الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [فصلت ٢٦] (عند قراءة النبي ﷺ)؛ يعني: للقرآن، قال: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾؛ يعني: أن بعضَهم يوصي بعضًا يقول: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾؛ أي: لا تنصتوا له، ولا تستمعوا إليه، وابتعدوا عنه؛ وذلك لأن القرآن يؤَثِّر في قلبِ مَن يسمَعُه، حتى إن بعض المشركين من كُبرائِهم يأتون إلى النبي ﷺ يستمِعُون قراءته اختفاءً في الليل لئلا يطلع عليهم؛ لأنهم يسمعون قولًا يسلِب العقول ويأخذ بالنفوس، فهم يوصي بعضهم بعضًا يقولون: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾. والقرآن هو كلام الله، وهو على وزن (فُعْلَان)، و(فُعلان) مصدَر كالغُفْران والشُّكْران، وهل هو مِن (قَرَأَ) أو مِن (قَرَى) أو منهما جميعًا؟ نقول: هو صالح للجميع؛ فإن كان مِن (قَرَأَ) فهو من القراءة وهي التلاوة، وإن كان من (قَرَى) فهو مِن: قَرَى يَقْرِي، بمعنى جمع، ومنه القرية؛ لأنها تجمَع أقوامًا، فالقرآن جامع. ثم هل هو فاعل أو مفعول؟ نقول: أما إذا كان من (قَرَأَ) فهو مفعول؛ لأنه قرآن مقروءٌ، فهو مصدَر بمعنى المفعول، وإن كان مِن (قرى) فهو بمعنى فاعِل وبمعنى مفعول؛ أي: أنَّه مشترك بين فاعل ومفعول، فهو جامِع وهو مجمُوع؛ لأنه يُكتَب وتُجمَع حروفه بعضُها إلى بعض، والمراد به ما نزلَ على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ ﴿لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾، ما المراد بالإشارة هنا؟ ولماذا لم يقولوا: لا تسمعوا للقرآن؟ المراد بها التحقير؛ يعني هذا لا يساوي شيئًا لا تسمعوا إليه، ويُشبِهُ هذا من بعض الوجوه قولُهم: ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء ٣٦]، أهذا الذي يذكر آلهتكم؟! احتقار؛ يعني: أهذا الذي يسبُّها مَن هو؟! ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان ٤١]، وهذا للاحتقار لكنه مستفاد مِن الاستفهام، أما هنا فهو مستفاد مِن الإشارة الدالة على التحقير. (﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ ائتوا باللغط ونحوه، وصيحُوا في زمن قراءته) ﴿الْغَوْا فِيهِ﴾؛ يعني: عندما تسمعون رسول الله ﷺ يقرَأ صَوِّتُوا وتصايحوا؛ لأجل أن تُخَلِّطُوا عليه قراءته وتحولُوا بينه وبين السَّماع، يعني فهم يفعلون ذلك لأمرين: الأول: التخلِيط على النبي عليه الصلاة والسلام في قراءته، والثاني: ألَّا يسمع أحدٌ قراءتَه من أجل الضوضاء واللغَط. ﴿وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ هذه (لعل) للتعليل، وكما تعلمون أن (لعل) تأتي للتعليل، وتأتي للإشفاق، وتأتي للتَّرَجِّي، وتأتي للتمني، كلُّ هذه المعاني تختَلِف بحسب السياق؛ لأن السياق هو الذي يُعَيِّن معاني الكلمات. (﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ فيسكت عن القراءة)؛ لأنه إذا سمع الأصوات والضجة والضوضاء واختلطَت عليه قراءته فإنه لا يرى فائدة من القراءة، وحينئذٍ يسكُت، هذا ما يفعله هؤلاء المشركون. * في هذه الآية الكريمة فوائد؛ منها: خوف المشركين وانزعاجُهم من تأثير قراءة النبي ﷺ. وجهُ ذلك أن بعضهم يوصي بعضًا ألَّا يسمعوا لهذا القرآن. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: قوة تأثِير القرآن على سامعه، وهذا هو الواقع؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق ٣٧]، لكن القرآن إنما يؤثر على مَن يفهم اللغة العربية ومعاني الكلمات، وأما الأعجمي حقيقة أو حُكمًا فإنه لا يتأثَّر بها، ثانيًا: إنما يؤثِّر القرآن -وهو كمال التأثير- على المؤمن به، أما المكذِّب المستكبر فلا، حتى إنه يقول: هذا أساطير الأولين. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجوز اللغط والضوضاء حين قراءة القرآن؛ فإما أن تستمِعَ إليه، وإما أن تقوم، أمَّا أن تجلس إلى قارئ القرآن وتُثير الأصوات واللغط والضوضاء فهذا أقَلُّ ما فيه أنَّه شبيهٌ بصنيع من؟ المشركين، هذا أقل ما فيه، يعني لو قدرنا أن هؤلاء القوم الذين عندَهم اللغط والضوضاء لا يُرِيدون أن يُشَوِّشُوا على القارئ، ولا يريدون ألَّا يستمِعَ قراءتَه أحد، لكن نقول: أدنى ما فيه أنه مشابِه لعمل المشركين. ويتفرَّع على ذلك ما يفعله بعضُ الناس في متاجرهم ومساكنِهم؛ يفتَحُون القرآن على المسَجِّل ويجعلونه يقرَأ، وتجدُهم في ضوضاء وفيه كلام قبيح وفيه كذب، وهذا إهانةٌ للقرآن، فنقول: إما أن تستمِع إلى كلام الله، وإما أن تُغْلِقَه، أما أن يبقَى يُقرأ، وهذا يشتم، وهذا يلعَن، وهذا يكذِب، وهذا يغِش، فهذا في غاية الامتهان لكلام الله عز وجل، وإن لم يُرِدْها الإنسان فإن صورتَه صورةُ الامتهان. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التشويش على الداعية قد يظُنُّ فاعلُه أنه يغلِب ويصِل إلى مقصوده ولكن ليس الأمر كذلك، وجه الدلالة مِن هذا أن هؤلاء المشركين لم يحصل لهم مطلُوبُهم مِن الغَلَبة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب