الباحث القرآني

﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ أنَّهُ أشْرَفُ المَخْلُوقاتِ وفِيهِ مِن بَدائِعِ الصُّنْعِ والتَّدْبِيرِ ما فِيهِ؛ فَهو أدَلُّ عَلى وُجُوبِ العِبادَةِ المَقْصُودَةِ مِنَ القِراءَةِ مَعَ أنَّ التَّنْزِيلَ إلَيْهِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ خَلْقُ الإنْسانِ إلّا أنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أوَّلًا وذُكِرَ ثانِيًا قَصْدًا لِتَفْخِيمِهِ بِالإبْهامِ ثُمَّ التَّفْسِيرِ. وعَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّ المُناسِبَ أنْ يُرادَ خَلْقُ الإنْسانِ بَعْدَ الأمْرِ بِقِراءَةِ القُرْآنِ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ تَعالى خَلَقَهُ لِلْقِراءَةِ والدِّرايَةِ كَما أنَّ ذَكَرَ خَلْقَ الإنْسانِ عَقِيبَ تَعْلِيمِ القُرْآنِ أوَّلَ سُورَةِ الرَّحْمَنِ لِنَحْوِ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن عَلَقٍ﴾ أيْ: دَمٍ جامِدٍ لِبَيانِ كَمالِ قُدْرَتِهِ تَعالى بِإظْهارِ ما بَيْنَ حالَتَيْهِ الأُولى والآخِرَةِ مِنَ التَّبايُنِ البَيِّنِ، وأتى بِهِ دالًّا عَلى الجَمْعِ لِأنَّ الإنْسانَ مُرادٌ بِهِ الجِنْسُ فَهو في مَعْنى الجَمْعِ فَأتى بِما خُلِقَ مِنهُ كَذَلِكَ لِيُطابِقَهُ مَعَ ما في ذَلِكَ مِن رِعايَةِ الفَواصِلِ، ولَعَلَّهُ عَلى ما قِيلَ: السِّرُّ في تَخْصِيصِ هَذا الطَّوْرِ مِن بَيْنِ سائِرِ أطْوارِ الفِطْرَةِ الإنْسانِيَّةِ مِن كَوْنِ النُّطْفَةِ والتُّرابِ أدَلَّ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ لِكَوْنِهِما أبْعَدَ مِنهُ بِالنِّسْبَةِ إلى الإنْسانِيَّةِ. وفي البَحْرِ: لَمْ يَذْكُرْ سُبْحانَهُ مادَّةَ الأصْلِ يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وهو التُّرابُ لِأنَّ خَلْقَهُ مِن ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَقَرِّرًا عِنْدَ الكُفّارِ، فَذَكَرَ مادَّةَ الفَرْعِ وخَلْقَهُ مِنها، وتَرَكَ مادَّةَ أصْلِ الخِلْقَةِ تَقْرِيبًا لِإفْهامِهِمْ وهو عَلى ما فِيهِ لا يَحْسِمُ مادَّةَ السُّؤالِ. وقِيلَ: خُصَّ هَذا الطَّوْرُ تَذْكِيرًا لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِما وقَعَ مِن شَرْحِ الصَّدْرِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وإخْراجِ العَلَقِ مِنهُ لِيَتَهَيَّأ تَهَيُّئًا تامًّا لِما يَكُونُ لَهُ بَعْدُ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: الَّذِي خَلَقَ الإنْسانَ مِن جِنْسِ ما أخْرَجَهُ مِن صَدْرِكَ الشَّرِيفِ لِيُهَيِّئَكَ بِذَلِكَ لِمِثْلِ ما يُلْقى إلَيْكَ الآنَ وبِهَذا تَقْوى مُناسِبَةُ هَذِهِ السُّورَةِ لِسُورَةِ الشَّرْحِ قَبْلَها أتَمَّ مُناسَبَةً لا سِيَّما عَلى تَفْسِيرِ الشَّرْحِ بِالشَّقِّ فَتَدَبَّرْهُ. ومِنَ النّاسِ مَن زَعَمَ أنَّ المُرادَ بِالإنْسانِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ وأنَّ المَعْنى خَلَقَ آدَمَ مِن طِينٍ يَعْلَقُ بِاليَدِ وهو مِمّا لا تَعْلَقُ بِهِ يَدُ القَبُولِ، ولَمّا كانَ خَلْقُ الإنْسانِ أوَّلَ النِّعَمِ الفائِضَةِ عَلَيْهِ مِنهُ تَعالى وأقْدَمَ الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى وُجُودِهِ عَزَّ وجَلَّ وكَمالِ قُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ سُبْحانَهُ وصَفَ ذاتَهُ تَعالى بِذَلِكَ أوَّلًا لِيَسْتَشْهِدَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِهِ عَلى تَمْكِينِهِ تَعالى لَهُ مِنَ القِراءَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب