابلة؛ لأن الحسنات والسيئات تُوزَن يوم القيامة، فإذا رَجَح أحدهما صار الحكم له.
* ويستفاد من هذه الآية أيضًا: فضيلة الإنفاق من رزق الله؛ ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾.
* ويستفاد منها أيضًا: أن المنفِق لم يُنفِق مِما صنعه أو اكتسبه بنفسه، ولكنه ينفِق منين؟ مِن رزق الله، فالله هو الذي رزقك، وهو الذي أمرك، فأنت في الحقيقة خادم عبد متصرِّف حسبَ أمر سيدك، قال لك: اكتسِب فاكتسبتَ، قال لك: أنفِق فأنفقْتَ.
طيب، قوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [القصص ٥٤]، كيف نجمع بين ما هنا وبين قولِه في وصفِ عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان ٦٧]، وبين قولِه: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء ٢٩]؟
نقول: نَجمَع بينهما بأنّ غالبَ أحوال الناس ألا ينفقوا جميع أموالهم؛ لأن إنفاق جميع المال قد يكون مضرًّا به، لكن في بعض الأحيان يكون إنفاق جميع المال محمودًا، فلهذا قال: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ فلا تنفق، ﴿وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ فتنفِق كل ما عندك، لكن النصوص الأخرى تدل على أن المسألة مبنية على أي شيء؟ على تغيُّر الحكم بتغيِّر الأحوال، فقد يكون مثلًا الأفضل إنفاق جميع المال، وقد يكون مِن الأفضل إبقاء بعضه.
* ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا قوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ أنَّ الإنفاق مِن رزق الله تبارك وتعالى محمود، والرزق كما عرَفنا في باب العقيدة، الرزق: ما يَنفع من حلال وضدِّه، يقول (...) والرزق ما ينفع من حلال وضدِّه، وهو ويش ضدُّه؟ الحرام، فهل يُحمد الإنسان إذا أنفق مِن حرام؟ لا؛ لأنه ما يُثاب عليه، والواجب عليه أنه يرد الشيء ويتخلص منه، هذا الواجب عليه، لكن المراد هنا الرزق الذي يُحمد على الإنفاق منه إذا كان زرقًا حلالًا، أما مَن اكتسب شيئًا حرامًا فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه إن أنفقه لم يُبَارك له فيه، وإن تصدق به لم يُقبَل منه، وإن خَلَّفه كان زاده إلى النار، وهذا يدل على أن الإنفاق من المحرم لا ينفع المرء، لكن ينفعه متى؟ إذا أنفقه يريد التخلص منه فإنه ينفعه بمعنى أنه لا يلحقه شيء من جَرَّائِه وينفعه؛ لأن إنفاقه للتخلص منه توبة، والتوبة تنفع العبد، فمثلًا: إذا كان الإنسان عنده مئة ألف درهم اكتسبها من حرام وأنفقها للتخلص منها، هل يُعطى أجر مَن تصدق بها؟ لا، لكن يُعطى أجرًا على التوبةِ من هذا الذنب الذي فعله، وأما ما (...)، لكن لو أنه اكتسبها من حلال وأنفقها، أُعْطِيَ الأجر بقدره، وعلى حسب المضاعفة التي جاء بها النص.
* * *
قال الله تبارك تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ﴾ [القصص ٥٥].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إذا كان... ما يفيد الإنسان؛ لأن العاجز ترك الشيء لعجزه عنه، فما هو مقام (...)، ولهذا قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء ١٤٩]، فمدح نفسه بأنه عافٍ مع القدرة، أما من عفا لعجزِه، ويش الفائدة؟ واحد مثلًا يضربه جندي وهو ما يقابل الجندي، يقول: (...) جزاك الله خيرًا، الله يحسن إليك. نعم، فنقول: هذا عاجز، لكن لو يضربه واحد من (...) ويش يسوي له؟ يمكن يعطيه عن الصاع صاعين.
{"ayahs_start":51,"ayahs":["۞ وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ یَتَذَكَّرُونَ","ٱلَّذِینَ ءَاتَیۡنَـٰهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ یُؤۡمِنُونَ","وَإِذَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِهِۦۤ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَاۤ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِینَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَیۡنِ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّیِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَیۡنِ بِمَا صَبَرُوا۟ وَیَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّیِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ یُنفِقُونَ"}