الباحث القرآني
قوله: «ذَلِكَ بأنَّهُمْ» ، «ذلكَ» مبتدأ وخبر، والإشارةُ إلى الأمر بضربهمٍ، والخطابُ يجوزُ أن يكون للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويجوز أن يكون للكفَّارِ، وعلى هذا فيكونُ التفاتاً.
كذا قال أبُو حيَّان وفيه نظر لوجهين:
أحدهما: أنه يلزمُ من ذلك خطابُ الجمع بخطاب الواحد، وهو ممتنعٌ أو قليلٌ، وقد حُكِيَتْ لُغَيَّة.
والثاني: أنَّ بعده: ﴿بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله﴾ فيكون التفت من الغيبةِ إلى الخطاب في كلمة واحدة، ثمَّ رجع إلى الغيبة في الحال، وهو بعيدٌ.
قوله: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الله﴾ «مَنْ» مبتدأ، والجملةُ الواقعة بعدها خبرها، أو الجملة الواقعة جزءً أو مجموعهما، ومن التزم عود ضمير من جملة الجزاءِ على اسمِ الشَّرط قدَّرهُ هُنَا محذوفاً تقديره: فإنَّ الله شديدُ العقاب له.
واتفق القُّراءُ على فكِّ الإدغام هنا في: «يُشاقِقِ» ؛ لأنَّ المصاحفَ كتبته بقافين مفكوكتين، وفَكُّ هذا النوعِ لغةُ الحجاز، والإدغامُ بشروطه لغة تميم.
فصل
والمعنى: أنَّه تعالى ألقاهم في الخزي والنَّكال من هذه الوجوه الكثيرة؛ لأنهم شَاقُّوا الله ورسوله قال الزَّجَّاجُ جانبوا، وصاروا في شقّ غير شقِّ المؤمنين والشِّقُّ الجانب و «شَاقوا اللَّهَ» مجاز، والمعنى: شاقُّوا أولياءَ اللَّهِ، ودين اللَّهِ.
ثم قال: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ يعني أنَّ هذا الذي نزل بهم في ذلك اليَوْمِ شيءٌ قليلٌ بالنسبة لِمَا أعدَّ لهم من العقاب يوم القيامةِ.
قوله: ﴿ذلكم فَذُوقُوهُ﴾ يجوز في: «ذَلِكُمْ» أربعةُ أوجهٍ:
أحدها: أن يكون مرفوعاً على خبر ابتداء مضمر، أي: العقاب ذلكم، أو الأمر ذلكم.
الثاني: أن يرتفع بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ، أي: ذلكم العقابُ وعلى هذين الوجهين؛ فيكون قوله «فَذُوقُوهُ» لا تعلُّق لها بما قبلها من جهة الإعراب.
والثالث: أن يرتفع بالابتداء، والخبرُ قوله: «فَذُوقُوهُ» وهذا على رأي الأخفشِ فإنَّهُ يرى زيادة الفاء مطلقاً أعني سواءً تضمَّن المبتدأ معنى الشَّرط أمْ لا، وأمَّا غيرُهُ فلا يُجيز زيادتها إلاَّ بشرط أن يكون المبتدأ مشبهاً لاسم الشرك ما تقدَّم تقريره.
واستدلَّ الأخفشُ على ذلك بقول الشاعر: [الطويل]
2684 - وقَائِلَةٍ: خَولاَنُ فانْكِحْ فَتَاتَهُمْ ... وأكرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا
وخرَّجه الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره: هذه حَوْلاَنُ.
الرابع: أن يكون منصوباً بإضمار فعل يُفسِّرهُ ما بعده، ويكون من باب الاشتغال.
وقال الزمخشريُّ: «ويجوز أن يكون نصباً على: عليكم ذلكم فذوقوه كقولك: زيداً فاضربهط.
قال أبو حيان:» ولا يَصِحُّ هذا التقدير، لأنَّ «عليكم» من أسماء الأفعال وأسماءُ الأفعالِ لا تُضْمَر، وتشبيهُهُ بقولك: زيداً فاضربهُ، ليس بجيّد؛ لأنَّهم لم يُقدِّرُوهُ ب «عليك زيداً فاضربه» وإنَّما هذا منصوبٌ على الاشتغالِ» .
قال شهابُ الدِّين: يجوزُ أن يكون نَحَا الزمخشريُّ نحو الكوفيين؛ فإنَّهم يجرونهم مجرى الفعل مطلقاً، ولذلك يُعْمِلُونه متأخراً نحو ﴿كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 24] .
وقال أبُو البقاء: «ويجوز أن يكون في موضع نصب، أي ذُوقُوا ذلكم، ويجعل الفعلُ الذي بعده مُفَسِّراً له، والأحسن أن يكون التقدير: بَاشِرُوا ذلكم فذوقوه، لتكون الفاءُ عاطفةً»
قدَّر الفعل ير وافقٍ لما بعده لفظاً مع إمكانه، وأيضاً فقد جعل الفاء عاطفةً لا زائدةً وقد تقدَّم تحقيقُ الكلام في هذه الفاء عند قوله: ﴿وَإِيَّايَ فارهبون﴾ [البقرة: 40] .
قوله ﴿وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار﴾ الجمهورُ على فتح «أنَّ» وفيها تخريجات أحدها: أنها، وما في حيَّزها في محل رفع على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديره: حَتْمٌ استقرارُعذاب النار للكافرين.
الثاني: أنها خبر مبتدأ محذوف أي: الحتم، أو الواجب أنَّ للكافرين عذاب النَّارِ.
الثالث: أن تكون عطفاً على: «ذَلِكُمْ» في وجهيه قاله الزمخشريُّ. ويعني بقوله «في وجهيه» أي: وجهي الرفع وقد تقدَّما.
الرابع: أن تكون في محلِّ نصب على المعيَّة.
قال الزمخشريُّ: «أو نصب على أنَّ الواوَ بمعنى» مع «والمعنى: ذُوقُوا هذا العذابَ العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة، فوضع الظاهرَ موضع المضمر» : يعني بقوله: «وضع الظَّاهر موضع المضمر» أنَّ أصل الكلام فذوقوه وأنَّ لكم فوضع «لِلْكافِرينَ» موضع «لَكُمْ» شهادةً عليهم بالكفر ومنبهةً على العلّة.
الخامس: أن يكون في محل نصب بإضمار «واعلموا» .
قال الفراءُ: يجوزُ نصبه من وجهين:
أحدهما: على إسقاط الباء، أي: بأنَّ للكافرين.
والثانيك على إضمارِ «اعلموا» ؛ قال الشاعر: [الرجز]
2685 - تَسْمَعُ للأخشَاءِ عنه لغطاً ... وللْيَديْنِ جُسْأةَ وبَدَدَا
أي: وترى لليدين بدَدا، فأضمر «تَرَى» كذلك: «فَذُوقُوهُ» واعلموا: «أنَّ لِلْكافِرينَ» .
وأنكره الزجاج أشدَّ إنكارٍ.
وقال: لو جاز هذا لجاز: زيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً، أي: وترى عمراً منطلقاً ولا يُجيزه أحدٌ.
ونبَّه بقول «فَذُوقُوه» وهو ما عجل من القتل والأسر على أنَّ ذلك يسير بالإضافة إلى عذاب القيامة فلذلك سمَّاه ذوقاً لأن الذوق لا يكون إلاَّ لتعرف الطعم، فقوله: «فَذُوقُوهُ» يدلَّ على أنَّ الذوق يكون في إدراك غير المطعوم كقوله ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [الدخان: 49] .
{"ayahs_start":13,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَاۤقُّوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن یُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","ذَ ٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابَ ٱلنَّارِ"],"ayah":"ذَ ٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابَ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق