الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ بِأنَّهم شاقُّوا اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ الإشارَةُ إلى ما حَلَّ بِهِمْ مِن إلْقاءِ الرُّعْبِ في قُلُوبِهِمْ وما أصابَهم مِنَ الضَّرْبِ والقَتْلِ، والكافُ لِخِطابِ الرَّسُولِ، أوْ لِخِطابِ كُلِّ سامِعٍ، أوْ لِخِطابِ الكُفّارِ عَلى سَبِيلِ الِالتِفاتِ، وذَلِكَ مُبْتَدَأٌ وبِأنَّهم هو الخَبَرُ، والضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى الكُفّارِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في المُشاقَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّما هم في شِقاقٍ﴾ [البقرة: ١٣٧] والمُشاقَّةُ هُنا مُفاعَلَةٌ، فَكَأنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَعَ شَرْعًا وأمَرَ بِأوامِرَ وكَذَّبُوا بِها وصَدُّوا تَباعَدَ ما بَيْنَهم وانْفَصَلَ وانْشَقَّ، وعَبَّرَ المُفَسِّرُونَ في قَوْلِهِ: شاقُّوا اللَّهَ، أيْ: صارُوا في شَقٍّ غَيْرِ شَقِّهِ.
﴿ومَن يُشاقِقِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ أجْمَعُوا عَلى الفَكِّ في يُشاقِقِ اتِّباعًا لِخَطِّ المُصْحَفِ، وهي لُغَةُ الحِجازِ، والإدْغامُ لُغَةُ تَمِيمٍ، كَما جاءَ في الآيَةِ الأُخْرى، ﴿ومَن يُشاقِّ اللَّهَ﴾ [الحشر: ٤]؛ وقِيلَ: فِيهِ حَذْفُ مُضافٍ، تَقْدِيرُهُ: شاقُّوا (p-٤٧٢)أوْلِياءَ اللَّهِ، ومَن شَرْطِيَّةٌ، والجَوابُ فَإنَّ وما بَعْدَها، والعائِدُ عَلى مَن مَحْذُوفٌ، أيْ: شَدِيدُ العِقابِ لَهُ، وتَضَمَّنَ وعِيدًا وتَهْدِيدًا، وبَدَأهم بِعَذابِ الدُّنْيا مِنَ القَتْلِ والأسْرِ والِاسْتِيلاءِ عَلَيْهِمْ.
﴿ذَلِكم فَذُوقُوهُ وأنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ﴾ جَمَعَ بَيْنَ العَذابَيْنِ عَذابِ الدُّنْيا وهو المُعَجَّلُ، وعَذابِ الآخِرَةِ وهو المُؤَجَّلُ، والإشارَةُ بِذَلِكم إلى ما حَلَّ بِهِمْ مِن عَذابِ الدُّنْيا، والخِطابُ لِلْمُشاقِّينَ، ولَمّا كانَ عَذابُ الدُّنْيا بِالنِّسْبَةِ إلى عَذابِ الآخِرَةِ يَسِيرًا سَمّى ما أصابَهم مِنهُ ذَوْقًا؛ لِأنَّ الذَّوْقَ يُعْرَفُ بِهِ الطَّعْمُ، وهو يَسِيرٌ لِيُعْرَفَ بِهِ حالُ الطَّعْمِ الكَثِيرِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ثُمَّ إنَّكم أيُّها الضّالُّونَ المُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٥١] ﴿لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِن زَقُّومٍ﴾ [الواقعة: ٥٢] ﴿فَمالِئُونَ مِنها البُطُونَ﴾ [الواقعة: ٥٣] فَما حَصَلَ لَهم مِنَ العَذابِ في الدُّنْيا كالذَّوْقِ القَلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إلى ما أُعِدَّ لَهم في الآخِرَةِ مِنَ العَذابِ العَظِيمِ، وذَلِكم مَرْفُوعٌ إمّا عَلى ابْتِداءٍ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أيْ: ذَلِكُمُ العِقابُ، أوْ عَلى الخَبَرِ والمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ، أيِ: العِقابُ ذَلِكم، وهُما تَقْدِيرانِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أيْ: ذَلِكُمُ الضَّرْبُ والقَتْلُ وما أوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَأنَّهُ قالَ: الأمْرُ ذَلِكم فَذُوقُوهُ، انْتَهى. وهَذا تَقْدِيرُ الزَّجّاجِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلى عَلَيْكم ذَلِكم فَذُوقُوهُ، كَقَوْلِكَ زَيْدًا فاضْرِبْهُ، انْتَهى، ولا يَجُوزُ هَذا التَّقْدِيرُ: لِأنَّ عَلَيْكم مِن أسْماءِ الأفْعالِ، وأسْماءُ الأفْعالِ لا تُضْمَرُ، وتَشْبِيهُهُ لَهُ بِقَوْلِكَ: زَيْدًا فاضْرِبْهُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأنَّهم لَمْ يُقَدِّرُوهُ بِعَلَيْكَ زَيْدًا فاضْرِبْهُ، وإنَّما هَذا مَنصُوبٌ عَلى الِاشْتِغالِ، وقَدْ أجازَ بَعْضُهم في ذَلِكَ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى الِاشْتِغالِ، وقالَ بَعْضُهم: لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكم مُبْتَدَأً أوْ فَذُوقُوهُ خَبَرًا؛ لِأنَّ ما بَعْدَ الفاءِ لا يَكُونُ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ، إلّا أنْ يَكُونَ المُبْتَدَأُ اسْمًا مَوْصُولًا أوْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، نَحْوُ: الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، وكُلُّ رَجُلٍ في الدّارِ فَمُكْرَمٌ، انْتَهى، وهَذا الَّذِي قالَهُ صَحِيحٌ، ومَسْألَةُ الِاشْتِغالِ تَنْبَنِي عَلى صِحَّةِ جَوازِ أنْ يَكُونَ ذَلِكم يَصِحُّ فِيهِ الِابْتِداءُ، إلّا أنَّ قَوْلَهم: زَيْدًا فاضْرِبْهُ وزَيْدٌ فاضْرِبْهُ لَيْسَتِ الفاءُ هُنا كالفاءِ في: الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، لِأنَّ هَذِهِ الفاءَ دَخَلَتْ لِتَضَمُّنِ المُبْتَدَأِ مَعْنى اسْمِ الشَّرْطِ، ولِذَلِكَ شُرُوطٌ ذُكِرَتْ في النَّحْوِ، والفاءُ في: زَيْدٌ فاضْرِبْهُ هي جَوابٌ لِأمْرٍ مُقَدَّرٍ ومُؤَخَّرَةٌ مِن تَقْدِيمٍ، والتَّقْدِيرُ: تَنَبَّهَ فَزَيْدٌ اضْرِبْهُ وقالَتِ العَرَبُ زَيْدًا فاضْرِبْهُ، وقَدَّرَهُ النُّحاةُ: تَنَبَّهَ فاضْرِبْ زَيْدًا، وابْتَنى الِاشْتِغالُ في زَيْدًا فاضْرِبْهُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ، فَقَدْ بانَ الفَرْقُ بَيْنَ الفاءَيْنِ، ولَوْلا هَذا التَّقْدِيرُ لَمْ يَجُزْ: زَيْدًا فاضْرِبْ، بَلْ كانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ زَيْدًا اضْرِبْ، كَما هو إذا لَمْ يُقَدَّرْ هُناكَ أمْرٌ بِالتَّنْبِيهِ مَحْذُوفٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: وأنَّ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عُطِفَ عَلى ذَلِكم في وجْهَيْهِ، أوْ نُصِبَ عَلى أنَّ الواوَ (p-٤٧٣)بِمَعْنى مَعَ، ذُوقُوا هَذا العَذابَ العاجِلَ مَعَ الآجِلِ الَّذِي لَكم في الآخِرَةِ، فَوُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ، أيْ مَكانَ: وإنَّ لَكم، وإنَّ لِلْكافِرِينَ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إمّا عَلى تَقْدِيرِ: وحَتْمٌ أنَّ، فَتَقْدِيرُ ابْتِداءٍ مَحْذُوفٍ يَكُونُ خَبَرَهُ. وقالَ سِيبَوَيْهِ: التَّقْدِيرُ: الأمْرُ ذَلِكم، وإمّا عَلى تَقْدِيرِ: واعْلَمُوا أنَّ، فَهي في مَوْضِعِ نَصْبٍ، انْتَهى. وقَرَأ الحَسَنُ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وسُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ: وإنَّ، بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى اسْتِئْنافِ الأخْبارِ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَاۤقُّوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن یُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ","ذَ ٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابَ ٱلنَّارِ"],"ayah":"ذَ ٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابَ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق