الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ﴾ (قل) الخطاب للرسول ﷺ، ويحتمل أن يكون الخطاب لكل من يصح توجه الخطاب إليه أي: للرسول ﷺ ولغيره، فعلى القول الثاني لا إشكال فيه إذا قلنا: إن كل واحد من الناس يجب عليه أن يصدق الله فيقول: صدق الله.
وعلى القول الأول يكون الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام مرادًا به الخطاب مباشرة للرسول وللأمة بالتبع؛ لأن الخطاب الموجه لإمام القوم خطاب للجميع، فإنك لو قلت للقائد مثلًا: اذهب إلى الجبهة الفلانية وتحته جنود يمشون بأمره صار هذا الأمر أيش؟ أمرًا له ولمن كان تابعًا له، والرسول ﷺ قائد الأمة وإمام الأمة، فإذا وُجِّه إليه الخطاب كان موجهًا له ولأمته ما لم يكن دليل على التخصيص.
وقوله: ﴿صَدَقَ اللَّهُ﴾ جملة تتضمن الثناء على الله بالصدق، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء ١٢٢] فلا أحد أصدق من الله، والصدق مطابقة الخبر للواقع، والكذب مخالفة الخبر للواقع، فإذا قلت: غربت الشمس وقد غربت فعلًا فهذا صدق، وإذا لم تغرب فهذا كذب، إذن فالصدق موافقة الخبر للواقع، والكذب مخالفة الخبر للواقع.
هل يضاف إلى ذلك مع اعتقاد الوقوع؟ بمعنى أنه لو أن شخصًا أخبر بما يطابق الواقع، ولكنه يعتقد في نفسه أنه كاذب، فهل نقول: إن خبره هذا صدق أو كذب؟
* طالب: كذب بالنسبة لنفسه.
* الشيخ: هو صدق لأنه موافق للواقع، لكن عليه إثم الكاذب إذا كان يعتقد هو أنه كاذب في ذلك. الكذب مخالفة الخبر للواقع، هل نقول: بحسب اعتقاد المتكلم أو سواء كان موافقا لاعتقاده أوْ لا؟
نعم، نقول: سواء كان موافقًا لاعتقاده أو لا حتى لو اعتقد أنه صدق وقد خالف الواقع فهو كذب، ولهذا نقول: إن اليهود الذين زعموا أنهم صلبوا المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام وإن كانوا يعتقدون الصدق فهم كاذبون، والنصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة هم أيضًا كاذبون وإن كانوا قد اعتقدوا الصدق.
إذن لا يشترط اعتقاد القائل موافقة ما أخبر به للواقع أو مخالفته للواقع، المهم أن هذا الخبر إن وافق الواقع فهو صدق، وإن اعتقد قائله أنه كاذب، وإن خالف الواقع فهو كذب وإن اعتقد قائله أنه صادق.
﴿صَدَقَ اللَّهُ﴾ قلنا: إن ﴿صَدَقَ اللَّهُ﴾ جملة خبرية تتضمن الثناء على الله، وإذا كانت تتضمن الثناء على الله فهي عبادة، فقول القائل: صدق الله، وثناء على الله تعالى بالصدق فهو عبادة، لأن كل ثناء على الله فهو ذكر لله وتعبد له. ﴿صَدَقَ اللَّهُ﴾ بأي شيء؟ لم يذكر الخبر الذي حُكم عليه بالصدق فيكون ذلك عامًّا شاملًا؛ أي: صدق الله في كل شي، كل ما أخبر الله به فهو صدق، ومن ذلك ما أخبر به مما أحل لإسرائيل أو لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه.
﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ ﴿فَاتَّبِعُوا﴾: الخطاب للأمة كما أن الله أمر نبيه ﷺ بذلك في قوله: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل ١٢٣] فالنبي ﷺ مأمور بأن يتبع ملة إبراهيم حنيفًا، وكذلك نحن مأمورون بأن نتبع ملة إبراهيم حنيفًا، والملة هي الشريعة التي يكون عليها الإنسان، فكل شريعة يكون عليها الإنسان فهي ملة؛ فالإسلام ملة، واليهودية ملة، والنصرانية ملة، وقد جاء في الحديث: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى»[[أخرجه أبو داود (٢٩١١) من حديث عبد الله بن عمرو.]] أي: مفترقتين.
وقوله: ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ هل المراد اتباع هذه الملة في كل الشرائع والشعائر، أو في الأصل فقط وهو التوحيد؟
المراد هذا الثاني؛ يعني اتبعوا ملة إبراهيم في التوحيد وعدم الشرك، ولهذا قال: ﴿حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل ١٢٣] حنيفًا: أي مائلًا عن كل شرك. ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ هذه الجملة معطوفة على ما سبق من باب عطف المترادفين أو المرادف على مرادفه، فالحنيف معناه: المائل عن كل شرك ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ توكيد لذلك، وإذا انتفى الشرك في ملة إبراهيم لزم من ذلك أن يكون أيش؟ مخلصًا في التوحيد، أن يكون مخلصًا في التوحيد، وهو كذلك، ولهذا يسمى إبراهيم عليه الصلاة والسلام إمام الحنفاء، وقوله: ﴿حَنِيفًا﴾ يعني مائلًا عن كل شرك. ثم قال: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: الذين يدخلون الشرك في عبادتهم.
في هذه الآية الإعراب ليس فيه إشكال إلا قوله: ﴿حَنِيفًا﴾ فما إعرابها؟
منصوبة على أيش؟ على الحال من إبراهيم، يعني حال كونه حنيفًا، هذه الحال هل هي حال لازمة أو عارضة يمكن الانتقال عنها؟
* طلبة: لازمة.
* الشيخ: نعم، هي حال لازمة، وإلا لما صح أن نؤمر باتباعه.
* في هذه الآية من الفوائد: وجوب تصديق الله عز وجل في كل ما أخبر به لقوله: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ﴾.
* ومن فوائدها: وجوب الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات، وهذا يستلزم تحريم تغييرها عن المراد بها أي: تغيير النصوص التي أخبر الله بها عن نفسه من الأسماء أو الصفات.
* ومن فوائد هذه الآية: وجوب اتباع ملة إبراهيم، لكن في أصل الشرائع، فإن قال قائل: ما الدليل على تقييدكم إياها بأصل الشرائع مع أن الآية عامة؟
قلنا: الدليل قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة ٤٨]، فدل ذلك على أن الشرائع تختلف بحسب حاجات الناس ومصالحهم، أما أصلها -وهو التوحيد- فإن جميع الشرائع تتفق فيه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء ٢٥].
* ومن فوائدها: الثناء على إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأنه حنيف وإمام، ولهذا أُمِرْنا باتباعه.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه يجب على الإنسان أن يتبع الحق أين ما كان، سواء كان من الرسول الذي أُرسل إليه مباشرة أو من الرسل السابقين.
* ومن فوائد هذه الآية: انتفاء الشرك عن إبراهيم انتفاء كاملًا لقوله: ﴿حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. هل يؤخذ من هذا ذم الشرك والنهي عن اتباعه؟
* طلبة: إي نعم.
* الشيخ: كيف ذلك؟ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فإذا أمرنا بالإخلاص فهذا يستلزم أننا منهيون عن الإشراك.
{"ayah":"قُلۡ صَدَقَ ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُوا۟ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِیمَ حَنِیفࣰاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق