الباحث القرآني
﴿قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ أنَّهُ﴾، الضمير للشأن، ﴿اسْتَمَعَ نَفَرٌ﴾: جماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة، ﴿مِنَ الجِنِّ﴾، أمر الله رسوله أن يخبر قومه أن جماعة من الجن استمعوا للقرآن، فآمنوا به وصدقوه، ﴿فَقالُوا﴾: حين رجعوا إلى قومهم، ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا﴾: في نهاية البلاغة مصدر وضع للمبالغة موضع العجيب، ﴿يَهْدِي﴾: الخلق، ﴿إلى الرشْدِ﴾: إلى الصواب، والسداد، ﴿فَآمَنّا بِهِ ولَن نشْرِكَ بِرَبِّنا أحَدًا﴾، ولن نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك، ﴿وأنَّهُ﴾ أي: الشأن، ﴿تَعالى جَدُّ﴾: عظمة، ﴿رَبِّنا﴾، أو علا ملكه، أو غناه، وقراءة ”إن“ بالكسر عطف على ﴿إنا سمعنا﴾ من جملة المقول، وأما الفتح، فعلى العطف على ”به“ في ”آمنا به“ بحذف حرف الجر وحذفه من أن وإن كثير والأولى عندي أن يكون عطفًا [على] أنه استمع أي: أوحى إلى هذا الكلام، وهو أنه تعالى جد ربنا حكاية عن كلام الجن حتى لا يحتاج في وأنه كان رجال وغيره إلى تمحل عظيم، فتأمل، ﴿ما اتَخَّذَ صاحِبَه ولاَ ولَدًا﴾ بيان لقوله تعالى: ”جَدُّ رَبِّنا“، كأنه قال: تعالى عظمته عن اتخاذ الصاحبة والولد، ﴿وأنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا﴾: إبليس، أو جاهلنا، ﴿عَلى اللهِ شَطَطًا﴾ أي: قولًا ذا شطط، وهو مجاوزة الحد في الظلم، ﴿وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ والجِنُّ عَلى اللهِ كَذِبً﴾ أي: حسبنا أن أحدًا لن يفتري عليه، فكنا نصدق ما أضافوا إليه حتى تبين لنا من القرآن افتراؤهم، و ”كذبا“ مصدر؛ لأنه نوع من القول، ﴿وأنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنِّ﴾ إذا نزلوا واديًا في الجاهلية قالوا: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، كما كانت عادتهم دخول بلاد الأعداء في جوار رجل كبير منهم، وخفارته، ﴿فَزادُوهُمْ﴾ أي: الجنُّ الإنسَ، ﴿رَهَقًا﴾: إخافة وإرهابًا، عن عكرمة: كان إذا نزل الإنس واديًا هرب الجن منهم، فلما سمع الجنُّ يقول الإنسَ: نعوذ بأهل هذا الوادي قالوا: نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالجنون، والخبل، أو فزاد الجن تكبرًا وطغيانًا بسبب استعاذة الإنس بهم، ﴿وأنَّهُمْ﴾: أي: الإنس، ﴿ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ﴾: أيها الجن، ﴿أنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أحَدًا﴾: بعد ذلك بالرسالة أو لا بعث، ولا حشر، وهذا قول نفر من الجن لقومهم حين رجعوا إليهم، ﴿وأنّا لَمَسْنا﴾: طلبنا، واللمس والمس استعير للطلب، لأن الماس طالب متعرف، ﴿السَّماءَ﴾ أي: بلوغها لاستراق السمع، ﴿فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسًا﴾، اسم بمعنى الحراس كالخدم، ﴿شَدِيدًا﴾: من الملائكة، ﴿وشُهُبًا﴾: من النجوم، ﴿وأنّا كُنّا﴾: قبل ذلك، ﴿نَقْعُدُ مِنها﴾: من السماء، ﴿مَقاعِدَ﴾: صالحة للترصد، ﴿لِلسَّمْعِ﴾: لاستماع أخبار السماء، ﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهابًا رَصَدًا﴾: راصدًا لأجله يمنعه من الاستماع، ﴿وأنّا لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن في الأرْضِ﴾: بحراسة السماء، ﴿أمْ أرادَ بِهِمْ رَبُّهم رَشَدًا﴾: خيرًا، وهذا من أدبهم، حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، ثم اعلم أن الكواكب يرمي بها قبل المبعث، لكن ليس بكثير، والأحاديث تدل عليه، وبعد مبعثه قد كثرت الشهب بحيث لم يقدر الجن بعد على استراق السمع من غير أن يأتيه شهاب، فهالَ ذلك الإنس والجن، نعم: قد يسترق كلمة فيلقيها إلى صاحبه، ثم يدركه الشهاب كما ورد في الصحيحين، وهذا هو الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها حتى وجدوا رسول الله ﷺ يقرأ في الصلاة فعرفوا أن هذا هو السبب في حراسة السماء، فآمن من آمن منهم، وتمرد من تمرد، ﴿وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ ومِنّا﴾: قوم، ﴿دُونَ ذَلِكَ﴾، وهم الطالحون، أو المقتصدون، ﴿كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ أي: كنا ذوي مذاهب متفرقة، ﴿وأنّا ظَنَنّا﴾ أي: علمنا، ﴿أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ في الأرْضِ﴾: إن أراد بنا أمرًا، ﴿ولَنْ نُعْجِزَهُ﴾: إن طلبنا، ﴿هَرَبًا﴾: هاربين، وفي الأرض وهربا حالان وفائدة ذكر الأرض تصوير أنه مع تلك البسطة ليي فيها بمهرب من الله، ﴿وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدى﴾: القرآن، ﴿آمَنّا بِهِ﴾، كرروا ذلك للافتحار، ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ﴾ أي: فهو لا يخاف بحذف المبتدأ للدلالة على الاختصاص، ولذلك لم يقل لا يخف، ﴿بَخْسًا﴾: نقصًا في الجزاء، ﴿ولاَ رَهَقًا﴾: ظلمًا، ﴿وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ ومِنّا القاسِطُونَ﴾: الحائرون عن الحق، ﴿فمَن أسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا﴾: قصدوا، ﴿رَشَدًا﴾: عظيمًا، ﴿وأمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾: كما لكفار الإنس، ﴿وألَّوِ اسْتَقامُوا﴾، عطف على أنه استمع لا غير أي: وأن الشأن لو استقام الجن أو الإنس والجن، ﴿عَلى الطَّرِيقَةِ﴾: الحسنى، وآمنوا كلهم، ﴿لَأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا﴾: مطرًا كثيرًا، ووسعنا عليهم في الرزق، ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾: لنحشرهم، ﴿فيهِ﴾: في سقي الماء كيف يشكرونه ﴿الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ١، ٢] أو معناه أن لو استقاموا على طريقتهم القديمة من الكفر لأوسعنا عليهم الرزق استدراجًا كما قال تعالى: ”فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم“ الآية [الأنعام: ٤٤] ﴿ومَن يعْرِضْ عَن ذِكْرِ ربِّه﴾: ولم يؤمن به، ﴿يَسْلُكْهُ﴾: يدخله، ﴿عَذابًا صَعَدًا﴾: شاقا يعلو المعذب مصدر وصف به عن ابن عباس - رضي الله عنهما - هو جبل في جهنم، ﴿وأنَّ المَساجِدَ﴾: مواضع بنيت للعبادة، أو المراد جميع الأرض، أو أعضاء السجود، ﴿لله فَلا تَدْعُوا﴾: فلا تعبدوا أيها الإنس والجن، ﴿مَعَ اللهِ أحَدًا﴾: فيها، أو بها نزلت حين قالت الجن: ائذن لنا يا رسول الله فنشهد معك الصلوات في مسجدك، أو حين قالوا: كيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك؟ وعن قتادة اليهود والنصارى أشركوا بالله في كنائسهم فأمرنا الله بالتوحيد، ﴿وأنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ قال الجن لقومهم: لما قام رسول الله ﷺ يعبد الله ويصلي كاد أصحابه من الإنس عليه متراكمين للحرص على العبادة والاقتداء، أو كاد الإنس والجن يكونون عليه مجتمعين ليبطلوه، ويطفئوه، أو لما قام يصلي كاد الجن يكونون عليه متراكمين تعجبًا، وحرصًا على الاستماع.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قُلۡ أُوحِیَ إِلَیَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرࣱ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوۤا۟ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبࣰا","یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَاۤ أَحَدࣰا","وَأَنَّهُۥ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةࣰ وَلَا وَلَدࣰا","وَأَنَّهُۥ كَانَ یَقُولُ سَفِیهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطࣰا","وَأَنَّا ظَنَنَّاۤ أَن لَّن تَقُولَ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰا","وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالࣱ مِّنَ ٱلۡإِنسِ یَعُوذُونَ بِرِجَالࣲ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقࣰا","وَأَنَّهُمۡ ظَنُّوا۟ كَمَا ظَنَنتُمۡ أَن لَّن یَبۡعَثَ ٱللَّهُ أَحَدࣰا","وَأَنَّا لَمَسۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ فَوَجَدۡنَـٰهَا مُلِئَتۡ حَرَسࣰا شَدِیدࣰا وَشُهُبࣰا","وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَـٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن یَسۡتَمِعِ ٱلۡـَٔانَ یَجِدۡ لَهُۥ شِهَابࣰا رَّصَدࣰا","وَأَنَّا لَا نَدۡرِیۤ أَشَرٌّ أُرِیدَ بِمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ أَرَادَ بِهِمۡ رَبُّهُمۡ رَشَدࣰا","وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَ ٰلِكَۖ كُنَّا طَرَاۤىِٕقَ قِدَدࣰا","وَأَنَّا ظَنَنَّاۤ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبࣰا","وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰۤ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن یُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا یَخَافُ بَخۡسࣰا وَلَا رَهَقࣰا","وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ وَمِنَّا ٱلۡقَـٰسِطُونَۖ فَمَنۡ أَسۡلَمَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ تَحَرَّوۡا۟ رَشَدࣰا","وَأَمَّا ٱلۡقَـٰسِطُونَ فَكَانُوا۟ لِجَهَنَّمَ حَطَبࣰا","وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ عَلَى ٱلطَّرِیقَةِ لَأَسۡقَیۡنَـٰهُم مَّاۤءً غَدَقࣰا","لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَمَن یُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ یَسۡلُكۡهُ عَذَابࣰا صَعَدࣰا","وَأَنَّ ٱلۡمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدࣰا","وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ یَدۡعُوهُ كَادُوا۟ یَكُونُونَ عَلَیۡهِ لِبَدࣰا"],"ayah":"وَأَنَّهُمۡ ظَنُّوا۟ كَمَا ظَنَنتُمۡ أَن لَّن یَبۡعَثَ ٱللَّهُ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق