الباحث القرآني
(p-١٤)[ سُورَةُ العَلَقِ ]
تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً مَكِّيَّةٌ
﷽
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾
زَعَمَ المُفَسِّرُونَ: أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أوَّلُ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، وقالَ آخَرُونَ: الفاتِحَةُ أوَّلُ ما نَزَلَ ثُمَّ سُورَةُ القَلَمِ.
﷽
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ اعْلَمْ أنَّ في الباءِ مِن قَوْلِهِ: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ قَوْلَيْنِ:
أحَدُهُما: قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الباءُ زائِدَةٌ، والمَعْنى: اقْرَأِ اسْمَ رَبِّكَ، كَما قالَ الأخْطَلُ:
؎هُنَّ الحَرائِرُ لا رَبّاتُ أخْمِرَةٍ سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ
ومَعْنى اقْرَأِ اسْمَ رَبِّكَ، أيِ اذْكُرِ اسْمَهُ، وهَذا القَوْلُ ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ لَوْ كانَ مَعْناهُ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ما حَسُنَ مِنهُ أنْ يَقُولَ: ما أنا بِقارِئٍ، أيْ لا أذْكُرُ اسْمَ رَبِّي.
وثانِيها: أنَّ هَذا الأمْرَ لا يَلِيقُ بِالرَّسُولِ، لِأنَّهُ ما كانَ لَهُ شُغْلٌ سِوى ذِكْرِ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهُ بِأنْ يَشْتَغِلَ بِما كانَ مَشْغُولًا بِهِ أبَدًا.
وثالِثُها: أنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ الباءِ مِن غَيْرِ فائِدَةٍ.
القَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: (اقْرَأْ) أيِ اقْرَأِ القُرْآنَ، إذِ القِراءَةُ لا تُسْتَعْمَلُ إلّا فِيهِ، قالَ تَعالى: ﴿فَإذا قَرَأْناهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القِيامَةِ: ١٨] وقالَ: ﴿وقُرْآنًا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأهُ عَلى النّاسِ عَلى مُكْثٍ﴾ [الإسْراءِ: ١٠٦] وقَوْلُهُ: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ مَحَلُّ ”باسْمِ رَبِّكَ“ النَّصْبَ عَلى الحالِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: اقْرَأِ القُرْآنَ مُفْتَتِحًا بِاسْمِ رَبِّكَ أيْ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ ثُمَّ اقْرَأْ، وفي هَذا دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ يَجِبُ قِراءَةُ التَّسْمِيَةِ (p-١٥)فِي ابْتِداءِ كُلِّ سُورَةٍ كَما أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى وأمَرَ بِهِ، وفي هَذِهِ الآيَةِ رَدٌّ عَلى مَن لا يَرى ذَلِكَ واجِبًا ولا يَبْتَدِئُ بِها.
وثانِيها: أنْ يَكُونَ المَعْنى اقْرَأِ القُرْآنَ مُسْتَعِينًا بِاسْمِ رَبِّكَ كَأنَّهُ يَجْعَلُ الِاسْمَ آلَةً فِيما يُحاوِلُهُ مِن أمْرِ الدِّينِ والدُّنْيا، ونَظِيرُهُ كَتَبْتُ بِالقَلَمِ، وتَحْقِيقُهُ أنَّهُ لَمّا قالَ لَهُ: ﴿اقْرَأْ﴾ فَقالَ لَهُ: لَسْتُ بِقارِئٍ، فَقالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أيِ اسْتَعِنْ بِاسْمِ رَبِّكَ واتَّخِذْهُ آلَةً في تَحْصِيلِ هَذا الَّذِي عَسُرَ عَلَيْكَ.
وثالِثُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أيِ اجْعَلْ هَذا الفِعْلَ لِلَّهِ وافْعَلْهُ لِأجْلِهِ كَما تَقُولُ: بَنَيْتُ هَذِهِ الدّارَ بِاسْمِ الأمِيرِ وصَنَعْتُ هَذا الكِتابَ بِاسْمِ الوَزِيرِ ولِأجْلِهِ، فَإنَّ العِبادَةَ إذا صارَتْ لِلَّهِ تَعالى، فَكَيْفَ يَجْتَرِئُ الشَّيْطانُ أنْ يَتَصَرَّفَ فِيما هو لِلَّهِ تَعالى ؟ فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَمِرُّ هَذا التَّأْوِيلُ في قَوْلِكَ قَبْلَ الأكْلِ: بِسْمِ اللَّهِ، وكَذا قَبْلَ كُلِّ فِعْلٍ مُباحٍ ؟ قُلْنا: فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّ ذَلِكَ إضافَةٌ مَجازِيَّةٌ كَما تُضِيفُ ضَيْعَتَكَ إلى بَعْضِ الكِبارِ لِتَدْفَعَ بِذَلِكَ ظُلْمَ الظَّلَمَةِ، كَذا تُضِيفُ فِعْلَكَ إلى اللَّهِ لِيَقْطَعَ الشَّيْطانُ طَمَعَهُ عَنْ مُشارَكَتِكَ، فَقَدْ رُوِيَ أنَّ مَن لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ شارَكَهُ الشَّيْطانُ في ذَلِكَ الطَّعامِ.
والثّانِي: أنَّهُ رُبَّما اسْتَعانَ بِذَلِكَ المُباحِ عَلى التَّقْوى عَلى طاعَةِ اللَّهِ فَيَصِيرُ المُباحُ طاعَةً فَيَصِحُّ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ فِيهِ.
أمّا قَوْلُهُ: (رَبِّكَ) فَفِيهِ سُؤالانِ:
أحَدُها: وهو أنَّ الرَّبَّ مِن صِفاتِ الفِعْلِ، واللَّهُ مِن أسْماءِ الذّاتِ وأسْماءُ الذّاتِ أشْرَفُ مِن أسْماءِ الفِعْلِ، ولِأنّا قَدْ دَلَّلْنا بِالوُجُوهِ الكَثِيرَةِ عَلى أنَّ اسْمَ اللَّهِ أشْرَفُ مِنَ اسْمِ الرَّبِّ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى قالَ هَهُنا: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ولَمْ يَقُلْ: اقْرَأْ بِاسْمِ اللَّهِ كَما قالَ في التَّسْمِيَةِ المَعْرُوفَةِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
وجَوابُهُ: أنَّهُ أمَرَ بِالعِبادَةِ، وبِصِفاتِ الذّاتِ، وهو لا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا، وإنَّما يَسْتَوْجِبُ العِبادَةَ بِصِفاتِ الفِعْلِ، فَكانَ ذَلِكَ أبْلَغَ في الحَثِّ عَلى الطّاعَةِ، ولِأنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كانَتْ مِن أوائِلِ ما نَزَلَ عَلى ما كانَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ فَزِعَ فاسْتَمالَهُ لِيَزُولَ الفَزَعُ، فَقالَ: هو الَّذِي رَبّاكَ فَكَيْفَ يُفْزِعُكَ ؟ فَأفادَ هَذا الحَرْفُ مَعْنَيَيْنِ:
أحَدُهُما: رَبَّيْتُكَ فَلَزِمَكَ القَضاءُ فَلا تَتَكاسَلُ.
والثّانِي: أنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ لِلْإتْمامِ، وقَدْ رَبَّيْتُكَ مُنْذُ كَذا فَكَيْفَ أُضَيِّعُكَ، أيْ حِينَ كُنْتَ عَلَقًا لَمْ أدَعْ تَرْبِيَتَكَ فَبَعْدَ أنْ صِرْتَ خَلْقًا نَفِيسًا مُوَحِّدًا عارِفًا بِي كَيْفَ أُضَيِّعُكَ ! .
السُّؤالُ الثّانِي: ما الحِكْمَةُ في أنَّهُ أضافَ ذاتَهُ إلَيْهِ فَقالَ: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ؟ الجَوابُ: تارَةً يُضِيفُ ذاتَهُ إلَيْهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ كَما هَهُنا، وتارَةً يُضِيفُهُ إلى نَفْسِهِ بِالعُبُودِيَّةِ، أسْرى بِعَبْدِهِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«عَلِيٌّ مِنِّي وأنا مِنهُ» “ كَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ: هو لِي وأنا لَهُ، يُقَرِّرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ [النِّساءِ: ٨٠] أوْ نَقُولُ: إضافَةُ ذاتِهِ إلى عَبْدِهِ أحْسَنُ مِن إضافَةِ العَبْدِ إلَيْهِ، إذْ قَدْ عُلِمَ في الشّاهِدِ أنَّ مَن لَهُ ابْنانِ يَنْفَعُهُ أكْبَرُهُما دُونَ الأصْغَرِ، يَقُولُ: هو ابْنِي فَحَسْبُ لِما أنَّهُ يَنالُ مِنهُ المَنفَعَةَ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَعالى: المَنفَعَةُ تَصِلُ مِنِّي إلَيْكَ، ولَمْ تَصِلْ مِنكَ إلَيَّ خِدْمَةٌ ولا طاعَةٌ إلى الآنَ، فَأقُولُ: أنا لَكَ ولا أقُولُ أنْتَ لِي، ثُمَّ إذا أتَيْتَ بِما طَلَبْتُهُ مِنكَ مِن طاعَةٍ أوْ تَوْبَةٍ أضَفْتُكَ إلى نَفْسِي فَقُلْتُ: أنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ: ﴿ياعِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا﴾ [الزُّمَرِ: ٥٣] .
السُّؤالُ الثّالِثُ: لِمَ ذَكَرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: (رَبِّكَ) قَوْلَهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ ؟ الجَوابُ: كَأنَّ العَبْدَ يَقُولُ: ما الدَّلِيلُ عَلى أنَّكَ رَبِّي ؟ فَيَقُولُ: لِأنَّكَ كُنْتَ بِذاتِكَ وصِفاتِكَ مَعْدُومًا. ثُمَّ صِرْتَ مَوْجُودًا فَلا بُدَّ لَكَ في ذاتِكَ وصِفاتِكَ مِن خالِقٍ، وهَذا الخَلْقُ والإيجادُ تَرْبِيَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنِّي رَبُّكَ وأنْتَ مَرْبُوبِي.
* *
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ لا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ، ويَكُونُ المَعْنى أنَّهُ الَّذِي حَصَلَ مِنهُ الخَلْقُ واسْتَأْثَرَ بِهِ لا خالِقَ سِواهُ.
والثّانِي: أنْ يُقَدَّرَ لَهُ مَفْعُولٌ ويَكُونُ المَعْنى أنَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، فَيَتَناوَلُ كُلَّ مَخْلُوقٍ، لِأنَّهُ مُطْلَقٌ، فَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلى البَعْضِ أوْلى مِن حَمْلِهِ عَلى الباقِي، كَقَوْلِنا: اللَّهُ أكْبَرُ، أيْ مِن كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ﴾ تَخْصِيصٌ لِلْإنْسانِ بِالذِّكْرِ مِن بَيْنِ جُمْلَةِ المَخْلُوقاتِ، إمّا لِأنَّ التَّنْزِيلَ إلَيْهِ أوْ لِأنَّهُ أشْرَفُ ما عَلى وجْهِ الأرْضِ.
والثّالِثُ: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ مُبْهَمًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ﴾ تَفْخِيمًا لِخَلْقِ الإنْسانِ ودَلالَةً عَلى عَجِيبِ فِطْرَتِهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ الأصْحابُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّهُ لا خالِقَ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى، قالُوا: لِأنَّهُ سُبْحانَهُ جَعَلَ الخالِقِيَّةَ صِفَةً مُمَيِّزَةً لِذاتِ اللَّهِ تَعالى عَنْ سائِرِ الذَّواتِ، وكُلُّ صِفَةٍ هَذا شَأْنُها فَإنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الشَّرِكَةِ فِيها، قالُوا: وبِهَذا الطَّرِيقِ عَرَفْنا أنَّ خاصِّيَّةَ الإلَهِيَّةِ هي القُدْرَةُ عَلى الِاخْتِراعِ ومِمّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أنَّ فِرْعَوْنَ لَمّا طَلَبَ حَقِيقَةَ الإلَهِ، فَقالَ: ﴿وما رَبُّ العالَمِينَ﴾ [الشُّعَراءِ: ٢٣] قالَ مُوسى: ﴿رَبُّكم ورَبُّ آبائِكُمُ الأوَّلِينَ﴾ [الشُّعَراءِ: ٢٦] والرُّبُوبِيَّةُ إشارَةٌ إلى الخالِقِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَها هَهُنا، وكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى قَوْلِنا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اتَّفَقَ المُتَكَلِّمُونَ عَلى أنَّ أوَّلَ الواجِباتِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعالى، أوِ النَّظَرُ في مَعْرِفَةِ اللَّهِ أوِ القَصْدُ إلى ذَلِكَ النَّظَرِ عَلى الِاخْتِلافِ المَشْهُورِ فِيما بَيْنَهم، ثُمَّ إنَّ الحَكِيمَ سُبْحانَهُ لَمّا أرادَ أنْ يَبْعَثَهُ رَسُولًا إلى المُشْرِكِينَ، لَوْ قالَ لَهُ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ، لَأبَوْا أنْ يَقْبَلُوا ذَلِكَ مِنهُ، لَكِنَّهُ تَعالى قَدَّمَ لِذَلِكَ مُقَدِّمَةً تُلْجِئُهم إلى الِاعْتِرافِ بِهِ كَما يُحْكى أنَّ زُفَرَ لَمّا بَعَثَهُ أبُو حَنِيفَةَ إلى البَصْرَةِ لِتَقْرِيرِ مَذْهَبِهِ، فَلَمّا ذَكَرَ أبُو حَنِيفَةَ زَيَّفُوهُ ولَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ، فَرَجَعَ إلى أبِي حَنِيفَةَ. وأخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقالَ: إنَّكَ لَمْ تَعْرِفْ طَرِيقَ التَّبْلِيغِ، لَكِنِ ارْجِعْ إلَيْهِمْ، واذْكُرْ في المَسْألَةِ أقاوِيلَ أئِمَّتِهِمْ ثُمَّ بَيِّنْ ضَعْفَها، ثُمَّ قُلْ بَعْدَ ذَلِكَ: هَهُنا قَوْلٌ آخَرُ، واذْكُرْ قَوْلِي وحُجَّتِي، فَإذا تَمَكَّنَ ذَلِكَ في قَلْبِهِمْ، فَقُلْ: هَذا قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ لِأنَّهم حِينَئِذٍ يَسْتَحْيُونَ فَلا يَرُدُّونَ، فَكَذا هَهُنا أنَّ الحَقَّ سُبْحانَهُ يَقُولُ: إنَّ هَؤُلاءِ عُبّادُ الأوْثانِ، فَلَوْ أثْنَيْتَ عَلَيَّ وأعْرَضْتَ عَنِ الأوْثانِ لَأبَوْا ذَلِكَ، لَكِنِ اذْكُرْ لَهم أنَّهم هُمُ الَّذِينَ خُلِقُوا مِنَ العَلَقَةِ فَلا يُمْكِنُهم إنْكارُهُ، ثُمَّ قُلْ: ولا بُدَّ لِلْفِعْلِ مِن فاعِلٍ فَلا يُمْكِنُهم أنْ يُضِيفُوا ذَلِكَ إلى الوَثَنِ لِعِلْمِهِمْ بِأنَّهم نَحَتُوهُ، فَبِهَذا التَّدْرِيجِ يُقِرُّونَ بِأنِّي أنا المُسْتَحِقُّ لِلثَّناءِ دُونَ الأوْثانِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَهم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٨٧] ثُمَّ لَمّا صارَتِ الإلَهِيَّةُ مَوْقُوفَةً عَلى الخالِقِيَّةِ وحَصَلَ القَطْعُ بِأنَّ مَن لَمْ يَخْلُقْ لَمْ يَكُنْ إلَهًا، فَلِهَذا قالَ تَعالى: ﴿أفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ﴾ [النَّحْلِ: ١٧] ودَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ القَوْلَ بِالطَّبْعِ باطِلٌ، لِأنَّ المُؤَثِّرَ فِيهِ إنْ كانَ حادِثًا افْتَقَرَ إلى مُؤَثِّرٍ آخَرَ، وإنْ كانَ قَدِيمًا فَإمّا أنْ يَكُونَ مُوجِبًا أوْ قادِرًا، فَإنْ كانَ مُوجِبًا لَزِمَ أنْ يُقارِنَهُ الأثَرُ فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنَّهُ مُخْتارٌ وهو عالِمٌ لِأنَّ التَّغَيُّرَ حَصَلَ عَلى التَّرْتِيبِ المُوافِقِ لِلْمَصْلَحَةِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: إنَّما قالَ: ﴿مِن عَلَقٍ﴾ عَلى الجَمْعِ لِأنَّ الإنْسانَ في مَعْنى الجَمْعِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ﴾ [العَصْرِ: ٢] .
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ","خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ"],"ayah":"خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق