الباحث القرآني
نأخذ الفوائد من قوله: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ﴾ [الزمر ٤٩] إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أن الإنسان يلجأ إلى الله تعالى عند الشدائد، وهذه طبيعة فطرية لا يتخلف عنها إلا من نكس قلبه.
* ومن فوائدها: أن المشركين في زماننا الذين يدعون مع الله غيره أشد شركًا من السابقين؛ لأن السابقين إنما يشركون في الرخاء، وإذا مسهم الضر لجئوا إلى الله، أما اللاحقون فإنهم يشركون في حال الشدة كما يشركون في حال الرخاء، إذا أصابهم الضر نادوا: يا فلان، يا فلان، يا فلان، نعم هذا أشد شركًا من الأولين، وهذا أيضًا مخالف للفطرة التي فطر الناس عليها؛ لأن الإنسان لا يلجأ عند الشدائد إلا بمن يؤمن أنه يكشف هذه الشدائد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان إذا أصيب بالنعمة نسي نعمة الله وأضافها إلى غيرها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ضرر الإعجاب بالنفس، حيث يقول: إنما أوتيته على علم عندي.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى يبتلي بالنعم كما يبتلي بالنقم؛ لقوله: ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ وقد قال سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أكثر الناس غافلون عن هذه المسألة، أي: عن كون الله سبحانه وتعالى يبتليهم بالنعم فيظنون أن النعم دليل على الرضا، فيستمرون في معاصيهم ويقولون: لو كان الله غاضبًا علينا ما أعطانا، ولكن من العامة من يقول العبارة المشهورة: عطاه لا يدل على رضاه، عطاء الله لا يدل على رضاه، قد يكون هذا من باب الاستدراج بالنعم حتى يهلك الإنسان، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران ١٧٨]، وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٦٨٦)، ومسلم (٢٥٨٣ / ٦١) من حديث أبي موسى الأشعري.]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من الناس من منَّ الله عليهم بالعلم والفراسة والتدبر والتأمل، فعرفوا الأمور على حقائقها، يؤخذ هذا من قوله: ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾ فإن الأكثر ضد الأقل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة العلم؛ لقوله: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: لأن الذين يعلمون يعرفون مثل هذه الأمور وأنها ابتلاء وامتحان فيتعظون بها.
ثم قال تعالى: ﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الزمر ٥٠].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الشر يتبع بعضه بعضًا؛ لقوله: ﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: تسلية الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن هؤلاء الذين قالوا هذا في عصره قد قاله من سبق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن لأهل الشر قدوة يقتدون بها كما أن لأهل الخير قدوة يقتدون بها، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله البجلي.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل ما كسبه الإنسان من مال أو جاه فإنه لا يغنيه من الله شيئًا؛ لقوله: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، حتى لو كسب أقوى صنعة في الأرض، فإنها لا تغني عنه من الله شيئًا، إذا أراد الله عز وجل أن يتلف هذه القوة أتلفها بكلمة واحدة منه ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب على الإنسان اللجوء إلى الله، حيث إن جميع ما كسبه من مال أو جاه أو ولد أو زوجة أو غيره لا تغني عنه من الله شيئًا، إذن إلى من يرجع؟ إلى الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الرد على الجبرية؛ لقوله: ﴿مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ فإن عمل الإنسان كسب له، أما الجبرية فيقولون: إن عمل الإنسان ليس كسبًا له؛ لأنه مرغم عليه ومجبر عليه، فلا يكون كسبًا له ولا يضاف إليه.
ثم قال الله تعالى: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر ٥١].
* في هذه الآية من الفوائد: أن العقوبة تكون على قدر العمل؛ لقوله: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ﴾ مع أن الذي أصابهم ليست السيئات ولكن جزاؤها، إلا أنه لما كان الجزاء من جنس العمل صح أن يعبر بالعمل عنه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تهديد هؤلاء الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصيبهم ما أصاب الأولين؛ لقوله: ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: شؤم الظلم؛ لأنه يوقع صاحبه في الهلاك.
* ومن فوائدها: أن من عصا الله فهو ظالم، ظالم لمن؟
* طلبة: لنفسه.
* الشيخ: ظالم لنفسه وكذلك لغيره إن تعدت معصيته إلى الغير، فلو جنى على أحد محترم من مسلم أو يهودي، ذمي أو نصراني، ذمي أو غيرهم من أهل الكفر الذميين، فإنه يكون ظالمًا لنفسه وظالمًا لغيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا أحد يفوت الله ويعجزه؛ لقوله: ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ وقد قال الشاعر الجاهلي:
؎أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالإِلَهُ الطَّالِبُ ∗∗∗ وَالأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ
فلا أحد يعجز الله عز وجل، أو يفوت الله، لا في السماء ولا في الأرض.
ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الزمر ٥٢] إلى آخره.
ارتباط هذه الآية بما قبلها ظاهر؛ لأنه تكلم عن الإنسان إذا أصابه الضر، وإذا أصابته النعمة، ثم عقب ذلك بأن هذا الأمر كله بيد الله.
* من فوائد الآية الكريمة: تقرير هؤلاء بأن كل شيء من عند الله، بسط الرزق وتضييقه من عند الله، وهم يعلمون ذلك؛ لقوله: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ فإن مثل هذا التركيب يفيد التقرير.
* ومن فوائدها: إثبات المشيئة لله؛ لقوله: ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وليعلم أن كل شيء علقه الله بالمشيئة فإنه مقرون بالحكمة، أي أنه ليست مشيئة الله مشيئة مجردة هكذا تأتي عفوًا، لا، هي مشيئة مقرونة بالحكمة. والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠] فلما بين أن مشيئتهم بمشيئة الله بين أن ذلك مبني على علم وحكمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الرزق لا يحصل بالشطارة والحذق، وإنما هو من عند الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
فإذا قلنا بهذه الفائدة أشكل علينا هل معنى ذلك أن نبطل الأسباب؟ لا، بل نفعل أسباب بسط الرزق لنتحاشى تضييقه، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك ١٥] فأمر أن نمشي بمناكبها وأن نأكل من رزقه؛ لأنا إذا مشينا في المناكب وسعينا في أسباب الرزق حصل فأكلنا من رزقه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تمام ملك الله وسلطانه؛ لقوله: ﴿يَبْسُطُ﴾ ﴿وَيَقْدِرُ﴾ وهذا يدل على كمال الملك والسلطان، وأنه لا معارض له سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان وسيلة للاهتداء ومعرفة الآيات؛ لقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الزمر ٥٢] وإذا كان هذا الحكم معلقًا على هذا الوصف، فإن القاعدة أن ما علق على وصف فإنه يقوى بقوته، ويضعف بضعفه، هذه القاعدة، كل حكم علق على وصف فإنه يقوى بقوته، ويضعف بضعفه، إذن كلما قوي الإيمان ظهر للإنسان من آيات الله ما لم يظهر له مع ضعف الإيمان، وكلما ضعف الإيمان ضعفت معرفة الإنسان وإدراكه للآيات التي ينزلها الله عز وجل من الوحي والتي يقدرها من القضاء.
ثم قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر ٥٣] ﴿قُلْ﴾ يعني أبلغ عبادي بذلك، أبلغهم بأني أقول: يا عبادي، ولا يصح أن نقول: قل أنت يا محمد: يا عبادي، فتضيف العبادة إلى نفسك، لا، المعنى أبلغ عبادي أني أقول: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم. ولماذا قلنا بهذا التفسير؟
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو قال للناس: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، فإنه لا يستقيم الكلام، ولكن المعنى: قل للناس أي: أبلغهم بأني أقول: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ وقراءة أخرى: ﴿لا تقنِطوا﴾ ، وقوله: ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ يشمل العباد بالمعنى الخاص والعباد بالمعنى العام، يعني حتى الكفار يقال لهم مثل هذا القول.
وقوله: ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: جاوزوا الحد في رعاية الأنفس، والواجب على الإنسان في رعاية نفسه أن يرعاها حق رعايتها، بحيث يقوم بما يصلحها ويتجنب ما يفسدها، فإذا لم يفعل فقد أسرف على نفسه، مثال ذلك: رجل سرق، السرقة هذه إسراف على النفس؛ لأن الواجب حماية النفس من السرقة، رجل شرب الخمر هذا إسراف على النفس، رجل سجد لصنم إسراف على النفس لأنه مجاوزة للحد.
﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ القنوط واليأس معناهما متقارب، لكنهم فرقوا بينهما بأن القنوط أشد اليأس، وأما اليأس فمعروف أنه عدم الرجاء وعدم الأمل في حصول الشيء ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ من رحمة الله لكم، فـ(رحمة) هنا مضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول؟
* طلبة: إلى الفاعل.
* الشيخ: إلى الفاعل، أي من رحمة الله إياكم، وبماذا تكون الرحمة؟
تكون الرحمة بأن يهدي الله عز وجل رجل إلى التوبة والاستغفار ويتوب عليه، فأنت لا تقنط من رحمة الله لا بنفسك ولا بغيرك، ولكن افعل السبب، فلو قال قائل مسرف على نفسه: أنا لا أقنط من رحمة الله، ولكنه يفعل المعصية مستمر عليها، نقول: هذا غلط؛ لأنك إذا استمررت على المعصية فأنت آمن من مكر الله، وكلا الطرفين ذميم، لا القنوط من رحمة الله ولا الأمن من مكر الله، لكن نقول: افعل السبب، افعل السبب ولا تقنط من رحمة الله.
(﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ لمن تاب من الشرك ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ) ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ﴾، ﴿يَغْفِرُ﴾ أي يسترها ويتجاوز عنها؛ وذلك لأن المغفرة مشتقة من أيش؟
* طلبة: من الغفر.
* الشيخ: من الغفر.
* طالب: (...) مشتقة.
* الشيخ: (...) مشتقة المغفرة.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم من المغفر، المغفر هو الذي يوضع على الرأس في وقت القتال من أجل أن يقيه السهام، ومعلوم أن هذا المغفر فيه ستر وفيه وقاية، وعلى هذا فأنت إذا قلت: رب اغفر لي، لست تسأل الله أن يستر ذنوبك فقط، بل تسأل الله أن يسترها وأن يتجاوز عنها، فقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ﴾ أي يسترها ويتجاوز عنها، وقوله: الذنوب، هذه صيغة عموم أو خصوص؟
* الطالب: عموم.
* الشيخ: عموم، الذنوب، وأكد هذا العموم بقوله: ﴿جَمِيعًا﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ وهذه المغفرة التي أثبتها الله عز وجل هل هي شاملة لكل ذنب؟ الجواب: نعم، شاملة لكل ذنب فيمن تاب، فكل من تاب تاب الله عليه، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان ٦٨ - ٧٠] فهؤلاء جمعوا بين الشرك وقتل النفس، وهو اعتداء على النفوس، والزنا وهو اعتداء على الأعراض والأخلاق، ومع ذلك إذا تابوا تاب الله عليهم.
وهذه الآية أجمع العلماء على أنها في التائبين؛ لأن الله قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ ولم يقيد، فهي في التائبين، أما غير التائبين فقال الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨] فغير التائبين نجزم بأن الله لا يغفر الشرك في حقهم، وما دون الشرك تحت المشيئة؛ إن شاء عذب وإن شاء غفر، فللإنسان حالتان:
الحال الأولى: التوبة، فما حكم ذنبه حينئذ؟
* طالب: الغفران.
* الشيخ: الغفران مهما عظم الذنب، الحال الثانية: عدم التوبة.
* طالب: عدم التوبة (...) لقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾ [النساء ٤٨] وأما بقية الذنوب (...).
* الشيخ: كيف ما فهمنا إلى الآن الجواب غير مرتب.
* الطالب: الكبائر (...) فيغفرها الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: الكبائر ولو دون الشرك؟
* الطالب: الشرك.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: أما ما دون الشرك فهي تحت المشيئة.
* الشيخ: تحت المشيئة تمام، يعني بدون التوبة نقول: الشرك لا يغفر قطعًا، وما دون الشرك تحت المشيئة، ويستدل بالآية التي ذكرناها استشهادًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ يستدل بها المسرفون على أنفسهم بالمعاصي، فإذا نهيتهم عن معصية قالوا لك: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
نقول له بكل بساطة: وهل تجزم أنت أنك ممن شاء الله أن يغفر له؟ الجواب: لا، إذن أنت على خطر، وأنت الآن فعلت سبب العقوبة، وكونك يغفر لك هذا أمر راجع إلى مشيئة الله عز وجل.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ أولًا في الجملة كلمة ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ لو حذفت هذه الكلمة لاستقام الكلام بدونها، فما هي الكلمة؟
* طلبة: (هو).
* الشيخ: (هو)، ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ﴾ كلمة (هو) يسميها النحويون ضمير فصل، وبعضهم يسميها عمادًا.
* طالب: ضمير الشأن؟
* الشيخ: لا، ما هو ضمير الشأن، فما هو فائدة هذا الضمير؟
يقولون: إن في هذا الضمير ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: التوكيد، والفائدة الثانية: الحصر، والفائدة الثالثة: التمييز بين الخبر والصفة، مثاله: إذا قلت: زيد هو الفاضل، الضمير في (هو) ضمير فصل، لو قلت: زيد الفاضل وحذفت الضمير.
* طلبة: استقام.
* الشيخ: استقام الكلام، لكن يحتمل أن يكون (الفاضل) صفة والخبر منتظر، ويحتمل أن يكون (الفاضل) هو الخبر، أليس كذلك؟ فإذا قلت: زيد هو الفاضل، ارتفع الاحتمال الأول وهو أن تكون (الفاضل) صفة، وتعين الاحتمال الثاني، وهي أن تكون خبرًا، واضح يا جماعة؟
طيب ما الذي استفدنا من هذا التركيب؟ زيد هو الفاضل، استفدنا أولًا توكيد الفضل في زيد، وثانيًا: حصر الفضل فيه، زيد هو الفاضل، وثالثًا؟
* طالب: التمييز بين الصفة والخبر.
* الشيخ: التمييز بين الصفة والخبر، يعني الآن ليس عندنا احتمال أن تكون صفة، هذا من حيث المعنى في ضمير الفصل، من حيث الإعراب هل هو اسم أو حرف؟ الصحيح أنه حرف لا محل له من الإعراب، حرف جاء بصورة الاسم، وليس له محل من الإعراب، نعم والدليل على أنه لا محل له من الإعراب كثير في القرآن وغير القرآن، قال الله تعالى: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء ٤٠]؛ لأنه إذا كان له من الإعراب صار محله الرفع وما بعده خبر، ولكنه ليس له محل من الإعراب، بل هو جاء عمادًا أو جاء فصلًا.
* طالب: قوله تعالى السابق: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يقول في الحاشية: إن فيه دلالة على أن المراد بالإنسان الجنس، فكيف استدل بهذا؟
* الشيخ: أي وجه أنه لما قال: أكثرهم لا يعلمون؛ لأن فيه من يعلم وهم المؤمنون، فيكون ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾ يدل على أن المراد الجنس، لأن غير المؤمن كلهم لا يعلمون.
* طالب: الراجح يا شيخ؟
* الشيخ: سبق لنا القول في هذا أن الراجح هو الكافر، والجواب عن هذا أن نقول: من الكفار من يعلم لكنه مستكبر.
* طالب: ما هو ضمير الشأن؟
* الشيخ: ضمير الشأن هو الضمير الذي يدل على القصة وليس موجودًا، ضمير الشأن في الغالب يكون محذوفًا.
* طالب: فيه ناس من المؤمنين إذا جاءتهم النعمة قال: إنما أوتيته على علم عندي، من المؤمنين ولكن ناقصون الإيمان، ما يؤيد أن الإنسان المقصود به الجنس.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: المقصود بالإنسان الجنس المؤمن والكافر، يعني حتى المؤمن يقول: إنما أوتيته على علم عندي، لكن يكون.
* الشيخ: إي لكن هو كافر بهذه المقالة، ما هو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، نقول: هو بهذه المقالة كافر، وقد يكون كافرًا كفرًا مخرجًا عن الملة، إذا اعتقد أن الله ليس له سبب في حصول هذه النعمة، وأنه هو الذي حصلت به، لا أنه سبب، فهو كفر؛ لأن إضافة النعم إلى أسبابها بالإعراض عن المسبب وهو الله، وادعاء أو اعتقاد أن هذه النعمة ليس لله فيها علاقة هذا كفر بالربوبية.
* طالب: هل يجزم الإنسان إذا تاب من الذنب بأن الله عز وجل تاب عليه فلا (...) أن يكون موانع التوبة؟
* الشيخ: نقول: نعم، إذا تبت توبة نصوحًا فإن الله يقبلها، لكن من الذين يقول: إن توبته نصوحة؛ لأن المشكل الذي سيكون من فعل العبد، لا من فعل الرب، فالرب إذا وقع فعل العبد على ما يرضى حصل موعوده؛ لأن الله لا يخلف الميعاد، لكن الذي يكون محل إشكال هو فعل العبد، هل هذه التوبة توبة نصوح على حسب ما رسم في الشرع؟ فنحن نجزم، لكن قد يكون في قلب الإنسان بلاء، يكون عنده شيء من الرياء، يكون عنده شيء من المن على الله عز وجل، وغير ذلك من الأسباب، تكون التوبة غير نصوح، يتوب الإنسان مثلا من نظر المرأة الأجنبية، لكنه لا يتوب من غمز المرأة الأجنبية، التوبة الأولى تقبل ولَّا ما تقبل؟
* طالب: لا، ما تقبل.
* الشيخ: لا، ما تقبل؛ لأنه ما تاب من الذنب الذي هو من جنس ذنبه، يتوب الإنسان مثلًا من أكل الربا، ربا النسيئة، ولكنه يرابي ربا الفضل، هذه غير نصوح، ولهذا نقول: من تاب إلى الله توبة نصوحًا فإنه مقبول التوبة، ومن اختل فيه النصح فليس مقبول التوبة (...)
* * *
قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر 53] ما المراد بالإسراف؟ أسرفوا على أنفسهم.
* الطالب: جنوا.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: جنوا.
* الشيخ: جنوا.
* طالب: ظلموا.
* الشيخ: ظلموا نعم.
* طالب: جاوزا الحد في رعايتها.
* الشيخ: صحيح، جاوزا الحد في رعايتها، وذلك بأن أوقعوها في المعاصي أو جنبوها الطاعات.
* الشيخ: قوله: ﴿لَا تَقْنَطُوا﴾ معناها؟
* طالب: القنوط أشد اليأس.
* الشيخ: القنوط أشد اليأس، طيب يعني: ما تيئسوا من رحمة الله.
جملة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ موقعها مما قبلها؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، أظن ما ذكرناها؟ طيب، هل هذه الآية في عموم العصاة؟
* طالب: هذا في التائبين.
* الشيخ: في التائبين، أي أجمع المفسرون على أنها في التائبين، غير التائبين ما حالهم يا أخ؟
* طالب: غير التائبين؟
* الشيخ: نعم ما حالهم؟
* الطالب: هي تختلف.
* الشيخ: إي نعم هي تختلف، كيف الاختلاف؟
* الطالب: حالهم في الآية التي ذكرناها في سورة النساء، قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾.
* الشيخ: ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ أحسنت، هذه حالهم.
قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الغفور معناه؟
* طالب: الغفور الذي يستر الذنب ويتجاوز عنه.
* الشيخ: أحسنت، لماذا زدت: ويتجاوز عنه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: بارك الله فيك.
نأخذ الدرس الآن الجديد: قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ﴾ أوردنا إشكالًا أمس على قوله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ﴾ يعني أمر الله الرسول أن يقول: يا عبادي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أبلغهم بأن الله يقول: يا عبادي الذين أسرفوا.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب.
قول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر 53]، هذه الجملة موقعها مما قبلها أنها تعليل للنهي عن القنوت، يعني لا تقنطوا فإن الله يغفر الذنوب جميعًا إذا استغفرتموه ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ سبق لنا تفسير هذه الآية، نأخذ فوائدها الآن.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب، نرجع إلى كلام المفسر، قال المفسر رحمه الله: (﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنِطُوا﴾ بكسر النون وفتحها) قراءتان سبعيتان، وقاعدة المؤلف رحمه الله أنه إذا قال مثل هذا القول يعني بالوجهين أو قال: وفي قراءة، فالقراءة سبعية، أما إذا قال: وقرئ فالقراءة شاذة، إذن فيها قراءتان سبعيتان بفتح النون وبكسر النون.
﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ نعم.
* طالب: وقرئ بضمها.
* الشيخ: وقرئ بضمها (لا تقنُطوا)، وهذه القراءة شاذة، يعني ليست سبعية.
واختلف العلماء في القراءة غير السبعية هل يجوز أن يقرأ بها الإنسان أو لا، والصحيح أنها إذا صحت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن القراءة بها جائزة؛ لأن القرآن كله حق، فإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ بهذه القراءة فهي صحيحة، سواء جاءت عن طريق القراء السبعة أم لم تأتِ.
قال: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ (﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ لمن تاب من الشرك)، نعم لمن تاب من الشرك، وكذلك من تاب من غيره مما دونه، لكن ذكر المؤلف الشرك لأنه أعظم الذنوب، ولأنه لا يُغفر إلا بتوبة، وإذا تاب الإنسان من الشرك وبقي على شيء من المعاصي كان يقوم بها في حال كفره، فهل تغفر هذه المعاصي أو لا بد لها من توبة؟
الصحيح أنه لا بد لها من توبة كما لو كان يشرب الخمر وهو كافر، ثم أسلم وبقي على شرب الخمر، فإن إسلامه لا يوجب أن يسقط عنه إثم شرب الخمر؛ لأنه أيش؟ لم يتب منه، لكن إذا تاب من الشرك ولم يصر على المعاصي الأخرى ولم تطرأ له على بال، فإن جميع ذنوبه تغفر، فالتائب من الشرك في الحقيقة له ثلاث حالات:
إما أن يستحضر أنه تاب من الشرك ومن جميع المعاصي التي كان يعملها، فهذا لا شك بأن توبته تعم كل ذنب، وإما أن يتوب من الشرك مع الإصرار على بعض المعاصي التي كان يفعلها في حال الشرك، فهنا لا تغفر له هذه المعاصي التي أصر عليها، لأنه استمر فيها، مثل أن يكون معتادًا لشرب الخمر في حال كفره، فيسلم وهو مصِر على شرب الخمر، فإنه لا يغفر له ما قد سلف من الذنوب ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال ٣٨].
الحالة الثالثة: أن يتوب من الشرك ولم يطرأ على باله بقية المعاصي، لكنه لم يفعلها بعد إسلامه، فهنا أيش؟ يغفر له، يغفر له جميع الذنوب؛ لأنها تندمج الصغار بالكبار فيغفر له جميع الذنوب.
﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ انتهت الآية، وقوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ تعليل لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ و ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ تعليل لقوله: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ فهو تعليل لتعليل.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: عناية الله عز وجل بهذا الأمر، أي بإبلاغ عباده أنه يغفر الذنوب جميعًا نعم.
عناية الله تعالى بهذه الجملة أو بهذا الأمر، حيث أمر نبيه أمرًا خاصًّا بأن يبلغ الناس هذه القضية، انتبهوا، القرآن كله قد أمر النبي ﷺ أن يبلغه ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] لكن هناك أشياء خاصة ينص الله عليها أن يبلغها، وهذا يقتضي العناية بها، مثل: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور ٣٠]، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور ٣١]، ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ هذه توصية خاصة بأن يبلغها الرسول ﷺ إلى الأمة، فيقتضي ذلك العناية بها، انتبهوا لهذه النقطة، قد لا تكون مرت عليكم من زمان قريب، أقول: إذا صدر الله الحكم بـ(قل) فهو دليل على أيش؟
* طلبة: على العناية.
* الشيخ: على العناية به؛ لأن هذا أمر بإبلاغه على وجه الخصوص، أما القرآن فقد أمر أن يبلغه على سبيل العموم ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الخلق كلهم عباد الله ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ لأن العباد هنا المراد بها العبادة العامة.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن من تاب إلى الله تاب الله عليه من الشرك فما دونه، وهذا أمر مجمع عليه.
لكن اختلف العلماء فيمن قتل نفسًا عمدًا هل له من توبة؟ فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا توبة لقاتل، فأخذ بها بعض العلماء وقالوا: إن القاتل لا توبة له ولو تاب، ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأنه مخالف للآيات والأحاديث الدالة على قبول توبة التائب من الشرك فما دونه، ويدل على بطلان هذا القول قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان ٦٨ - ٧٠] فهنا ذكر الله القتل وذكر الشرك وذكر الزنا، وأخبر أن من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فيعطى زيادة على توبته بأن يبدل الله سيئاته حسنات.
ومن السنة ما قصه علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل أسرف على نفسه فقتل تسعًا وتسعين نفسا، ثم سأل عابدًا من العُبَّاد: هل له من توبة؟ وقد قتل تسعة وتسعين نفسًا؟ فاستعظم العابد هذا الذنب وقال: ما لك توبة، تقتل تسعة وتسعين نفسًا ثم تأتي وتقول: لي توبة! ما لك توبة. قال: نكمل بك المئة. فقتله أتم به المئة، ثم دُلَّ على عالم فسأله قال: إني قاتل مئة نفس فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة! وهذا يدلكم على فضل العلم وعلى قبح الجهل، شف الجهل جنى على نفسه الجاهل، جنى على نفسه وأيس هذا الآخر من رحمة الله، فكان جزاؤه أن قتل، فقال له العالم: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكن أنت في قرية أهلها ظالمون، اذهب إلى القرية الفلانية يعني فإنها مرتع خصب لك، فذهب وفي أثناء الطريق جاءه الموت، فأرسل الله إليه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فتنازعوا، ملائكة الرحمة تقول: أنا أقبض الروح لأن الرجل جاء تائبًا مهاجرًا، وملائكة العذاب قالت: لا، أنا أقبض روحه لأنه رجل مسرف ولم يصل إلى بلده التي يهاجر إليها، فأرسل الله إليهم حكمًا يحكم بينهم وقال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيتهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بقليل بنحو شبر[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٧٠)، ومسلم (٢٧٦٦ / ٤٦) من حديث أبي سعيد الخدري. ]]، وقد قيل: إنه كان إلى غير الصالحة أقرب، لكنه في أثناء الموت في سياق الموت لشدة رغبته في الأرض الصالحة أهلها كان يزحزح نفسه وهو في سياق الموت، فقبضته ملائكة الرحمة، قالوا: فإذا كان هذا في الأمم السابقة، فهذه الأمة أكرم على الله منها من الأمم السابقة، كيف لا يكون للقاتل توبة؟
إذن القول الراجح أن الآية هذه عامة، حتى للقاتل له توبة، وقد حمل ابن القيم رحمه الله ما روي عن ابن عباس محملًا حسنًا، فقال: إن القتل العمد تتعلق به ثلاثة حقوق:
حق الله وحق الميت وحق أوليائه.
أما حق الله فإنه يسقط بالتوبة بلا إشكال، ولا يخفى مثل هذا عن ابن عباس رضي الله عنه، وأما حق الميت فلا يمكن إسقاطه الآن في الدنيا؛ لأنه انتقل عن الدنيا، وسيطالب بحقه يوم القيامة وأما حق أولياء المقتول فبأن يسلم نفسه لهم، إذا سلم نفسه لهم فهذا دليل على صدق توبته وتبرأ ذمته، هذا ما وجه ابن القيم كلام ابن عباس إليه.
وعندي أنه إذا تاب تاب الله عليه حتى عن حق الميت المقتول، والله عز وجل يتحمل حق المقتول يوم القيامة ويرضيه، وذلك لعموم الأدلة الدالة على أن من تاب من الذنب وإن عظم فإن الله يتوب عليه، فإذا جاء هذا الرجل تائبًا وسلم نفسه لأولياء المقتول وقال: أنا الآن بين أيديكم إن شئتم القصاص أو الدية أو العفو، هذا أعلى ما يقدر عليه، وقد قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦] فالقول الصحيح عندي أنه يُعفى عنه حتى حق المقتول، وذلك بأن يتحمله الله تعالى يوم القيامة.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن رحمة الله سبقت غضبه، وذلك بكونه يغفر الذنوب جميعًا بالتوبة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أحكام الله تعالى من مقتضى أسمائه وصفاته، أحكامه هنا أحكام جزائية ولَّا قدرية ولَّا شرعية؟
* طلبة: جزائية.
* الشيخ: جزائية، من مقتضى أسمائه وصفاته، فلكونه غفورًا رحيمًا كان ذا مغفرة فغفر لمن تاب.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى أن الإنسان بعد التوبة قد يكون خيرًا منه قبلها وقبل فعل الذنب؛ لقوله: ﴿الرَّحِيمُ﴾؛ لأن الرحمة تقتضي عطاء جديدًا، وهذا هو المشاهد، فإن الله عز وجل ذكر عن آدم أنه لما عصى ربه وغوى وتاب قال: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾ [طه ١٢٢]، وهذه المنقبة الاجتباء والهداية لم تذكر له قبل، والإنسان يحس بنفسه أيضًا، أنه إذا أناب وندم يحس من نفسه رجوعًا إلى الله وشدة افتقاره إليه، بخلاف ما إذا كان مستقيمًا على طاعة الله، فإنه لا يحس بالرجوع إلى الله عز وجل والإنابة إليه، وربما يصاب بالغرور بأنه لم يذنب، ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ ثُمَّ جَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»[[(٢٧٤٩ /١١) من حديث أبي هريرة.]].
إذن نقول: إن الإنسان إذا تاب إلى الله، فقد يكون بعد التوبة خيرًا منه قبلها، نعم، وقد يكون بالعكس، لكن هذا أمر حصل قدرًا في آدم، وكذلك شرعًا كما تدل عليه هذه الآية ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
قال: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾: أنيبوا إلى ربكم: الإنابة بمعنى الرجوع التام إلى الله، بماذا نرجع إلى الله؟ بالإقلاع عن المعصية والانضمام في سلك الطائعين، يعني إنابة لا يصدق الاتصاف بها إلا بالرجوع إلى الله من المعصية إلى الطاعة، أنيبوا إلى ربكم، وفي قوله: ﴿إِلَى رَبِّكُمْ﴾ هنا الربوبية يحتمل أن تكون عامة، ويحتمل أن تكون خاصة، فهي بعد الإنابة من الربوبية الخاصة.
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ يقول: أسلموا له أي: انقادوا له، فالإنابة تكون بالقلب، بالرجوع إلى الله، ينيب الإنسان: يرجع إلى الله، أسلموا له أي: انقادوا له؛ لأن الإسلام والاستسلام وهذه المادة كلها تدل على الانقياد، وقوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ (له): اللام هذه للاختصاص، وسنذكر أنها تفيد وجوب الإخلاص.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ أسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب في الدنيا قبل أن تتوقعوا ذلك، ثم إذا أتاكم لا تُنصرون، أي: لا تُمنَعون من هذا العذاب؛ لأن الله تعالى: ﴿إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد ١١] أي: من متولٍّ ينصرهم ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ اتبعوا أي: الزموا بالعمل، أو الزموا العمل بأحسن ما أنزل إليكم من ربكم، والعمل يقتضي العمل القلبي والعمل اللساني والعمل الجوارحي، يعني اتبعوا عقيدةً وقولًا وعملًا.
وقوله: ﴿أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ هل الأحسن هنا وصف للعمل الذي يقوم به الإنسان أو وصف للنازل؟
* طلبة: وصف للنازل.
* الشيخ: الظاهر أنه وصف للنازل، أحسن ما أنزل إليكم، ونحن إذا تأملنا لن نجد أحسن من القرآن، كما هو ظاهر في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة ٤٨] أي: مسيطرًا وذا سلطة، فعلى هذا تكون الأحسنية هنا راجعة إلى الكتاب المتبوع، وحينئذٍ لا إشكال فيها، فإذا قلنا: ﴿اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ أي: افعلوا أحسن ما شرع لكم. يبقى فيه إشكال، وهو أننا مأمورون بأحسن ما شرع لنا، فهل يعني ذلك أننا لو فعلنا الحسن دون الأحسن نكون مقصرين؟
نقول: هذا ظاهر الآية إذا فسرناها بما ذكرنا، ولكن دلت النصوص على أن من اقتصر على الواجب فقد قام بالواجب، وإن لم يأتِ بالأكمل، وإن لم يأتِ بالأحسن، بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للرجل الأعرابي الذي ذكر له شرائع الإسلام قال: «إِنْ صَدَقَ هَذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»[[أخرجه البخاري (١٨٩١) من حديث طلحة بن عبيد الله.]]، وعليه -أي: على هذا الاحتمال في الآية الكريمة- نقول: إن النصوص دلت على أن اتباع الحسن مبرئ للذمة، لكن الأكمل اتباع الأحسن.
﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً﴾ أي: مفاجئًا، بغتة هنا بمعنى: مفاجئًا، ويحتمل أن تكون مصدرًا مبينًا للنوع، أي أن يأتيكم إتيان بغتة، ويحتمل أن تكون مصدرًا بمعنى في موضع الحال، أي: مباغتًا، والمراد المفاجأة، يأتيكم العذاب مفاجأة ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ أي: لا تحتسبون أن يقع بكم العذاب؛ لأنكم غافلون، وليس عندكم شعور، وهذا كقوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف ٩٧ - ٩٩] والغالب أن من انهمك بالمعاصي نسي الخالق ونسي العذاب، فيأتيه العذاب وهو في أشد ما يكون انغماسًا في المعاصي والترف.
* في الآية الكريمة فوائد: أولا: وجوب الإنابة إلى الله لقوله: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: وجوب الإخلاص له؛ لقوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾، وكذلك ﴿أَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: أنه لا بد من الإسلام لله ظاهرًا وباطنًا، فمن أسلم قلبه لله لزِم أن يسلم جوارحه لله؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير.]]، ومن أسلم ظاهرًا لا باطنًا فإن إسلامه لا ينفعه كإسلام المنافقين، فالإسلام يكون في الباطن ويتبعه الإسلام في الظاهر، ويكون في الظاهر دون الباطن، وهل يكون في الباطن دون الظاهر؟ لا، كيف يكون في الباطن دون الظاهر؟ لأنه إذا أسلم لله قلبه أسلمت جوارحه «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ»، وأما المكره فهو لا حُكم لفعله؛ لأنه سقط عنه التكليف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحذر من المخالفة، الحذر من نزول العذاب عند المخالفة؛ لقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾ ومن يأمن من عذاب الله؟ لا أحد يأمن، فأنت إذا لم تتب إلى الله مبادرةً فإن العذاب ربما ينزل بك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه إذا نزل العذاب من عند الله فلا أحد يمنعه؛ لقوله: ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾، وتأمل قوله: ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾، (ثم) أتى بـ(ثم) الدالة على المهلة، يعني مهما طلبتم من ناصر وطالت مدة طلبكم للناصر، فإنكم لن تجدوا من ينصركم من عذاب الله.
* ومن فوائد الآية الثانية: وجوب اتباع القرآن؛ لقوله: ﴿اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: تحريم إتباع غير القرآن؛ لأنه إذا وجب اتباع القرآن فضده حرام.
ولكن إذا قال قائل: هل تقولون: إن شرع من قبلنا شرع لنا؟
فالجواب أن في ذلك خلافًا بين أهل العلم من أهل الأصول، والصحيح أنه شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، ونحن نتبع شرع من قبلنا لا لأنه شرع من قبلنا، ولكن لأن شرعنا دلنا على العمل به، وأدلة ذلك معروفة في أصول الفقه، منها قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام ٩٠].
ومنها قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١].
ومنها قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الممتحنة ٤].
المهم أن القول الراجح أن شريعة من قبلنا شرع لنا بشرعنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، فإن ورد شرعنا بخلافه فهو مطرح.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن القرآن أحسن ما أنزل؛ لأن الله أمرنا باتباع أحسن ما أُنزل، ونحن نعلم جميعًا أننا نتبع القرآن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من خالف ذلك ولم يتبع القرآن، فإنه ربما يأتيه العذاب بغتة وهو لا يشعر.
وهنا نسأل: هل العذاب هو العذاب الحسي الذي به فساد البلاد، أو يشمل العذاب الحسي والعذاب المعنوي؟
يشمل الأمرين لا شك، والإنسان قد يُعذب عذابًا معنويًّا بحيث تفسد عليه أموره، أمور الدين وأمور الدنيا، قال الله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة ١٣] وهذه عقوبة من العقوبات التي هي أشد من عقوبات الدنيا؛ أن يصد الإنسان عن ذكر الله وعن الصلاة، فإن هذا أشد من أن يفقد الإنسان ماله وولده.
وقد كان بعض السلف إذا نام عن صلاة الليل قال: إنني ما حرمت صلاة الليل إلا بذنب، فجعل عدم القيام في الليل جعله عقوبة على ذنبٍ عمِله، وكلما كثرت المعاصي والعياذ بالله كثر الإعراض عن ذكر الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف ٢٨].
أظن نقرأ كلام المؤلف، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (﴿وَأَنِيبُوا﴾ ارجعوا ﴿إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا﴾ أخلصوا العمل ﴿لَهُ﴾ ) وفي تفسيره الإسلام بالإخلاص نظر، والإسلام هو الانقياد وهو الاستسلام لله تعالى ظاهرًا وباطنًا.
وقوله: (﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ بمنعه إن لم تتوبوا) إن لم تتوبوا راجع إلى قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾ لأننا إذا تبنا رفع الله عز وجل العذاب عنا.
(﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وهو القرآن) ولم يذكر الاحتمال الذي ذكرنا، بل جعل المراد بالأحسن هنا أيش؟ أحسن ما نزل لا أحسن ما شرع، نعم.
(﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ قبل إتيانه بوقته، فبادروا قبل ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ ) [الزمر: ٥٦] إلى آخره.
* طالب: (...).
* * *
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر ٥٣] ﴿قُلْ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هو الذي أوحي إليه هذا القرآن، واعلم أن القرآن كله قد قيل للنبي ﷺ فيه: قل، لكن بعضه يصرح فيه بقل، وبعضه لا يصرح؛ لأن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] يعم القرآن كله، فيجب عليه أن يقول للناس القرآن كله، لكن بعض الآيات أو بعض الأحكام تصدر بـ(قل) للعناية بذلك، أي بذلك الحكم المصدَّر بـ(قل)، فهنا يقول الله تعالى: ﴿قُلْ﴾ أي: قل يا محمد ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: قل لهم مبلِّغًا عن الله أن الله قال: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾، (عبادي) هنا يراد بها العبودية العامة، وليست العبودية الخاصة؛ لأنها تشمل المؤمن والكافر.
وقوله: ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: جاوزوا الحد في أعمالهم، وذلك بالكفر فما دونه، وأصل الإسراف مجاوزة الحد، فالإسراف على النفس أن تتجاوز الحد فيما يجب عليك لله عز وجل أو لغيره من الخلق.
(﴿لَا تَقْنَطُوا﴾ بكسر النون وفتحها، وقرئ بضمها) ففيها ثلاث قراءات: قراءتان سبعيتان وقراءة شاذة ليست سبعية؛ لأن مصطلح مؤلف الجلالين إذا قال: في قراءة، فهي سبعية، وإذا قال: قرئ فهي شاذة، وإذا قال: بفتح وضم فهما سبعيتان، إذا قال: وقرئ فهي شاذة، ففيها الآن (تقنطوا) في النون ثلاث حركات: ﴿تقنِطوا﴾ ﴿تَقْنَطُوا﴾ وهاتان؟
* طلبة: سبعيتان.
* الشيخ: سبعيتان، ﴿تقنُطوا﴾ هذه شاذة، والقراءة الشاذة لا يُقرأ بها في الصلاة، لكن يُستدل بها في الأحكام إذا صحت، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بل إذا صحت فإنه يُقرَأ بها في الصلاة، كما يُستدل بها في الأحكام.
فإذا قال قائل: ما الفرق بين الشاذة والسبعية؟
قلنا: إن العلماء اصطلحوا فما جاء عن طريق القراء السبعة المشهورين فهي سبعية، وما جاء عن طريق آخر ولو صح فهو عندهم شاذ، فالشاذ إذن ما خرج عن القراءات السبع، ولكنه يُحتج به في الأحكام، ولا يقرأ به في الصلاة، إلا على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإنه يقول: متى صحت القراءة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تقرأ في الصلاة؛ وإن لم تكن من القراءات السبع.
وقال المؤلف في تفسير ﴿تَقْنَطُوا﴾ قال: (تيئسوا) والصحيح أن هذا التفسير تقريب، لأن القنوط أشد اليأس، فهو أعلى درجات اليأس، فمعنى تقنطوا أي: يبلغ بكم اليأس أشده ﴿مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ يعني من أن يرحمكم الله عز وجل؛ لأن الإنسان إذا قنط من رحمة الله وأيس لم يتعرض للرحمة لأنه آيس، ولهذا يقال: اليأس مفتاح الترك، أضرب لكم مثلًا: حاول أن تحل عقدة من خيط، فإذا أعيتك ماذا تصنع؟
* طلبة: تتركها.
* الشيخ: تتركها، إذا أيست منها تركتها، لكن بالنسبة لرحمة الله عز وجل لا تيئس، مهما عملت من الذنوب والمعاصي فلا تيئس.
نعم من رحمة الله قلنا: معناها من أن يرحمك الله، لا تيئس من أن يرحمك الله، بل حاول أن تتعرض لرحمته، فهنا نهي وتعليل، النهي ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ التعليل ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ يغفر مأخوذ من المغفرة، وهي ستر الذنب والتجاوز عنه، هذه المغفرة، ستر الذنب والتجاوز عنه، وليست مجرد الستر؛ لأنها مأخوذة من المغفر، وهو ما يُوضَع على الرأس عند الجهاد للوقاية، فهو جامع لأمرين: الستر والوقاية.
فمثلا: الغُترة هذه لا نسميها مغفرًا، الطاقية لا، مع أنها ساترة لكنها ليست واقية، لكن بيضة الحديد التي تُوضع على الرأس عند القتال نسميها مغفرًا، ليش؟ لأنها ساترة واقية، فمغفرة الذنوب سترها والتجاوز عنها، فأنت إذا قلت: اللهم اغفر لي، تسأل الله شيئين:
أن يستر ذنوبك عن غيرك، والثانية: أن يتجاوز الله عنها.
وقوله: ﴿يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ شامل للصغائر والكبائر، ولهذا قال العلماء: إن هذه الآية في التائبين، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨] في غير التائبين وهذا صحيح؛ لأن الشرك لا يغفره الله تعالى إلا بتوبة، فإذا قلنا بالعموم في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ فلا بد أن نقول: إن هذه في من؟ في التائبين، ما هي في كل إنسان، المشرك لا يغفر الله له قطعًا، لكن إذا تاب غفر الله له مهما عظم شركه.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الجملة تعليل للحكم الذي قبلها وهو ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ والجملة هنا مؤكدة بمؤكدين هما: (إن) و(هو)، ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، أما كون (إن) مؤكدة فظاهر؛ لأن (إن) من أدوات التأكيد.
وأما (هو) فهو أيضًا من أدوات التوكيد؛ لأنه ضمير فصل، ما معنى قول: ضمير فصل؟ ضمير فصل يفصل بين المبتدأ والخبر، ويفيد التوكيد، ويفيد أيضًا الحصر، ويفيد الفصل الذي هو التمييز بين الخبر والصفة، فهو مفيد لثلاثة أمور، يعني ضمير الفصل له ثلاث فوائد:
الأولى: التوكيد، والثانية: الحصر، والثالثة: التمييز بين الصفة والخبر، فوائد ما هي؟
* طالب: التوكيد والحصر والتمييز بين الصفة والخبر.
* الشيخ: طيب يظهر هذا بالمثال، فإذا قلت: زيد الفاضل، فهنا يحتمل أن تكون (الفاضل) صفة لـ(زيد)، وأن نتلقى الخبر فيما بعد فيقال: زيد الفاضل في المسجد، فإذا قلت: زيد هو الفاضل تعين أن تكون خبرًا، فتميز الآن الخبر من الصفة بواسطة (هو)، كذلك إذا قلت: زيد هو الفاضل، فإنك لما أتيت بـ(هو) زدت ذلك توكيدًا، كذلك لما أتيت بـ(هو) حصرت الفضل فيه دون غيره، فقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ فيها فائدتان:
الفائدة الأولى: التوكيد، والفائدة الثانية: الحصر، أما التمييز بين المبتدأ والخبر فهنا لا حاجة؛ لأن الضمير (إنه) يقولون: إنه لا ينعت ولا ينعت به، الضمير لا ينعت ولا ينعت به، واضح؟ وعليه فيكون الفائدة في قوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ الحصر والتوكيد.
وقوله: ﴿الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ سبق معنى المغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه، ﴿الرَّحِيمُ﴾: أي ذو الرحمة التي يحصل بها المطلوب، والمغفرة يزول بها المرهوب، فالجمع بين الاسمين الكريمين يفيد أيش؟ يفيد السعادة الكاملة، النجاة من المرهوب في قوله؟
* طالب: ﴿الْغَفُورُ﴾.
* الشيخ: ﴿الْغَفُورُ﴾ لأن هذا مغفرة الذنب، حصول المطلوب في قوله: ﴿الرَّحِيمُ﴾ لأن الرحمة يحصل بها المطلوب والخيرات والنعم.
فالجمع بين الاسمين الكريمين يفيد أيش؟ يفيد السعادة الكاملة، النجاة من المرهوب في قوله؟
* طالب: ﴿الْغَفُورُ﴾ [الزمر ٥٣].
* الشيخ: ﴿الْغَفُورُ﴾؛ لأن هذا مغفرة الذنب، حصول المطلوب في قوله: ﴿الرَّحِيمُ﴾؛ لأن الرحمة يحصل بها المطلوب والخيرات والنعم، وبزوال المرهوب وحصول المطلوب يتم الفوز.
قال الله جل وعلا: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران ١٨٥] ﴿زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ﴾ ما الذي بها؟
* طلبة: النجاة من المرهوب.
* الشيخ: النجاة من المرهوب، ﴿وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ﴾ حصول المطلوب ﴿فَقَدْ فَازَ﴾.
نرجع الآن إلى فوائد الآية:
* من فوائد الآية الكريمة: وجوب إبلاغ الرسول ﷺ عن الله هذا القول، من أين يؤخذ؟
* طلبة: من ﴿قُلْ﴾ [الزمر ٥٣].
* الشيخ: من قوله: ﴿قُلْ﴾؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، لاسيما وأن هذا إبلاغ للرسالة، وإبلاغ الرسالة واجب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أهمية هذا البلاغ لئلا نقنط من رحمة الله، وأن نعلم أنه جل وعلا يغفر الذنوب جميعًا، من أين أخذنا أهميتها؟ من تصديره بـ ﴿قُلْ﴾ لأن هذا أمر بإبلاغ خاص.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المذنب مسرف على نفسه ظالم لها؛ لقوله: ﴿أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر ٥٣] ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [هود ١٠١].
والعجيب أن الظالم لنفسه بالمعصية إذا قيل له: لماذا؟ قال: هذا القضاء والقدر، عسى الله أن يهديني، عرفتم؟ وإذا ضربه أحد ظلمه بالضرب فقال: لم تضربني؟ قال: والله يا أخي هذا قضاء وقدر، هل يرضى بهذه الحجة؟
* طالب: لا يرضى.
* الشيخ: لا يرضى، وهو بظلمه لنفسه يرضى، وهذا تناقض عجيب، يعني إذا ظلمت نفسك أبحت أن تحتج بالقدر، وإذا ظلمك غيرك لم تبح له أن يحتج بالقدر، وهذا جور في الحكم وتناقض، يقال: كيف ترضى أن تظلم نفسك ولا ترضى أن يظلمك غيرك ويحتج بالقدر؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم القنوط من رحمة الله؛ لقوله: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ وجه الدلالة أن الأصل في النهي التحريم، وقد دلت السنة على أن القنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب؛ لأنه ظن ما لا يليق بالله جل وعلا؛ فإن اللائق بالله سبحانه وتعالى أن من لجأ إليه فإنه أكرم الأكرمين لا يخيبه، فإذا قنطت من رحمته فقد استهنت في حقه سبحانه وتعالى، ولهذا كان القنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الرحمة لله لقوله: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾.
والرحمة نوعان: مخلوقة وغير مخلوقة، فما كان من الإنعام والإحسان فهو مخلوق، وما كان صفة للرب فهو غير مخلوق، ولهذا قال الله تعالى في الجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٥) من حديث أبي هريرة. ]] أنت رحمتي مع أن الجنة مخلوقة لكنها من آثار الرحمة، إذا وُلد لشخص ولد أو عاد إليه ضال من ماله أو ضائع من ماله، قال: والله هذه رحمة الله، هل هذه الرحمة مخلوقة ولَّا غير مخلوقة؟
* طلبة: مخلوقة.
* الشيخ: مخلوقة؛ لأنها إحسان وإنعام، فإذا أطلقت الرحمة على الإحسان والإنعام فهي مخلوقة، وإذا أطلقت على صفة الله فهي غير مخلوقة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذنوب مهما عظمت؛ فإن الله يغفرها ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ كل الذنوب؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم؛ لأن الله ذكرها بـ(أل) الذنوب، وأكد هذا العموم بقوله: ﴿جَمِيعًا﴾ كل الذنوب، لكن هذا في حق من؟ في حق التائبين.
* ومن فوائدها: أن ظاهرها مغفرة الذنوب للتائبين وإن كان الذنب للمخلوق، يعني لو اعتديت على شخص ثم تبت إلى الله، فإن الله يتوب عليك، ولو كان الذنب للمخلوق، عرفت؟ لكننا اشترطنا أن تتوب، ومن تمام التوبة أن توفي للمخلوق حقه إن قدرت عليه، فإن لم تقدر عليه فأوفه ولو بظهر الغيب.
ونحن نضرب لهذا مثلًا أو مثلين أو ثلاثة حسب ما يتضح به المقام: إذا أخذت من شخص مالًا بغير حق فهذا ذنب، فإذا تبت إلى الله يغفر الله لك الذنب أو لا؟ يغفر الله لك الذنب لا شك، لكن من تمام التوبة أن توصل المال إلى صاحبه، فإن مات فإلى ورثته، إذا أديت إلى ورثته برئت ذمتك منه، لكن بقي ظلمك للميت الذي حلت بينه وبين ماله، هل تحاسب عليه أو لا تحاسب؟ إن قلت: لا تحاسب، فسيقول لك قائل: كيف يتخلص الإنسان من ظلم الميت الذي حال بينه وبين ماله؟ وهذا صحيح ولَّا غير صحيح؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: صحيح، ذمته برئت؛ لأنه أدى المال إلى مستحقه بعد موت صاحبه، لكن المشكل أن صاحبه حيل بينه وبينه في حال الحياة، لو كان عنده لاشترى بيتًا، لاشترى سيارة، لتزوج، فحلت بينه وبينه، فهل يسقط عنك حقه بتوبتك أو لا؟
نقول: ظاهر الآيات الكريمة أنه يسقط حقه عنك أنت، لكن الله تعالى يوفيه من عنده، أفهمتم أو لا؟ طيب لماذا؟ لأنك الآن لا تستطيع أن تتوصل إلى هذا الميت لتعطيه حقه، والذي تستطيعه أن أيش؟ أن تؤديه إلى ورثته، وقد فعلت.
مثال آخر: أخذت مالًا من شخص ثم نسيت الشخص، نسيته، ثم تبت، فما هو الطريق إلى التوبة أو الخروج من حق الرجل؟ أتصدق به عنه، وإذا تصدقت به عنه استفاد من هذا المال متى؟ في الآخرة ولَّا في الدنيا؟
* طلبة: في الآخرة.
* الشيخ: في الآخرة، لكن قد يقول قائل: لكنك حلت بينه وبينه في الدنيا، وقد يكون له غرض في المال في الدنيا، فأقول: نعم، أنا حلت بينه وبينه في الدنيا، لكن عجزًا مني أن أصل إليه، والذي قدرت عليه من التوبة فعلته، وهو أيش؟
* طالب: تصدقت.
* الشيخ: الصدقة به عنه، فهل يبرأ براءة تامة بحيث لا يطالبه صاحب المال في الآخرة؟ الجواب نقول: ظاهر النصوص نعم، يبرأ.
طيب قتلت نفسًا ثم تبت إلى الله عز وجل من قتل النفس، من تمام توبتك أن تسلم نفسك لورثة المقتول، تقول: أنا الذي قتلت صاحبكم، وأنا الآن بين أيديكم، إذا سلمت نفسك لهم برئت ذمتك، لكن يبقى عندنا حق من؟
* طالب: المقتول.
* الشيخ: حق المقتول الذي حلت بينه وبين بقائه في الدنيا، فهل تبرأ منه بالتوبة؟
الجواب: نعم تبرأ منه بالتوبة لعموم الآية هذه وأمثالها، تبرأ منه بالتوبة، لكن هل يضيع حق المقتول أو لا؟ لا يضيع، يتحمله الله سبحانه وتعالى عنك له، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى أن يعفوا عن حقه ويتحمل عنك حق الآخرين.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على ما قلتم؟ وكيف يسقط عنه حق الآدمي؟ قلنا: الدليل على هذا قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان ٦٨] هنا فيها حق لله، حق للمخلوق بالدم، حق للمخلوق بالعرض إن كان قد زنا مكرهًا بالمزني بها، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [الفرقان ٦٨ - ٧٠] حتى في القاتل يبدل الله سيئاته حسنات.
فإذا قيل: كيف يضيع حق المقتول؟ فالجواب؟
* طالب: ما يضيع.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: لأن الله سبحانه وتعالى يتحمله عنه.
* الشيخ: نعم أحسنت، نقول: لا يضيع؛ لأن الله يتحمله عنه، وهذا من فضله تبارك وتعالى، إذن نقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ ظاهر الآية العموم يغفر الذنوب جميعًا، سواء مما يتعلق بحق الله أو بحق العباد، لكن ما يتعلق بحق العباد إذا تعذر إيصاله إليهم في الدنيا، فإن الله تعالى أيش؟ يتحمله في الآخرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله عظيمين يقترنان كثيرًا في القرآن هما الغفور الرحيم، ووجه اقترانهما أن في الأول زوال المكروه، وفي الثاني حصول المطلوب، فيتكون من اجتماعهما وصف زائد على الوصف عند انفرادهما؛ لأنه إذا انفردا استفدنا المغفرة إن انفرد الغفور، أو الرحمة إن انفرد الرحيم، لكن إذا اجتمعا استفدنا فائدة جديدة، وهي أن مغفرة الله عز وجل مقرونة برحمته، فهو جامع بين المغفرة والرحمة، هذان الاسمان من الأسماء اللازمة أو من الأسماء المتعدية؟
* طلبة: المتعدية.
* الشيخ: المتعدية ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾، إذن متعدية، طيب ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [العنكبوت ٢١] إذن متعدية.
الأسماء المتعدية قال العلماء: لا يتم الإيمان بها إلا بثلاثة أمور، الإيمان بالاسم، والإيمان بما تضمنه من صفة، والإيمان بالحكم المترتب على تلك الصفة، الذي يطلق عليه بعضهم الأثر، الإيمان بالاسم هنا الغفور، نؤمن بأن الغفور من أسماء الله، نؤمن بأن لله مغفرة دل عليها اسم الغفور، كذا؟ طيب ونؤمن أيضًا بما يتضمنه ذلك، يدل على المغفرة ويدل على العلم؛ لأنه لا يغفر ما لا يعلمه، ودلالته على العلم من باب دلالة التضمن أو الالتزام؟
* طلبة: الالتزام.
* الشيخ: الالتزام؛ لأن المادة (غ ف ر) ما فيها (ع ل م) فيكون هذا من باب الالتزام، طيب الرحيم نعم قلنا: الغفور اسمًا المغفرة وصفًا يغفر الذنوب حكمًا، الرحيم كذلك الرحيم اسمًا نؤمن بالرحيم اسمًا، وبالرحمة صفة، وبأنه يرحم حكمًا، غفر الله لنا ولكم ورحمنا وإياكم.
* طالب: لو سرق شخص من كافر ولم يعلم به فماذا يصنع؟
* الشيخ: نعم، هذا يسأل سؤالًا مهمًّا، يقول: لو سرق شخص من كافر وذهب الكافر ولم يعلم به فماذا يصنع؟ الجواب: إن كان الكافر حربيًّا فالمال له، وإن كان له عهد فإنه يسلمه إلى بيت المال؛ لأن بيت المال يتقبل الأموال التي لا يعرف مالكها، فإن لم يكن بيت مال، فليتخلص منه بالصدقة، لكن الكافر لا يثاب على هذه الصدقة إلا إن أسلم.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم يقال: إن قول ابن عباس رضي الله عنهما رأي رآه مخالف لظاهر النصوص، والعبرة بظاهر النصوص، وبهذا القول نستريح، ووجه ابن القيم رحمه الله ما رُوي عن ابن عباس بأن القتل يتعلق به ثلاثة أمور: حق لله، حق لأولياء المقتول، حق للمقتول، أما حق الله فيسقط بالتوبة، فإذا تاب الإنسان قبل الله توبته ومحي عنه الإثم، حق أولياء المقتول يكون بتسليمه نفسه إليهم، حق المقتول يقول ابن القيم: لا بد من أخذه من هذا القاتل، لكن يقال: الصواب ألا نعبر هذا التعبير، بل نقول: لا بد من إيفائه إياه، ومن الذي يوفيه؟ الله عز وجل، هذا هو الصواب، نعم.
* طالب: أحسن الله إليك يا شيخ (...) تمام التوبة أم شرط التوبة.
* الشيخ: المراد بالتمام هنا ما هو التمام الأولوي، التمام الواجب، يعني لا تتم التوبة إلا بذلك.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أما قلنا في التفسير، قل مبلغًا عني: ﴿يَا عِبَادِيَ﴾، نعم فيقول الرسول مثلًا: قال ربكم: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾، هذا كيفية إبلاغ هذه الآية، أعرفت؟ نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني مع القدرة.
* الطالب: مع القدرة؟
* الشيخ: إي مع القدرة، هذا صحيح، لكنهم بعضهم قال: إذا اغتبت شخصًا فلا بد أن تذهب إليه وتستحله مطلقًا، وبعضهم فصل قال: إن كان قد علم فلا بد أن تستحله؛ لأنه حمل عليك في نفسه، وإن لم يكن علم فأثن عليه في المواطن التي كنت تغتابه فيها ويكفي، وهذا التفصيل جيد؛ لأنك لو ذهبت إليه وقلت: أنا اغتبتك وهو لم يعلم، أنشأت في نفسه عليك ما تنشئه، لكن إذا استغفرت له وأثنيت عليه في المكان الذي أنت اغتبته فيه حصل المقصود.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)﴾ [الزمر ٥٤ - ٥٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق لنا أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول للناس عن الله تعالى: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ وسبق الكلام على هذه الآية تفسيرًا واستنباطًا.
ثم قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا﴾ قال المؤلف المفسر: (﴿وَأَنِيبُوا﴾ ارجعوا ﴿إِلَى رَبِّكُمْ﴾ ) يعني ارجعوا إلى ربكم من معاصيه إلى طاعته ومن البعد عنه إلى القرب، وهذه الإنابة هي عمل القلب، رجوع القلب إلى الله سبحانه وتعالى.
﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ أي: استسلموا له واخضعوا لشرعه، وهذا عمل الظاهر، عمل الجوارح، فالإنابة بالقلب والإسلام بالجوارح.
(﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ أخلصوا العمل)، وأخذ المؤلف الإخلاص من قوله: ﴿لَهُ﴾ أي لله، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ [آل عمران ٢٠] فهذه الآية فيها الأمر بالإنابة وهي في القلب، والأمر بالاستسلام له، وهي بالجوارح، والإخلاص مستفاد من اللام المذكورة في قوله: ﴿لَهُ﴾.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾ متعلقة بـ (أنيبوا) و(أسلموا)، فقد تنازعها العاملان، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾ يعني من الله ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ يعني لا تمنعون من عذاب الله.
وقول المؤلف: (إن لم تتوبوا) لا حاجة إليه؛ لأن الله قال: أنيبوا وأسلموا من قبل هذا الشيء، وإذا أناب وأسلم من قبل هذا الشيء فقد تاب، وحينئذٍ لا ينزل عليه العذاب.
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾: ﴿وَاتَّبِعُوا﴾ أي كونوا تبعًا ﴿أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، (أحسن) اسم تفضيل من الحسن، ويشمل الأحسن في ذاته، والأحسن في العمل، الإنسان مأمور أن يتبع الأحسن، أحسن ما أنزل إلينا في ذاته، ولو فتشت الكتب السماوية التي نزلت لوجدت أحسن ما نزل هو القرآن، ولهذا فسره المؤلف بقوله: (وهو القرآن) كذلك أحسن ما أنزل إلينا إذا كانت عبادة قام بها الإنسان على وجه ناقص، وعبادة قام بها على وجه كامل، فالتي على وجه كامل هي الأحسن، فإذا وُجد أعمال تتفاضل فالإنسان مأمور بأن يتبع الأحسن منها.
﴿أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وقوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ فيها إشارة إلى وجوب اتباع الأحسن؛ لأن هذا الأحسن نازل من الله سبحانه وتعالى، من الرب، والرب هو الذي له التصرف في العباد تدبيرًا وتشريعا وحكما.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ في الآية الأولى ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ ثم هذا قال: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً﴾ أي مفاجأة، وأنتم لا تشعرون أنه يأتيكم العذاب، وهذا كقوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)﴾ [الأعراف ٩٧، ٩٨] فالنائم لا يشعر بالعذاب إلا بغتة، والذي يلعب كذلك لا يشعر بالعذاب إلا بغتة، يقول عز وجل: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ قوله: ﴿أَنْ تَقُولَ﴾ يقول المؤلف رحمه الله الشارح المفسر: (﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ قبل إتيانه بوقته) يعني لا تشعرون بوقته قبل إتيانه، بل قد ضربتم الأمل الطويل والتفاؤل الذي ليس في محله حتى أتاكم العذاب.
قال: (فبادوا قبل ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ ) قدَّر المؤلف هذا الذي ذكر لدلالة السياق عليه، وهذا الذي قام به المؤلف رحمه الله يسمى عند البلاغيين إيجاز الحذف؛ لأن الإيجاز عندهم نوعان: إيجاز قصر وإيجاز حذف، فإيجاز القصر أن تكون العبارة القصيرة تتضمن معاني كثيرة، وإيجاز الحذف أن تكون العبارة موجودة قد حُذف منها ما هو معلوم، مثل قوله تعالى: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص ٢٤، ٢٥] هذه الآية حُذف منها شيء كثير؛ لأن تقديره أن المرأتين ذهبتا إلى أبيهما وأخبرتاه بالخبر، ثم أرسل إحداهما إلى موسى فجاءت إحداهما تمشي على استحياء، فصار عندنا الإيجاز نوعان: إيجاز قصر بأن تكون العبارة قصيرة تتضمن معاني كثيرة، وإيجاز حذف بأن يحذف من الكلام ما يدل عليه السياق، وكلاهما فصيح عربي.
قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة ١٧٩]، هذا إيجاز قصر ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء ١٢٣] هذا إيجاز قصر؛ لأنك لو أردت أن تبسط هذه الجملة ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا﴾ وتذكر أنواع السوء وتذكر أنواع المجازاة، لكان الكلام طويلًا، لكنه اقتصر على هاتين الكلمتين ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ وهما تشملان كل ما يمكن أن يدخل في هذه الجملة من التفاصيل.
طيب هنا على كلام المؤلف: (فبادروا قبل ﴿أَنْ تَقُولَ﴾ ) نقول: هذا من باب إيجاز الحذف؛ لأنه حذف من الكلام ما يدل عليه السياق، ويمكن أن نقدر ما هو دون ذلك بأن نقول: خشية أن تقول نفس، يعني: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم خشية أن تقول نفس: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، وهذا الذي ذكرناه أخصر من كلام المؤلف.
﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا﴾ (نفس) هنا نكرة في سياق الإثبات، والنكرة في سياق الإثبات لا تدل على العموم، وإنما تدل على العموم إذا كانت في سياق النفي أو الشرط، أو الاستفهام الاستنكاري أو ما أشبه ذلك مما ذكره العلماء، لكنهم قالوا: إن نفس هنا نكرة يراد بها العموم، يعني أن تقول كل نفس: فرطت يا حسرتا.
(أصله يا حسرتي، أي: ندامتي) فالحسرة هي الندامة، وقال: (يا حسرتا) الألف هذه منقلبة عن ياء، وأصلها ياء المتكلم: يا حسرتي، لكن في اللغة العربية يجوز أن تقلب الياء ألفا، فيقال: يا حسرتا بدل يا حسرتي، ومنه قوله تعالى: ﴿يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ [هود ٧٢] التقدير: يا ويلتي.
(﴿يَا حَسْرَتَا﴾ أي ندامتي ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ﴾ ) التفريط معناه الإهمال والإضاعة، وعكسه الإفراط، الإفراط: التجاوز، والتفريط: القصور عن الشيء، فالمفرط هو المهمل المقصر، والمفرط هو المتجاوز للحد، وكلاهما مذموم، والخيار هو الوسط.
﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ قال: (أي: طاعته) ففسر الجنب هنا بالطاعة، وذلك لأنه لا يمكن أن يراد به جنب الله الذي هو جنب ذاته؛ لأن الإنسان يشعر بأنه لم يفرط في نفس الجنب الذي هو جنب الله ذاته، لكن بعض العلماء يقول: الجنب بمعنى الجانب لغة، وإذا كان بمعنى الجانب لغة فلا حاجة إلى التأويل، يكون المعنى: في جنب الله أي في جانب الله، وجانب الله يعني حقه، وهذا التفصيل الذي ذكرناه هو مؤداه كما قال المؤلف رحمه الله: (يعني طاعته) لكن إذا فسرنا الجنب بالطاعة خرجنا به عن المعنى المطابق للفظ، أما إذا قلنا: الجنب لغة بمعنى الجانب فإننا فسرناه بما دلت عليه الكلمة لغة، والجانب من المعلوم أن جانب الله عز وجل أي حقه وشرعه.
﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ (إن مخففة من الثقيلة، أي: وإني) (إن) في اللغة العربية تأتي لمعانٍ: الأول: الشرطية، والثاني: النافية، والثالث: مؤكدة، والرابع: زائدة، أربعة معانٍ. (إن) تأتي في اللغة العربية بمعنى أربعة معانٍ، بعضهم زاد معنى خامسًا أن تكون بمعنى نعم لكنه قليل.
(إن) شرطية، مثاله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦] هذه (إن) شرطية.
تكون نافية مثل قول الكافرين: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة ١١٠] و(إن) النافية هي التي يعقبها دائمًا (إلا).
وتأتي مؤكدة، وهي المخففة من الثقيلة كما هنا، وعلامتها أن يحل محلها (إن)، مثل: ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ هذه مخففة من الثقيلة تفيد التوكيد؛ لأن الثقيلة (إنَّ) معروفة أنها للتوكيد، فإذا كانت هذه مخففة منها فهي للتوكيد.
الرابع: زائدة، ومن ذلك قول الشاعر:
؎بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ وَلا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ الْخَزَفُ
الشاهد قوله: (ما إن أنتم ذهب).
لأن معنى الكلام: ما أنتم ذهب، فهي إذن زائدة، طيب الذهب معروف، الصريف: الفضة، وسُميت صريفًا لأنها يسمع لها صريف عند العدد أو الوزن، (ولكن أنتم الخزف) ما هو الخزف؟ الطين المشوي، يعني أنكم أصلكم رديء، وعلامة (إن) الزائدة أن يصح الكلام مع حذفها، فإذا صح الكلام مع حذفها فهي زائدة، طيب.
﴿إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ قال المؤلف: (وإني ﴿كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ ) فقدر اسم (إن) ضميرًا مطابقًا للسياق، فقال: إني كنت. وهذا الذي ذهب إليه المؤلف هو الصحيح، أما عند جمهور النحويين فإنهم يقولون: إن اسم (إن) محذوف ضمير الشأن، فيقدرون: إن كنت وإنه أي الشأن، لكن الصحيح أننا نقدر ضميرًا مطابقًا للسياق، ولا حرج أن نقول: إنه محذوف، ولو لم يكن ضمير الشأن. فعليه نقول: ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ التقدير: وإني كنت لمن الساخرين. واللام في قوله: ﴿لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ هذه للتوكيد، وهي أيضًا دليل على أن (إن) مخففة من الثقيلة.
طيب وهل تلزم لام التوكيد مع (إن) المخففة من الثقيلة؟
الجواب: لا تلزم، إلا إذا كان يخشى من الالتباس بالنافية، فإن كان يخشى الالتباس بالنافية فإنه يجب أن تذكر اللام، والحاصل أن اللام تأتي كثيرًا في خبر (إن) المخففة من الثقيلة، وقد تحذف إلا إذا خيف الالتباس فإنه يجب أن تُذكر اللام، إذا خيف الالتباس بأيش؟ إذا خيف أن تلتبس بـ(إن) النافية، فإنه يجب أن يؤتى باللام؛ لأنه إذا أتت اللام تعين أن تكون (إن) مخففة من الثقيلة، ومحل هذا البحث في النحو.
يقول: ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ الساخر بمعنى المستهزئ، ساخرين بمن؟ ساخرين بمن يدعو إلى الله؛ كما قال تعالى: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص ٦٣] ساخرين بدين الله، ساخرين بكتب الله، ساخرين برسل الله ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [التوبة ٦٥]، ولهذا حذف المفعول في الساخرين لإفادة العموم، أي: الساخرين بالله وآياته ورسله وأوليائه فهو عام، ويأتي إن شاء الله تعالى بقية الكلام على الآية.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٥٩)﴾ [الزمر ٥٥ - ٥٩].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾.
ما المراد بقوله: ﴿أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾؟
* طالب: المراد به القرآن.
* الشيخ: القرآن ، ما وجه حسنه؟
* طالب: حسنه في ذاته وفي (...).
* الشيخ: في ذاته؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: طيب، وفي أخباره وفي أحكامه وفي آثاره، أربعة أشياء، طيب قوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ كيف تقدر أن تقول: نفس؟
* طالب: خشية أن تقول: نفس.
* الشيخ: نعم، خشية أن تقول: نفس، ما الذي قدره المؤلف؟
* الطالب: الذي قدره المؤلف قال: بادروا.
* الشيخ: قال: بادروا.
* الطالب: قبل أن تقول: نفس.
* الشيخ: قبل أن تقول، أيهما أرجح؟
* الطالب: قبل أن تقول: نفس.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: لأنه أخصر.
* الشيخ: أخصر، أقل تقديرًا، وكلما كان أقل تقديرًا فهو أوضح.
طيب قوله: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ هذه نكرة في سياق؟
* طالب: الإثبات.
* الشيخ: فهل هي للإطلاق أو للعموم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم تعم، يعني أي نفس.
طيب قوله: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ يا حسرتا أصلها نعم؟
* طالب: يا حسرتي.
* الشيخ: فقلبت؟
* الطالب: فقلبت الياء إلى ألف.
* الشيخ: إلى ألف لأنها للندبة.
طيب قوله: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ ما المراد بجنب الله؟
* طالب: المراد بجنب الله؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: بجانب الله.
* الشيخ: بجانب الله، كذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: والمؤلف فسرها؟
* طالب: المؤلف فسرها بطاعة الله.
* الشيخ: بطاعة الله، طيب.
* الطالب: (...) جانب الله (...).
* الشيخ: يعني متى أمكن حمل اللفظ على معناه اللغوي فهو أولى، طيب ألا يمكن أن يراد بها جنب الله الذي هو جنبه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: والتفريط من الإنسان ليس في جنب الله ذاته، لكنه في حق الله يعني جانب الله الذي هو حقه، طيب،
﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ (إن) هذه؟
* طالب: شرطية.
* الشيخ: (إن) شرطية، لا.
* طالب: (إن) مخففة من الثقيلة.
* الشيخ: مخففة من الثقيلة، أيش تقتضي؟ التوكيد، ذكرنا استطرادًا أن (إن) تأتي لمعانٍ.
* طالب: أربعة، أو خمسة، تأتي زائدة، تأتي مؤكدة، تأتي شرطية، تأتي نافية، قد تأتي بمعنى نعم.
* الشيخ: ما الذي يعين هذه المعاني؟
* طالب: السياق.
* الشيخ: السياق طيب، المخففة من الثقيلة مثالها؟
* طالب: مثل هذه الآيات ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾.
* الشيخ: التقدير؟
* الطالب: إني كنت لمن الساخرين.
* الشيخ: إني كنت لمن الساخرين، طيب، وتأتي نافية، مثالها؟
* طالب: ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٣].
* الشيخ: ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ المعنى؟
* الطالب: ما أنت إلا نذير.
* الشيخ: ما أنت إلا نذير وعلامة هذه.
* طالب: (إن) نافية.
* الشيخ: أي لكن ما علامتها؟
* طالب: صحة تعويضها بالنفي.
* الشيخ: أن يحل محلها (ما)، وغالبًا تأتي بعدها (إلا)، طيب وتأتي أيضًا؟ إي نعم.
* طالب: زائدة.
* الشيخ: مثالها؟
* طالب:
؎بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ وَلا صَرِيفٌ ..............
* الشيخ:
؎بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ ......................
طيب، ما علامتها؟
* الطالب: علامتها (...) صح السياق (...).
* الشيخ: نعم أنها إذا حذفت صح السياق بدونها، الأخ تأتي؟
* طالب: شرطية.
* الشيخ: شرطية.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أحسنت، طيب، والشرطية علامتها ظاهرة أنها تحتاج إلى؟
* طلبة: جواب.
* الشيخ: جواب.
نأخذ الدرس الجديد، قال الله عز وجل: ﴿أَوْ تَقُولَ﴾: (أو) حرف عطف، ﴿تَقُولَ﴾ معطوف على قوله: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾.
* طالب: ما أخدنا.
* الشيخ: ما أخذناه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: من أي مكان؟ ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ أخذنا هذه؟
طلبة : (...).
* الشيخ: طيب إلى؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: نعم أخذنا الفوائد إلى؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أنتم الآن تقولون: لم نأخذ الفوائد، فمن أين لم نأخذ الفوائد؟
طيب قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ إلى آخره، فيها فوائد:
* أولًا: وجوب الإنابة إلى الله؛ لقوله: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾ والأصل في الأمر الوجوب إلا بدليل.
* ومن فوائدها: وجوب الإسلام له، أي الاستسلام التام مع الإخلاص؛ لقوله: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾.
* ومن فوائدها: التحذير من عدم المبادرة بالإنابة والإسلام؛ لقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عقوبة من لم ينب إلى ربه ويسلم له؛ إذ إن العذاب عقوبة.
* ومن فوائدها: أنه إذا أتى عذاب الله فإنه لا دافع له؛ لقوله: ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية التي بعدها: وجوب اتباع القرآن الكريم؛ لقوله: ﴿اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: الثناء على القرآن الكريم بأنه أحسن ما أنزل إلى العباد، وعرفتم أنه أحسن في ذاته وفي أخباره وفي أحكامه وفي آثاره، فلم تنل أمة العزة والكرامة كما نالته هذه الأمة بما آتاها الله من القرآن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن القرآن كلام الله؛ لقوله: ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
فإن قال قائل: هذا لا نسلمه لكم؛ لأن مما أنزل الله ما لا يكون كلامًا له، كقوله تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الزمر ٢١]، ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر ٦]، ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد ٢٥] وأمثالها، فلا نسلم لكم أن القرآن كلام الله، بل نقول: هو كغيره من المخلوقات التي أنزلها الله، فإن الحديد مخلوق، والمطر مخلوق والأنعام مخلوقة.
فالجواب عن هذا أن نقول: ما أنزله الله ينقسم إلى قسمين: الأول: أن يكون عينًا قائمة بنفسه، فهذا مخلوق، والثاني: ألا يكون وصفًا لا يقوم إلا بغيره، فهذا غير مخلوق، فلننظر إلى القرآن هل هو عين قائمة بنفسها أو وصف لا يقوم إلا بغيره؟ الثاني، إذن هو غير مخلوق، كلام الله غير مخلوق، واضح يا جماعة؟ طيب.
* من فوائد هذه الآية الكريمة إثبات علو الله؛ لقوله: ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر ٥٥] وجه ذلك أن النزول لا يكون إلا من أعلى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة هذه الأمة حيث كانت الغاية في إنزال القرآن، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿إِلَيْكُمْ﴾ فإن الإنزال غايته إلينا، إذن فهذا شرف لنا أن نكون غاية إنزال القرآن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الربوبية لله عز وجل؛ لقوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها، من فوائد هذه الآية الكريمة: أن إنزال القرآن إلينا من كمال ربوبيته، حيث أضاف إنزاله إلى نفسه بوصف الربوبية، فمن كمال ربوبيته لخلقه وتربيته لهم أن نزل عليهم هذا القرآن.
* ومن فوائدها أيضًا: وجوب العمل بما في القرآن؛ لأنه نزل من الرب، والرب له السلطان الكامل على خلقه، أرأيتم لو أن ملكًا من الملوك أصدر مرسومًا ملكيًّا، أفلا يكون مقتضى سلطانه أن نعمل بهذا المرسوم؟ بلى، إذن مقتضى ربوبية الله لنا أن نعمل بما أنزل إلينا؛ لأن هذا القرآن بمنزلة المراسيم الملكية التي لا بد من تنفيذها، بل وأعظم كما هو معروف، ولا إشكال فيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحذر من أن يأتي عذاب الله بغتة؛ لقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً﴾ [الزمر ٥٥] والعذاب المباغت أشد من العذاب الذي لم يباغت؛ لأن العذاب الذي لم يباغت يكون الإنسان قد تهيأ له، لكن الذي يأتي بغتة يأتي الإنسان وهو في غاية ما يكون من الغفلة وغاية ما يكون من السرور، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)﴾ [الأعراف ٩٧، ٩٨] فتأمل الآن، غفلة وهدوء واطمئنان أتاهم العذاب في هذا الوقت يكون أشد وقعًا والعياذ بالله مما لو أتى والإنسان متهيئًا.
وأضرب لكم مثلًا حسيًّا واضحًا، لو كنت تنزل مع الدرج فغفلت ثم زلت رجلك على إحدى الدرجات، هل يكون مثلما لو كنت تنزل وأنت ترى كل درجة وتضع قدمك عليها؟ أجيبوا، إذن المباغت أشد مما يأتي إنسان متهيأ له.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المباغت يأتي بغير شعور من العبد؛ لأنه غافل، وليس يفكر في أن يأتيه العذاب؛ لقوله: ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ والجملة هذه يسميها علماء النحو جملة حالية، يعني والحال أنكم لا تشعرون.
ثم قال تعالى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ إلخ.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بيان مآل المفرط، وهو التحسر، وهو التندم مع الغم، التحسر والتندم مع الغم.
* ومن فوائدها، من فوائد الآية الكريمة: أن المفرط سيتحسر على تفريطه، وينبني على هذه فائدة أنه ينبغي أن يكون الإنسان حازمًا ذا نشاط وقوة، حتى لا تفوته الأمور ثم بعد ذلك يندم.
* ويتفرع على ذلك فائدة ثالثة: أنه ينبغي انتهاز الفرص فمتى واتتك الفرصة فلا تضيعها.
* ويترتب على هذا أيضًا رابعة: أنه إذا صار أمامك حاجتان فابدأ بما أنت تريد أولًا، وبادر إليها، واجعل الثانية نافلة، وهذا يظهر في سنة الرسول ﷺ في أمثلة متعددة، منها أن عتبان بن مالك رضي الله عنه لما ضعف بصره، وصار لا يتمكن من الوصول إلى مسجد قومه، دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه مصلى، فخرج النبي ﷺ إليه ومعه جماعة من أصحابه، فلما وصل البيت، وإذا الرجل قد هيأ لهم طعامًا، ولكن الرسول ﷺ لم يشأ أن يبدأ بالطعام، بل بدأ بما أتى إليه، أي بالقصد الأول فقال له: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ؟» فأراه المكان فصلى فيه[[متفق عليه؛ البخاري (٤٢٤)، ومسلم (٣٣ / ٢٦٣) من حديث عتبان بن مالك. ]].
هذا مثال، وبناء على ذلك ينبغي لكم أنتم طلبة العلم إذا أردتم أن تراجعوا فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة معينة فتستعرض الفهرس، ثم يمر بك مسألة تشوقك إلى أن تراجعها فتذهب وتراجعها، ثم تترك الذي كنت تراجع من أجلها، وهذا لا شك أنه يضر طالب العلم، يشتت عليه الفكر ويشتت عليه الوقت؛ لأن فكره أول ما طالع الكتاب منصب على أيش؟ على المسألة التي يطلبها، فإذا عرضت له هذه العارضة واتجه إليها وانشغل بها، وهي ليست مقصودًا له بالذات، تشتت ذهنه، ثم يتشتت وقته أيضًا، ربما يكون وقت مراجعته في خلال ربع ساعة، فتذهب ربع الساعة هذه وهو لم يراجع المسألة التي كانت من أجلها يفتش، وهذا جربناه، جرى علينا، نراجع لمسألة ما ثم يمر بنا عنوان شيق ونأخذ به، يضيع علينا الوقت، فالإنسان ينبغي أن يكون حازمًا، وأن يبدأ بالأهم قبل المهم.
ومن ذلك -أي من الحزم- أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبادر بإزالة المؤذيات ولا يتأخر؛ لأن التأخير له آفة، بل آفات، «لما بال الأعرابي في المسجد أمر في الحال أن يصب عليه ماء ليطهره»[[أخرجه البخاري (٢٢٠ من حديث أبي هريرة. ]]، «ولما بال الصبي في حجره دعا في الحال بماء فأتبعه إياه»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٣)، ومسلم (٢٨٧ / ١٠٣) من حديث أم قيس بنت محصن. ]]، وكان من الممكن أن يترك المكان في المسجد حتى يأتي وقت الصلاة ويحتاج الناس إلى الصلاة في هذا المكان، لكنه بادر، وكذلك من الممكن أن يدع ثوبه حتى يحضر وقت الصلاة ثم يطهره لكنه بادر، فالمهم أن مثل هذه الوقائع ينبغي للإنسان أن يتخذ منها تربية لنفسه، لا تمر به على أنها مسألة فقهية عرفها فقط، بل لا بد أن يظهر علمه في عمله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجهة لله عز وجل؛ لقوله أيش؟ ﴿فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ وقلنا: إن جنب بمعنى جانب، لكن الذين لا يثبتون الجهة يفرون من هذا، ويفسرونه بأمر آخر، كما فسره المؤلف بقوله: (في طاعة الله) مع أن هذا التفسير يعني قد يقال: إنه تفسير صحيح، وإن جانب الله تعالى هو طاعته وحقه وما أشبه ذلك، لكن نحن نعلم أن كثيرًا من الناس ينكرون أن يكون الله في جهة، ويقولون: لا يجوز أن تقول: إن الله في جهة، لا فوق ولا تحت، وعكس قوم آخرون فقالوا: إن الله في كل جهة بذاته، وبين الأمرين أو بين الطائفتين كما بين السماء والأرض.
وتوسط آخرون فقالوا: إن الله في كل جهة لكنه فوق كل شيء ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة ١١٥] إن اتجهتم شرقًا أو غربًا، أو شمالًا أو جنوبًا فثم وجه الله، لكن ليس الله نفسه في تلك الجهات، ولكنه فوق، وفوقيته لا تناقض أن يكون في كل جهة استقبلته، واضح يا جماعة؟ طيب.
فلو قال قائل: كيف يجتمع أن يكون في جهة المشرق مثلًا أو المغرب أو الشمال أو الجنوب وهو فوق كل شيء؟
نقول: (كيف) اجعلها فيما يمكن تكييفه، وصفات الله لا يمكن تكييفها، عليك أن تسلم، ثم نقول: إن هذا ممكن لو كانت الشمس عند الشروق أو عند الغروب واستقبلتها كانت في جهة المشرق أو في جهة المغرب وهي أين مكانها؟ في السماء، هذا في المخلوق، فما بالك بالخالق المحيط بكل شيء.
فالصواب أن الله سبحانه وتعالى في جهة، وهي جهة العلو، لكنه عز وجل من اتجه إليه في أي مكان فالله تعالى قبل وجهه أي مكان ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ أما ذاته عز وجل فإنه فوق كل شيء.
* من فوائد الآية الكريمة: إقرار المكذبين على أنفسهم بما هم عليه من التكذيب، لكن في وقت لا ينفعهم، من أين يؤخذ؟ ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ يعني: إن كنت من الساخرين هذه تأكيد وإثبات أنه كان في الدنيا من الساخرين بشرع الله المستهزئين به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم السخرية بالله عز وجل، من أين يؤخذ؟ من كون هذا الساخر ندم، وتحسر على ذلك، ولولا أنه أصيب بعذاب عليه لم يندم.
فإن قال قائل: ما حكم السخرية بالله؟
قلنا: حكمها الكفر، فمن سخر بالله أو آياته أو رسوله فإنه كافر، كل من سخر بالله أو آياته أو رسوله فهو كافر.
فإن قال قائل: هل تكفرونه ولو كان يمزح؟
فالجواب: نعم نكفره ولو كان يمزح؛ لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ يعني ما قصدنا ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة ٦٥، ٦٦].
فإن قيل: ما الدواء لمن ابتُلي بهذا؟ أي: سخر بالله أو آياته أو رسوله، فما هو الدواء؟
قلنا: الدواء في هذه السورة: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر ٥٣] الدواء أن يتوب إلى الله، فإذا تاب إلى الله عز وجل وقلع من قلبه هذه السخرية والاستهزاء، وأثبت مكانها التعظيم والمحبة، فحينئذ يرتفع عنه حكم الكفر.
ثم قال الله عز وجل، وهو بدء الدرس اليوم: ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزمر ٥٧] يعني أو تقول نفس، وهذه معطوفة على قوله: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾، أو تقول: أي النفس (﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي﴾ بالطاعة فاهتديت ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ ).
﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ (لو) هذه شرطية، فعل الشرط فيها محذوف، وجواب الشرط فيها قوله: ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، وتقديره، أي: تقدير المحذوف وهو فعل الشرط، لو ثبت أن الله هداني لكنت من المتقين، وهذا احتجاج بالقدر، يعني لو أن الله هداني ووفقني فاهتديت لكنت من المتقين، فهي تندم وتحتج، يعني جمعت بين الندم على عدم التقوى والهداية وبين الاحتجاج، كقول القائل: لو أعطيتني أجرة لعملت لك، لو أطعمتني لشبعت، يعني: فلم تطعمني ولم تعطني أجرة، فهم يقولون: لو أن الله هداني لاهتديت وكنت من المتقين، وعلى هذا فالمراد بالهداية هنا هداية التوفيق، ويكون هذا احتجاجًا من النفس بقدر الله على الضلال والعياذ بالله.
يقول: ﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ قال المؤلف المفسر: (عذابه) وهذا مفعول المتقين، ولكن الصواب أن نقدر: لكنت من المتقين الله؛ لأن الأصل هو تقوى الله عز وجل، وتقوى عذاب الله من تقوى الله، فينبغي أن نقدر الأصل أي: لكنت من المتقين الله.
وما هي تقوى الله؟
نعرف تقوى الله بمعرفة الأصل، أصل التقوى مأخوذة من الوقاية، فأصلها وقوى بالواو، لكن قُلبت الواو تاء لعلة تصريفية، فإذا كانت من الوقاية فسرناها بأنها اتخاذ ما يقي من عذاب الله، ولا يقي من عذاب الله إلا فعل أوامره واجتناب نواهيه، ولهذا نقول: إن أجمع ما قيل في التقوى أنها فعل الأوامر واجتناب النواهي.
وقيل: إن التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله، وهذا المعنى أطول مما قلنا، لكن ما قلنا مشتمل عليه، وقيل في التقوى:
؎خَلِّ الذُّنُوبَ صَـــــــغِيرَهَا ∗∗∗ وَكَبِـــــــــــــــــيرَهَـا ذَاكَالـــــــــتُّقَى؎وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ∗∗∗ ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى؎لَا تَحْقِــــــــــرَنَّ صَـــــــــــــــغِيرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَــــــــــصَى
وهذا أيضًا تعريف شيق لأنه منظوم، (خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَـا) والذنوب إما فعل محرم أو ترك واجب، (ذَاكَ التُّقَى، وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى) الذي يمشي على أرض الشوك يمشي بسرعة ولَّا ببطء؟
* طلبة: ببطء.
* الشيخ: ببطء
؎لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
الجبال العظيمة الضخمة حصى متجمعة، إما كتل أو صغار أو كبار.
﴿لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
﴿أَوْ تَقُولَ﴾ هذه معطوفة على أيش؟
* طلبة: على ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾.
* الشيخ: على ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾، يعني: أو تقول نفس حين ترى العذاب، ترى العذاب بعينها، فيكون الموعود مشهودًا، تراه بالعين، ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً﴾، والرؤية بالعين تُعتبَر عين اليقين، والوعد بالعذاب علم اليقين، ومس العذاب حق اليقين، ولهذا قالوا: اليقين ثلاثة: علم وعين وحق، وكلها في القرآن: ﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ [التكاثر ٥ - ٧] مشاهدة، وقال تعالى في آخر الواقعة: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة ٩٥] الذي يكون عند الاحتضار حق اليقين، وأيها أعلى في اليقين؟
* طلبة: حق اليقين.
* الشيخ: حق اليقين أعلى؛ لأن عين اليقين قد تشاهد الشيء على خلاف ما هو عليه، كما ترى، ولا سيما إن كان نظرك ضعيفًا، ترى الشيء الساكن متحركًا، أو المتحرك ساكنًا، إي نعم، فعلى كل حال حق اليقين أعلاه. وهنا ﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ﴾ المراد أيش؟
* طلبة: عين اليقين.
* الشيخ: عين اليقين ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، (لو) هنا ليست شرطية، ولكنها للتمني، يعني ليت لي كرة.
ونستطرد فنقول: (لو) تأتي شرطية، وتأتي للتمني، وتأتي مصدرية، ثلاثة معانٍ، شرطية، تمنية، مصدرية، فتأتي شرطية فيما إذا قلت: لو زرتني لأكرمتك، وعلامتها أن يحل محلها (إن) الشرطية، لو زرتني لأكرمتك، اجعل بدلها (إن)، إن زرتني أكرمتك.
والثانية التي للتمني هي التي تأتي غالبًا بعد ود، في قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] وعلامتها أن يحل محلها (أن) المصدرية، ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ﴾ لو وضعت بدلها (أن): ودوا أن تدهن، يصح الكلام أو لا؟ طيب، وهل يصح أن تضع بدلها (أن) في القرآن؟
* طلبة: لا يصح.
* الشيخ: لا يصح، تقديرًا يصح ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ لو جعلت بدلها (أن) استقام الكلام، لكن لا يجوز في القرآن أن تجعل بدلها (أن)، طيب لو قلت: وددت لو زرتني، صحيح؟ طيب، لكن هنا إذا حولتها إلى (أن) حول الفعل إلى مضارع، (وددت أن تزورني)، طيب.
الثالثة للتمني.
* طلبة: مصدرية.
* الشيخ: مصدرية؟ لا، أنا أقول: مصدرية التي تأتي بعد (ود)، والشرطية، بقي عندنا التمنية التي للتمني، المصدرية هي التي تأتي في الغالب بعد ود، وعلامتها أن يحل محلها (أن).
التي للتمني تكون بمعنى أتمنى، يعني يعين معناها السياق، فهنا ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ﴾ ضع بدلها أتمنى، أتمنى أن يكون لي كرة فأكون من المؤمنين، واضح؟ ويدلك لهذا قوله تعالى في سورة الأنعام: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام ٢٧] فصار معاني (لو) ثلاثة: شرطية ومصدرية وللتمني.
﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً﴾ قال المفسر: (رجعة إلى الدنيا ﴿فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ) يعني يتمنى أن يكون له رجعة ليكون من المحسنين. وقوله: ﴿فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ولم يقل: من المتقين؛ لأن الإحسان درجة فوق التقوى، فكل محسن متقٍ، وليس كل متقٍ محسنًا، الإحسان درجة عالية، قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]، ولكن هذا التمني هل هذه النفس صادقة في أنها تتمنى لتكون من المحسنين؟ قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام ٢٨] لكن عند العذاب ليس لها إلا أن تقول هكذا ﴿لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. ثم قال تعالى: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾.
* طالب: أحسن الله إليك، سئل رجل فقالوا له: ما آخر نكتة سمعتها، قال: إن اثنين من المتطرفين قالوا: استو واعتدل في الصف، هل يدخل هذا في السخرية بالله وسنة النبي ﷺ؟
* الشيخ: هذا يسأل يقول: إن آخر نكتة إي نعم سمعتها أنه سمع رجل يقول: استووا اعتدلوا كذا؟
* الطالب: (...) استووا اعتدلوا (...).
* الشيخ: لكن كان الإمام قال هكذا؟ الإمام قال: استووا اعتدلوا؟
لا، ما يصير.
* الطالب: (...) آخر نكتة سمعتها يقول: استووا واعتدلوا (...).
* الشيخ: لا، هل هو صحيح ما حكاه عن هذا الإمام، أن الإمام يقول: استووا واعتدلوا؟
* طلبة: هو نفسه بيسأل.
* الشيخ: لا، على كل حال دعونا من كونه صورها ملاكمة، لكن لو قال إنسان في إمام قال: استووا واعتدلوا: إن هذه نكتة، ووصفه بالتطرف، فهل يكون كافرًا أو لا؟
الواقع أن هذه المسألة مهمة جدًّا، الاستهزاء بالشخص الذي يفعل طاعة أو يتجنب معصية، تارة يغلب عليه الجانب الشخصي، فهذا لا يكفر، وتارة يغلب عليه الجانب الحكمي، بمعنى أنه يسخر بالحكم من أي مصدر جاء، فهذا كفر، ويوضح هذا المثال: بعض الناس لو رأى مثلًا عالمًا من العلماء المعتبرين المحبوبين عند الناس الموثوقين، رأى ثوبه إلى نصف الساق، لا يسخر به أبدًا، ولا يمكن أن يسخر، لكن لو رأى شابًّا فربما يسخر به، إذن هنا السخرية منصبة على أيش؟
* طلبة: على الشخص.
* الشيخ: على الشخص، مغلب فيها جانب الشخصية، فهذا لا يكفر؛ لأنه لم يكره الحكم، لكن كره هذا الذي قام بالحكم.
والثاني: أن يكره الحكم الشرعي، ويسخر بالحكم الشرعي فهذا كافر، ولهذا قال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ ولم يقل: والمؤمنين، الرسول معلوم أي إنسان يسخر به فهو كافر، حتى وإن كان قد غلب الجانب الشخصي؛ لأن الرسول مشرع عليه الصلاة والسلام، فكل شيء صدر منه فهو تشريع، لكن اللي يصدر من غير الرسول، إن كان محل ثقة عند الناس اعتبروه حكمًا شرعيًّا ولم يسخروا به، وإن كان غير ثقة سخروا به مغلبين جانب الشخصية؛ لأنهم مثلًا لا يثقون به الثقة التامة، أو يرون أنه متزمت أو متنطع أو ما أشبه ذلك، وهذه المسألة يجب على الإنسان أن يدرك الفرق بين الأمرين؛ لأن هذه المسائل دقيقة جدًّا.
ولهذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الإمام أحمد يكفر الجهمية، لكن لا يكفر أعيانهم؛ لأن هناك فرقًا بين التكفير باعتبار الحكم والتكفير باعتبار الشخص.
ومن ثم نحذر طلبة العلم من التسرع في التكفير الشخصي العيني؛ لأن المسألة ما هي هينة، لو كفَّرت شخصًا والله عز وجل لم يحكم بكفره عاد التكفير إليك، وصار يخشى عليك من الضلال ولو في المستقبل إذا لم تتب.
[[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
{"ayahs_start":49,"ayahs":["فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ ضُرࣱّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَـٰهُ نِعۡمَةࣰ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِیَ فِتۡنَةࣱ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","قَدۡ قَالَهَا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَمَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ","فَأَصَابَهُمۡ سَیِّـَٔاتُ مَا كَسَبُوا۟ۚ وَٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ سَیُصِیبُهُمۡ سَیِّـَٔاتُ مَا كَسَبُوا۟ وَمَا هُم بِمُعۡجِزِینَ","أَوَلَمۡ یَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ","۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ","وَأَنِیبُوۤا۟ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُوا۟ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ","وَٱتَّبِعُوۤا۟ أَحۡسَنَ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةࣰ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ","أَن تَقُولَ نَفۡسࣱ یَـٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِی جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِینَ","أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِی لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِینَ","أَوۡ تَقُولَ حِینَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِی كَرَّةࣰ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ","بَلَىٰ قَدۡ جَاۤءَتۡكَ ءَایَـٰتِی فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِینَ كَذَبُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌۚ أَلَیۡسَ فِی جَهَنَّمَ مَثۡوࣰى لِّلۡمُتَكَبِّرِینَ"],"ayah":"أَوَلَمۡ یَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق