الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَإذا مَسَّ الإنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا قالَ إنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هي فِتْنَةٌ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿قَدْ قالَها الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَما أغْنى عنهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ﴿فَأصابَهم سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا والَّذِينَ ظَلَمُوا مِن هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهم سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وما هم بِمُعْجِزِينَ﴾ ﴿أوَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
هَذِهِ حُجَّةٌ تُلْزِمُ عُبّادَ الأوثانِ التَناقُضَ في أعْمالِهِمْ، وذَلِكَ أنَّهم يَعْبُدُونَ الأوثانَ ويَعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَها، فَإذا أزِفَتْ آزِفَةٌ أو نالَتْ شِدَّةٌ نَبَذُوها ونَسَوْها ودَعَوُا الخالِقَ المُخْتَرِعَ رَبَّ السَماواتِ والأرْضِ، و"الإنْسانَ" في هَذِهِ الآيَةِ لِلْجِنْسِ، و"خَوَّلْناهُ" مَعْناهُ: مَلَّكْناهُ، قالَ الزَجّاجُ وغَيْرُهُ: التَخْوِيلُ: العَطاءُ عن غَيْرِ مُجازاةٍ، و"النِعْمَةُ" هُنا عامٌّ في جَمِيعِ ما يُسْدِيهِ اللهُ إلى العَبْدِ، فَمِن ذَلِكَ إزالَةُ الضُرِّ المَذْكُورِ، ومِن ذَلِكَ الصِحَّةُ والأمْنُ والمالُ، وتَقْوى الإشارَةُ إلَيْهِ في الآيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ﴾، وبُقُولِهِ تَعالى أخِيرًا: ﴿يَبْسُطُ الرِزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ﴾ وبِذِكْرِ الكَسْبِ.
وذَّكَّرَ تَعالى الضَمِيرَ في قَوْلِهِ: ﴿ "أُوتِيتُهُ"،﴾ وذَلِكَ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: مِنها أنْ يُرِيدَ بِالنِعْمَةِ المالَ كَما قَدَّمْناهُ، ومِنها أنْ يُعِيدَ الضَمِيرَ عَلى المَذْكُورِ، إذِ اسْمُ النِعْمَةِ يَعُمُّ ما هو مُذَكَّرٌ ويَعُمُّ ماهُّو مُؤَنَّثٌ، ومِنها أنْ يَكُونَ (ما) في قَوْلِهِ: ﴿ "إنَّما"﴾ بِمَعْنى "الَّذِي"، وعَلى (p-٤٠٢)الوَجْهَيْنِ الأوَّلَيْنَ [ما] كافَّةٌ، وقَوْلُهُ: ﴿عَلى عِلْمٍ﴾ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ، مَعَ أنْ تَكُونُ "ما" كافَّةٌ، وأمّا إذا كانَتْ بِمَعْنى الَّذِي، فَإنَّ "عَلى عِلْمٍ "فِي مَوْضِعِ خَبَرِ [إنَّ]، ودالٌ عَلى الخَبَرِ المَحْذُوفِ، كَأنَّهُ قالَ: هو عَلى عِلْمٍ،وَقَوْلُهُ ﴿ "عَلى عِلْمٍ "﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ عَلى عِلْمٍ مِنِّي بِوَجْهِ المَكاسِبَ والتِجاراتِ وغَيْرِ ذَلِكَ، قالَهُ قَتادَةُ، فَفي هَذا التَأْوِيلِ إعْجابٌ بِالنَفْسِ وتَعاطٍ مُفْرِطٍ، ونَحْوِ هَذا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ عَلى عِلْمٍ مِنَ اللهِ فِيَّ، وشَيْءٍ سَبَقَ لِي، واسْتِحْقاقٍ حُزْتُهُ عِنْدَ اللهِ تَعالى، لا يَضُرُّنِي مَعَهُ شَيْءٌ، وفي هَذا التَأْوِيلِ اغْتِرارٌ بِاللهِ تَبارَكَ وتَعالى وعَجْزٌ وتَمَنٍّ عَلى اللهِ تَعالى. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿بَلْ هي فِتْنَةٌ﴾، أيْ: لَيْسَ الأمْرُ كَما قالَ، بَلْ هَذِهِ الغَفْلَةُ بِهِ فِتْنَةٌ لَهُ وابْتِلاءٌ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عَمَّنْ سَلَفَ مِنَ الكَفَرَةِ أنَّهم قَدْ قالُوا نَحْوَ هَذِهِ المَقالَةَ، كَقارُونَ وغَيْرِهِ، وأنَّهم ما أغْنى عنهم كَسْبُهم واحْتِجابُهم لِلْأمْوالِ، فَكَذَلِكَ لا يُغْنِي عن هَؤُلاءِ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى - عَلى جِهَةِ التَوَعُّدِ لِهَؤُلاءِ في نَفْسِ المِثالِ - أنَّ أُولَئِكَ أصابَهم سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا، وأنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا بِالكُفْرِ مِن هَؤُلاءِ المُعاصِرِينَ لَكَ سَيُصِيبُهم ما أصابَ المُتَقَدِّمِينَ، وهَذا خَبَرٌ مِنَ اللهِ تَعالى أبْرَزَهُ الوُجُودَ في يَوْمِ بَدْرٍ وغَيْرِهِ، و"مُعْجِزِينَ" مَعْناهُ: مُفْلِتِينَ وناجِينَ بِأنْفُسِهِمْ.
ثُمَّ قَرَّرَ تَعالى عَلى الحَقِيقَةِ في أمْرِ الكَسْبِ وسَعَةِ النِعَمِ فَقالَ: أوَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللهَ هو الَّذِي يَبْسُطُ الرِزْقَ لِقَوْمٍ ويُضَيِّقُهُ عَلى قَوْمٍ بِمَشِيئَتِهِ وسابِقِ عِلْمِهِ، ولَيْسَ ذَلِكَ لِكَيْسِ أحَدٍ ولا لِعَجْزِهِ، ﴿ "وَيَقْدِرُ"﴾ مَعْناهُ: يَضِيقُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ [الفجر: ١٦].
{"ayahs_start":49,"ayahs":["فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ ضُرࣱّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَـٰهُ نِعۡمَةࣰ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِیَ فِتۡنَةࣱ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","قَدۡ قَالَهَا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَمَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ","فَأَصَابَهُمۡ سَیِّـَٔاتُ مَا كَسَبُوا۟ۚ وَٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ سَیُصِیبُهُمۡ سَیِّـَٔاتُ مَا كَسَبُوا۟ وَمَا هُم بِمُعۡجِزِینَ","أَوَلَمۡ یَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"أَوَلَمۡ یَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق