الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هو نَبَأٌ عَظِيمٌ﴾ النَّبَأُ: الخَبَرُ. وفي المُشارِ إلَيْهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ القُرْآَنُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والجُمْهُورُ. والثّانِي: أنَّهُ البَعْثُ بَعْدَ المَوْتِ، قالَهُ قَتادَةُ. ﴿أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ أيْ: لا تَتَفَكَّرُونَ فِيهِ فَتَعْلَمُونَ صِدْقِي في نُبُوَّتِي، وأنَّ ما جِئْتُ بِهِ مِنَ الأخْبارِ عَنِ قِصَصِ الماضِينَ لَمْ أعْلَمْهُ إلّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ. ويَدُلُّ عَلى هَذا المَعْنى قَوْلُهُ: ﴿ما كانَ لِيَ مِن عِلْمٍ بِالمَلإ الأعْلى﴾ يَعْنِي المَلائِكَةَ ﴿إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ في شَأْنِ آَدَمَ حِينَ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البَقَرَةِ:٣٠]؛ والمَعْنى: إنِّي (p-١٥٥)ما عَلِمْتُ هَذا إلّا بِوَحْيٍ، ﴿إنْ يُوحى إلَيَّ﴾ أيْ: ما يُوحى إلَيَّ ﴿إلا أنَّما أنا نَذِيرٌ﴾ [أيْ]: إلّا أنِّي نَبِيٌّ أُنْذِرُكم وأُبَيِّنُ لَكم ما تَأْتُونَهُ وتَجْتَنِبُونَهُ.
﴿إذْ قالَ رَبُّكَ﴾ هَذا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: "يَخْتَصِمُونَ"، وإنَّما اعْتَرَضَتْ تِلْكَ الآَيَةُ بَيْنَهُما. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: اخْتَصَمُوا حِينَ شُووِرُوا في خَلْقِ آَدَمَ، فَقالَ اللَّهُ لَهُمْ: ﴿إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً﴾، وهَذِهِ الخُصُومَةُ مِنهم إنَّما كانَتْ مُناظَرَةً بَيْنِهِمْ. وفي مُناظَرَتِهِمْ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ قَوْلُهُمْ: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البَقَرَةِ: ٣٠]، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُقاتِلٌ.
والثّانِي: أنَّهم قالُوا: لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ خَلْقًا إلّا كُنّا أكْرَمَ مِنهُ وأعْلَمَ، قالَهُ الحَسَنُ؛ هَذا قَوْلُ الأكْثَرِ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «رَأيْتُ رَبِّي عَزَّ وجَلَّ، فَقالَ لِي: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأعْلى؟ قُلْتُ: أنْتَ أعْلَمُ يا رَبِّ، قالَ: في الكَفّاراتِ والدَّرَجاتِ، فَأمّا الكَفّاراتُ، فَإسْباغُ الوُضُوءِ في السَّبَراتِ، ونَقْلِ الأقْدامِ إلى الجَماعاتِ، وانْتِظارِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ. وأمّا الدَّرَجاتُ، فَإفْشاءُ السَّلامِ، وإطْعامُ الطَّعامِ، والصَّلاةُ بِاللَّيْلِ والنّاسُ نِيامٌ" .»
(p-١٥٦)(p-١٥٧)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أسْتَكْبَرْتَ﴾ أيْ: أسْتَكْبَرَتْ بِنَفْسِكَ حِينَ أبَيْتَ السُّجُودَ ﴿أمْ كُنْتَ مِنَ العالِينَ﴾ أيْ: مِن قَوْمٍ يَتَكَبَّرُونَ فَتَكَبَّرْتَ عَنِ السُّجُودِ لِكَوْنِكَ مِن قَوْمٍ يَتَكَبَّرُونَ؟!
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّكَ رَجِيمٌ﴾ أيْ: مَرْجُومٌ بِالذَّمِّ واللَّعْنِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ﴾ وهو وقْتُ النَّفْخَةِ الأوْلى، وهو حِينَ مَوْتِ الخَلائِقِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾ يَمِينٌ بِمَعْنى: فَوَعِزَّتُكَ. وما أخْلَلْنا بِهِ في هَذِهِ القِصَّةِ فَهو مَذْكُورٌ في [الأعْرافِ: ١٢] و [الحِجْرِ: ٣٤] وغَيْرِهِما مِمّا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ فالحَقُّ والحَقَّ أقُولُ﴾ قَرَأ عاصِمٌ إلّا حَسْنُونُ عَنِ هُبَيْرَةَ، وحَمْزَةُ، وخَلْفٌ، وزَيْدٌ عَنِ يَعْقُوبَ: "فالحَقُّ" بِالرَّفْعِ في الأوَّلِ ونَصْبِ الثّانِي، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٍ؛ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ في مَعْناهُ: (p-١٥٨)فَأنا الحَقُّ وأقُولُ الحَقَّ؛ وقالَ غَيْرُهُ: خَبَرُ الحَقِّ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: الحَقُّ مِنِّي. وقَرَأ مَحْبُوبٌ عَنِ أبِي عَمْرٍو بِالرَّفْعِ فِيهِما؛ قالَ الزَّجّاجُ: مِن رَفَعَهُما جَمِيعًا، كانَ المَعْنى فَأنا الحَقُّ والحَقُّ أقُولُ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ: بِالنَّصْبِ فِيهِما. قالَ الفَرّاءُ: وهو عَلى مَعْنى قَوْلِكَ: حَقًّا لَآَتِيَنَّكَ، ووُجُودُ الألِفِ واللّامِ وطَرْحُهُما سَواءٌ، وهو بِمَنزِلَةِ قَوْلِكَ: حَمْدًا لِلَّهِ. وقالَ مَكِّيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ: انْتَصَبَ الحَقُّ الأوَّلُّ عَلى الإغْراءِ، أيِ: اتَّبِعُوا الحَقَّ، واسْمَعُوا والزَمُوا الحَقَّ. وقِيلَ: هو نَصْبٌ عَلى القَسَمِ، كَما تَقُولُ: اللَّهَ لَأفْعَلَنَّ، فَتَنْصِبُ حِينَ حَذَفْتَ الجارَّ، لِأنَّ تَقْدِيرَهُ: فَبِالحَقِّ؛ فَأمّا الحَقُّ الثّانِي، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ الأوَّلَ، وكَرَّرَهُ تَوْكِيدًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِـ "أقُولُ"، كَأنَّهُ قالَ: وأقُولُ الحَقَّ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، وأبُو رَجاءٍ، ومُعاذٌ القارِئُ، [والأعْمَشُ]: "فالحَقِّ" بِكَسْرِ القافِ "والحَقَّ" بِنَصْبِها. وقَرَأ أبُو عِمْرانَ [الجَوْنِيُّ] بِكَسْرِ القافَيْنِ جَمِيعًا. وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو الجَوْزاءِ، وأبُو نَهِيكٍ: "فالحَقَّ" بِالنَّصْبِ "والحَقُّ" بِالرَّفْعِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ﴾ أيْ: مِن نَفْسِكَ وذَرِّيَّتِكَ.
﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ﴾ أيْ: عَلى تَبْلِيغِ الوَحْيِ ﴿وَما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ أيْ: لَمْ أتَكَلَّفْ إتْيانَكم مِن قِبَلِ نَفْسِي، إنَّما أُمِرْتُ أنْ آَتِيَكُمْ، ولَمْ أقُلِ القُرْآَنَ مِن تِلْقاءِ نَفْسِي، إنَّما أُوحِيَ إلَيَّ.
(p-١٥٩)﴿إنْ هُوَ﴾ أيْ: ما هُوَ، يَعْنِي القُرْآَنَ ﴿إلا ذِكْرٌ﴾ أيْ: مَوْعِظَةً ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ .
﴿وَلَتَعْلَمُنَّ﴾ يا مُعاشِرَ الكُفّارِ ﴿نَبَأهُ﴾ أيْ: خَبَرَ صِدْقِ القُرْآَنِ ﴿بَعْدَ حِينٍ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: بَعْدَ المَوْتِ. والثّانِي: يَوْمُ القِيامَةِ، رُوِيا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِالأوَّلِ يَقُولُ قَتادَةُ، وبِالثّانِي يَقُولُ عِكْرِمَةُ. والثّالِثُ: يَوْمُ بَدْرٍ، قالَهُ السُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ. وقالَ ابْنُ السّائِبِ: مَن بَقِيَ إلى أنْ ظَهَرَ أمْرُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلِمَ ذَلِكَ، ومَن ماتَ عِلْمُهُ بَعْدَ المَوْتِ. وذَهَبَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ هَذِهِ الآَيَةَ مَنسُوخَةٌ بِآَيَةِ السَّيْفِ، ولا وجْهَ لِذَلِكَ.
{"ayahs_start":67,"ayahs":["قُلۡ هُوَ نَبَؤٌا۟ عَظِیمٌ","أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ","مَا كَانَ لِیَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰۤ إِذۡ یَخۡتَصِمُونَ","إِن یُوحَىٰۤ إِلَیَّ إِلَّاۤ أَنَّمَاۤ أَنَا۠ نَذِیرࣱ مُّبِینٌ","إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی خَـٰلِقُۢ بَشَرࣰا مِّن طِینࣲ","فَإِذَا سَوَّیۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِیهِ مِن رُّوحِی فَقَعُوا۟ لَهُۥ سَـٰجِدِینَ","فَسَجَدَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ كُلُّهُمۡ أَجۡمَعُونَ","إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","قَالَ یَـٰۤإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ","قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ","قَالَ فَٱخۡرُجۡ مِنۡهَا فَإِنَّكَ رَجِیمࣱ","وَإِنَّ عَلَیۡكَ لَعۡنَتِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلدِّینِ","قَالَ رَبِّ فَأَنظِرۡنِیۤ إِلَىٰ یَوۡمِ یُبۡعَثُونَ","قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِینَ","إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ","قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ","إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِینَ","قَالَ فَٱلۡحَقُّ وَٱلۡحَقَّ أَقُولُ","لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ أَجۡمَعِینَ","قُلۡ مَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرࣲ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِینَ","إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ","وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِینِۭ"],"ayah":"قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِیَنَّهُمۡ أَجۡمَعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق