الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: (﴿قُلْ﴾ [ص 65] يا محمد لكفار مكة ﴿إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ﴾ ) ﴿قُلْ﴾ لا شك أن الخطاب للرسول ﷺ، وأنه من الخطاب الخاص به؛ لأن الإنذار الذي هو إنذار الرسالة خاص بالرسول ﷺ.
وقول المؤلف: (﴿قُلْ﴾ لكفار مكة) وجه التخصيص أن هذه السورة مكية قبل أن يهاجر النبي ﷺ، فيكون الخطاب الموجه له بالإعلان بأنه منذر خاصًّا بأهل مكة.
ولكن يقال: إن الأولى أن يجعل عامًّا، وأن يقال: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والمكان.
(﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ﴾ مخوف بالنار) من؟ الكفار، فالإنذار بالنار للكفار، والبشارة بالجنة للمؤمنين لكن المقام هنا يقتضي الإنذار.
﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص 65] هذا حصر من أعظم أنواع الحصر؛ لأنه مبني على النفي والإثبات؛ النفي المؤكد بـ﴿مِنْ﴾ ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾؛ لأن ﴿مِنْ﴾ حرف جرٍّ زائد، والزائد يفيد زيادة المعنى في القرآن الكريم.
وقوله: ﴿مَا مِنْ إِلَهٍ﴾ أي: ما من معبود حق إلا الله، وإلا فهناك آلهة تُعْبَد لكن ليست بآلهة حقًّا، بل هي أسماء سمَّاها أصحابها ما أنزل الله بها من سلطان، ولهذا لا يعبدونها العبادة الحقة. إذا أصابهم الضر من يدعون؟ يدعون الله وحده، فهم بلسان حالهم يشهدون بأن هذه الآلهة، والأصنام التي يعبدونها ليست آلهة.
المهم أن قوله: ﴿مَا مِنْ إِلَهٍ﴾ أي: ما من إله حق، ﴿إِلَّا اللَّهُ﴾ خالق السماوات والأرض عز وجل، ﴿الْوَاحِدُ﴾ يعني: الذي لا شريك له، ﴿الْقَهَّارُ﴾ الذي لا غالب له بل هو قاهر لخلقه. و﴿الْقَهَّارُ﴾ هنا يجوز أن تكون نسبة؛ أن يكون التضعيف فيها للنسبة، ويجوز أن يكون التضعيف فيها للتكثير، فتكون صيغة مبالغة، ويمكن أن نقول: إنها للأمرين جميعًا، فالله تعالى من صفاته اللازمة له أنه قهار، ولكثرة من يقهرهم من الجبابرة يكثر قهره، فتكون هذه للنسبة أيش؟ وللتكثير الذي يُسَمَّى المبالغة.
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [ص 66]، ﴿رَبُّ﴾ هذه بدل من الله، ويجوز أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: هو رب، و﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ سبق الكلام عليهما كثيرًا، وقوله: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: من المخلوقات العظيمة التي نعلمها والتي لا نعلمها.
وقد سبق لنا أن كون الله عز وجل يجعل ما بين السماء والأرض قسيمًا للسماوات والأرض يدل على عظم ما بينهما من المخلوقات التي لم نصل إلى الآن إلى غايتها.
وقوله: ﴿الْعَزِيزُ﴾ قال المؤلف: (الغالب على أمره)، وهذا أحد معاني العزيز؛ لأن العزيز له ثلاث معانٍ: العزيز بمعنى ذو القدر والشرف، العزيز بمعنى القهر والغلبة، العزيز بمعنى الذي يمتنع أن يناله السوء، مأخوذ من: أرض عزاز؛ أي: صلبة لا تؤثر فيها الفؤوس.
إذن العزة لها ثلاثة معانٍ: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع، الامتناع؛ يعني: يمتنع أن يناله السوء سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿الْغَفَّارُ﴾ يعني: الكثير المغفرة، ولنا أن نجعلها أيش؟ نسبة؛ أي: أنه موصوف بالمغفرة دائمًا، فما أكثر من يغفر الله لهم، وما أكثر الذنوب التي يغفرها الله عز وجل، وهنا قرن العزة بالمغفرة فأكسب معنى ثالثًا غير العزة والمغفرة.
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [ص ٦٦] ﴿رَبُّ﴾ هذه بدل من الله، ويجوز أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره (هو رب). و﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ سبق الكلام عليهما كثيرًا.
وقوله: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: من المخلوقات العظيمة التي نعلمها والتي لا نعلمها، وقد سبق لنا أن كون الله عز وجل يجعل ما بين السماء والأرض قسيمًا للسماوات والأرض؛ يدل على عِظَم ما بينهما من المخلوقات التي لم نصل إلى الآن إلى غايتها.
وقوله: ﴿الْعَزِيزُ﴾ قال المؤلف: (الغالب على أمره)، وهذا أحد معاني العزيز؛ لأن العزيز له ثلاثة معانٍ: العزيز بمعنى ذو القَدْر والشرف، العزيز بمعنى القهر والغلبة، العزيز بمعنى الذي يمتنع أن يناله السوء؛ مأخوذ من (أرض عَزَاز) أي: صلبة، لا تؤثر فيها الفؤوس. إذن العِزَّة لها ثلاثة معانٍ: عِزَّة القَدْر، وعِزَّة القَهْر، وعِزَّة الامتناع؛ يعني يمتنع أن يناله سوء سبحانه وتعالى.
وقوله: ﴿الْغَفَّارُ﴾ يعني الكثير المغفرة، ولنا أن نجعلها أيضًا نسبة؛ أي أنه موصوف بالمغفرة دائمًا، فما أكثر من يغفر الله لهم، وما أكثر الذنوب التي يغفرها الله عز وجل! وهنا قَرَنَ العزة بالمغفرة فأكسب معنى ثالثًا غير العزة والمغفرة؛ وهي أنه مع عزته وغلبته وقهره هو مع ذلك غفَّار بخلاف من يتصف بالعزة من المخلوقين فإنه قد يكون العزة تغلب مغفرته، أو من يتصف بالمغفرة فيكون عنده ضعف، وليس عنده عزة، فإذا اجتمعت العزة والمغفرة حصل من ذلك معنى مُركَّب من اجتماعهما وهو أكمل ممن لو انفرد أحدهما.
* طالب: (...) اجتمع القهر والعزة (...).
* الشيخ: القهر والعزة خطأ.
* طالب: بعض الناس يكون عنده عزة لكن مغفرته لا تغلب على عزته، لكن الله عز وجل مغفرته..
* الشيخ: أيش؟ ما فهمنا!
* الطالب: يعني بعض الناس يكون له عزة.
* الشيخ: وليس عنده مغفرة.
* الطالب: وليس عنده مغفرة.
* الشيخ: وبعضهم؟
* الطالب: وبعضهم عنده عزة، وعنده مغفرة، لكن أقل من عزته.
* الشيخ: لا.
* طالب: بعضهم عنده المغفرة والرحمة لكنه ضعيف وليس عنده عزة.
* الشيخ: عنده مغفرة لا عزة، والرب عز وجل جامع بين هذا وهذا، ولا شك أن غلبة المغفرة على العزة فيها نقص، وغلبة العزة على المغفرة فيها نقص، فإذا اجتمعا جميعًا صار هذا أكمل؛ أي: أن عزته وغلبته وقهره لا تخلو من مغفرة.
يقول: ﴿قُلْ﴾ (لهم) ﴿هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص ٦٧، ٦٨]. ﴿هُوَ﴾ أي: النبأ الذي أنبأتكم به، والذي جئت به منذرًا نبأ عظيم، النبأ بمعنى الخبر لكنه لا يكون إلا في الأمر الهام، قال الله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ ١، ٢]، فالنبأ خبر لكنه في الأمور الهامة، ووصف الله هذا النبأ بأنه ﴿عَظِيمٌ﴾، وهو القرآن، وقد وصف الله القرآن بأنه عظيم وكريم ومجيد؛ لأنه يتصف بهذه الصفات، ومن أخذ به نَالَه من هذه الأوصاف بقدر ما أخذ به.
﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ (أي: القرآن الذي أنبأتكم به وجئتكم فيه بما لا يُعلم إلا بوحي).
قوله: ﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ جملة استئنافية يُراد بها شدة الشناعة على هؤلاء المكذبين لرسول الله ﷺ، فهم مع هذا النبأ العظيم لم يُقبلوا عليه بل أعرضوا عنه، ولم يلتفتوا إليه، ولم يقيموا له وزنًا، يقول: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ [ص ٦٩] يعني هذا النبأ العظيم لا يمكن لي أن آتي به من عند نفسي؛ لأنه ليس لي علم ﴿بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ يعني الملائكة، فهم ملأ لكنهم فوق؛ إذ إن الأصل في مساكنهم السماوات، ولكن ينزلون إلى الأرض لأداء الوظائف التي كُلِّفوا بها.
(﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ أي الملائكة ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ في شأن آدم حين قال الله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة ٣٠] إلى آخره).
الصحيح أن معنى الآية أعم مما قال المؤلف، يعني ما كان لي من عِلْم بالملأ الأعلى؛ إذ يختصمون في شأن آدم، وفي الدرجات العلا، وغيرها مما يختصم فيه الملائكة، ويرجعون فيه إلى الله.
يقول: (﴿إِنْ﴾؛ ما)، أفادنا المؤلف أن ﴿إِنْ﴾ هنا نافية، وهو أحد معانيها.
وقوله: ﴿يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا﴾ ﴿إِلَّا أَنَّمَا﴾ هذه هي التي دلت على أن ﴿إِنْ﴾ نافية ﴿إِلَّا أَنَّمَا أَنَا﴾ [ص ٧٠] (أي أني) ﴿نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [ص ٧٠]. قوله: (أي أني) تفسير لـ﴿أَنَّمَا أَنَا﴾؛ لأن أصله (أني) لكن دخلت (ما) الكافة على (أن)، ولما دخلت (ما) الكافة على (أن) أبطلت عملها، أليس كذلك؟ ثم لما دخلت عليها لزم أن ينفصل الضمير المتصل، أين الضمير المتصل؟ أني، هذا الأصل، دخلنا (ما) على (أن)، فصلت الآن بين (أن) والضمير، والضمير المتصل إذا وُجِدَ ما يفصله عما اتصل به صار منفصلًا؛ لأنه متصل على اسمه، فإذا وُجِد ما يفصله عن ما اتصل به وجب انفصاله، فهنا تكون (أنا) هي الياء في قول المؤلف: (أني).
﴿إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ﴾ [ص ٧٠] لكن إذا جاءت ﴿إِلَّا أَنَّمَا أَنَا﴾ تكون أشد تأكيدًا للحصر؛ لأن الحصر الآن استفدناه من قوله: ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا﴾ واستفدناه أيضًا من قوله: ﴿أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ فحُصر حال النبي عليه الصلاة والسلام بأنه نذير مبين، وهذا الحصر -كما تعلمون- حصر إضافي. أي: إنما أنا في هذه المسألة خاصة -وهو الوحي- نذير مبين وإلا فإنه بشر ينسى ويأكل ويشرب ويُبَشِّر، فالحصر إذن إضافي بحسب السياق.
وقوله: ﴿مُبِينٌ﴾ قال المؤلف: (بَيِّن الإنذار). والصواب: مُظْهِر، ﴿أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي مُظْهِر، وليست من (أبان) اللازمة، بل هي من (أبان) المتعدي؛ لأن كلمة (أبان) تكون لازمة، كما تقول: أبان الصبح أي ظهر، وتكون متعدية كما لو قلت: هذا مُبِين لهذا؛ أي: مُظهِر له، فالصواب أن ﴿مُبِينٌ﴾ هنا بمعنى مُظهِر.
ثم قال المؤلف: (اذكر) ﴿إِذْ قَالَ﴾ فأفادنا رحمه الله أن ﴿إِذْ قَالَ﴾ متعلق بمحذوف تقديره (اذكر).
﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾ [ص ٧١] (هو آدم). وقوله: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا﴾، ﴿بَشَرًا﴾ مفعول به لخالق لاستكمال شروط العمل ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ (أتممته ﴿وَنَفَخْتُ﴾ أجريت ﴿فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ فصار حيًّا) إلى آخره. قال المؤلف: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ قال: (أجريت). وكأنه رحمه الله أَوَّلَ معنى الآية، أَوَّلَ النفخَ بالإجراء، ولكن هذا خلاف ظاهر الآية، فظاهر الآية أن الله تعالى نفخ فيه من روحه، وهذا النفخ نثبته على ظاهره لكن بدون أن يكون مماثلًا لنفخ المخلوقين، وتفسيره بالإجراء تفسير باللازم؛ لأنه إذا نفخ فيه الروح لزم أن تجري في البدن وتسري فيه.
قال: وقوله: ﴿مِنْ رُوحِي﴾ قال المؤلف: (إضافة الروح إليه تشريف لآدم) يعني ﴿مِنْ رُوحِي﴾ ليس المراد من جزء مني، ولكن المراد من روحي؛ أي: من الأرواح التي خلقتها، وأضافها الله إلى نفسه تشريفًا وتعظيمًا كما أضاف البيت إليه في قوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج ٢٦]، وكما أضاف المساجد إليه في قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [البقرة ١١٤]، وكما أضاف الناقة إليه في قوله تعالى: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ [الأعراف ٧٣]، فالمضاف إلى الله إذا كان مخلوقًا فإن إضافته إليه تكون من باب التشريف والتعظيم إذا كان هذا خاصًّا، أما إذا كان عامًّا فهو من باب الشمول والعموم كقوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية ١٣]، ثم قال: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ قال: (والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان بنفوذه فيه)، الروح جسم لطيف يحيا به الإنسان، ولو قال المؤلف: يحيا به الكائن الحي لكان أعم؛ لأن الإنسان له روح والبهائم لها روح.
وقول المؤلف: (جسم لطيف)، أما كونه جسمًا؛ فلأنه ثبت في القرآن الكريم أنها تُقبض وتُوفَّى، وثبت في السنة أنها تُكفَّن وتُلف في الثوب في الكفن إما من الجنة أو من النار، وهذا يدل على أنها جسم لكنه جسم لطيف لا يُرى بالعين، إذا حل في الجسد حيي، وإذا فُقِد من الجسد صار الجسد جمادًا، ونحن نشاهد الآن مما يصنعه الآدمي ما يكون مثل هذا، إذا كان عندك سالب وموجب في الكهرباء، واتصل بعضهما ببعض؛ اشتعل، يُشعل هذا اللمبة الكبيرة، وهو شيء ما يُرى بالعين، وإذا فقد إذا انفصلا فُقِد، هذا وهو من صُنع البشر، فكيف بالأمور الخارقة التي لا يعلمها إلا الله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء ٨٥]، وهذا الذي فَسَّر المؤلف الروح به هو أحسن ما قيل في تفسير الروح.
يقول: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (قعوا) فعل أمر، ماضيها (وَقَعَ)، ومضارعها (يَقَع)، والوقوع يعني معناه (خروا على الأرض) ﴿سَاجِدِينَ﴾ قال المؤلف: (سجود تحية بالانحناء).
أما قوله: (سجود تحية) فلا شك أن هذا هو المراد يعني لا سجود عبادة، وأما قوله: (بالانحناء) ففيه نظر؛ لأن السجود هو الوقوع على الأرض، وهو ظاهر الآية، ولكن يقال: إن هذا السجود كان جائزًا، السجود للغير تحية كان جائزًا ولكنه نُسِخَ بعد ذلك.
﴿سَاجِدِينَ﴾ محلها من الإعراب؟
* طلبة: حال.
* الشيخ: من أين؟ من الفاعل في ﴿فَقَعُوا﴾.
قال: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ (فيه تأكيدان). وهما (كل) و(أجمعون).
﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ (هو أبو الجن كان بين الملائكة). قوله: (هو أبو الجن) دليله قوله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ [الكهف ٥٠]، والدليل على أنه من الجن قوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف ٥٠]. إذن فالجن ذرية الشيطان، والإنس ذرية آدم، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ (كان بين الملائكة)، ولم يقل المؤلف كان من الملائكة؛ لأن الله تعالى قال: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف ٥٠]، إذن هو بينهم، ومن كان بين الناس فهو من الناس، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ»[[أخرجه البخاري (٦٧٦١) من حديث أنس بن مالك.]] . فهذا الشيطان الذي كان مع الملائكة يتعبد بعبادتهم يصح أن يشمله الخطاب الموجَّه إلى الملائكة؛ ولهذا لَامَهُ الله على عدم السجود؛ فدل على أن الخطاب كان شاملًا له.
﴿إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [ص ٧٤] (في علم الله) قوله: (في علم الله) بناءً على أن (كان) تدل على المضي، ولكنه قد مر علينا أن (كان) قد تكون مسلوبة الدلالة على الزمان، ويكون المراد بها الاتصاف بخبرها كما في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦] كان فيما مضى أو المعنى اتصف بالرحمة؟ إذن نقول في هذه الآية: ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ أي: واتصف بالكفر، ولا حاجة أن نقول: كان بعلم الله؛ لأننا نقول: إن كان هنا مسلوبة الدلالة على الزمن، فالمراد بها مجرد الاتصال.
﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ﴾ من الفاعل في قال؟ الله؛ لأنه قال: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ﴾ ﴿فَقَعُوا﴾.
﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥] يعني أي شيء منعك؟ وهذا الاستفهام للتوبيخ والتعجب؛ يعني كيف تمتنع لمن خلقته بيدي؟! فالله تعالى خلق آدم بيده، وهذا شرف له، وأمر بالسجود له تشريفًا له، فما الذي منعك أن تسجد؟ قال المؤلف في تفسير قوله: ﴿بِيَدَيَّ﴾ (أي: توليت خلقه، وهذا تشريف لآدم فإن كل مخلوق تولى الله خلقه)، عفا الله عنك يا مؤلف، يقول: (توليت خلقه فرارًا من إثبات اليد لله). ولا شك أن هذا تحريف، وأجاب عن قوله عن الإضافة ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾؛ لأن هذا تشريف لآدم، وإلا فكل مخلوق فإن الله قد تولى خلقه، وبناء على كلام المؤلف لا يبقى لآدم فضل عن سائر المخلوقات أليس كذلك؟ ما دمنا نفسر ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ أي: توليت خلقه فإن الله تولى خلق بني آدم، وخلق الإبل والبقر والغنم وغير ذلك، فلا يبقى لآدم فضْل على أي أحد بل لا يبقى لآدم فضل على الشيطان الذي أبى أن يسجد؛ لأن الشيطان من تولى خلقه؟ الله عز وجل؛ ولهذا نقول للمؤلف: إنه أخطأ في هذا، وأن معنى الآية أن الله تعالى خلق آدم بيده، وخلق غير آدم من الشياطين والملائكة بكلمته؛ أي بقوله: كن، أما آدم فبيده، وهذا هو وجه الميزة، والخصيصة لآدم أن الله خلقه بيده.
(﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ الآن عن السجود) استفهام توبيخ ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ (المتكبرين فتكبرت عن السجود) يعني أحصل منك الاستكبار الذي تفتعله ولست من أهله؟ ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ الذين منزلتهم فوق؛ لأن الذي يأبى إما أن يكون في مكان أرفع فيكون مستحقًّا للإباء أو يكون مستكبرًا؛ يعني موضعه نازل لكن جعل نفسه في محل عال، فالله يقول له: هل أنت مستكبر؟ أو أنك عالٍ في مرتبة أعلى من آدم بل أعلى ممن أمرك؟ ما الجواب؟ ادَّعى الآن، قال: (المتكبرين فتكبرت عن السجود لكونك منهم) ممن؟ من العالين.
وأما قول المؤلف: (إن العالين هم المتكبرون) فإنه يؤدي إلى أنه لا يكون فرق بين المتقابِلَيْن؛ لأنه إذا قال: أستكبرت أم كنت من المتكبرين، هل هناك فرق؟ لا فرق؛ ولذلك يُعتبر تفسيره العالين بالمتكبرين خطأ، بل ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ أي: الذين علت منزلتهم بحيث لا يُوجَّه إليهم الأمر بالسجود لمن هو دونهم، فإباء الشيطان عن السجود لآدم إما أن يكون لوصف يستحقه، وهذا يدل عليه ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾، أو لوصف لا يستحقه، ولكنه استكبر ورأى نفسه كبيرًا، وهذا في قوله: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ ﴿قَالَ﴾ الشيطان جوابًا على سؤال الله: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ من آدم، وهذه دعوى، وكل إنسان يضيف الشيء إلى نفسه فإنه -أخذناها قاعدة في الفقه- مُدَّعٍ، والمدعي عليه البينة، أتى ببينة وهي قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ﴾؛ ولهذا نقول: الجملة هنا استئنافية لبيان وجه الخيرية ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [ص ٧٦] سبحان الله! الذي يخلق من النار خير من الذي يخلق من الطين؟! مع أن النار التي خلق منها الشيطان ما هي نار مضيئة؟ ﴿مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ [الرحمن ١٥] ليست النار المضيئة، النار التي تكون في أعلى اللهب بين الدخان وبين النار المضيئة حمراء معتمة.
هذا المخلوق من هذه النار يكون خيرًا من المخلوق من الطين البارد النافع؟ سبحان الله! هذا قلب للحقائق؛ ولهذا نقول: هذه دعوى مستندة إلى بينة زائفة باطلة، وين الدعوة؟ ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [ص ٧٦] البينة ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [ص ٧٦]، وهذه ليست بينة، هذه حجة عليه، وليست حجة له، وقد ذكر أهل العلم في هذا المقام بيان أن ما خُلق منه آدم خير مما خلق منه إبليس.
قال الله تعالى: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ [ص ٧٧] (أي من الجنة وقيل من السماوات)، وأيهما أقرب؟ الملائكة هم كلهم في الجنة؟ في السماوات ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا﴾ أي: من السماوات هو أقرب للفظ.
﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ أي: (مرجوم)، فهي (فعيل) بمعنى (مفعول)، ومعنى (مرجوم) أي مطرود مُبعد كما يُبعد الإنسان إذا رُجِم، وأنتم تعلمون أن الرجل إذا أردنا أن نبعده كثيرًا صحنا به أولًا، فإذا هرب أتبعناه الحجارة، فكان هذا أشد إبعادًا.
﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [ص ٧٨] عليك حق حاقة عليك لعنة الله أي طرده وإبعاده ﴿إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ (يوم الجزاء). وبعد يوم الدين تزول اللعنة؟ لا تزول، لكنها إذا امتدت إلى يوم الدين فمعناها أنه قانِط من رحمة الله والعياذ بالله، ما يمكن أن يُرحم، الذي تبقى معه اللعنة إلى يوم الدين لا يمكن أن تناله الرحمة.
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [ص ٧٩] (أي الناس) ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [ص ٨٠، ٨١] طلب من الله أن يُنظِرهُ إلى بعث الناس فهل أجابه الله إلى طلبه؟ أجابه الله ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾، قال المؤلف: (وقت النفخة الأولى) أي: قبل البعث؛ لأن الناس لا يُبعثون إلا في النفخة الثانية، لكنهم يصعقون في النفخة الأولى، وهو أي الشيطان إنما يريد أن يبقى حتى لا يبقى من بني آدم أحد؛ لأنه صار في نفسه غل وحقد عظيم على آدم وذريته، كيف أُمِر أن يسجد له؟ وكيف حُكِم بالكفر لما أبى صار في قلبه، أو صار في نفسه أحسن؛ لأن ما ندري هل له قلب ولَّا ما له قلب؟ صار في نفسه غِلٌّ وحِقد، فسأل الله أن يبقيه إلى يوم البعث فأجابه الله أن يبقى إلى يوم الوقت المعلوم، وإجابة الله إياه لحكم عظيمة نذكرها إن شاء الله عند الكلام على الفوائد.
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص ٨٢، ٨٣] ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ يحتمل أن تكون (الباء) للقسم، ويحتمل أن تكون للاستعانة. فإن قلنا: إنها للقسم فقد أقسم بعزة الله، واختياره الإقسام بالعزة؛ لأن العزة فيها الغلبة، فأقسم بوصف لله يكون به الغلبة. وإن قلنا: إنها للاستعانة، فظاهر أن الاستعانة بعزة الله التي إذا أعان الله بها العبد غلب.
﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ اللام في قوله: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ تؤيد أن الباء هنا للقسم؛ لأن هذا هو جواب القسم. و﴿أُغْوِيَنَّهُمْ﴾ أي: أسلك بهم طريق الغي؛ وهو خلاف الرشد.
﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ﴾ أي من بني آدم ﴿الْمُخْلَصِينَ﴾ الذين أخلصتهم، وهذا كقوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر ٤٢].
قال الله تعالى: ﴿فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص ٨٤، ٨٥] قال: ﴿فَالْحَقُّ﴾ هذا مبتدأ لكنه متضمن معنى القسم؛ بدليل أنه أُخبِر عنه بجواب القسم وهو قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾، وقد أعربه المؤلف قال المؤلف: (بنصبهما) كيف؟ ﴿قَالَ فَالْحَقَّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ .
(ورفع الأول ونصب الثاني) ﴿قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ (فنصبه بالفعل بعده، ونصب الأول قيل: بالفعل المذكور، وقيل: على المصدر؛ أي: أحق الحق، وقيل: على نزع حرف القسم، ورفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: فالحقُّ مني. وقيل: فالحق قسمي، وجواب القسم ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ ) إعرابات متعددة.
(بنصبهما) نقول: الثاني نصبه بالفعل بعده، وهو واضح ﴿الْحَقَّ أَقُولُ﴾؛ لأن الفعل بعده لم يستكمل مفعوله، ولم نجد مفعولًا له إلا (الحق) الذي سبق. يعني (الحق) الثانية منصوبة بـ(أقول) على كل حال، الخلاف في أيش؟ في الأولى، الأولى إما منصوبة وإما مرفوعة نصبها فيه أوجه: (قيل بالفعل المذكور) أي: فالحقَّ أقولُ والحقَّ أقولُ، فيكون (الحق) الأولى والثانية منصوبة بـ(أقول) كما لو قلت: زيدًا وعمرًا ضربتُ، فزيدًا وعمرًا، منصوبان بـ(ضربت)، إذن الحق والحق منصوبان كلاهما بـ(أقول).
(وقيل: على المصدر) قال: فالحقَّ؛ أي: فأُحِق الحقَّ. وعلى هذا فيكون مصدرًا عامله محذوف، تقديره: فأحق الحق. وقيل: على نزع حرف القسم؛ يعني فبالحق أقسم؛ لأنه إذا نُزِع الخافض نُصِب المخفوض؛ ولهذا تسمعون كثيرًا، يقولون: منصوب بنزع الخافض، هذه ثلاثة أوجه، (ورفعه) رفع أيش؟ الحق الأولى على أنه مبتدأ محذوف الخبر؛ أي فالحق مني، وهذا ضعيف.
(وقيل: فالحق قسمي) وهذا أقل ضعفًا من الأول، والذي يظهر لي أنه لا حاجة إلى هذا، هو أن نقول: الحق مبتدأ ضُمِّن معنى القسم، وأُجيب بقوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾. وصار في جواب القسم كفاية عن خبر المبتدأ؛ يعني فنقول في إعرابه: ﴿الْحَقُّ﴾ مبتدأ، وضُمِّن معنى القسم، وأجيب بقوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾، واستُغني بجواب القسم عن خبر المبتدأ، كما يُستغنى بجواب القسم عن جواب الشرط فيما إذا اجتمع شرط وقسم.
قال: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ [ص ٨٥] (أي الناس) ﴿أَجْمَعِينَ﴾، ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ﴾ وحده، أو المراد الجنس؟ الجنس؛ ولهذا قال المؤلف: (بذريتك ﴿وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ أي الناس) الذين أقسمت أن تغويهم ﴿أَجْمَعِينَ﴾؛ ولهذا كانت النار دارًا لصنفين من المخلوقات فقط وهما: الجن والإنس؛ فالملائكة ليسوا من أهلها، والوحوش والحشرات وغيرها ليسوا من أهلها، لا يدخل النار إلا صنفان من المخلوقات وهم: الناس والجن.
يقول: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [ص ٨٦] ﴿قُلْ﴾ الخطاب للرسول ﷺ ﴿مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي: على ما جئت به وعلى تبليغه ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ ﴿مِنْ﴾ هذه زائدة، و﴿أَجْرٍ﴾ محلها النصب على أنها مفعول ثانٍ؛ لقوله: ﴿أَسْأَلُكُمْ﴾. واعلم أن (سأل) إن تعدت بـ(عن) فهي بمعنى الاستفهام، وإن تعدت بنفسها إلى مفعولين فهي بمعنى طلب العطاء، فإذا قلت: سألته عن كذا؛ يعني الاستفهام، وإذا قلت: سألته كذا؛ فهو طلب العطاء. هنا نقول: هي طلب العطاء ولَّا استفهام؟ طلب العطاء وعلى هذا فـ﴿أَجْرٍ﴾ محلها النصب.
وقوله (جُعْل) تفسير لـ﴿أَجْرٍ﴾ يعني لستُ أطلب منكم أن تعطوني دراهم، أو تعطوني أرزاقًا، أو تزوجوني بناتكم، أو تسكنوني قصوركم على تبليغ الرسالة، ولكنه ﷺ إنما يسأل الأجر ممن؟ من الله.
قال: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص ٨٦] (المتقوِّلين القرآن من تلقاء نفسي) يعني وما أنا من المتقوِّلين، ولكن عدل عن (المتقولين) إلى ﴿الْمُتَكَلِّفِينَ﴾؛ لأن القرآن لا يمكن أن يأتي بمثله البشر، حتى لو تكلَّف الإنسان، وبذل الجهد فإنه لا يمكن أن يأتي بمثله، ولما كان هذا القرآن لا يأتي بمثله البشر صار من أتى به مُتكلِّفًا لو كان جاء به من عنده فهو يقول: أنا لا أتقول القرآن، لا عن يُسْر، ولا عن كُلْفَة.
﴿إِنْ هُوَ﴾ [ص ٨٧] أي: (ما القرآن) ﴿إِنْ﴾ فسرها بـ(ما)، وقد ذكرنا علامة لـ(إن) التي بمعنى (ما) أن تأتي بعدها (إلا).
﴿إِنْ هُوَ﴾ (أي القرآن ﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ [ص ٨٧] عِظة ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ للإنس والجن العقلاء دون الملائكة)، هو ذكر للعالمين؛ الإنس والجن.
وقوله: (دون الملائكة) إن أراد بإخراج الملائكة أنهم لا يُكلَّفون بالعمل به فقد يكون مُسلَّمًا، وإن أراد أنهم لا يتذكرون به، ويتقربون به فهذا غير مُسلَّم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس ١١ - ١٦]، والمراد بهم الملائكة.
وقوله: ﴿ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [ص ٨٧] تقدم معنى الذكر في أول السورة، وتقدم قريبًا ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ [ص ٤٩]. وهذا الثالث، والمعنى أنه ذِكْر بنفسه، ويش بعد؟ شرفه وذكر بالوعظ به، يقول: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ﴾ [ص ٨٧، ٨٨] (يا كفار مكة ﴿نَبَأَهُ﴾ [ص ٨٨] خبر صدقه ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾ أي يوم القيامة).
قوله: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ﴾ جعل الضمير في (تعلمن) عائدًا إلى كفار مكة بِناءً على أن الخطاب المذكور في هذه السورة لأهل مكة؛ لأنها مكية، ولكن قد ذكرنا أن العبرة بالعموم لا بخصوص المكان أو السبب، والخطاب لجميع الناس ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين﴾ [ص ٨٨]. فإن هذا النبأ الذي أنبأ الله به بواسطة هذا القرآن الكريم سيعلمه الناس كلهم، وذلك ما أخبر به عما يكون يوم القيامة، فإن هذا القرآن أخبر عما يكون يوم القيامة، وهذا سيعلمه الناس كلهم بعد حين.
فيه أشياء أخبر عنها القرآن مضت وانقضت، فهذا علمها بعد حين من سبق هذه الحوادث وأدركها، وفيه حوادث ستأتي يعلمها بعد حين من يُدركها، وأما الذي يدركه جميع الناس فهو ما يكون يوم القيامة.
قال: ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص ٨٨] (أي يوم القيامة، وعلم بمعنى عرف)، لماذا قال: (علم بمعنى عرف)؟ لأنه تعدى إلى واحد ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ﴾ [ص ٨٨]. وعلم إذا تعدت إلى واحد فهي بمعنى (عرف)، كما تقول: علمت المسألة يعني عرفتها. قال: (واللام قبلها لام قسم مُقدَّر؛ أي: والله لتعلمن نبأه) والله أعلم.
* طالب: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [ص ٧٢] قلنا الروح هي..
* الشيخ: جسم لطيف.
* الطالب: جسم لطيف، والروح هذه أليست من روح الله سبحانه وتعالى؟
* الشيخ: لا، من مخلوقات الله.
* الطالب: (...).
* الشيخ: للتشريف؛ لأن هذه أمرها عجيب جدًّا، فأضافها الله تعالى للتشريف.
* طالب: (...).
* الشيخ: كما قلنا: إذا أضيف الشيء إلى الله لخصوصه فهو لتشريفه، وإن كان للعموم فهو لبيان شمول قدرة الله. وأتينا لكم بمثال ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية ١٣].
* طالب: شيخ، جزاك الله خيرًا، حديث مثل حديث: «الذُّبَابُ كُلُّهُ فِي النَّارِ»[[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (١٣٤٦٨)، وعبد الرزاق في المصنف (٩٤١٥) من حديث ابن عمر.]] .
* الشيخ: منين جئت به؟
* الطالب: سمعته.
* الشيخ: خلوه يثبت عن الرسول ونشوف وجهه.
* طالب: قلنا: إن الروح جسم لطيف؛ بمعنى أنه لا يُرى (...)، إذا قُبِض الروح تبعه البصر ولولا أنه يرى..
* الشيخ: نعم، ما يراه إلا الميت فقط.
* الطالب: فقط؟
* الشيخ: إي نعم، اللي عنده ما يرونه لا يبصرونه.
* طالب: الفرق بين المستكبر والمتكبر.
* الشيخ: المتكبر والمستكبر؟
* الطالب: مستكبر ومتكبر؟
* الشيخ: مستكبر ومتكبر؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما جاءت، في الفوائد هذه؟
* طالب: بعض الناس يستبعد (...) يستبعد الإجابة (...) المعاصي (...) إبليس (...).
* الشيخ: إي، هذه لحكمة ليس رأفة بإبليس، هذا في الحقيقة من شقاء إبليس؛ لأنه كلما بقي ازداد الشر عليه؛ لأن عليه إثم من أضله. مع أن هذه تأتي في الفوائد لكن هذا جواب حصل الحمد لله، إنما يجب ألا نستسلم.
يقول الله عز وجل: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾ إلى هذا الحد ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾ وفي قراءة: ﴿حَتَّى يَقُولُ﴾ يعني إلى حد أن الرسول -وهو أشد الناس يقينًا- يقول: ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ يعني يستعجلون النصر ما يصبر، ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة ٢١٤]؛ ولهذا ينبغي لنا أن نؤمن بأنه كلما اشتدت الأزمة والكرب فهو أقرب إلى الفرج. لكن الله عز وجل يقول: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [محمد ٤]، الله قادر على أنه في لحظة ينتصر منهم، ويهلكهم جميعًا لكن ليبلو بعضكم ببعض، والناس مذنبون ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام ١٢٩].
فللذنوب التي تجرأ الناس عنها من أزمنة متطاولة حصلت هذه العقوبات؛ يعني مثلًا لو نظرنا إلى بعض البلاد الآن التي لها سنوات عديدة والدماء تجري في أسواقها؛ لأنها كانت من أزمنة طويلة متمادية في معصية الله حتى إنه بلغنا أن الإنسان منهم إذا انتهى من الخبزة ضرب بها على الأرض وداسها بقدمه والعياذ بالله، وأنهم يدوسون البرتقال والتفاح وغيره بأرجلهم، ويلعبون بها كما يُلعب بالكرة، وانظر ويش اللي حصل الآن؟! وسيفعل الله عز وجل بكل أحد يستكبر عن عبادته ويكفر نعمته؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يبالي بأحد. ليس بينه وبين أحد محاباة أو قرابة أو نسب حتى يقول: هذا أحابيه، وهذا أرحمه، وإذا جاءت العقوبة عمت الصالح والطالح مثلما مر علينا أمس في درس العصر في« الجيش الذي يغزو الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خُسِف بهم جميعًا، وسألت عائشة النبي عليه الصلاة والسلام، قالت: يا رسول الله، فيه أسواقهم، وفيه كذا، وفيه كذا من أناس ما قصدوا هذا الشيء، فقال: «يُخْسَفُ بِهِمْ جَمِيعًا وَيُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢١١٨)، ومسلم (٢٨٨٤ /٨) من حديث عائشة.]] . فالحاصل أن هذا اللي يحصل من استبعاد الإجابة غلط من الإنسان، بل يلح ويُكرِّر، والله عز وجل قريب مجيب.
* طالب: قوله: ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص ٧٥] يعني فيه بعض الملائكة ما وصله خبر السجود لآدم.
* الشيخ: لا، ﴿مِنَ الْعَالِينَ﴾ مرتبة ما هو مكانًا.
* الطالب: يعني سمعت بعض المفسرين يقول: إنه.
* الشيخ: لا، ما هو بصحيح.
* طالب: حديث: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ»[[أخرجه الطيالسي (٢٢١٧)، وأبو يعلى (٤١١٦) من حديث أنس.]] .
* الشيخ: «عَقِيرَانِ»، صحيح، هذا ما هو عقوبة لها، إهانة لعابديها، كل ما يُعبد من دون الله فإنه يُلقى في جهنم إهانة لعابديه، يقال: هذا ربك اللي تعبد انظره في النار، حتى هُبل واللات ومناة كلها تكون في النار مع أنها غير مُكلَّفة لكن إهانة للعابدين، مثلما لو غلبنا على الكفار، وأتينا برئيسهم، وقلنا: هذا رئيسكم وضربناه ووبَّخناه وأهنَّاه، هذا إهانة لهم.
* الطالب:في قوله: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥] هنا في ذكر داود عليه السلام..
* الشيخ: الأيدي.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هل الله ما له إلا قوتان؟ أقول: ما له إلا اثنتان (...)، القوة تُستفاد من قوله: خلقت؛ لأنه لا يخلق إلا القادر، وأما بيدي فخارجة عن حد الخلق. (...)
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص ٦٥].
* في هذه الآية من الفوائد: أمر النبي ﷺ بإعلان رسالته؛ لقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ﴾.
* ومن فوائدها أنه ينبغي في الكلام مراعاة الحال، حيث إن المقام هنا مقام تهديد؛ فلهذا اقتصر على الإنذار فقط مع أن الله تعالى قال: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [البقرة ١١٩].
* ومن فوائدها: توحيد الله تعالى بالألوهية ونفيها عما سواه؛ لقوله: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾.
* ومن فوائدها: أن الأسماء لا تُغَيِّر المسميات؛ فإن هناك من يُسمَّى إلَهًا ولكنه حقًّا ليس بإله.
* ويتفرع على هذه الفائدة:أننا لو سمينا الشيء المحرم باسم حلال فإنه لا يتغير الحكم فيه؛ ولهذا جاء في الحديث: «أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أُنَاسٌ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا»[[أخرجه أبو داود (٣٦٨٨)، وابن ماجه (٤٠٢٠) من حديث أبي مالك الأشعري.]] . وهذا يدل على أن الأسماء لا تُغَيِّر المسميات والحقائق.
* ومن فوائد الآية: إثبات الوحدانية لله في قوله: ﴿الْوَاحِدُ﴾.
* ومن فوائدها: الرد على النصارى القائلين: بأن الله تعالى ثالث ثلاثة.
* ويتفرع على هذه الفائدة أيضًا: أن دينهم كذب، وأعني دينهم الذي يدينون به الآن؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يأتي بآلهة متعددة؛ ولهذا يقول الله له يوم القيامة: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ [المائدة ١١٦، ١١٧] الآية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات القهر التام لله عز وجل؛ لقوله: ﴿الْقَهَّارُ﴾، وهذا يستلزم للمؤمن به أن يخاف من الله عز وجل من قهره، ويستلزم أيضًا تقوية المؤمن الواثق بالله في قهر أعدائه؛ لأنك إذا وثقت بأن الله هو القهار، وأن الله معك لكونك أتيت بالأوصاف التي تستوجب معية الله لك فإن هذا يقويك على عدوك، وتعلم أن هذا العدو لا بد أن يكون مقهورًا بقهر الله عز وجل.
ثم قال عز وجل: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص ٦٦] فيها إثبات عموم ربوبية الله عز وجل؛ لقوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾؛ لأن السماوات والأرض وما بينهما هي كل الكون الذي نعلم به، ولعل العرش والكرسي داخل في السماوات من حيث العلو.
* ومن فوائدها: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما ﴿الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾، وإثبات ما تضمناه من الصفة مجتمعين ومنفردين، وهما العزة والمغفرة، وكون العزة والمغفرة مجتمعين أقوى وأشد وأعظم في كمال العزة والمغفرة.
ثم قال: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص ٦٧، ٦٨].
* من فوائد هذه الآية: عِظَم ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من الوحي، وأنه نبأ عظيم، وهذا كقوله: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ [النبأ ١ - ٣].
* ومن فوائدها: أنه متى عظم هذا النبأ عظم من يأخذ بهذا النبأ؛ لأنه أساس ومنهاج وطريق. فإذا عظم عظم الآخذ به؛ ولهذا كانت الأمة الإسلامية عظيمة مرموقة مهيبة حين كانت آخذة به.
* ومن فوائد هذه الآية: القدح فيمن أعرض عن هذا النبأ العظيم؛ لقوله: ﴿أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ يعني فكيف يليق بكم أن تُعرضوا عنه مع أنه نبأ عظيم؟!
ثم قال الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص ٦٩] في هذه الآية نفي عِلْم الرسول ﷺ بالغيب سواء كان مستقبلًا أم حاضرًا لكنه غائب عنه؛ لأن قوله: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ [ص ٦٩] هو نفي علم بملأ موجود لكنه غائب عنه، فإذا كان لا يعلم الغائب عنه مع وجوده فالغائب عنه المنتظر من باب أولى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الملأ الأعلى وهم الملائكة.
* ومن فوائدها: بيان علو مرتبة الملائكة كما أن مكانهم كذلك عالٍ؛ لأنهم في السماوات كما قال تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم ٢٦]، وعُلُوّ المرتبة فيهم اختلف العلماء هل هي أعلى من البشر الصالحين أم صالحو البشر أعلى من الملائكة وأفضل؟ فمنهم من قال: إن الملائكة أفضل، ومنهم من قال: إن صالحي البشر أفضل، والنزاع هنا قليل الفائدة؛ لأننا نعلم أن الملائكة لهم خصائص لا يلحقهم فيها البشر، وللبشر خصائص لا يلحقهم فيها الملائكة، فالتفضيل على الإطلاق لا يصح؛ لأن هؤلاء لهم ميزة وهؤلاء لهم ميزة.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الملائكة أفضل باعتبار كمال البداية؛ لأنهم خُلقوا من نور، والنور أكمل وأفضل من الطين والتراب، وأن البشر أفضل باعتبار كمال النهاية؛ لأن البشر يكونون في رحمة الله، والملائكة أنفسهم يدخلون عليهم من كل باب يهنئونهم: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد ٢٤].
ولكن الذي أرى أنه ينبغي أن يُقال: إن التفضيل ليس باعتبار البداية والنهاية بل باعتبار بعض الخصائص التي تكون لهؤلاء دون هؤلاء.
* ومن فوائد الآية: إثبات أن الملائكة ذوو عقول؛ لقوله: ﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات المناظرة والمخاصمة بين الملائكة كما هي أيضًا تكون بين الرسل وأقوامهم وبين أتباع الرسل بعضهم مع بعض.
ثم قال: ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِين﴾ [ص ٧٠] في هذه الآية إثبات الرسالة للرسول ﷺ؛ لقوله: ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ والوحي يكون للرسول إذا كان أُوحِي إليه أن يُنذر الناس ويُبشر الناس، ولكن الوحي أحيانًا يكون بالإلهام كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ [النحل ٦٨]، فهذا وحي إلهام، وكما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص ٧] هذا أيضًا وحي إلهام وليس وحي نبوة وإرسال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن رسول الله ﷺ نذير.
* ومن فوائدها: إثبات أنه ﷺ مبين لكل ما أنذر به؛ لأن معنى مبين؟
* طالب: معنى مبين هو ظاهر.
* الشيخ: لا، هذا كلام المؤلف لكن نحن ذكرنا معنى آخر.
* طالب: مُظْهِر.
* الشيخ: مُظْهِر للحق والوحي الذي جاء به.
* ومن فوائدها: أنه لا يمكن أن يكون في شريعة النبي ﷺ شيء مجهول أبدًا بل كل ما جاء به فهو بَيِّن، لكن الجهل أمر نسبي قد يكون المجهول شيئًا معينًا لبعض الناس وهو بَيِّن معلوم لأناسٍ آخرين.
ثم قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾ [ص ٧١] إلى آخر الآيات. في هذه الآيات إثبات الكلام لله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ﴾ [ص ٧١]، وإثبات أن كلامه بصوت مسموع تسمعه الملائكة في هذه القصة، وإثبات أنه بحرف..
ومن فوائدها: إثبات أنه ﷺ مبين لكل ما أنذر به؛ لأن معنى مبين؟
* طالب: معنى مبين واضح.
* الشيخ: لا، هذا كلام المؤلف، لكن نحن ذكرنا معنى آخر، نعم.
* طالب: مظهر.
* الشيخ: مظهر للحق والوحي الذي جاء به.
* ومن فوائدها: أنه لا يمكن أن يكون في شريعة النبي عليه الصلاة والسلام شيء مجهول أبدًا، بل كل ما جاء به فهو بين، لكن الجهل أمر نسبي، قد يكون المجهول شيئًا معينًا لبعض الناس، وهو بين معلوم لأناس آخرين.
ثم قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾ [ص ٧١] إلى آخر الآيات، في هذه الآيات إثبات الكلام لله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ﴾، وإثبات أن كلامه بصوت مسموع تسمعه الملائكة في هذه القصة، وإثبات أنه بحرف، أي بحروف متتابعة يتبع بعضها بعضًا؛ لقوله: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾ وكل هذا تأييد لمذهب أهل السنة والجماعة.
وفيه أيضًا إثبات أن الكلام يتعلق بمشيئته، حيث ذكر هذا القول في وقت معين، وفي هذا رد على مذهب من سوى أهل السنة والجماعة؛ كالأشاعرة والمعتزلة وغيرهم.
* ومن فوائد هذه الآيات: إثبات الخلق لله وأنه متعلق بمشيئته؛ لقوله: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا﴾ أي: سأخلقه.
* ومن فوائدها: إثبات أن أصل بني آدم هو الطين، ولهذا جاءت طبائع بني آدم وألوان بني آدم جاءت مختلفة كاختلاف تربة الأرض؛ فيها السهل واللين، والأحمر والأبيض والأسود، والحزن والصعب؛ لأنهم خُلقوا من هذه التربة، فصار اختلافهم كاختلاف الأصل الذي خلقوا منه.
وفيه إثبات أن بني آدم خلقوا من الطين، وفي آية أخرى أنهم خلقوا من تراب، وفي آية ثالثة ﴿مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن ١٤] ولا منافاة بين هذه الأشياء، أو بين هذه الآيات؛ لأن التراب أصل الطين، والطين أصل الصلصال الذي كالفخار؛ فإنه تراب يُضاف إليه الماء يكون طينًا، يمكث مدة ثم يتحجر فيكون صلصالًا.
* ومن فوائد هذه الآيات: إثبات الأفعال لله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ [ص ٧٢] وأن أفعاله تتعلق بمشيئته؛ لأن (إذا) شرطية تفيد المستقبل.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الله تعالى أتم خلق آدم وسواه؛ كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤].
* ومن فوائدها: تشريف الروح التي نفخت في آدم؛ لقوله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾، وهذا تشريف من وجهين:
الوجه الأول: أن الله هو الذي نفخ، ولم يأمر أحدًا من الملائكة بنفخها.
والثاني: أن الله أَضاف هذه الروح إلى نفسه المقدسة.
* ومن فوائد الآية: أن العبادة طاعة الله على أي وجه كانت، حتى وإن كانت محرمة في وقت من الأوقات؛ لقوله: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾، والسجود لغير الله شرك، لكن لما أمر الله به صار طاعة وصار الاستكبار عنه كفرًا.
* ومن فوائد هذه الآيات: جواز تعليق الأمر بالشرط؛ لقوله: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾، ويتفرع على هذا أنه إذا جاز تعليق الأمر بالشرط فإن المأمور به أيضًا يمكن أن ينفذ فيه الشرط، ولهذا قال الرسول ﷺ لضباعة بنت الزبير وقد اشتكت إليه عند إرادة الحج؛ قال: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي؛ فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ»[[أخرجه النسائي (٢٧٦٦)، والدارمي (١٨٥٢)، من حديث ابن عباس.]].
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الملائكة ذوو عقول يصح توجيه الخطاب إليهم وائتمارهم؛ لقوله: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ ثم قال: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ﴾ [ص ٧٣].
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الملائكة كلهم سجدوا، وظاهرها أن الملائكة سجدوا لا الذين في السماء الدنيا، ولا اللي في الثانية، ولا في الثالثة، ولا في الرابعة؛ لأن الآية عامة مؤكد عمومها بمؤكدين.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: جواز توجه الخطاب إلى العموم، وإن كان فيه من غير الجنس؛ لقوله: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [ص ٧٤] فإن إبليس بلا شك من غير الملائكة أصلًا ونهاية، لكنه كان فيهم، فصح أن يتوجه الخطاب إليه، وهذا ظاهر، لو أنك أمرت جماعة بالسجود وفيهم من ليس منهم، لكنه على صفتهم، ويعمل بعملهم فتخلف، فلا بد أن تلومه؛ لأن الخطاب موجه للجميع.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الاسم قد يحمل معنى المسمى؛ لأن إبليس يبدو أنه اسم عربي من الإبلاس؛ لأنه آيس من رحمة الله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآيات: ذم الاستكبار عن أمر الله؛ لقوله: ﴿اسْتَكْبَرَ﴾ [ص ٧٤].
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الاستكبار عن أمر الله كفر؛ لقوله: ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ يعني كان باستكباره من الكافرين.
وفرع بعض العلماء على هذا أن تارك الصلاة يكون كافرًا؛ لأنه إذا كان إبليس كفر بترك سجدة فما بالك بالذي يترك سجدات وركوعات وقيامًا وقعودًا، نعم، وهذا ليس ببعيد، يعني أن الاستدلال بهذه الآية على كفر تارك الصلاة ليس ببعيد.
* ومن فوائد هذه الآيات: توبيخ إبليس بترك السجود لمن شرفه الله عز وجل وأمر بالسجود له؛ لقوله: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥].
* ومن فوائدها: أن كلام الله تعالى يتعلق بمشيئته، حيث صدر هذا القول بعد استكبار إبليس وتركه السجود.
* ومن فوائدها: إثبات الخلق لله؛ لقوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات اليدين لله؛ لقوله: ﴿بِيَدَيَّ﴾، وهذه صيغة تثنية تفيد أن لله تعالى يدين اثنتين، وهو كذلك.
* ومن فوائدها: شرف آدم من حيث إن الله خلقه بيديه وفضله على غيره بهذا، إلا أن أهل العلم يقولون: إن الله غرس جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده.
* ومن فوائد هذه الآيات: الرد على أهل التعطيل الذين قالوا: إن المراد باليد النعمة والقوة، وذلك أن النعمة أو القوة لا تأتي بصيغة التثنية؛ لأن صيغة التثنية تدل على الحصر، وقوة الله غير محصورة، ونعمه أيضًا غير محصورة ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل ١٨].
* ومن فوائد هذه الآيات وأخص هذه الآية: أن يدي الله لا تماثل أيدي المخلوقين؛ لأن الله أضافها إلى نفسه، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه، فكما أن ذات الله مقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين فكذلك صفاته.
* ومن فوائد هذه الآيات: استعمال الحصر أو السبر والتقسيم في المناظرة والمجادلة؛ لقوله: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾، وقد سبق تفسيرها بأن المعنى: هل أنت استكبرت في نفسك وأنت لست أهلًا للعلو، أو كنت عاليًا في أصلك حتى تمتنع عن السجود.
* ومن فوائد هذه الآيات: ذم الاستكبار؛ لأن الاستفهام في قوله: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ للتوبيخ.
* ومن فوائدها: تنزيل الأشياء منازلها؛ لقوله: ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾؛ لأن العالي إذا كان عاليًا على غيره فإنه لا يمكن أن ينزل حتى يكون أنزل من غيره، بل كل أحد ينزل في منزلته.
* ومن فوائد هذه الآيات: بيان الدعوة الكاذبة التي ادعاها إبليس في قوله: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ [ص ٧٦].
* ومن فوائدها: أن الإنسان قد يعمى عن الحق فيستدل بما هو عليه، يظن أنه له؛ لقوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أن من قدم العقل على السمع فإنما هو متبع لخطوات الشيطان؛ لأن الشيطان قدم ما يدعي أنه عقل على السمع فأخطأ في ذلك. فهكذا كل من قدم العقل على السمع سواء في العلميات، وهي علم العقائد أو في العمليات، فإنه مشابه لإبليس متبع لخطواته. واعلم أن كل بلية تقع من تحريف الكلم عن مواضعه والاستكبار عن عبادة الله وغير ذلك، فأصلها من إبليس.
* ومن فوائد هذه الآية: إقرار إبليس بأن الله هو الخالق؛ لقوله: ﴿خَلَقْتَنِي﴾، ﴿وَخَلَقْتَهُ﴾.
* ومن فوائدها: أيضًا أن إبليس كان قد أقر بانحطاط منزلته عن الربوبية؛ لقوله: ﴿خَلَقْتَنِي﴾ والمخلوق لا يمكن أن يكون ربًّا.
* ومن فوائدها: أن إبليس أعلم بحقائق صفات الله من كثير من أهل التعطيل، فالذين فسروا اليد بالقوة هنا لو كان تفسيرهم صحيحًا لقال إبليس: يا رب وأنا خلقتني بيديك؛ لأن الله خلق إبليس بقوته كما خلق آدم، لكن إبليس فهم أن المراد باليد غير القوة، ولهذا لم ينقض فضيلة آدم لكونه خلق بيد الله.
* ومن فوائدها: أن إبليس باستكباره وإبائه صار مستحقًّا للطرد والإبعاد، ولهذا قيل له: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [ص ٧٧].
* ومن فوائدها: أن إبليس لما أخرج أبلغ بأنه مرجوم، والرجم زيادة على الطرد.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن إبليس ملعون؛ لقوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [ص ٧٨]، وفي آية أخرى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الحجر ٣٥]. فهل نقول: إن اللعنة المطلقة في قوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ﴾ هي المقيدة في قوله هنا: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي﴾ أو نقول: إن اللعنة هناك أعم، فعلى إبليس لعنة الله والملائكة والناس أجمعين يحتمل هذا، وهذا يحتمل أن نأخذه بالمطلق لأنه أعم، ويحتمل أن نحمل المطلق هناك على المقيد هنا.
* ومن فوائد هذه الآية: أننا لا ندعو على إبليس باللعنة؛ لأنه قد استحق هذه اللعنة بأمر الله، أو بخبر الله ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي﴾ فلا حاجة أن تقول: إبليس لعنه الله؛ لأنه ملعون، وقد قال ابن القيم رحمه الله على قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ إِذَا قِيلَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ»[[أخرجه أبو داود (٤٩٨٢) عن رجل من أصحاب النبي ﷺ.]] قال: إن مثل ذلك إذا دعي عليه باللعنة والتقبيح وما أشبه ذلك فإنه يتعاظم في نفسه، يعني كأنه لم يقدر عليه ذلك. فإذا كان قد قدر عليه فلا حاجة إلى أن أدعو الله له به، ولكن أستعمل ما أمر الله به في قوله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف ٢٠٠]، أليس النبي ﷺ قال للشيطان الذي تفلت عليه في صلاته؛ قال: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ»[[أخرجه مسلم (٥٤٢ / ٤٠) من حديث أبي الدرداء.]]، فالجواب: بلى، لكن الرسول ﷺ قيدها فقال: «أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللهِ» فقيدها.
* ومن فوائد هذه الآيات: إثبات الجزاء؛ لقوله: ﴿إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ والدين هنا بمعنى الجزاء.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الله أجاب طلب إبليس ودعائه، لكن لا إلى يوم يبعثون، بل ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [ص ٨١]. ويوم الوقت المعلوم هو يوم موت الناس حين ينفخ في الصور فيصعقون جميعًا.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الله قد يُقدِّر أسباب الشر لحكمة، وذلك بإجابة دعاء إبليس أن ينذره الله إلى يوم الوقت المعلوم، وإبليس لا شك أنه مبدأ كل شر، ولكن الله تعالى أبقاه لحكمة عظيمة، لولا بقاء إبليس ما وُجد عاص في الأرض، وإذا انتفى العصيان صار الناس أمة واحدة، ولم يكن للإيمان مزية، ولم يكن جهاد ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ولو كان الناس أمة واحدة لتعطلت كثير من شعائر الإسلام، فكان الحكمة في بقاء إبليس وفي بقاء ما يدعو إليه إبليس.
* ومن فوائد هذه الآيات: معرفة إبليس بالله، حيث أقسم بعزة الله أن يغوي بني آدم؛ لقوله: ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾.
* ومن فوائدها: أن من أسباب الإعانة أن يستعين الإنسان بما يناسب المقام من أسماء الله وصفاته؛ لأنه لم يقل: فبمغفرتك لأغوينهم، لو قال: فبمغفرتك ما ناسب المقام؛ لأنه يريد أن يتسلط، والسلطة يناسبها من الصفات العزة، يناسبها من الصفات العزة دون المغفرة.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن إبليس يعرف من صفات الله تعالى؛ لقوله: ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن إبليس وعد متوسلًا بعزة الله أن يغوي جميع بني آدم.
ويتفرع على هذه الفائدة أنه يجب الحذر من إبليس ووساوسه. فإذا قال قائل: ما الذي يعلمني بوساوس إبليس؟ فالجواب سهل: كل شيء يأمرك بمنكر فهو من إبليس، وكل ما يثبطك عن الخير فهو من إبليس. فاحذر! فإذا وجدت من نفسك تأخرًا في الخير فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا وجدت من نفسك إقدامًا على الشر فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة ٢٦٨].
* ومن فوائد هذه الآيات: مزية عباد الله المخلصين، حيث سلموا من إغواء من؟ إبليس.
* ومن فوائدها: أنه كل من كان لله أعبد كان أشد عصمة من الشيطان ووساوسه؛ لأنه استثنى من إغواء بني آدم، استثنى العباد المخلصين، والمعلق بوصف يقوى بقوة ذلك الوصف.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الله سبحانه وتعالى يمن على من يشاء من عباده فيخلصهم له؛ لقوله: ﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن قول الله تعالى كله حق؛ لقوله: ﴿وَالْحَقَّ أَقُولُ﴾ [ص ٨٤] وقدم المعمول لإفادة الحصر.
* ومن فوائدها: أن كل ما قدره الله فهو حق، سواء كان ملائمًا للبشر أم غير ملائم: وجه ذلك أن كل شيء قدره الله فهو كائن بقوله: ﴿كُنْ﴾ [البقرة ١١٧] و(كن) قول، فإذا كان كل ما قاله الله حقًّا لزم أن يكون كل ما قضاه حقًّا، وهو كذلك، ولهذا قال النبي ﷺ: «الْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالشُّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (٧٧١ / ٢٠١) من حديث علي بن أبي طالب.]].
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الشيطان في جهنم؛ لقوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ﴾ [ص ٨٥].
* ومن فوائدها: أن الله وعد جهنم بملئها، ويتفرع على هذه الفائدة الحذر الشديد من أن يكون الإنسان من أهل جهنم، نعوذ بالله منها. وقد ثبت في الصحيحين أن جهنم لا تزال يُلقَى فيها وهي تقول: هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها رجله أو عليها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦٦١)، ومسلم (٢٨٤٨ / ٣٧) من حديث أنس بن مالك.]].
* ومن فوائد هذه الآيات: أن للشيطان أتباعًا؛ لقوله: ﴿وَمِمَّنْ تَبِعَكَ﴾، فإذا قيل: من أتباعه؟ قيل: المستكبرون عن عبادة الله؛ لأن أعظم ميزة يتميز بها الشيطان أنه مستكبر عن طاعة الله. فكل من استكبر عن طاعة الله فإنه متبع للشيطان.
ثم قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص ٨٦].
* في هذه الآية من الفوائد: أن الله أمر نبيه ﷺ أن يعلن بأنه لا يسأل على الرسالة أجرًا، يعني أجرًا دنيويًّا، وأما أجر الآخرة فلا شك أن النبي ﷺ يرجوه؛ لأنه هو الدال على الخير الآمر به، ولهذا منع ورثة الرسل من أن يرثوا شيئًا من أموالهم خوفًا من أن يقال: إنما اكتسبه الرسل من أجل الرسالة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»[[أخرجه مسلم (١٧٦١ / ٥٦) من حديث أبي هريرة.]] ولَّا صدقةً؟ صدقةٌ يتعين، وأما قول الرافضة أنه بالنصب« «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» » فهذا تحريف لفظي ومعنوي؛ وذلك لأن ما ترك صدقة لا يورث لا من الأنبياء ولا من غيرهم، لو أوصى الإنسان بشيء يجعل صدقة بعد موته نفذ ولم يورث؛ لقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء ١١] إلا أن ما زاد على الثلث يكون راجعًا إلى اختيار الورثة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي ﷺ لا يسأل الناس أجرًا على دعوة الخلق إلى الحق، وهل هذا خاص به أو عام له وللأمة، أي أنه يحرم على الإنسان أن يأخذ شيئًا عن تبليغ الشريعة؟
الجواب أنه متى وجب الإبلاغ حرم أخذ الأجر عليه؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ أجرًا في مقابل قيامه بالواجب، أما إذا كان ليس بواجب فلا بأس أن يأخذ أجرًا؛ لأنه يكون تطوعًا؛ إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل.
فإذا قال: أنا لا أحبس نفسي إلا بأجر، قلنا: لا حرج ما دام الإبلاغ ليس واجبًا.
ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ»[[أخرجه البخاري (٥٧٣٧) من حديث ابن عباس.]]، لكن متى وجب تعليم القرآن على شخص فإن أخذه أجرة على هذا التعليم يكون حرامًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي ﷺ صادق فيما أخبر به من الوحي؛ لقوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص ٨٦].
* ومن فوائدها: الإشارة إلى أن من الناس من يتقول على الله فيدعي أنه رسول وليس كذلك، وحينئذ نقول: من ادعى الرسالة فإن جاء بآية تدل على صدقه فهو رسول، وإلا فليس برسول، هذا فيما قبل النبي ﷺ، أما ما بعد النبي فمن ادعى الرسالة فهو كاذب؛ لأن الله يقول :﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٤٠]. فمن ادعى الرسالة أن الله أرسله بعد محمد ﷺ فهو كاذب مرتد عن الإسلام يجب قتله. ولا يرد على هذا أن عيسى ينزل في آخر الزمان.
* * *
* الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب اللباس
باب قول الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ [الأعراف ٣٢].
وقال النبي ﷺ: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ»[[أخرجه النسائي (٢٥٥٩) وابن ماجه (٣٦٠٥) من حديث عبد الله بن عمرو.]].
وقال ابن عباس: «كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ؛ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ؛ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ »[[مصنف ابن أبي شيبة (٢٥٢٥٦) من حديث ابن عباس.]].
* الشيخ: اللباس نوعان: لباس معنوي ولباس حسي، وقد أشار الله إليهما في قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا﴾ [الأعراف ٢٦] هذا الحسي، فالذي يواري السوآت هو اللباس الضروري الذي لا بد منه، والريش هو لباس الجمال والزينة الزائد على اللباس الضروري. ثم قال: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف ٢٦] وهذا هو اللباس المعنوي. والأصل في اللباس الحسي الأصل فيه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة ٢٩]، ولأن الله أنكر على من حرم زينة الله التي أخرج لعباده فقال عز وجل: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف ٣٢]، فأي إنسان يقول لنا: هذا اللباس حرام، سواء كان في عينه أو في وصفه، فإننا نطالبه بالدليل في عينه، بأن يقول: هذا النوع من اللباس حرام في وصفه، يعني شكل تفصيله أو تطريزه أو وشيه، فإننا نطالبه بالدليل.
فإذا قال إنسان: الحرير حرام، نقول له: هات الدليل، سيأتي بالدليل على تحريم الحرير على الرجال، وإذا قال إنسان: لباس الذهب حرام، نقول: هات الدليل، وسيأتي بالدليل على أنه حرام على الرجال، وإذا قال إنسان: الفضة حرام، نقول: هات الدليل، ولكن ليس فيه دليل على تحريم الفضة على وجه العموم، وإذا قال إنسان: المعادن الثمينة التي هي أثمن من الذهب والفضة لبسها حرام قلنا: هات الدليل، والأصل الحل في كل ما يلبس، سواء على بعض البدن أو على جميع البدن، إلا أنه لا بد من مراعاة أمرين: أولهما الإسراف، والثاني المخيلة، فالإسراف: مجاوزة الحد، وهو أمر نسبي، فقد يكون هذا الشيء إسرافًا عند قوم أو مع رجل، ويكون عند آخرين ليس بإسراف، أو عند رجل آخر ليس بإسراف، فإذا لبس الفقير لباس الغني كان إسرافًا؛ لأنه تجاوز الحد، فإن الله يقول: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [الطلاق ٧].
المخيلة أن يقصد الإنسان بذلك الخيلاء، يعني الترفع على الناس وأن له ثيابًا رفيعة، ومن ذلك أن يجر ثوبه خيلاء. فإذا قال إنسان: هل استعمال الحسن والجميل من اللباس داخل في المخيلة؟ الجواب: لا، إذا كان لم يصل إلى حد الإسراف فليس داخلًا في المخيلة، بل إن الله جميل يحب الجمال.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي طيب، انتظر إلا المعلق، نعم.
* طالب: كيف يكون التصدق فيه إسراف ومخيلة.
* الشيخ: إي ماذا تقولون؟ يمكن يسرف فيه، الصدقة يقول: هل يكون فيها إسراف ومخيلة؟ يمكن فيها مخيلة بأن يتصدق كثيرًا ليُرى، وكذلك الإسراف ربما يتصدق كثيرًا وينقص ما يجب عليه من نفقات أهله، فإن صح هذا التوجيه فهو واضح، وإن لم يصح فيقال قوله: «فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ» هذا عائدًا على ما سوى الصدقة.
* طالب: فعل أبي بكر.
* الشيخ: نعم.
* طالب: ما يساعد على أنه ما يدعي التصدق والإسراف أنه تصدق بماله.
* الشيخ: فعل أبي بكر رضي الله عنه قد يقال: إنه يعلم أن أهله يرضون بذلك ولا يطالبونه بالواجب، والحق لهم، فإذا رضوا بذلك فلا حرج.
* طالب: ما نقول: الإسراف في الصدقة إذا كان الشخص يحتاج إلى دراهم أن يعطيه فوق حاجته زيادة فيفسد هذا الشخص الثاني؟
* الشيخ: يعني باعتبار المعطى لا باعتبار المعطي، والله له وجه لكنه ليس إلى ذاك.
* طالب: الذي لا يصدق بحديث الذباب يقول: إن هذا ما يدخل في (...) بماذا نصفه؟
* الشيخ: نصفه بأنه جاهل، والواجب على المسلم إذا صح الحديث أن يسلم له.
* طالب: إذا كان من المحسوبين على العلم؟
* الشيخ: إي نقول: هو جاهل، الجهل جهلان: جهل مركب وجهل بسيط، فإذا كان هذا الإنسان ممن يعد من العلماء، وأنكر ما صح به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهو جاهل بلا شك.
* طالب: ما يبدَّع يا شيخ.
* الشيخ: لا، هذا ما فيه بدعة، الشيء المنصوص عليه ما يسمى بدعة، يعني مثلًا الزاني ما نقول: إنك مبتدع، كل شيء نص الشارع عليه فهو ما يسمى بدعة.
* * *
* الطالب: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم، يخبرونه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٧٨٣)، ومسلم (٢٠٨٥ / ٤٢).]].
* الشيخ: قوله: «لَا يَنْظُرُ اللهُ» » النظر نوعان: نظر رضا ورحمة، وهذا هو المنفي في هذا الحديث، ونظر إدراك واطلاع، وهذا لا يُنفى؛ لأن الله تعالى لا يُحجب عن نظره شيء، فلا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، وكل شيء فالله محيط به، لكن نظر الرضا والرحمة هذا منتفٍ عمن جر ثوبه خيلاء، وثوب هذا مفرد مضاف، فيعم كل ما يلبس من قميص وسراويل وإزار.
نقول: ومشلح؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم نقول: ومشلح، إي نعم، وهذا الحديث كما ترون له منطوق وله مفهوم، فمن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه، ومن جره غير خيلاء لم يثبت في حقه هذا الوعيد، لكنه يأتي وعيد آخر وهو «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَفِي النَّارِ»[[أخرجه البخاري (٥٧٨٧) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: من اشترى محرمًا كالدخان وهو له مبلغ يسير هل يدعى أن هذا إسراف.
* الشيخ: لا هذا ما يُعد من الإسراف، وإنما يعد من العمل المحرم، يعني من سوء التصرف والسفه؛ لأن الإسراف مجاوزة الحد والزيادة في الشيء.
* طالب: غمس الذباب من السنة.
* الشيخ: لمن أراد أن يشربه، وأما من أراد أن يريقه..
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، ما فيه شيء، هذا هو الأفضل، وغمسه لا شك أنه الأفضل، والأمر هنا للإرشاد لأجل أن يقابل الداء بالدواء.
* طالب: إن كان اللبس حلالًا، لكن ينافي العرف، هل هذا يعتبر دليلًا للتحريم؟
* الشيخ: اللبس حلال؟
* طالب: لكن ينافي عرف البلد.
* الشيخ: هذا يدخل في ثياب الشهرة، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن لبستين؛ لبس الشهرة ولبس الإسراف[[أخرجه الطبراني في الكبير (١٤١٣٦) من حديث ابن عمر.]]. فإذا أتى الإنسان بشيء يخالف عرف البلد ولكنه ليس محرمًا فإنه يدخل في لباس الشهرة.
{"ayahs_start":65,"ayahs":["قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ مُنذِرࣱۖ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُ ٱلۡوَ ٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ","رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَا ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ","قُلۡ هُوَ نَبَؤٌا۟ عَظِیمٌ","أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ","مَا كَانَ لِیَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰۤ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ","إِن یُوحَىٰۤ إِلَیَّ إِلَّاۤ أَنَّمَاۤ أَنَا۠ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ","إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ","فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ","فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ","إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","قَالَ یَـٰۤإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ","قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ","قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِیمࣱ","وَإِنَّ عَلَیۡكَ لَعۡنَتِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلدِّینِ","قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ","قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِینَ","إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ","قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ","إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ","قَالَ فَٱلۡحَقُّ وَٱلۡحَقَّ أَقُولُ","لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِینَ","قُلۡ مَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرࣲ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِینَ","إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ","وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِینِۭ"],"ayah":"قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق