الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ ﴾ [الفجر: ٢٥، ٢٦]، يعني في هذا اليوم لا أحدَ يُعَذَّب عذابَه، ولا أحدَ يُوثَق وثاقَه، ومعلومٌ أن هذا الكافر -المؤمن، يأتينا ذكْر المؤمن إن شاء الله- الكافر لا يعذَّب أحدٌ عذابَه في ذلك اليوم، وأُخبِركم لماذا؟ لأنه يُلقَى على أهل النار في الموقف العطشُ الشديدُ، فينظرون إلى النار كأنها السَّراب، والسراب هو ما يشاهده الإنسان في أيام الصيف في عزة الحرِّ من البقاع حتى يُخَيَّل إليه أنه ماء، ينظرون إلى النار كأنها سرابٌ وهم عِطاش فيتهافتون عليها، يذهبون إليها سِراعًا يريدون أي شيء؟ يريدون الشُّرب، فإذا جاؤوها ﴿فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الزمر ٧١]، قد قامت عليكم الحجَّة، فيُوَبِّخونهم قبل أن يدخلوا النار، والتوبيخ عذابٌ قلبيٌّ وألَمٌ نفسيٌّ قبل أن يذوقوا ألَمَ النار والعياذ بالله، أعاذني الله وإياكم منها.
في النار يوبِّخهم الجبار عز وجل توبيخًا أعظم من هذا؛ يقولون: ﴿رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون ١٠٦، ١٠٧]، قال الله تعالى وهو أرحم الراحمين: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون ١٠٨]، أبلغ من هذا الإذلال والعياذ بالله! ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ يقولها أرحم الراحمين، فمَن يرحمهم بعد الرحمن؟! لا راحِمَ لهم. وقد أخبر النبي ﷺ «بأنَّ أهونَ أهل النار عذابًا مَن عليه نعلانِ يغلي منهما دِماغُه، ولا يرى أن أحدًا أشدُّ منه عذابًا، يرى أنه أشدُّ الناسِ عذابًا وهو أهونهم عذابًا، وعليه نعلانِ يغلي منهما الدماغ»[[أخرج مسلم في صحيحه (٢١٣ / ٣٦٤) بسنده عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ لَهُ نَعْلَانِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يَرَى أَنَّ أَحدًا أَشَدُّ مِنْهُ عَذَابًا، وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا».]]، النعلان في أسفل البدن والدماغ في أعلاه، فإذا كان أعلى البدن يغلي من أسفله فالوسط من بابِ أشد، أجارنا الله وإياكم من النار.
﴿﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ ﴾ لأنهم -والعياذُ بالله- يُوثَقون؛ ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة ٣٢]. أَدخِلوه في هذه السلسلة، تُغَلُّ أيديهم، نسأل الله العافية، ولا أحد يتصوَّر الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، واللهِ إن الإنسان أحيانًا يتمنى أنه لم يُخلَق خوفًا من النار؛ «كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ليت أمِّي لم تلدْني، ليتني شجرةٌ تُعْضَد»[[الشطر الأول: "ليت أُمِّي لم تلدْني" أخرجه ابن أبي شيبة (٣٤٤٨٠) من قول عمر رضي الله عنه، أما الشطر الثاني: "يا ليتني شجرةٌ تُعضَد" فأخرجه ابن أبي شيبة (٣٤٥٢١) من قول ابن مسعود، وأخرجه أحمد في الزهد (٧٨٦) من قول أبي ذر، وأخرجه ابن أبي الدنيا في المتمنين (١٠) من قول أبي بكر، وأخرجه البيهقي في الشُّعَب (٧٦٨) من قول أبي الدرداء، رضي الله عنهم.]]. لأن الإنسان ما يدري؛ أولًا: ما يدري ما هو عليه الآن، هل هو على صواب أو على خطأ؟ هل في عباداته رياء؟ هل في عباداته بدعة؟ ثم لا يرى أيضًا -وهو أخطر- لا يرى ماذا يُختَم له به؛ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٥٩٤)، ومسلم (٢٦٤٣ / ١)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.]]. مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ و يُضَلَّ ويأتيه الشيطان يقول: أنا أبوك، اتركْ يا بُنَيَّ الإسلامَ وكنْ نصرانيًّا أو يهوديًّا، لأن بعض الناس -والعياذ بالله- عند الموت يُفتَن؛ تُعرَض عليه الأديان ويقال: اختر النصارى، اختر اليهود، أعرِضْ عن الإسلام. ولهذا (...) ومن فتنة المحيا وأيش؟ والممات، ومَن الذي يأمن؟ أسأل الله أن يُحسِن لي ولكم الخاتمة، من الذي يأمن؟ إذَن على الإنسان أن يستعد، ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.
ثم ختم الله تعالى هذه السورة بما يبهج القلب ويشرح الصدر فقال: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾، اللهمَّ اجعلْ نفوسَنا مطمئنة، ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر ٢٧، ٢٨]. ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾ يُقال هذا القول للإنسان عند النَّزْع في آخِر لحظةٍ من الدنيا، يُقال لروحه: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رحمةٍ من الله ورضوان، فتستبشر، تفرح، ويسهل خروجها من البدن؛ لأنها بُشِّرت بما هو أنعم مما في الدنيا كلِّها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري (٣٢٥٠) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.]]. سوط الإنسان: العصا القصيرة، موضع السوط في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، وليست دنياك أنت، الدنيا من أولها إلى آخِرها بما فيها من النعيم والْمُلْك والرفاهية وغيرها، موضعُ سوطٍ خيرٌ من الدنيا وما فيها، فكيف بِمَن ينظر في مُلْكه مسيرة ألفيْ عام، ألفيْ سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه! نعيمٌ لا يمكن أن ندركه بنفوسنا ولا بتصوُّرنا؛ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧].
معنى ﴿الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ يعني المؤمنة الآمنة؛ لأنك لا تجد أطْمَنَ نفسًا من نفس المؤمن أبدًا، المؤمن يا إخواني نفسُه طيِّبة مطمئنة، ولهذا تعجَّب الرسول ﷺ من المؤمن، قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٩٩) من حديث صهيب رضي الله عنه.]]، مطمئن، ماشٍ مع الله بقضائه وقدره، لا يسخط عند المصائب، ولا يَبْطر عند النعم، بل هو شاكرٌ عند النعم صابرٌ عند البلاء، فتجده مطمئنًّا، لكن الكافر أو ضعيف الإيمان لا يطمئنُّ؛ إذا أصابه البلاء جزعَ وسخِطَ ورأى أنه مظلومٌ من قِبَل اللهِ، والعياذ بالله، حتى إن بعضهم ينتحر، ما يصبر، ما يطمئن، يكون دائمًا في قلق، ينظر إلى نفسه وإذا هو قليل المال، قليل العيال، ليس عنده زوجة، ليس له قومٌ يحمونه، فيقول: أنا لستُ في نعمة؛ لأن فلانًا عنده مال، عنده زوجات، عنده أولاد، عنده قبيلة تحميه، أنا ليس عندي. فلا يرى لله عليه نعمة؛ لأنه ضعيف الإيمان، فليس بمطمئن، دائمًا في قلق، ولهذا نجد الناسَ الآن يذهبون إلى كل مكانٍ ليُرَفِّهوا عن أنفسهم، ليُزيلوا عنها الأَلَم، التَّعَب، لكن ما فيه، لا يُزيل ذلك عنك إلا أيش؟ إلا الإيمان الحقيقي، هو الذي يؤدِّي إلى الطمأنينة، فالنفس المطمئنة هي المؤمِنة، أيش؟ الآمنة، مؤمِنة في الدنيا، آمِنة من عذاب الله يوم القيامة، اللهمَّ اجعلْ نفوسَنا هكذا.
يا إخواني، قال بعض السلف كلمةً عجيبةً، قال: «لو يعلم الملوكُ وأبناءُ الملوك ما نحن فيه لَجالَدُونا عليه بالسيوف»[[القول لإبراهيم بن أدهم الزاهد، وقد أخرجه البيهقي في الزهد الكبير (٨٠).]]. هل تجدون أنعم في الدنيا من الملوك وأبنائهم؟ أجيبوا.
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، لا يوجد أحد أنعم منهم في الظاهر؛ يعني نعومة الجسد أو نعمة الجسد، لكن قلوبهم ليست كقلوب المؤمنين، المؤمن الذي ليس عليه إلا ثوبٌ مُرَقَّع وكوخٌ لا يحميه من المطر ولا من الحر ولكنه مؤمن، دُنياه ونعيمه في الدنيا أفضل من الملوك وأبناء الملوك؛ لأن قلبه مستنيرٌ بنور الله، بنور الإيمان.
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حُبِس وأُوذِي في الله عز وجل، فلمَّا أُدخِل الحبسَ وأغلقوا عليه الباب قال رحمه الله: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد ١٣]. يقول هذا تحدُّثًا بنعمة الله لا افتخارًا، ثم قال: ما يصنع أعدائي بي؟! أيُّ شيءٍ يصنعون؟! إن جَنَّتي في صدري. ما هي الجنة؟ الإيمان والعلم واليقين، وإن حَبْسي خَلْوة، ونَفْيي -إن نَفَوه من البلد- سياحة، وقتلي شهادة. سبحان الله! هذا اليقين، هذه الطمأنينة، الإنسان لو دخل الحبس عندنا كان يُخَمِّس ويُسَدِّس: ما مستقبلي! ما مستقبل أولادي! أهلي! قومي! هذا يقول: جَنَّتي في صدري. وصَدَق، ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان ٥٦]، يعني في الجنة ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾، معلومٌ الجنة ما فيها موتة لا أولى ولا ثانية، لكن لَمَّا كان نعيم القلب ممتدًّا من الدنيا إلى دخول الجنة صارتْ كأنَّ الدنيا والآخرة كلها جنة، وليس فيها إلا موتة واحدة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يُحسِن لنا ولكم الخاتمة، وأن يجمعنا وإياكم وإخواننا المسلمين الذين أنعم الله عليهم في الجنة من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه على كل شيء قدير.
يقول تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾. ﴿رَاضِيَةً﴾ بما أعطاكِ الله من النعيم، ﴿مَرْضِيَّةً﴾ عند الله عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة ١١٩].
﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ [الفجر ٢٩] أي: ادخلي في عبادي الصالحين، من جملتهم؛ لأن الصالحين عباد الله هم خير طبقات البشر، البشر طبقاته ثلاث: مُنعَمٌ عليهم، ومغضوبٌ عليهم، وضالُّون. كلُّ هذه الطبقات مذكورة في سورة، ما هي؟
* الطلبة: الفاتحة.
* الشيخ: سورة الفاتحة؛ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٦، ٧].
وأنا بأسألكم، هل أنتم عندما تقرؤون هذه الآية، هل أحدكم يشعر بأن الذين أنعمَ اللهُ عليهم هم النبيُّون والصديقون والشهداء والصالحون ويشعر بأنه يسأل الله أن يهديه صِراطَ هؤلاء؟
أكثر الناس لا يشعر، أكثر الناس يقرؤها هكذا، لكن ما يشعر أن هذه تاريخ؛ يعني تُشير إلى تاريخ الأُمَم.
وأمَّا الطبقة الثانية ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ هم اليهود وأشباه اليهود مِن كلِّ مَن عَلِمَ الحقَّ وخالفه، كلُّ مَن عَلِمَ الحقَّ وخالفه ففيه شَبَهٌ من اليهود كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله، قال: «مَن فَسَدَ من علمائنا ففيه شَبَهٌ من اليهود»[[ذكره ابن كثير (٤ / ١٣٨) عند تفسيره لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤].]].
(الضالون) مَن؟ النصارى، هم الذين جَهِلوا الحقَّ، أرادوه لكن عموا عنه، والعياذ بالله، ما اهتدوا إليه، قال ابن عيينة: «وكلُّ مَن فَسَدَ مِن عُبَّادنا ففيه شَبَهٌ من النصارى»[[السابق.]]. لأنهم -العُبَّاد- يريدون الخير، يريدون العبادة، لكن ما عندهم عِلْم، فهم ضالُّون.
فأقول يا إخواني: الناس طبقاتٌ ثلاث: المنعَم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالون.
وهنا يقول: ﴿ادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ مَن العِباد؟ المراد أيُّ الطبقات؟ الطبقة الأولى المنعم عليهم.
﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر ٣٠] جنَّته التي أعدَّها الله عز وجل لأوليائه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، أضافها الله إلى نفسه تشريفًا لها وتعظيمًا، وإعلامًا للخَلْق بعنايته بها جل وعلا، والله سبحانه وتعالى قد خَلَقَها خلقًا غير خَلْق الدنيا، خَلَقَ لنا في الدنيا فاكهةً ونخلًا ورُمَّانًا، في الجنة فاكهةٌ ونخلٌ ورُمَّانٌ، أتظنُّون أن ما في الجنة كالذي في الدنيا؟ أبدًا، لا يمكن؛ لأن الله يقول: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة ١٧]، ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لكُنَّا نعلم، إذا هو مِثْله في الاسم، لكن ليس مِثْلَه في الحقيقة ولا في الكيفية، ولهذا قال: ﴿ادْخُلِي جَنَّتِي﴾ فأضافها الله إلى نفسه للدلالة على شَرَفِها وعنايةِ الله بها، وهذا يُوجِب للإنسان أن يَرْغب فيها غايةَ الرغبة، كما أنه يرغب في بيوت الله اللي هي المساجد لأنه أضافها لنفسه، فكذلك يرغب في هذه الدار التي أضافها الله إلى نفسه، والأمر يسيرٌ؛ «قال رجلٌ للرسول ﷺ: دُلَّني على عملٍ يُدخِلُني الجنةَ ويُباعِدُني من النار. فقال: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ». هو صحيح عظيم؛ ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران ١٨٥]، ولكن «وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» اللهمَّ يَسِّرنا لليُسرى «لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ...»[[أخرجه أحمد (٢٢٠١٦) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.]]، وذكر الحديث، المهمُّ أن الدين -والحمد لله- يسيرٌ وسهلٌ، لكن النفوسُ الأمَّارةُ بالسوء هي التي تحول بيننا وبين ديننا، والشهواتُ، والشبهاتُ. ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة ٢٠١]، ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران ٨].
* * *
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد ١، ٢].
ولي تعريجة يسيرة على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: ﴿﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ ﴾ [الفجر: ٢٥، ٢٦]، فإني قرأتُها هكذا، وفسَّرتُها على هذه القراءة؛ لأنَّ في الآيتين المذكورتين قراءتين: القراءة الأولى التي في المصحف: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ أي: لا يُعَذِّب عذابَ اللهِ أحدٌ، بل عذابُ اللهِ أشدُّ، ولا يُوثِق وثاقَ اللهِ أحدٌ، بل هو أشدُّ.
أمَّا على قراءة ﴿﴿لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ﴾ ﴾ أي: لا يعذَّب عذابَ هذا الرجلِ ولا يُوثَق وثاقَ هذا الرجلِ، وهذا هو الذي قرأنا الآية عليه وفسَّرناها به، فلأجل هذا جرى التنبيه.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["فَیَوۡمَىِٕذࣲ لَّا یُعَذِّبُ عَذَابَهُۥۤ أَحَدࣱ","وَلَا یُوثِقُ وَثَاقَهُۥۤ أَحَدࣱ","یَـٰۤأَیَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَىِٕنَّةُ","ٱرۡجِعِیۤ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِیَةࣰ مَّرۡضِیَّةࣰ","فَٱدۡخُلِی فِی عِبَـٰدِی","وَٱدۡخُلِی جَنَّتِی"],"ayah":"فَٱدۡخُلِی فِی عِبَـٰدِی"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق