الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: (﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ في كل حال ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ عن خلقه ﴿الْحَمِيدُ﴾ المحمود في صنعه بهم).
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر ١٥] هذا النداء عام للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، الناس عمومًا. وصدر الله هذا الحكم بهذا الخطاب الذي هو النداء؛ لأجل التنبيه وبيان الاهتمام به.
وفي الحقيقة أنه قد يُقال: كل أحد يعلم أنه فقير إلى الله، لكن هل نحن عملنا بمقتضى هذا العلم؟ لا، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق ٦، ٧] فقرر الله تعالى هذه الحال الثابتة التي لا ينفك عنها إنسان -وهي الفقر إلى الله- من أجل أن يعمل بمقتضى هذه الحال، فيرجع إلى الله عز وجل، ولا يسأل إلا الله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ [فاطر ١٥] الجملة هذه جملة اسمية مفيدة الحصر؛ لأن طرفيها معرفتان ﴿أَنْتُمُ﴾ هذا ضمير معرفة، ﴿الْفُقَرَاءُ﴾ مُحلَّى بـ(أل) فهو معرفة.
﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ وغير الناس؟ أغنياء عن الله ولَّا لا؟ لا، لكن لما كان الإنسان هو الذي قد يرى نفسه مستغنيًا عن الله حصر الفقر فيه كأنه يقول: إن لم يكن أحد فقيرًا إلى الله فأنتم فقراء ولا بد، وإذا كان الإنسان العاقل المدبر لنفسه فقيرًا إلى الله فما بالك بالبهيمة، أليست أشد فقرًا؟! بلى هي أشد فقرًا إلى الله عز وجل من الإنسان، لكنه خاطب الإنسان بذلك؛ لأنه هو الذي يرى أنه قد استغنى عن الله وأنه غني عن الله.
بل بعض بني آدم عكس القضية، قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران ١٨١]، والعياذ بالله، فعكس القضية والواقع الذي تشهد به الفطرة.
قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر ١٥] ﴿إِلَى﴾ هذه للغاية؛ أي: أن فقركم مُنتهٍ إلى الله عز وجل، لا يسد عوزكم إلا الله.
ثم قال: ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ [فاطر ١٥] أي: ضد الفقر، والغني أي: المستغني عن غيره، كما قال الله تعالى في سورة التغابن: ﴿فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ﴾ [التغابن ٦]، فالله عز وجل ذو الغنى الواسع، ومع ذلك فإن غناه مقرون بحمده؛ ولهذا قال: ﴿الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر ١٥]، فهو غني يُحمد على غناه؛ لأنه يجود به على غيره، لكن بنو آدم قد يكون الإنسان منهم غنيًّا ولكن ليس حميدًا، فإذا كان غنيًّا وتسلَّط بغناه على غيره وفخر به على الناس ولم يقم بما يجب عليه صار غنيًّا حميدًا ولَّا لا؟ غير حميد، لكن الله عز وجل غني حميد.
وكلمة (حميد) يصح أن تكون بمعنى اسم الفاعل، ويصح أن تكون بمعنى اسم المفعول.
اسم الفاعل؛ لأنه سبحانه وتعالى حامِد، يحمد من عباده كل من يستحق الحمد منهم؛ ولهذا يثني على رسله وأنبيائه وعباده الصالحين، والثناء عليهم هو الحمد.
وهو أيضا محمود على أمرين: على ما له من كمال الصفات، وعلى ما له من كمال الإنعام، فهو محمود لكمال صفاته، ومحمود لكمال إنعامه.
وهنا نقول: الحميد محمود لكمال غناه، وكمال جوده بهذا الغنى ولَّا لا؟ لأنه ليس كل غني يكون محمودًا بالذي ما عنده من الغنى لكن الله عز وجل غني حميد.
وقوله: ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر ١٥] ﴿هُوَ﴾ مبتدأ، أيش؟
* طالب: ضمير فصل.
* الشيخ: ضمير فصل، وضمير الفصل له ثلاث فوائد؟ أيش لون هذا؟ اشرح لي هذه
* طالب: الله هو الغني؛ يعني ليس غير الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: ليس غيره، الله لا غير، كما نقول: زيد هو الفاضل؛ يعني لا غير، هذا واحد. هذه فائدة، الفائدة الثانية؟
* طالب: يفصل بين الخبر والصفة.
* الشيخ: الفصل بين الخبر والصفة؛ يعني التمييز بينهما، الثالث؟
* طالب: التوكيد.
* الشيخ: التوكيد، إذا قلت: زيد هو القائم؛ فهو أوكد من قولك: زيد قائم.
فالفائدة إذن فوائده ثلاث، ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر ١٥].
ثم قال: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [فاطر ١٦] جملة شرطية فعل الشرط ﴿يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ جواب الشرط.
﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ يعني بالإذهاب.
﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [فاطر ١٦] ﴿يَأْتِ﴾ غريب أن تكون مكسورة، وهي فعل مضارع؟
* طالب: مجزومة بحذف حرف العلة.
* الشيخ: مجزومة بحذف، وأصلها (يأتي)، لكن حُذِفت الياء؛ لأنها معطوفة على مجزوم ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾.
وقوله: ﴿يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (بدلكم) بخلق؛ أي: بمخلوق؛ بدليل قوله: ﴿وَيَأْتِ﴾ أي: بمخلوق جديد، فهذا مصدر أُريد به اسم المفعول؛ أي: بمخلوق كقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨ / ١٨)، واللفظ له، من حديث عائشة.]]. وكقوله تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان ١١] خلقه؛ أي: مخلوقه.
وقد يراد بالخلق المصدر كما في قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف ٥٤] لكن هنا المراد به اسم المفعول.
قال تعالى: ﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [فاطر ١٦] أي: بمخلوق جديد غيركم، كيف يذهبنا ويأتي بخلق جديد؟
إذا أهلكنا من أين يأتي الخلق الجديد؟ يخلق قبل الإذهاب ولَّا ويش؟
* طالب: بعده.
* الشيخ: طيب الآن قدرنا أن الخليقة الآن ذهبت، من أين يجي اللي بعده؟ الله قادر على أن يأتي بخلق جديد مستقل، هذا واضح، ثم هو أيضًا يمكن أن يُذهِب الموجودين بعد أن يأتي خلفُهم منهم، ولا يكون نشء الصغار يعتبر خلقًا جديدًا بالنسبة للكبار الذين هلكوا، وهذا كما قيل في بني إسرائيل لما امتنعوا عن دخول الأرض المقدسة وقالوا: إن فيها قومًا جبارين؛ ابتلاهم الله عز وجل وقال: ﴿إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة ٢٦]، فضاعوا ما بين مصر والشام مسيرة شهر، جلسوا فيه أربعين سنة ما اهتدوا إلى الطريق تائهين.
قال بعض العلماء ولا سيما المعاصرين منهم: لأجل أن يفنى ذلك الجيل المتغطرس الذليل، ويأتي جيل ناشئ في الصحراء قوي يريد أن يدخل البلاد المقدسة؛ لأنه ناشئ في الصحراء يريد المدن، فعنده قوة وإرادة تؤهله إلى دخول تلك الأرض؛ لأن الجيل الأول المتغطرس المعانِد فني في هذه المدة، هكذا قال بعض العلماء، ولا سيما المعاصرين منهم، قالوا: إن الحكمة في أن الله تعالى ضربهم بهذا التيه لأجل أن يفنوا الكبار، ويستجد الصغار، فالله أعلم.
إنما الله عز وجل قادر على أن يمحو الناس ويذهبهم ويأتي بخلق جديد؛ إما خلق مستقل، أو من ذرية هؤلاء، أو يُفني من في هذا الأرض مثلًا ويأتي آخرون يحتلون الأرض ولَّا لا؟
لها ثلاثة وجوه الآن: إما خلق جديد ومستقل، وإما ذرية القوم الذين ذهبوا، وإما قوم آخرون يأتون من بلاد أخرى ويحلون محل هؤلاء الذين ذهبوا، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد ٣٨].
قوله: ﴿مَا ذَلِكَ﴾ [فاطر ١٧] هذه ﴿مَا﴾ حجازية لتمام شروط عملها؛ لأن اسمها (ذا)، وخبرها (عزيز) لكن دخل على خبرها الباء الزائدة في الإعراب.
﴿وَمَا ذَلِكَ﴾ أي: إذهابكم والإتيان بخلق جديد.
﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر ١٧] ﴿عَلَى اللَّهِ﴾ جار ومجرور متعلق بـ(عزيز) مُقدَّم عليه.
وقوله: ﴿بِعَزِيزٍ﴾. قال المؤلف: (شديد)، والصواب: عزيز بمعنى ممتنع؛ لأن (عَزَّ) تأتي بمعنى (امتنع) كما مر علينا، وتأتي بمعنى (غلب)، وتأتي بمعنى (القدر)، وغلب معناها هنا تأتي بمعنى العزة والقدَر.
هنا ﴿بِعَزِيزٍ﴾ أي: بممتنع، والمؤلف رحمه الله قال: (بشديد)؛ لأن الشديد في حد ذاته ممتنع؛ لقوته وصلابته، إذا لم يكن عزيزًا على الله فهو سهل وعليه فنقول: إن هذه الصفة من الصفات السلبية التي نصف الله تعالى بها مع إثبات كمال ضدها فنقول: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر ١٧]؛ لكمال سهولته عليه فهو أمر هَيِّن عليه سبحانه وتعالى أن يذهب هؤلاء ويأتي بغيرهم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد ٣٨].
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر ١٨] لما بيَّن سبحانه وتعالى ما يؤول إليه أمر هؤلاء الكفار، وهدَّد من خرج عن طاعته بأنه قادر على أن يُذهبهم ويأتي بخلق جديد ذكر براءة غير الوازِرِين من الوازِرِين؛ يعني أن شرك هؤلاء المشركين لا يؤثر على أولئك المؤمنين الموَحِّدين.
قال: ﴿وَلَا تَزِرُ﴾، قال المؤلف: (نفس ﴿وَازِرَةٌ﴾ آثمة).
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر ١٨] ﴿وَازِرَةٌ﴾ أفادنا المؤلف بتقدير نفس، أن ﴿وَازِرَةٌ﴾ صفة لموصوف محذوف، تقديره: نفس.
وقوله: ﴿وَازِرَةٌ﴾ أي: آثمة، وهل المراد آثمة بالفعل، أو أنها من ذوات الوِزْر والإثم، وهو الْمُكَلَّف البالغ العاقل؟ يعني أن من يكون أهلًا لأن يأثم إذا فعل لا يتحمل إثم غيره، وتكون الفائدة من ذكر الوازِرة أن الصغير مثلًا لا يتحمل إثمًا لا له ولا لغيره بخلاف الكبير الذي يتحمل الإثم، فهل يتحمل إثم غيره؟
يقول عز وجل: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ [فاطر ١٨]، قال المؤلف: (آثمة أي لا تحمل).
كلمة ﴿تَزِرُ﴾ فسرها المؤلف بقوله: (أي: لا تحمل)، وهذا تفسير بالمراد، لا بالمعنى المطابق للفظ؛ لأن المعنى المطابق للفظ في ﴿تَزِرُ﴾ أي: تأثم؛ إذ إن الوزر هو الإثم ولكن مَرَّ علينا كثيرًا أن تفسير القرآن قد يُراد به التفسير المطابق للفظ، وقد يراد به التفسير بالمعنى المراد لا المطابق للفظ؛ أي: لا تحمل وِزْر نفس أخرى.
أفادنا أيضًا بقوله: (وزر نفس) صفة لموصوف محذوف تقديره: نفس؛ أي أن زيدًا لا يحمل إثم عمرو، وهندًا لا تحمل وزر فاطمة مثلًا، واضح؟ كل يحمل وزره، قال الله تعالى -مُبينًا ذلك في جملة تعتبر قاعدة-: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر ٣٨]، ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور ٢١]، أما من لم يكسب شيئًا فليس عليه من إثم الآخرين شيئًا، ولا يعارض هذا قول النبي ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]. لأن سنَّه إياه يعتبر وزرًا؛ لأنه هو الذي شق الطريق له، ومهد السبل؛ فلهذا كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فالآية هنا لا تنافي الحديث.
قال: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ [فاطر ١٨] (﴿وَإِنْ تَدْعُ﴾ نفس ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ بالوِزْر ﴿إِلَى حِمْلِهَا﴾ منه أحدًا ليحمل بعضه ﴿لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ ).
إن تدع أي: تطلب. ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ بماذا؟ بالأوزار ﴿إِلَى حِمْلِهَا﴾ ليُحمل عنها بعضه ﴿لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾، وجملة ﴿لَا يُحْمَلْ مِنْهُ﴾ جواب الشرط، الشرط قوله: ﴿إِنْ تَدْعُ﴾ وهو مجزوم بحذف الواو، والضمة قبله دليل عليه. و﴿لَا يُحْمَلْ﴾ هذا هو جواب الشرط و﴿شَيْءٌ﴾ نائب فاعل؛ يعني أنه كما أن الغير لا يحمل على الغير وزره فإنه حتى وإن دُعِي واستُنجد؛ ليحمل أو يُخفِّف عن الوازِر شيئًا لم يمكن ذلك، في الدنيا ربما يؤخذ الإنسان بجريرة غيره، في الدنيا أيضًا إذا استغاث بك إنسان قد حمل شيئًا ثقيلًا هل تنجده ولَّا لا؟ تنجده، لكن في الآخرة لو دعت نفس مثقلة إلى حملها أن يحمل أحد منه شيئًا؛ فإنها لا تُجاب إلى ذلك ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ [فاطر ١٨].
وقوله: ﴿شَيْءٌ﴾ نكرة في سياق النفي فتعم القليل والكثير.
وقوله: ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ هي أيضًا نكرة في سياق النفي فتعم أي مثقلة، مهما كانت هذه المثقلة فإنها إذا دعت أحدًا من الناس أن يحمل عنها من أثقالها لا يحمل منه شيء.
ثم قال: ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر ١٨] (﴿وَلَوْ كَانَ﴾ قال: (المدعو ﴿ذَا قُرْبَى﴾ قرابة كالأب والابن).
قوله: (﴿وَلَوْ كَانَ﴾ المدعو) ألا يمكن أن نقول: ولو كان الداعي؟ يمكن لكن متلازمان؛ لأن المدْعُوَّ إذا كان قريبًا من الداعي كان الداعي قريبًا له لكن أيهما أنسب من حيث السياق ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر ١٨]؟
* طلبة: المدعو.
* الشيخ: لكن ﴿إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾، المذكور هنا الداعي، ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر ١٨].
نقول: المدعو أقرب؛ لأنه لو كان المراد الداعي لكان -والله أعلم- الأنسب أن نقول: ولو كانت ذا قربى؛ لأنه قال: ﴿إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ [فاطر ١٨]، ومعلوم أن ضمير المؤنث ولو مجازًا يكون؟
* طالب: مؤنثًا.
* الشيخ: يكون مؤنثًا، ولَّا لا؟ قال ابن مالك:
؎وَإِنَّمَا تَلْزَمُ فِعْـــلَ مُضْــمَرِ ∗∗∗ مُتَّصِلٍ أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ
إذن ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر ١٨] صح ولو كانت الداعية، لكن لما قال: ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ مذكر عُلِم أن الفاعل غير الداعي.
وقوله: ﴿قُرْبَى﴾ أي: قرابة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال ٤١] أي: القرابة.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى ٢٣]، فالقُربى هنا بمعنى القرابة، لو أن الأب استنجد بابنه يوم القيامة أن يحمل عنه من أوزاره أجاب؟ لا، ما يجيب، بل ﴿يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾ [عبس ٣٤ - ٣٦] ليش؟ ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس ٣٧].
﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر ١٨] قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وعدم الحمل في الشقين حكم من الله).
قوله: (عدم الْحَمْل في الشقين) أين الشقان؟ قوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر ١٨] أي: لا تحمل.
﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ [فاطر ١٨]، وإذا كان من الله فإنه لا يمكن أحد أن يحمل عن أحد شيئًا ولو رضي، فلو أن أحدًا قال لشخص: آثامك عليَّ. يمكن يكون هكذا؟ ما يصح؛ لأن الذي لا يحمل هو الله؛ فالحكم من الله عز وجل، لو أن أحدًا استنجد بأحد أن يحمل عنه، ووافق على نجدته له ذلك ولَّا لا؟ لا؛ لأن هذا حكم من الله عز وجل، هذا الفعل في قوله: (وعدم الحمل في الشقين حُكْم من الله) أي فليس لأحد أن يتجاوزه يعني الحكم؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت ١٢]، قال الله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [العنكبوت ١٢]؛ يعني يقولون ذلك، ولكن هم ليسوا بصادقين في هذا التحمل ﴿إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
ثم قال: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت ١٣] لا بالتزامهم ولكن؛ لأنهم هم الأسوة والقدوة، فكانوا يحملون أثقالهم وأثقال من أضلوهم.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر ١٨] ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾، هذه الجملة فيها حَصْر، طريقه: ﴿إِنَّمَا﴾، والحصر ما هو؟
* طالب: حصر الشيء في الشيء.
* الشيخ: ما معنى حصر الشيء في الشيء؟
* الطالب: ﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر.
* الشيخ: إي: ما معنى الحصر؟
* الطالب: هو يعني أن يحصر.
* الشيخ: الشيء في الشيء. ما معنى حصر الشيء في الشيء؟ وكررتها أنا.
* طالب: إثبات الحكم في الشيء.
* الشيخ: إثبات الحكم في المذكور -وإن شئت فقل: في المحصور فيه- ونفيه عما سواه.
﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر ١٨] كأن يقال: ما تنذر إلا الذين يخشون ربهم.
و﴿تُنْذِرُ﴾ من الإنذار وهو الإعلام المقرون بالتخويف، هذا الإنذار الإعلام المقرون بالتخويف، وإن شئت فقل: الإعلام المراد به التخويف؛ لأنه يقال: (...) من هيئة الكلام والسياق مثلًا أنه للتخويف.
فمنذر الجيش يقول: واصباحاه! بس فيعرف الناس أن هذا إنذار للجيش.
إذن الإنذار معناه الإعلام المراد به التخويف، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول الله له: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر ١٨].
وقوله: ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ الخشية هي الخوف النابِع عن تعظيم المخوف والعلم به، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨].
وقولنا: إنه الخوف النابع عن تعظيم المخوف ليشمل من كان خائفًا، ولو كان هو قويًّا؛ يعني معناه القوي قد يخاف منه آخرون، فتكون هذه خشية، فإن خاف الضعيف من قوي فهو خوف؛ ولهذا نقول: إن الخشية أعظم من الخوف، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨].
وقوله: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [فاطر ١٨] أي: يخافونه خوفًا نابعًا من تعظيمهم له مع علمهم بأنه مستحق للتعظيم.
وقوله: ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر ١٨] الغيب ضد الشاهد والمعلوم، أي: (يخافونه وما رأوه)، فأفادنا أن قوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ حال من المفعول به؛ أي يخشون ربهم حال كونه غائبًا عنهم لم يروه، انتبهوا! هذا أحد الوجهين في الآية.
الوجه الثاني: يخشون ربهم حال كونهم غائبين عن غيره، فيكون الجار والمجرور حالًا من الفاعل؛ لأن من الناس من يُظهِر خشية الله أمام الناس لكنه إذا غاب عن الناس لم يخشَ الله.
هل يُمدَح هذا على خشيته؟ لا؛ لأنه مُراءٍ لكن الذي يخشى ربه بالغيب هذا هو الذي يُمدَح.
فإن قلت: هل يمكن أن تُحمل الآية على المعنيين، ويكون هؤلاء الذين مدحهم الله يخشون الله؛ مع أنهم لم يروه، يخشون الله في حال الغيبة عن الناس؟
فالجواب: نعم، وهذا من بلاغة القرآن أن يُعَبِّر بتعبير صالح لمعنيين لا يتنافيان، فهؤلاء القوم يخشون الله تعالى وهم لم يروه، ولكنهم يخشونه كأنهم يرونه؛ لأنهم يخشونه في الغيب والشهادة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]].
وقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر ١٨] لا ينافي أنه منذر لجميع الناس ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [فاطر ٢٤] ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٣]، وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على عموم إنذاره، لماذا؟ لأن المراد بالإنذار هنا الإنذار النافِع؛ أي إنما يؤثر إنذارك للذين يخشون ربهم بالغيب، أما من لا يخشى الله بالغيب فإنه وإن أُنذِر لا ينتفع بالإنذار؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله مشيرًا إلى ذلك: (لأنهم المنتفعون بالإنذار)؛ (لأنهم) أي: الذين يخشون ربهم بالغيب المنتفعون بالإنذار؛ فلهذا خص الإنذار بهم.
إذن الحصر هنا -حصر الإنذار في الذين يخشون ربهم بالغيب- المراد به حصر الانتفاع به، أو حصر نفعه، إنما يكون لمن؟ أما من لا يخشى الله فإن هذا لا ينفعه ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس ٩٦، ٩٧].
قال الله تعالى: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر ١٧] ما معنى هذا، ﴿وَمَا ذَلِكَ﴾ المشار إليه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أحسنت، أي: ممتنع، صح أي أنه سهل كامل السهولة.
قوله: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر ١٧] من أي الصفات؟
﴿يَخْشَوْنَ﴾ أي: على صلة الموصول.
وهنا قال: ﴿يَخْشَوْنَ﴾ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ فعطف الماضي على المضارع؛ لأن الخشية مستمرة في الأعمال كلها إقامة الصلاة وغيرها.
وقوله: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [فاطر ١٨] قال المؤلف: (أداموها). والحقيقة أن إقامة الصلاة أعم مما قال، ففي تفسيره قصور؛ لأن إقامة الصلاة تشمل إتمامها وإكمالها والمحافظة عليها والمداومة عليها.
واستمع إلى قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون ١، ٢] هذا من إقامته، أيش يقول فيها؟
ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون ٩] هذا أيضًا من إقامتها، يحافظ عليها، ويحرص عليها، على واجباتها ومكملاتها وأوقاتها.
وقال في سورة (السائل): ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج ٢٣]، وفي آخرها قال: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [المعارج ٣٤]. فإقامة الصلاة تشمل كل ما فيه إكمالها وإتمامها وإدامتها، فهو أعم مما قال المؤلف.
وقوله: ﴿الصَّلَاةَ﴾ [فاطر ١٨] يشمل الفرض والنفل؛ لأن (أل) تفيد العموم؛ أي: أقاموا كل صلاة، والصلاة معروفة هي في اللغة: الدعاء.
وفي الشرع: التعبُّد لله سبحانه وتعالى بأقوال وأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
قال: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر ١٨] الجملة هذه شرطية، وفِعْل الشرط فيها ﴿تَزَكَّى﴾ وجوابه: ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾.
وقال: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى﴾ قال المؤلف: (تطهَّر من الشِّرْك وغيره).
﴿تَزَكَّى﴾ أي: تطهر من الشِّرْك وغيره؛ لأن الزكاة تفيد معنى الطهر، والمراد بالتزكي هنا هو ما دل عليه قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى ١٤]، وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس ٩]؛ أي: مَنْ زكَّى نفسه؛ أي: طهَّرها من الشِّرْك.
وقول المؤلف: (وغيره) كإرادة السوء مثلًا والمعاصي وإرادة المساوئ إلى الخلق، وغير هذا مما يجب على الإنسان أن يطهر نفسه منه، فهي إذن عامة.
هل يدخل في ذلك أداء الزكاة؟ نعم، يدخل في ذلك؛ لأن أداء الزكاة تطهر من البخل ومن (...) فهي داخلة في قوله: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى﴾ [فاطر ١٨].
وقوله عز وجل: ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر ١٨]، والمراد بهذا الحث على التزكِّي؛ لأنك إذا تزكَّيْت فإنما تنفع نفسك؛ لأن (...) يتزكى فضرره على نفسه، فأنت إذا تزكيت فالذي ينتفع بتزكيك أنت نفسك، فالله عز وجل لا ينتفع بطاعتك، أما غير الله فقد ينتفع بطاعتك، لا لأن حسناتك له، ولكن قد ينتفع بطاعتك بالقدوة بك، وبما يحصل من عِلْم أو غير ذلك مما هو داخل في التزكية.
وقوله: ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر ١٨] أي: فعليه أن يحرص على التزكِّي.
﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر ١٨] ﴿الْمَصِيرُ﴾ بمعنى (المرجِع)، كما قال المؤلف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. و﴿الْمَصِيرُ﴾ مبتدأ مؤخر، وهذه الجملة تفيد الحصر؛ لأنه قُدِّم فيها الخبر وحقه التأخير؛ يعني: إلى الله وحده المصير؛ أي المرجع.
هل هو في الدنيا أو في الدنيا والآخرة؟ في الدنيا والآخرة، إلى الله المصير في الدنيا والآخرة، فمرجع الأمور كلها إلى الله عز وجل، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
الأحكام الشرعية مرجعها إلى مَنْ؟ إلى الله ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠].
الأحكام الكونية مرجعها إلى الله ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة ٢٥٣].
الأحكام الجزائية اللي تكون يوم القيامة مرجعها إلى الله، فمصير كل شيء إلى من أبدع وأحدث كل شيء فالذي أبدع الأمور وأحدثها هو الله. إذن مرجعها إلى الله، فمنه المبتدأ وإليه المنتهى.
قال المؤلف -تفريعًا على قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر ١٨]-: (فيجزي بالعمل في الآخرة)، وهذا إشارة من المؤلف إلى أنه قصر المصير هنا للمرجع يوم القيامة.
والصواب: العموم، وعلى هذا فهو سبحانه وتعالى يجازِي ويحكم قدرًا ويحكم شرعًا بين عباده.
والفوائد الآن من؟
قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر ١٥].
* في هذه الآية فوائد كثيرة، منها: أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله عز وجل مهما بلغوا في الغنى والقوة فإنهم مفتقرون إلى الله؛ لقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾. وهذا لفظ عام لا يخرج منه شيء.
* ومنها: بيان شدة حاجة الناس إلى الله؛ لقوله: ﴿أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ بـ(أل) ﴿الْفُقَرَاءُ﴾ لو قال: فقراء لكان أهون لكن الفقراء معناه في جميع أحوالنا كلها مفتقرون إلى ربنا سبحانه وتعالى.
* ومنها، من فوائد الآية: بيان غِنى الله عن كل أحد؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ [فاطر ١٥].
* ومنها: أن لله الغنى المطلَق من جميع الوجوه يستفاد هذا من قوله: ﴿الْغَنِيُّ﴾ (أل) الدالة على العموم والاستيعاب.
فإن قلت: كيف تقول: إن الغنى لله وحده هو الغني؛ يعني ضمير الفصل يدل على الحصر، ولعلنا نأخذ هذه الفائدة أولًا.
* ومن فوائدها: أن الغني الكامل المطلق خاص بمن؟ بالله سبحانه وتعالى؛ بدليل قوله: ﴿هُوَ الْغَنِيُّ﴾ [فاطر ١٥].
فإن قلت: كيف تجمع بين هذا وبين ثبوت الغِنى لغير الله في الكتاب وفي السنة، قال الله تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة ٢٧٣]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»[[ متفق عليه؛ البخاري (١٤٩٦)، ومسلم (١٩ / ٢٩) من حديث عبد الله بن عباس.]]. فثبت بالكتاب والسنة أن البَشر فيهم الغني، كيف يثبت؟
الجواب: أن غِنى البشر غنى محدود نسبي قاصِر قابِل للزوال كما أنه كان حادثًا، أما غِنَى الله فهو غنى مُطلق كامل أزلي أبدي، (...) ما ثبت في الملك والخلق والتدبير وما أشبه ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: (...) الفقراء والغني فيها نوع كمال لله سبحانه وتعالى، يتبين به نقص البشر تجاه كمال الله، ونظيره قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن ٢٦]، ثم قال: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ﴾، [الرحمن: ٢٧] ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص ٨٨]، فإن وصف المخلوق بالنقص، ثم إثبات الكمال لله هذا فيه دليل على كمال الله عز وجل، وأن كماله واضح جدًّا؛ لأنك إذا ذكرت عيب الآخر تبين لك كمال مقابله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن غِنَى الله سبحانه وتعالى مقرون بالحمد؛ لقوله: ﴿الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر ١٥] بخلاف غِنَى البشر فإنه قد لا يكون محمودًا، كيف لا يكون محمودًا؟ إما؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أيش بعد؟ (...) إما بالبخل، وإما بكونه يأتي بدون استحقاق كالسُّرَّاق واللصوص قد يكونون أغنياء لكن اكتسبوه على غير وجهه المباح، أما غِنَى الله فهو غنى كامل يُحْمَد عليه.
إذن يُحمد من جهة الغِنى ومن جهة الكرم بما هو غني فيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما الغني والحميد، كذا؟ الغني يدل على صفة، ما هي؟
* طلبة: الغنى.
* الشيخ: والحميد يدل على صفة؟
* طلبة: الحمد.
* الشيخ: وهي الحمد، ومجموعهما يدل على صفة ثالثة وهو كمال الغِنَى، نحن ذكرنا في القواعد (...) أنه قد يكون قد ينشأ من الجمع بين الاسمين أو وصفين، صفة ثالثة تحصل باقترانهما، ومثَّلنا هناك بالعزيز والحكيم (...)؛ لأنه يحصل باجتماعهما وصف أكمل.
ثم قال عز وجل: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [فاطر ١٦].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: تمام قدرة الله عز وجل حيث بيَّن أنه قادر على أن يذهبنا، ثم يأتي بخلق جديد.
* ومن فوائدها: إثبات المشيئة لله ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ [فاطر ١٦].
* ومن فوائدها: التحذير من مخالفته تعالى؛ لأنه المقصود بهذا التهديد وتحذيرنا من مخالفته.
* ومنها، من فوائدها أيضًا: أن الخلق حادث ليس أزليًّا؛ لقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [فاطر ١٦]، هذه هي الدلالة. ﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [فاطر ١٦] فيه أيضا دلالة كذا؟
أما الأولى: فوجه الدلالة أن ما كان قابلًا للعدم فهو قابل بالحدوث أو للحدوث.
وأما الثانية فهي قوله: ﴿بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [فاطر ١٦] هل نستفيد منها ثبوت حدوث أفعال الله باعتبار المفعولات؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم؛ لأن كل مخلوق كائن بالخلق، فإذا كان المخلوق جديدًا؛ لزم أن يكون الخلق أيضًا جديدًا،
فمثلًا خلْق الله للجنين في بطن أمه حادث ولَّا لا؟
* طلبة: حادث.
* الشيخ: حادث، ضرورة أن المخلوق حادث، أما جنس فعل الله فهو أزلي؛ يعني الله تعالى لم يزل فعَّالًا، فهناك فرق بين وصف الله تعالى بالفعل على الإطلاق وبين وصف الله بالفعل مقرونًا بالمفعول، فالفعل المقرون بالمفعول لا شك أنه حادث، والفعل المطلق أن الله لم يزل فعالًا لما يريد هذا أزلي.
هل نستفيد من ذلك جواز تهديد الإنسان بالأشياء المحسوسة ليستقيم على أمر الله؟ نعم؛ لأن هذا تهديد من الله عز وجل لنستقيم على أمره.
إذن نقول: إن العقوبات الحسية وإن حملت على الاستقامة فإنها محمودة؛ لأنها من فِعْل الله؛ ولهذا أوجب الله علينا أن نحد الزاني ونقطع السارق ولَّا لا؟ علشان أن يرتدع.
لا يقول قائل: إنك إذا فعلتَ ذلك فإنك قد حملتَ الناس على أن يتركوا الأمر لا لله؛ لأن بعض الناس يقول: كيف هذا؟ كيف تقع في (...)؟ معناه أن الإنسان ما يرتكب الزنا أو السرقة إلا خوفًا من العقوبة؛ معنى ذلك أنك تحمل الناس على أن يدعوا المحارم لا خوفًا من الله ولكن خوفًا من العقوبة.
فنقول: إن هذا فيه إصلاح، ووسيلة الإصلاح ما عليه من نية الذي يحاول إصلاحه.
هل يستفاد منها جواز إعطاء الجائزة تشجيعًا لمن عمل صالحًا ولَّا لا؟ يعني بمعنى القياس العكسي؟
* طلبة: لا (...).
* الشيخ: لا توافقوهم ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] لا تداهنوا، هل يؤخذ من هذه الآية جواز إعطاء المكافآت لمن يعمل عملًا صالحًا من باب قياس العكسي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الأخ! إيه، شو رأيك لو كان فيه معارضة؟
* طالب: فيه بس بعيدة (...).
* الشيخ: فيه، بس بعيدة، (فيه) خبر مقدم، و(بس) مبتدأ مؤخر!!
* الطالب: (...) أن الله سبحانه وتعالى إنما عاقبهم لفعل المعصية، إذا فعلوا المعصية عاقبهم (...) إذا فعلوا الطاعة أن الله سبحانه وتعالى يجازيهم على ذلك.
* الشيخ: يثيبهم على ذلك ألم يمر عليك: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٦٧)، ومسلم (٢٥٥٧ / ٢١) من حديث أنس بن مالك.]]؟
* الطالب: (...).
* طالب آخر: (...) مرجعهم مرجع..
* الشيخ: (...) أي لكن فيه تشجيع.
على كل حال أنا أردت أنه هل يمكن أن تؤخذ من هذه الآية (...) المكافأة على العمل ثابتة في السُّنَّة وفي غير السنة أيضًا، الرسول قال: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»[[ متفق عليه؛ البخاري (٣٠٥١)، ومسلم (١٧٥٤ / ٤٥) من حديث سلمة بن الأكوع.]]. في الجهاد في سبيل الله، وسَلَبُهُ ما عليه من الثياب ونحوها، وهذه مكافأة.
والعلماء قالوا: يجوز أن يجعل لمن دلَّهم على حصن أو ما أشبه ذلك من الأمور التي فيها مصلحة للمجاهدين يجوز أن يجعل له جُعْلًا، وأنتم مر عليكم أن للإمام أن يخبر السرية ولَّا لا؟ في الرجعة وفي البداءة، كل هذه من باب المكافأة على فعل الخير هذا ثابت.
لكن أنا قصدي هل نأخذه من الآية؟
نقول: يمكن أن نأخذ من الآية على سبيل قياس العكس.
فإن قلت: أثْبِتْ لنا قياس العكس؛ لأننا في شك من إثبات القياس أولًا؟
نقول: عندنا إثبات قياس العكس، قال عليه الصلاة والسلام: «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». يعني أن الرجل إذا أتى أهله فذلك صدقة، الصحابة قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ وِرْزٌ؟». قالوا: نعم. قال: «كَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ»[[أخرجه مسلم (١٠٠٦ / ٥٣) من حديث أبي ذر.]]. عرفتم؟
* وفي الآية أيضًا: دليل على كمال القدرة؛ لقوله: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فاطر ١٧].
* وفيها: صِحة تقسيم أهل السنة لصفات الله إلى ثبوتية وسلبية، وقد ذكرت لكم أنَّ بعض الناس شك في كلمة سلبية وقال: ينبغي أن نقول: (...).
ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ إلى آخره [فاطر: ١٨].
* يستفاد من الآية الكريمة: أن الإنسان لا يحمل آثام غيره؛ لقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر ١٨].
وينبني على هذه الفائدة ثبوت كمال عدل الله عز وجل، حيث لا يُحَمِّل أحدًا وزر أحد.
* ومن فوائدها أيضًا: أنه لا يقبل التحميل إلا من كان أهلًا له؛ لقوله: ﴿وَازِرَةٌ﴾؛ لأن غير الوازرة لا تحمل إثم نفسها فضلًا عن إثم غيرها، لكن الوازرة تحمل إثم نفسها لا تحمل إثم غيرها.
* من فوائدها أيضًا: منع الاتكالية على الغير؛ لأن الإنسان قد يعمل ويقول: سيهيئ الله لي أحدًا يدعو لي، أو يستغفر لي، أو ما أشبه ذلك، فنقول: هذا لا تعتمد عليه.
فإن قال قائل: ما الجواب عن قوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت ١٣]؟
* طالب: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا﴾ [العنكبوت ١٣]؛ لأنهم هم قدوة في ذلك، في إضلال غيرهم، فباقتداء غيرهم بهم يحملون أثقالهم.
* الشيخ: لأن أثقال غيرهم الحقيقة ناشئة عن أثقالهم، فصار كأنهم الذين عملوها، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]].
* من فوائد الآية الكريمة: نشوف قياس العكس إذا كانت النفس لا تحمل إثم غيرها فهل تُلزم بالواجب على غيرها أو تقوم (...) غيرها؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، يعني معناه كما أن الإنسان لا يحمل إثم غيره بالمعصية، لا يحمل إثم غيره بترك الواجب، فإذا ترك أبوك أو ابنك أو خالك أو عمك واجبًا فليس عليك إثمه، الإثم على نفس هذا الرجل (...).
لأنه يقول: (إن) التي للتوكيد، لكنها دخلت عليها (ما) الكافة. قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ﴾ (...)
اقرأ علينا، أن الغير لا يحمل وِزْر الغير وإن دعاه إلى ذلك؛ لقوله: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ [فاطر ١٨] بخلافه في الدنيا فإنه في الدنيا إذا دعاك أحدٌ أن تعينه على ما حَمَل، أو أن تحمله عنه أجبته، لكن في الآخرة لا، ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ [فاطر ١٨]، وحتى ولو كان أقرب الناس إليك؛ فلهذا قال: ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر ١٨].
* ومن فوائدها أيضًا: أن رسول الله ﷺ نذير؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ﴾ [فاطر ١٨].
* وأنه -وهي فائدة جديدة-: لا ينتفع بإنذاره إلا من يخشى الله عز وجل؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ إلى آخره [فاطر: ١٨].
* ومن فوائدها أيضًا: أن الخشية التي هي محل الثناء ما كانت خشية في الغيب؛ لقوله: ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر ١٨]؛ لأن الخشية في الظاهر قد يكون الحامل عليها مراعاة عباد الله، لكن إذا كانت بالغيب فإن هذا دليل واضح على أن صاحبها مخلص في خشيته لله عز وجل.
* ومن فوائدها أيضًا: فضيلة الصلاة، وأنها -أي الصلاة- سبب للانتفاع بإنذار النبي ﷺ كالخشية؛ لقوله: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [فاطر ١٨].
* ومن فوائدها أيضًا: أن الرجل -وإن شئت فقل-: أن الإنسان إذا تزكى فإن نفع تزكيه لنفسه، ولا ينال الله سبحانه وتعالى من ذلك شيئًا؛ لقوله: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر ١٨].
* ويتفرع عن هذه الفائدة: أن أوامر الله عز وجل ليس من أجل مصلحة ينالها في امتثالنا، ولكن من أجل رحمتنا ومصلحتنا نحن، قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر ٧].
* ومنها: الحث على تزكية النفس؛ لقوله: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر ١٨]، وكل إنسان عاقل إذا علِم أن مصلحة العمل تعود إليه فإنه سوف يهتم به ويقوم به، فإذا علمتَ أن تزكيك لنفسك حرصت عليه غاية الحرص.
والتزكِّي كما أشرنا إليه يشمل تزكية القلب بتطهيره من جميع الشرك والشك والضغائن والأحقاد والبغضاء وما أشبه ذلك، وتزكية الأقوال من كل قول منكر؛ يعني يكون الإنسان لا يقول إلا خيرًا؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٤٧٥)، ومسلم (٤٧ / ٧٤)، من حديث أبي هريرة.]].
وتزكية الأفعال أيضًا من فعل الفواحش والأخلاق السيئة، وما إلى ذلك مما يجب على الإنسان أن يتطهر منه.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: كمال هذا الدين الإسلامي، حيث حَثَّ على تزكية النفس ظاهرًا وباطنًا؛ ظاهرًا بالأقوال والأفعال، وباطنًا بالقلوب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن مرجع الخلائق إلى الله في أحكامهم الكونية والشرعية والجزائية.
أما الأحكام الكونية: فظاهر أن المرجع إلى الله؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يرد قضاء الله الكوني ولَّا لا؟
وأما الشرعية: فكذلك؛ فإن العباد مربوبون مُتَعَبَّدون لله عز وجل، فكان مقتضى ذلك أن يتمشوا على أحكامه الشرعية.
وأما الجزائية: فالأمر ظاهر، فإنه لا يجازِي العاملين على عملهم إلا الله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مَنْع الرجوع إلى غير الله فيما هو مختص بالله؛ لقوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر ١٨]، فلا يجوز أن نرجع إلى النظم الوضعية التي من وضع البشر، وعندنا كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ","إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ وَیَأۡتِ بِخَلۡقࣲ جَدِیدࣲ","وَمَا ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِیزࣲ","وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا یُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَیۡءࣱ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۤۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَیۡبِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِیرُ"],"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق