الباحث القرآني
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعد، فهذا هو اللقاء الثاني والثمانون من اللقاء المعبَّر عنه بلقاء الباب المفتوح، والذي يكون كلَّ يوم خميس من كلِّ أسبوع، وهذا هو الخميس العشرون من شهر رجب عام خمسة عشر وأربع مئة وألف، وكان من عادتنا أن نبدأ هذا اللقاء بتفسير آياتٍ من كتاب الله عز وجل؛ لأن كتاب الله سبحانه وتعالى نزل لعدَّة حِكَم:
منها: التعبُّد لله تعالى بتلاوته؛ فإنَّ تلاوة كتاب الله مما يقرِّب إلى الله، والحرف الواحد منه ثوابه عشر حسنات.
ونزل أيضًا من أجل التدبُّر لمعانيه؛ حيث قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص ٢٩]، وهذه الحكمة غفل عنها كثيرٌ من الناس، لا أقول: من عامَّة الناس؛ حتى من طلبة العلم، تجد بعض الطلاب يعتنون بشرح الأحاديث أو كلام الفقهاء أو غيرهم من علماء الشريعة، لكن لا يعتنون بتفسير كتاب الله عز وجل، مع أنَّ كتاب الله هو أمُّ الكُتُب كلِّها وإليه مرجع الكتب، وكتاب الله عز وجل هو الذي كُلِّفْنا بأن نتدبَّر آياته وأن نتَّعظ بها، لهذا نرى أنَّه لا يليق بطالب العلم أن يُعرِض عن تفسير كتاب الله وهو يعتني بتفسير كلام غير الله عز وجل.
وابتدأنا هذا التفسير بسورة النبأ؛ لأنَّ هذا الجزء كثيرًا ما يُقرأ في الصلوات كصلاة المغرب والعشاء فيسمعه العامة، فيَحْسن أن يعرفوا معاني هذا الجزء من كتاب الله عز وجل.
وآيات الله سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز متشابهة، ربما تجد بعضَ الآيات بنصِّها ولفظها في موضعٍ آخر؛ مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة ٧٣، التحريم ٩]، هذه الآية وردتْ بلفظها في مكانٍ آخر في كتاب الله، وردتْ في التوبة ووردتْ في سورة التحريم، فكتاب الله تعالى يشبه بعضُه بعضًا.
هذا اللقاءُ اليومَ سيكون الذي نتكلَّم عليه من كتاب الله هو سورة (اقرأ)؛ إذ إنَّنا -ولله الحمد- أكملنا ما سبق.
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق ١].
وفي البسملة بحثٌ سبقت الإشارة إليه لكنْ لا مانع من إعادته، وهو: هل البسملة آيةٌ من السورة التي تليها أم هي آيةٌ مستقلَّة؟
الصحيح أنها آيةٌ مستقلَّة وأنها ليست من السورة التي تليها، فلا هي من الفاتحة ولا من البقرة ولا من آل عمران، بل هي آيةٌ مستقلَّة، ولهذا لو أنَّ الإنسان في الصلاة قرأ الفاتحة بدون البسملة فصلاته صحيحة لأنَّ البسملة ليستْ منها، لكن سورة براءة لم تُكتب فيها البسملة لأنها لم تنزل البسملة بينها وبين سورة الأنفال، لكن اشتبه على الصحابة حين جمعوا القرآن فجعلوا فاصلًا بين سورة الأنفال وسورة براءة ولم يكتبوا البسملة.
يقول الله عز وجل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق ١ - ٥] هذه الآيات أولُ ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن، هي أولُ ما نزل عليه من القرآن، نزلتْ عليه وهو يتعبَّد في غار حراء، وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول ما بُدئ به الوحي أنَّه يرى الرؤيا في المنام، يراها في المنام فتأتي مثل فَلَق الصبح[[أخرج البخاري (٣)، ومسلم (١٦٠ / ٢٥٢)، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان أول ما بُدِئ به رسولُ الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح...» الحديث.]]؛ يعني يحدث ما يصدِّق هذه الرؤيا، وأول ما كان يرى هذه الرؤيا في ربيع الأول، فبقي ستة أشهر يرى مثل هذه الرؤيا ويراها تجيء مثل فَلَق الصبح[[قال الخطابي في معالم السنن (٤ / ١٣٩): فأمَّا تحديد أجزائها بالعدد المذكور فقد قال في ذلك بعضُ أهل العلم قولًا؛ زعم أنَّ رسول الله ﷺ بقي منذ بدء الوحي إلى أن مات ثلاثًا وعشرين سنة، أقام بمكة منها ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين، وكان يوحى إليه في منامه في أول الأمر بمكة ستة أشهر، وهي نصف سنة، فصارت هذه المدة جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.]]، وفي رمضان نزل الوحي الذي يكون في اليقظة، والمدَّة بين ربيع الأول ورمضان ستة شهور، وزمن الوحي ثلاثٌ وعشرون سنة، ولهذا جاء في الحديث أنَّ «الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»[[أخرجه البخاري (٦٩٨٩) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]].
لَمَّا كان يرى هذه الرؤيا التي تجيء مثل فَلَق الصبح حُبِّب إليه الخلاء؛ يعني أن يخلو بنفسه ويبتعد عن هذا المجتمع الجاهلي، فرأى عليه الصلاة والسلام أنَّ أحسن ما يخلو به هذا الغار الذي في جبل حراء، وهو غارٌ في قمَّة الجبل لا يكاد يصعد إليه الإنسان القويُّ إلا بمشقة، فكان يصعده عليه الصلاة والسلام ويتحنَّث -يتعبَّد لله عز وجل- بما فتح الله عليه في هذا الغار الليالِيَ ذوات العدد؛ يعني عدَّة ليالٍ، ومعه زادٌ أخذه يتزوَّد به من طعامٍ وشرابٍ، ثم ينزل ويتزوَّد لمثلها من أهله ويرجع ويتحنَّث لله عز وجل إلى أن نزل عليه الوحي وهو في هذا الغار، أتاه جبريل وأمَرَه أن يقرأ فقال: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ». ومعنى «مَا أَنَا بِقَارِئٍ» يعني: لستُ من ذوي القراءة، وليس مراده المعصية لأمر جبريل، لكنَّه لا يستطيع، ليس من ذوي القراءة؛ إذْ إنَّه هو ﷺ كان أُمِّيًّا كما قال الله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ﴾ [الأعراف ١٥٨]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة ٢]، فكان لا يقرأ ولا يكتب، وهذا من حكمة الله أنَّه لا يقرأ ولا يكتب حتى تتبيَّن حاجته وضرورته إلى هذه الرسالة، وحتى لا يبقى لشاكٍّ شكٌّ في صِدْقه، وقد أشار الله إلى هذه في قوله: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت ٤٨].
قال له: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، فغطَّه مرَّتين أو ثلاثًا ثم قال له: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق ١ - ٥] خمس آياتٍ نزلتْ، فرجع بها النبي ﷺ يَرجُف فؤادُه من الخوف والفزع حتى أتى إلى خديجة. وحديث الوحي وابتدائه موجودٌ في أول صحيح البخاري[[أخرج البخاري (٣)، ومسلم (١٦٠ / ٢٥٢) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان أول ما بُدِئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنَّث فيه -وهو التعبد- الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمثلها، حتى فَجِئه الحقُّ وهو في غار حراء، فجاءه الملَك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ». قال: فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قال: قلتُ: «ما أنا بقارئ». قال: فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: «ما أنا بقارئ». فأخذني فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١ - ٥]...» الحديث.]]، من أحبَّ أن يرجع إليه فليرجعْ.
يقول الله عز وجل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، قوله: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ قيل: معناه: متلبِّسًا بذلك. وقيل: مستعينًا بذلك؛ يعني: اقرأْ مستعينًا باسم الله؛ لأن أسماءَ الله تعالى كلَّها خيرٌ، كلها إعانٌة، يستعين بها الإنسان، ولذلك يستعين بها الإنسانُ على وضوئه، ويستعين بها على أكْله، ويستعين بها على جِماعه، فهي كلُّها عَونٌ.
﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ...﴾ إلى آخره، وقال: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ دون أن يقول: (باسم الله) لأنَّ المقامَ مقامُ ربوبيَّةٍ وتصرُّفٍ وتدبيرٍ للأمور وابتداءِ رسالةٍ، فلهذا قال: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ إشارةً إلى أنَّه عليه الصلاة والسلام قد ربَّاه الله تعالى تربيةً خاصةً وربَّه كذلك ربوبيةً خاصَّة.
﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ خَلَق أيَّ شيءٍ؟ خَلَق كلَّ شيءٍ؛ كما قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان ٢]، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر ٦٢]، فما من شيءٍ في السماء ولا في الأرض مِن خفيٍّ وظاهرٍ وصغيرٍ وكبيرٍ إلا وهو مخلوقٌ لِمَن؟ لله عز وجل، ولهذا قال: ﴿خَلَقَ﴾ وحذَفَ المفعولَ إشارةً للعموم؛ لأن حذْف المفعولِ يفيد العموم؛ إذْ لو ذُكِر المفعول لتقيَّد الفعل به. مفهوم هذا الكلام؟ يعني لو قال: (خَلَق كذا) تقيَّد الخلْق بما ذُكِر فقط، لكن إذا قال: (خَلَقَ) وأطلقَ صار عامًّا، فهو خالقُ كلِّ شيءٍ جل وعلا.
ثم قال: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ فنصَّ وخصَّ خلْقَ الإنسانِ تكريمًا للإنسان وتشريفًا للإنسان؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء ٧٠]. فلهذا نصَّ على خلْق الإنسان.
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ أي: ابتدأ خلْقه.
﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ اسمُ جمع (عَلَقة)، كـ(شَجَر) اسم جمع (شجرة). فما هو العَلَق؟
العَلَق هو عبارة عن دودةٍ حمراءَ من الدم صغيرةٍ، وهذا المنشأُ الذي به الحياة؛ لأنَّ الإنسان دمٌ، لو تفرَّغ من الدم لَهلك، وقد بيَّن الله عز وجل أنَّه خلقَ الإنسانَ من عَلَقٍ ولكنَّه يتطوَّر، وبيَّن في آياتٍ أخرى أنَّه خَلَق الإنسانَ من تراب، وفي آياتٍ أخرى خَلَقه من طين، وفي آيةٍ أخرى من صلصالٍ كالفخَّار، وفي آيةٍ أخرى من ماءٍ دافق، وفي آيةٍ أخرى من ماءٍ مهين، وفي هذه الآية من عَلَق، فهل في هذا تناقض؟
الجواب: لا، ولا يمكن أن يكون في كلام الله تعالى أو ما صحَّ عن رسوله ﷺ شيءٌ من التناقض أبدًا؛ فإنَّ الله يقول: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، لكنَّه سبحانه وتعالى يذكر أحيانًا مبدأَ الخلْق من وجهٍ، ومبدأَ الخلْق من وجهٍ آخَر؛ فخَلَقه من ترابٍ يعني أول ما خُلِق الإنسانُ من التراب، ثم صُبَّ عليه الماءُ فكان طينًا، ثم استمرَّ مدَّةً فكان حمأً مسنونًا، ثم طالت مدَّته فكان صلصالًا؛ يعني إذا ضربْتَه بيدك تسمع له صلصلةً كالفخَّار، ثم خَلَقه عز وجل لحمًا، وعظمًا، وعصَبًا إلى آخره، هذا ابتداءُ الخلْق المتعلِّق بآدم.
الخلْق الآخَر من بَنِيه أولُ مَنْشئهم من نُطْفة، وهي الماء المهين، وهي الماء الدافق، هذه النُّطْفة تبقى في الرَّحِم أربعين يومًا ثم تتحوَّل شيئًا فشيئًا، وبتمام الأربعين تنقلب بالتطوُّر والتدريج حتى تكون دمًا؛ عَلَقةً، ثم تبدأ بالنمو والثخونة وتتطوَّر شيئًا فشيئًا، فإذا تَمَّت ثمانين يومًا انتقلتْ إلى مُضْغة؛ قطعة من لحمٍ بقدر ما يمضغه الإنسان، وتبقى كذلك أربعين يومًا، فهذه مئةٌ وعشرون يومًا، وهي بالأشهر كم؟ أربعة أشهر. بعد أربعة أشهر يبعث الله إليه الملَك الموكَّل بالأرحام فينفخ فيه الروح، فتدخل الروح في الجسد بإذْن الله عز وجل، والروح لا نستطيع أن نعرف كُنهها وحقيقتها ومادَّتها، ما ندري مِن أيِّ مادَّة هي، الجسد عرفنا أنه منين؟ أصله من التراب، ثم في أرحام النساء من النُّطْفة. لكن الروح ما نعرف من أيِّ جوهرٍ هي، ولا من أيِّ مادَّة؛ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، فينفخ الملَكُ الروحَ في هذا الجنين فيبدأ يتحرَّك؛ لأنَّ نماءه الأول كنماء الأشجار بدون إحساس، بعد أن تُنفخ فيه الروح يكون آدميًّا يتحرك، ولهذا إذا سقط الحمْل من البطن قبل أربعة أشهر دُفِن في أيِّ مكانٍ من الأرض بدون تغسيلٍ ولا تكفينٍ ولا صلاةٍ عليه، ولا يُبعَث هذا لأنَّه ليس آدميًّا، وبعد أربعة أشهر إذا سقط يجب أن يُغَسَّل ويُكَفَّن ويُصلَّى عليه ويُدفَن في المقابر لأنَّه صار إنسانًا، ويُسَمَّى أيضًا لأنَّه يوم القيامة سيُدعى باسمه، ويُعَقُّ عنه، لكن العقيقة عنه ليستْ في التأكيد كالعقيقة عمَّن بلغَ سبعةَ أيام بعد خروجه.
على كلِّ حال هذا الجنين في بطن أمه يتطوَّر حتى يكون بشرًا، ثم يأذنُ الله عز وجل له بعد المدَّة التي أكثر ما تكون عادةً تسعة أشهرٍ فيخرج إلى الدنيا.
وبهذه المناسبة أودُّ أن أُبَيِّن أنَّ للإنسان أربعَ دورٍ: الدار الأولى في بطن أُمِّه، والثانية في الدنيا، والثالثة في البرزخ، والرابعة في الجنة أو النار، وهي المنتهى.
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ ويش قلنا في العَلَق؟ اسم جمع (عَلَقة)، وهي دودة من الدم معروفة، وهذا أول نشأة الإنسان الذي يتكوَّن منه مادَّة الحياة وهو الدم.
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق ٣ - ٥].
﴿اقْرَأْ﴾ تكرار للأولى، لكن هل هي توكيد أو هي تأسيس؟
الصحيح أنها تأسيس، وأنَّ الأولى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ قُرِنتْ بما يتعلَّق بالربوبية، و﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ بما يتعلَّق بالشرع، فالأولى بما يتعلَّق بالقدر والثانية بما يتعلَّق بالشرع؛ لأنَّ التعليم بالقلم أكثر ما يعتمد الشرع عليه؛ إذْ إنَّ الشرع يُكتب ويُحفظ، القرآن يُكتب ويُحفظ، السُّنَّة تُكتب وتُحفظ، كلام العلماء يُكتب ويُحفظ، فلهذا أعادها الله مرَّةً ثانيةً، ويأتي إن شاء الله بقيَّة الكلام على هذه الآية؛ لأن (...).
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ","خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ","ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ","ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ","عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ"],"ayah":"خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق