الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد ٢٥].
قوله جل وعلا: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ هذه جملة مؤكدة باللام و(قد) والقسم المقدَّر؛ لأن مثل هذه جملة يقدر فيها قسم، التقدير: والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، ولعل قائلًا منكم يقول: كيف يقسم الله عز وجل؟ كيف يؤكد الله خبره بالقسم وهو الصادق بدون ذلك؟ هذا محل إشكال الجواب أن يقال: القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي المبين يؤكد الأشياء الهامة أو الأشياء المنكرة بأنواع المؤكدات حتى يطمئن المخاطب ولا يكابر المكابر، فهنا نقول: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ تقدير الكلام: والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وهذا يتكرر في القرآن كثيرًا، والتقدير كما سمعتم.
﴿أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: أعطيناهم الوحي وأمرناهم أن يبلغوه إلى الناس هذا الرسول.
وقوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: بالآيات البينات الواضحة الدالة على أنهم رسل من عند الله.
مثال ذلك: أرسل الله سبحانه وتعالى موسى إلى فرعون وأعطاه آيات بينات، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ﴾ [الإسراء ١٠١] منها: العصا العجيبة، عصا عادية فيها آيات، من آيات الله فيها أنه لما اجتمع السحرة الحذاق الجيدون بأمر فرعون ومساندته وألقوا حبالهم وعصيهم وصارت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين أرهبت الناس، حتى موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة؛ لأنها فوق ما يتصور، سحرة مهرة أتوا بكل قوتهم وألقوا ملؤوا الأرض حبالًا وعصيًّا، فجعلت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين، ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف ١١٦] أوحى الله إليه أن يلقي العصا، ألقاها، انقلبت هذه العصا حية عظيمة، وجعلت تلقف ما يأفكون، كل الحبال اللي هم جاءوا بها أكلتها هذه الحية، هذه من آيات الله العظيمة، كيف تكون هذه الحية تأكل كل هالدنيا هذه؟ أين تذهب؟ لكنها -والله أعلم- أنها بمجرد ما تأكلها تكون كالبخار تذهب، وإلا فإن بطن هذه الحية لا يسعها، لكن هذه آية! أليس كذلك يا جماعة؟ أنتم الآن تتصورون هذه الواقعة خبرًا، لكن ما ظنكم لو رأيتموها نظرًا؟ كان الأمر أشد وأعظم، نحن الآن لا نتصورها إلا في الخبر وفي الذهن فقط، لكن لو تشاهد الموضوع عرفت أنها آية عظيمة.
الآية الثانية في هذه العصا: أن موسى استسقاه قومه؛ طلبوا منه الماء، فضرب حجرًا من الأحجار فتفجر عيونًا اثنتي عشرة عينًا، الماء ينبع من هذا الحجر الذي ضرب به العصا؛ لأن بني إسرائيل كانوا اثني عشر نقيبًا، أليست هذه آية؟ بلى، حجر أصم تنبع منه العيون بدون حفار وبدون أي شيء، آية من آيات الله.
الآية الثالثة: أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أدركه فرعون وحشره إلى البحر أيقن أصحاب موسى أنهم هالكون، وقالوا: إنا لمدرَكون، ما لنا مفر، البحر أمامنا، إن خضناه غرقنا، وفرعون وجنوده خلفنا سيقضون علينا، ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء ٦١] ولكن انظر إلى الإيمان واليقين: ﴿قَالَ كَلَّا﴾ لن ندرك ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء ٦٢] أي: سيدلني على ما فيه النجاة، فأوحى الله إليه ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء ٦٣] ضرب البحر مرة واحدة بالعصا انفلق اثني عشر طريقا على عدد النقباء من بني إسرائيل ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء ٦٣]؛ أي: كالجبل العظيم، الأرض في الحال يبست ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [طه ٧٧]، والماء على أيمانهم وعن شمائلهم كالجبال، وانظر إلى الإيمان أيضًا كيف دخلوا في هذه الطرق والمياه على أيمانهم وعلى شمائلهم لكن الإيمان؛ لأنهم عرفوا أنهم ناجون ولا بد، هذه من آيات الله عز وجل.
عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام أعطاه الله تعالى آيات بينات؛ كان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وهذان الداءان لا حيلة للأطباء فيهما إلى الآن، اللهم إلا الأكمه ربما، كان يحيي الموتى بإذن الله، يقول للجنازة أمام الناس: احي فتحيا بإذن الله، كان يخرج الموتى من قبورهم، يقف على القبر ويأمر صاحب القبر أن يخرج ويخرج حيَّا، من يستطيع هذا إلا الله عز وجل؟ جعله الله آية لهذا النبي.
كان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخه فيطير! قال الله عز وجل: ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٤٩] وفي قراءة ثانية: ﴿﴿فيكون طائرًا﴾ ﴾، وإذا جمعت بين القراءتين صار المعنى صار طيرًا بإذن الله يطير؛ لأنه ما كل طير يطير، النعامة لها جناح ولكن ما تطير، لكن يكون طيرًا يطير يشاهَد في الجو، وهو خلقه من طين! من يقدر على هذا؟! بعث بعد الموت وإيجاد من العدم، هذا لا يقدر عليه إلا الله، جعله الله آية لعيسى.
فإن قال قائل: لماذا خص الله موسى بالعصا وخص عيسى بإحياء الموتى وخلق الطيور؟
قال أهل العلم: إن الله عز وجل حكيم، يجعل لكل نبي من الآيات ما يناسب الوقت وحال الناس حتى يعجزهم، يقولون: إن السحر ترقى إلى حد بعيد في عهد موسى؛ فأراهم الله آية يعجزون عنها بسحرهم، ولهذا في قصة موسى السحرة العارفون بالسحر ما ملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا ﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾ [الأعراف ١٢٠] ألقوا ساجدين، ما سجدوا، كأنهم بغير اختيار، شُدِهوا فسجدوا، وقالوا إعلانًا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢].
عيسى عليه السلام ترقى في عهده الطب ترقيًا عظيمًا، فأعطاه الله تعالى آية لا يستطيع الأطباء أن يأتوا بمثلها.
أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بُعث في زمن البلاغة العظيمة التي ترقت إلى أعلى ما يكون في العرب، واللسان العربي أفصح الألسنة، وأدلها على ما في الضمير، فبعثه الله عز وجل بقرآن كريم أعجز العرب أن يأتوا بمثله، ولن يأتي أحد بمثله لا الجن ولا الإنس، قال الله عز وجل: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء ٨٨]، لو أن بعضهم يعاون بعضًا لا يأتون بمثله، وصدق الله عز وجل، القرآن كلام الله، فكما أن الله ليس كمثله شيء فكلامه ليس كمثله كلام، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [الحديد ٢٥].
وفي الحديث عن النبي ﷺ «أن الله تعالى ما بَعَثَ نبيًّا إلَّا آتَاهُ مِنَ الآياتِ ما يُؤْمِنُ على مِثْلِهِ الْبَشَرُ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ، قال: «وَإِنَّمَا الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيٌ أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٨١)، ومسلم (١٥٢ / ٢٣٩) من حديث أبي هريرة.]] وحصل ما توقع والحمد لله، وما رجاه أكثر الأنبياء تابعًا هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن آيته الكبرى هي القرآن العظيم، القرآن العظيم باق، كل الناس يقرؤونه ويستنتجون منه من الآيات ما يزدادون به إيمانًا، ويعلمون به صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فإن قال قائل: ما الحاجة إلى إعطاء الأنبياء آيات؟
قلنا: الحاجة واقعة، بل للضرورة، بل للعقل أيضًا؛ لأنه ليس من العقل أن يأتي شخص ويقول: إنه رسول ثم يتبَّع، لا بد أن يكون هناك بينة تدل على أنه رسول.
لو جاء إنسان في غير أمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال: إنه رسول ولم يأت بآية، فالناس معذورون إذا لم يتبعوه، وإلا لكان كل واحد يدعي أنه رسول، أما بعد النبي ﷺ فالنبوة انقطعت؛ لأنه كان خاتم النبيين، لذلك لا بد أن يكون مع الأنبياء آيات تدل على صدقهم، وعلى صحة ما جاءوا به من الشريعة.
﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد ٢٥]، الكتاب: الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليهم، وما من رسول إلا معه كتاب، بخلاف النبي، فالنبي قد لا يكون معه كتاب، لكن الرسول لا بد أن يكون معه كتاب؛ لأن الرسول لا بد أن يعطي الناس الذين يدعوهم ما يشاهدونه بأعينهم.
وقوله: ﴿الْكِتَابَ﴾ هل هو واحد أو المراد الجنس؟
المراد الجنس، يعني الكتب؛ لأنه قال: ﴿رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾، ليس كتابًا واحدا، بل كل رسول معه كتاب.
وقوله: ﴿وَالْمِيزَانَ﴾ أي: العدل، الذي توزَن به الأشياء، ويعرَف قدرها وحالها، وهذا يدل دلالة واضحة على أن القياس الصحيح مما بُعث به الرسل؛ لأن القياس تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد٢٥] أي: العدل والمقايسة بين الأمور.
﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد ٢٥] أي: ليقوم الناس في الدين والدنيا بالقسط؛ بالعدل في حق الله وفي حق العباد، فما هو العدل في حق الله؟
العدل في حق الله ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل حين قال له: «أَتَدْرِي يَا مُعَاذُ مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟». قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: «حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَلَّا يُعَذِّبَ مَن لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٥٦)، ومسلم (٣٠ / ٤٨) من حديث معاذ بن جبل.]].
قوله يعني ألا يعذب من يعبده ولا يشرك به شيئًا حق المخلوق، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ»[[أخرجه مسلم (١٨٤٤ / ٤٦) من حديث عبد الله بن عمرو.]]، هذا الشاهد، أي: أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، لو أننا عاملنا الناس بهذا لاستقام العدل ولم يتجرأ أحد على ظلم أحد، ولو أننا شعرنا للناس بما نشعر به لأنفسنا لحلت في قلوبنا الرحمة والتواضع؛ لأن كل إنسان يحب أن يعامله الناس بالرحمة والتواضع، فعامل الناس أيضًا بالرحمة والتواضع.
ثم ذكر الله تبارك وتعالى ما يحصل به النصر من جهة أخرى؛ لأن النصر يكون بالوحي ويكون بالبأس، وهو ما ذكره في قوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ إلى آخره.
﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ يعني: خلقناه لهم من المعادن، واستنبط بعض العلماء من قوله: (أنزلنا الحديد) على أن المعدن إذا كان في قمم الجبال فهو أقوى وأنفع مما إذا كان في الأسفل؛ لأن النزول إنما يكون من أعلى، فالله أعلم، هذا يرجع إلى علم الجيولوجيا، لكن (أنزلنا) بمعنى: وضعنا لهم الحديد، وهو معدن معروف من أقوى المعادن.
﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ بأس شديد في الحرب، تصنع منه السيوف والخناجر وجميع آلات الحرب، وإنما ذكره بعد ذكر الكتب لأن الدين لا يقوم إلا بهذا، بالدعوة والقتال، فإذا أبى الكفار أن يكون دين الله هو العالي حينئذ يقاتلون، وبماذا؟ بالحديد، ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ أي: في الحرب.
﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ جمع المنافع لأنها لا تحصَى أجناسها، فضلًا عن أنواعها وأفرادها، من يحصي لي المنافع التي تحصل بالحديد؟ نعطيكم مهلة أسبوعًا، ما تستطيعون أن تحصوها، لا تستطيعون، ولهذا جاءت بالجمع المعروف بصيغة منتهى الجموع ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ دينية ودنيوية، فردية واجتماعية.
﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ معطوفة على ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾.
وقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ المراد علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون فهذا سابق على إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لأن الله لم يزل ولا يزال عالمًا بكل شيء، فلا يشكل عليك الأمر، لا تقول: إن الله لا يعلم إلا بعد هذا، نقول: نعم.
العلم علمان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم بالشيء بعد وجوده، ما هو العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب؟ الثاني ولَّا الأول؟ الثاني؛ لأن العلم السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب حتى يمتحن الناس.
إذن: (ليعلم الله) أي: علم ظهور، يعني أنه ظهر ووقع بالفعل، هذه واحدة، وعلمًا يترتب عليه الثواب والعقاب، أما العلم بأنه سيكون فهذا معلوم لله من الأزل.
﴿مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ أي: ينصر دينه، وليس المعنى: ينصر نفس الله، لا؛ لأن الله غني عن العالمين، ولهذا قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد ٤] إذن ﴿يَنْصُرُهُ﴾ بماذا تفسرها؟ ينصر دينه، فلو قال لك قائل: كيف ينصر دينه والله يقول: ﴿مَنْ يَنْصُرُهُ﴾؟ هذا تفسير مخالف للفظ، وأنتم تنكرون على من يفسر القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ، فما الجواب؟
الجواب: نحن لا ننكر على الناس إذا فسروا القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ إذا كان ذلك بدليل، إذا كان هذا بدليل فإننا لا ننكر عليهم، ولهذا إذا قال قائل في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل ٩٨] إذا قال قائل: إن المعنى: إذا قرأت القرآن أي: أردت قراءته، فهذا فسره بخلاف ظاهره، هل نقول: هذا التفسير صحيح ولَّا غير صحيح؟ صحيح؛ لأن الإنسان يستعيذ بالله إذا أراد يقرأ، ما هو إذا أتم القراءة، بدليل فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن هذا هو الذي يفيد أن يستعيذ الإنسان بالله قبل أن يقرأ ليقرأ والشيطان بعيد عنه.
على كل حال إذا قال لك قائل: كيف تفسر قوله تعالى: ﴿مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ أي: من ينصر دينه، وأنت تنكر على من يفسر القرآن بخلاف ظاهره؟
فالجواب: أننا لا ننكر من يفسر القرآن بخلاف ظاهره إذا كان في ذلك دليل صحيح، والدليل على أن المراد ينصر دينه قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ لا يحتاج إلى أحد، فهو قوي عزيز غالب بقوة لا يلحقها ضعف.
وقوله عز وجل: ﴿مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ﴾ نصر الرسل هل المراد أن ينصر الرسول نفسه أو أن ينصر الشريعة التي جاء بها؟ الأمران، إذا كان الرسول حيًّا فالمراد ينصر الرسول نفسه وشريعته، وبعد موته ينصر شريعته، وفي هذا دليل على أن نصر الشريعة نصر لمن جاء بها، فلا يشكل على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد يميت الرسول قبل أن يرى النصر الواسع له؛ لأننا نقول: نصر شريعته نصر له.
وقوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ أي أنه ينصر الله عز وجل وينصر رسله وهو لم يرَ الله؛ لأن الله تعالى يُنصَر ولا يُبصَر، لا يُبصَر في الدنيا، ولهذا قال بعض السلف: ينصرونه ولا يبصرونه؛ تفسيرًا لقوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ ينصرونه ولا يبصرونه، والمراد لا يبصرونه في الدنيا، أما في الآخرة فنظر الله تعالى حق، ثابت في القرآن والسنة وإجماع الصحابة.
إذن: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ أي: ينصرون الله وهو غائب، ويحتمل أن يكون المعنى ﴿بِالْغَيْبِ﴾ أي: بغيبتهم عن الناس، فيكون في هذا دليل على إخلاصهم، وأنهم ليسوا ممن يعبدون الله إذا كان بين الناس، بل يعبدون الله تعالى في الغيب والشهادة.
﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ هذه الجملة استئنافية لبيان أن نصر الله عز وجل ليس عن ضعف ولا عن قهر، بل هو قوي عزيز لا يحتاج إلى أحد ينصره بنفسه ولكن النصر لدينه.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه.
{"ayah":"لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق