الباحث القرآني

فيه ثلاث مسائل: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ﴾ الْأَثْقَالُ أَثْقَالُ النَّاسِ مِنْ مَتَاعٍ وَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا يُثْقِلُ الْإِنْسَانَ حَمْلُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَبْدَانُهُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها [[راجع ج ٢٠ ص ١٤٧، ولعل الأثقال في الزلزلة: الكنوز.]] "وَالْبَلَدُ مَكَّةُ، فِي قَوْلِ عِكْرِمَةَ. وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَسْلَكُهُ عَلَى الظَّهْرِ. وَشِقُّ الْأَنْفُسِ: مَشَقَّتُهَا وَغَايَةُ جَهْدِهَا. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِكَسْرِ الشِّينِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالشِّقُّ الْمَشَقَّةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ﴾وَهَذَا قَدْ يُفْتَحُ، حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَكَسْرُ الشِّينِ وَفَتْحُهَا فِي" شِقٍّ "مُتَقَارِبَانِ، وَهُمَا بِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ، وَهُوَ مِنَ الشِّقِّ فِي الْعَصَا وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُ يَنَالُ مِنْهَا كَالْمَشَقَّةِ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ" إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ" وَهُمَا لُغَتَانِ، مِثْلَ رِقٍّ وَرَقٍّ وَجِصٍّ وَجَصٍّ وَرِطْلٍ وَرَطْلٍ. وَيُنْشَدُ قَوْلُ الشَّاعِرِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا: وَذِي إِبِلٍ يَسْعَى [[هو النمر بن تولب، كما في السان مادة شقيق: وفى جوى: يقنى.]] وَيَحْسِبُهَا له ... أخى نصب من شقه ودءوب ويجوز أن يكون بمعمى المصدر، من شققت عليه شَقًّا. وَالشِّقُّ أَيْضًا بِالْكَسْرِ النِّصْفِ، يُقَالُ: أَخَذْتُ شِقَّ الشَّاةِ وَشِقَّةَ الشَّاةِ. وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ هَذَا الْمَعْنَى، أَيْ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِنَقْصٍ مِنَ الْقُوَّةِ وَذَهَابِ شِقٍّ مِنْهَا، أَيْ لَمْ تَكُونُوا تَبْلُغُوهُ إِلَّا بِنِصْفِ قُوَى أَنْفُسِكُمْ وَذَهَابِ النِّصْفِ الْآخَرِ. وَالشِّقُّ أَيْضًا النَّاحِيَةُ مِنَ الْجَبَلِ. وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ. وَالشِّقُّ أَيْضًا: الشَّقِيقُ، يُقَالُ: هُوَ أَخِي وَشِقِّ نَفْسِي. وَشِقٌّ اسْمُ كَاهِنٍ مِنْ كُهَّانِ الْعَرَبِ. وَالشِّقُّ أَيْضًا: الْجَانِبُ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: إِذَا مَا بَكَى مَنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ ... بِشِقٍّ وَتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ. الثَّانِيَةُ- مَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْأَنْعَامِ عُمُومًا، وَخَصَّ الْإِبِلَ هُنَا بِالذِّكْرِ فِي حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْعَامِ، فَإِنَّ الْغَنَمَ لِلسَّرْحِ وَالذَّبْحِ، وَالْبَقَرَ لِلْحَرْثِ، وَالْإِبِلَ لِلْحَمْلِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ فَقَالَ الناس سبحان الله تعجبا وفزعا أبقرة تتكلم"؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وإني أو من به وأبو بكر وعمرو". فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَلَا تُرْكَبُ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْحَرْثِ وللأكل والنسل [[الرسل بالسر (: اللبن.)]] والرسل. في الثَّالِثَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ بِالدَّوَابِّ وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَيْهَا. وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا تَحْتَمِلُهُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ فِي الْحَمْلِ مَعَ الرِّفْقِ فِي السَّيْرِ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالرِّفْقِ بِهَا وَالْإِرَاحَةِ لَهَا وَمُرَاعَاةَ التَّفَقُّدِ لِعَلْفِهَا وَسَقْيِهَا. وَرَوَى مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ:" إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا [[قوله "في السنة" أي في القحط وأنعباد نبات الأرض في يبسها. والنقي) بكسر النون وسكون القاف) هو المخ. ومعناه: أسرعوا في السير بالإبل لتسلوا إلى المقصد وفيها بقية من قوتها، إذ ليس في الأرض ما يقويها على السير.]] " رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ. وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ قَالَ كَانَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ جَمَلٌ يُقَالُ لَهُ دَمُّونُ، فَكَانَ يَقُولُ: يَا دَمُّونُ، لَا تُخَاصِمْنِي عِنْدَ رَبِّكَ. فَالدَّوَابُّ عُجْمٌ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَالَ لِنَفْسِهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْصِحَ بِحَوَائِجِهَا، فَمَنِ ارْتَفَقَ بِمَرَافِقِهَا ثُمَّ ضَيَّعَهَا مِنْ حَوَائِجِهَا فَقَدْ ضَيَّعَ الشُّكْرَ وَتَعَرَّضَ لِلْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى. وَرَوَى مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ آدَمَ قَالَ. رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ جَمَّالًا وَقَالَ: تحمل على بعيرك ما لا يطيق؟.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب