الباحث القرآني
قوله: ﴿وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ إلى قوله: ﴿لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
فالمعنى: وخلق الأنعام لكم فيها ما يدفئكم، أي ما يمنع عنكم ضر البرد، وضر الحر. لأن ما يستر من الحر يستر من البرد. وذلك ما ينتفع به من الأصواف والأوبار والأشعار. ثم جعل لكم فيها منافع، يعني من ألبانها، وركوبها، وأكل لحومها، والانتفاع بنسلها. وعن ابن عباس: الدفء نسل كل دابة.
فهذا كله حجة على الخلق احتج عليهم بنعمته عندهم ولطفه بهم. قال ابن عباس: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ يعني الثياب.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ﴾.
أي: تتجملون بها إذا وردت بالعشي من مسارحها إلى مراحها التي تأوي إليها. ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ أي: وتتجملون بها حين تسرح بالغدو ومن مراحها إلى مسارحها.
قال قتادة: أعجب ما تكون النعم إذا راحت عظاماً ضروعها، طوالاً أسنمتها. يعني: إذا رجعت من مرعاها.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ﴾.
أي: تحمل لكم هذه الأنعام أثقالكم إلى بلد بعيد لا تبلغو[نه] إلا بجهد شديد ومشقة عظيمة لو وكلتم [إلى] أنفسكم، قاله: مجاهد.
وقيل الأثقال يراد بها في هذا الموضع الأبدان بدلالة قوله: ﴿وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة: ٢] أي: ما فيها من الموتى. ومنه سمي الجن والإنس الثقلان.
وروى المسيِّبي عن نافع "بشَق" بفتح الشين، وبه قرأ أبو جعفر. وهو مصدر. ومن كسر جعله اسماً. وقيل معنى الكسر: إلا بنقص من القوة، أي ذهاب شق منها، أي: ذهاب نصفها.
﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾:
أي: لذو رأفه بكم وذو رحمة، ومن رحمته خلقه الأنعام لكم لمنافعكم ومصالحكم، وخلقه السماوات والأرض، وغير ذلك مما يقوم به أمركم فليس يجب الشكر والحمد إلا له.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا [وَ]زِينَةً﴾ أي: وخلق لكم أيضاً هذه، نعمة بعد نعمة وفضلاً بعد فضل.
وبهذه الآية يحتج من منع أكل لحوم الخيل لأنه تعالى ذكر ما يؤكل أولاً، وهي الأنعام، ثم ذكر ما يركب ولا يؤكل وهي الخيل وما بعدها.
وأجاز جماعة أكل لحوم الخيل ورووا فيها أحاديث وآثار. واحتجوا بأنه لا دليل من لفظ الآية على تحريمها وإن قوله: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ [الأنعام: ١٤٥] الآية، يدل [على] تحليلها.
والذين [ر]ووا تحريمها، رووا في ذلك أحاديث عن النبي عليه السلام في النهي عن أكلها. فيكون تركها كلها عندهم بالسنة وبدليل هذه الآية.
وقوله ﴿وَزِينَةً﴾.
[أي: وللزينة. فهو] مفعول لأجله. وقيل: المعنى وجعلها زينة، فهو مفعول به.
وقرأ أبو عياض: "لتركبوها زينة" بغير واو.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
أي يخلق مع خلقه لهذه الأشياء ﴿مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وهو ما أعد الله لأهل الجنة في الجنة، ولأهل النار في النار، مما لا تره عين ولا خطر على قلب بشر.
وعن ابن عباس أنه قال: خلق الله ألف أمة، منها ست مائة في البحر، وأربع مائة في البر، فليس شيء في البر إلا وفي البحر مثله، وفضل البحر بمائتين.
وعن وهب بن منبه أنه قال: إن لله ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منها عالم واحد. وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في الجنان. وما الخلق كله في قبضة الله [عز وجل] إلا كخردلة في كف أحدكم.
وعن وهب أيضاً، يرفعه إلى النبي عليه السلام، أنه قال: إن لله [عز وجل] ثمانية [عشر] [ألف] عالم، الدنيا منها عالم واحد، وإن لله في الدنيا ألف أمة سوى الانس والجن والشياطين، أربع مائة في البر، وست مائة في البحر
وقد قال بعض المفسرين: إن هذا [هو] تأويل ﴿ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] فجمع العالم لكثرة ذلك، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾ [المدثر: ٣١].
وروي أنه: نهر عن يمين العرش من نور السماوات السبع والأرضين السبع والبحار السبع، يدخل فيه جبريل عليه السلام كل سحر فيغتسل فيزداد نوراً إلى نوره، وجمالاً إلى جماله، وعظماً إلى عظمه. ثم ينتفض فيخلق الله جلّ ذكره من كل نقطة تقع منه كذا وكذا ألف ملك. يدخل منهم كل يوم سبت المعمور سبعون ألفاً، وسبعون ألفاً في الكعبة ثم لا يعودون إليه أبداً إلى أن تقوم الساعة. تصديقه:
﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾ [المدثر: ٣١].
وقال السدي: هو خلق السوس في الثياب.
والأحسن في هذه الآية: كونها على العموم، أن الله يخلق الأشياء لا يعلمها ولا يعرفها [أحد] وأنه هو العالم بها وحده لا إله إلا هو.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ﴾.
أي: وعلى الله تبيين الطريق المستقيم إليه بالحجج والبراهين. فالسبيل الطريق، والقصد الاستقامة.
وقيل معناه: رجوعكم ومصيركم [إلي] كما قال: ﴿هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: ١٤].
والقول الأول: أحسن لدلالة قوله: ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ أي: من السبـ[ـيـ]ـل ما هو جائر عن الحق.
والسبيل هنا جمع [في المعنى بدلالة قوله: ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾] فدخول "مِن" يدل على أن السبيل جمع. أي: من السبـ[ـيـ]ـل سبيل جائر. أي: غير قاصد للحق. يعني ما خالف دين الإسلام من الأديان.
قال ابن عباس: قصد السبيل: تبين الهدى من الضلالة.
وقال مجاهد: هو طريق الحق إلى الله. قال قتادة: ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ أي: ومن السبيل، سبيل الشيطان. وقال الضحاك: يعني السبيل التي تفرقت عن سبيل الله [سبحانه]. وقال ابن زيد: جائر عن الحق.
والجائر في اللغة: العادل عن الحق.
وفي قراءة عبد الله: ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ ورواية عن علي أيضاً، ويقويها: ﴿وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ معناه: ولو شاء [الله] للطف بكم بتوفيقه فكنتم تهتدون إلى طريقه المستقيم. ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء، لا معقب لأمره ومشيئته.
وقال الزجاج: معناه. لو شاء لأنزل آية يضطر الخلق [بها] إلى الإيمان به.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["وَٱلۡأَنۡعَـٰمَ خَلَقَهَاۖ لَكُمۡ فِیهَا دِفۡءࣱ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ","وَلَكُمۡ فِیهَا جَمَالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَحِینَ تَسۡرَحُونَ","وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدࣲ لَّمۡ تَكُونُوا۟ بَـٰلِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ","وَٱلۡخَیۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِیرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِینَةࣰۚ وَیَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ","وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِیلِ وَمِنۡهَا جَاۤىِٕرࣱۚ وَلَوۡ شَاۤءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِینَ"],"ayah":"وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدࣲ لَّمۡ تَكُونُوا۟ بَـٰلِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق