الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾.
أولًا: نتكلم على ما في الآية من القراءات: يقول: فيها قراءات: ﴿سَيُكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيقُولُ﴾ اللي عندنا الآن: ﴿سَنَكْتُبُ﴾ بالنون و﴿نَقُولُ﴾ بالنون أيضًا، وبناءً على هذه القراءة تكون (ما) مفعولًا به، وتكون: (قتل) معطوفة على المفعول به، والمعطوف على المنصوب منصوب.
على القراءة الثانية: ﴿سَيُكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ تكون (ما) نائب فاعل مرفوعة مبنية على السكون في محل الرفع، ويكون (قتل) معطوفًا على مرفوع على نائب فاعل فيكون بالرفع، وعليه يكون ﴿قَتْلَهُمُ﴾ مبنيًّا على قراءة أيش؟ (يُكتب)، ولا يجوز أن تقرأ: سنكتب ما قالوا وقتلُهم، لا، (قتل) ما يمكن يرفع إلا إذا قرأنا: ﴿سَيُكْتُبُ﴾ .
و﴿الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقُولُ﴾ هذه: ﴿يَقُولُ﴾ تصادف أي القراءتين أو توافق أي القراءتين؟ ﴿سَيُكْتُبُ﴾ ولَّا ﴿سَنَكْتُبُ﴾؟
* الطلبة: ﴿سَيُكْتُبُ﴾ .
* الشيخ: ﴿سَيُكْتُبُ﴾ ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ .
أما: ﴿الْأَنْبِيَاءَ﴾ ففيها قراءتان: ﴿الْأَنْبِئَاءَ﴾ ، والثاني: ﴿الْأَنْبِيَاءَ﴾ بالياء كما في ﴿النَّبِيِّينَ﴾ و﴿النَّبِيئِينَ﴾ فعلى قراءة: ﴿الْأَنْبِئَاءَ﴾ تكون من النبأ بالهمز وهو الخبر، وعلى قراءة الياء تكون من (النُّبُوّة) أو (النَّبْوَة) وهي الارتفاع.
يقول الله عز وجل: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا﴾ أكّد الله هذا الخبر بثلاثة مؤكدات؛ الأول: القسَم المقدّر؛ لأن اللام هنا واقعة في جواب القسم، والثاني: (قد)، والثالث: (اللام) في قوله: ﴿لَقَدْ سَمِعَ﴾. وإنما أكده سبحانه وتعالى للمبالغة في تهديد هؤلاء، وأما نحن المؤمنين فإننا نعلم أنه بمجرد ما يخبرنا عن شيء فهو مؤكَّد، لكن من أجل تهديد هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة الشنيعة.
﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ ﴿سَمِعَ﴾ هنا بمعنى أدرك هذا القول، أي: سمعه سماعًا، ولا نقول: بأُذنه؛ لأنه لا يلزم من السماع الأذن، بخلاف قولنا: استوى على العرش فنقول: بذاته؛ لأن الله أضاف الفعل إلى نفسه، أما هنا ما نقول: سمع بأذنه، لماذا؟ لأنه لا يلزم من السماع ثبوت الأُذن، فها هي الأرض يوم القيامة ﴿تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة ٤]، أي: تخبر عما فعل الناس عليها أو عما قالوا عليها، مع أنه ليس لها أُذن، الجلود والأيدي والأرجل تشهد يوم القيامة على الإنسان بما عمل، وهي ليس لها آذان، إذن لا يجوز أن نقول: إن الله له أُذن بناء على أن الله أثبت له السمع، لماذا؟ لأنه لا يلزم من السمع ثبوت الأذن.
إذا قال قائل: ألستم أثبتم لله عينًا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ما نقول: نعم، نقول: بلى، ألستم أثبتم لله عينًا؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: إي نعم، نقول: بلى، إذا قلنا: نعم، معناه ما أثبتنا، بلى؛ أثبتنا، كيف أثبتنا؟ من طريق أنه يرى أو من طريق أنه أثبت لنفسه عينين؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني، نعم، لولا أن الله أثبت لنفسه عينين ما جاز لنا أن نثبت العين، ولهذا نحن نؤمن بأن الله يتكلم، لكن هل نقول: بلسان؟ أبدًا لا نقولها، مع أن الله قال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ﴾ ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء ١٩٣ - ١٩٥] لكننا لا نقول: لله لسان، ولا نقول: لله شفتين؛ لأن الله لم يثبت ذلك لنفسه، ولا يلزم من الكلام اللسان، لا يلزم من الكلام ثبوت اللسان، بدليل أن الأرض تُحدّث أخبارها، والجلود تشهد، ويقول صاحب الجلد لجلده: لم شهدت علينا؟ فيقول: ﴿أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت ٢١]، ولا يقول: لي لسان وشفتان، إذن لا يجوز أن نُثبت لله أيش؟ لسانًا ولا شفتين بمجرد ثبوت الكلام. واضح؟
كما أنه لا يجوز أن نثبت له أسنانًا؛ لأن الأسنان إنما تكون لمن يحتاج إليها لمضغ الطعام، ولا نثبت له أمعاء وما أشبه ذلك؛ لأن هذه تستلزم النقص؛ إذ إنها آلات لأيش؟ للأكل، والأكل مستحيل على الله عز وجل.
نحن نقول: يسمع، وهل يلزم من سماعه ثبوت الأذن؟ لا ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ وهم أناس من اليهود، منهم رجل يسمى (فنحاص)، ولكن الله عز وجل في كتابه لا يذكر شيئًا خاصًّا إلا لسبب لا بد من تعيين الشخص، ولهذا لم يذكر الله عز وجل أحدًا باسمه في القرآن إلا رجلًا مؤمنًا ورجلًا كافرًا فقط، مَنِ الرجل المؤمن؟
* طلبة: زيد.
* الشيخ: زيد بن حارثة ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب ٣٧]، والرجل الكافر؟
* طلبة: فرعون.
* الشيخ: لا لا لا، من هذه الأمة؟
* طالب: أبو لهب.
* الشيخ: أبو لهب، غيرهم ما ذُكر؛ لأن الوصف -انتبهوا يا إخوان هذا تعليم من الله لنا- لأن الوصف أفيد لعمومه، هذه من جهة، ومن جهة أخرى أنها قد تتغير حال المعيَّن، يكون بالأول فاسقًا ماردًا كافرًا، ثم يُسلم ويتوب الله عليه، فإذا تاب ولم يكن له اسم أحسن، لكن لو ذُكر اسمه بقي عارًا عليه ولو تاب، واضح يا جماعة؟
الثاني: أنه أعم؛ لأن تعليق الحكم بالوصف أعم من تعليقه بالشخص، ولهذا إذا عُلّق الحكم بالشخص احتمل الخصوصية، وإذا قلنا: بعمومه؛ بعموم الحكم المعلّق بالشخص فإنه ليس عمومًا شموليًّا، ولكنه عموم تمثيلي؛ يعني بالقياس، كلام واضح؟ واضح.
لهذا إذن ينبغي لنا في مثل هذه الأمور أن لا نعيّن الشخص بعينه، حتى مثلًا لو أردنا أن نتكلم على صحيفة خبيثة، فالأوْلى أن لا نعيّنها، نقول مثلًا: قالت بعض الصحف، وإذا ذكرنا الكلام عُرف، أولًا: لأن الصحيفة قد تتغيّر، وثانيًا: إذا حصرنا فقد يفهم السامع أنه لا يوجد سوى هذه الصحيفة، لكن إذا عمّمنا وجعلنا الحكم معلقًا بالوصف شمل غيرها، أما إذا عيّناها فقد يفهم السامع ولا سيما العامي اللي ما يعرف يقيس أن البلاء خاصّ بهذه الصحيفة مثلًا، لا يعرف أن يقيس، فإذا جعلنا المسألة معلّقة بالوصف صار هذا أنفع، وهذه مسألة يعني القرآن يدل عليه وكذلك السنة، السنة أيضًا تدل عليها، كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يقول: ما بال فلان يقول كذا، يقول: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ»، من أجل الفائدتين اللتين أشرنا إليهما.
﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ هؤلاء اليهود، وسبب قولهم هذا أن الله قال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ [البقرة ٢٤٥]، «فرحت اليهود بهذا وجاءت إلى النبي ﷺ وقالت: يا محمد، إن ربك قد افتقر، إن ربك قد افتقر»[[أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (٢٤٢٩) (٢ /٤٦٠) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]]. لأنه يطلب القرض منا -نسأل الله العافية- ولم يعلم هؤلاء البلهاء إن كانوا صادقين فيما ادعوا، وهم كاذبون فيما ادعوا حتى قولهم: إن الله قد افتقر، هم كاذبون، ما يعتقدون هذا، لكن تنزلًا معهم نقول: إن الله عز وجل جعل الإنفاق في سبيله له بمنزلة القرض إشعارًا للمنفِق بأنه سوف يُجازَى عليه، كما أن المقترض يجب عليه أن يُوفي من؟ قرضه، فهكذا جعل الله سبحانه وتعالى العمل له بمنزلة القرض تفضّلًا منه عز وجل وإحسانًا لعباده، واليهود لا يُستغرب أن يصفوا الله بمثل هذا، فهم قالوا: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة ٦٤]، ووصفوه بالبخل، يد الله مغلولة ما يُنفق، وهم قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم تعب واستراح يوم السبت، ولهذا يجعلون يوم السبت هو يوم الراحة عندهم، قاتلهم الله، وهم كاذبون في هذا، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨].
﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ وليتهم اقتصروا على هذا، أقول: ليتهم بناء على ما بعده وإلا وصفهم الله بهذا الوصف منكر من أعظم المنكر، قالوا: ﴿وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ فجعلوهم أكمل من الله، جعلوا أنفسهم أكمل من الله، وهذا غاية ما يكون من الوقاحة، قال الله تعالى: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ وإضافة الكتابة إليه؛ لأن جنوده يكتبون ذلك، ودليل هذا قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار ٩ - ١١]، وقوله تعالى وهي أصرح: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى﴾. نسمع ﴿وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف ٨٠]، إذن الكتابة هنا كتابة الله عز وجل بيده؟ لا، ولكن بملائكته، الملائكة تكتُب، وأضاف كتابة الملائكة إلى نفسه جل وعلا؛ لأنهم يكتبون بأمره وهم جنده، كما يقول القائد: فعلتُ كذا. والفاعل غيره، الفاعل الجنود، الفاعل هم الجنود، فالملك والسلطان يتكلم بالشيء مضيفًا إياه إلى نفسه؛ لأنه حصل بأمره وسلطته؛ إذن ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ بأيش؟ بملائكتنا، والله عز وجل أحيانًا يضيف الشيء لنفسه مريدًا به الملائكة، مثل قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة ٨٣ - ٨٥] أقرب إليه بأيش؟ بملائكتنا، ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ مما يدل على أن القريب في نفس المكان، لكننا لا نبصره، وهؤلاء هم الملائكة، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق ١٦] الراجح فيها أن المراد أقرب إليه بملائكتنا بدليل قوله: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق ١٧] وهذا هو ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه؛ في مواضع من كلامه منها كلامه في شرح حديث النزول وهو مشهور متداول.
يقول: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ لمجرد الاطلاع عليه أو للمجازاة؟ للمجازاة بدليل ما يأتي في آخر الآية.
قال: ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ ذكر قتل الأنبياء بغير حق مع أنهم لم يقولوا: إنا قتلنا الأنبياء، لكن ليبين أن هؤلاء اعتدوا على حق الله وعلى حق رسله وأنبيائه، فقتلوا الأنبياء بغير حق، وهو شامل لقتل الأنبياء والرسل؛ لأن كل رسول نبي. وقوله: ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ القيد هنا قيد احترازي ولَّا قيد كاشف؟
* طالب: كاشف.
* الشيخ: قيد كاشف؛ يعني أن قتلهم للأنبياء بغير حق، وليس المعنى أن الأنبياء ينقسم قتلهم إلى حق وغير حق، كل قتل الأنبياء بغير حق، ومع ذلك لا يقتلون الأنبياء لشخصهم، يقتلونه لما جاء به من الحق؛ أي واحد يأتي بهذه النبوة يقتل. وقوله: ﴿الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ متى؟
* طلبة: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة؟ أو في القبر أيضًا. والقول هنا: ﴿نَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ يُقصد به الإهانة والإذلال، وإلا فإنهم سيذوقون عذاب الحريق قيل لهم ذلك أم لم يُقل، لكن من باب الإهانة، وانظر إلى الإهانة العظيمة والتهكم في قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩]. يقال له وهو يُعذّب في النار: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ إهانة له، أي: أن عزك وكرمك لم ينفعك.
﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، * في هذه الآية من الفوائد أولًا: إثبات سمع الله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾..
وليس المعنى أن الأنبياء ينقسم قتلهم إلى حق وغير حق، كل قتل الأنبياء بغير حق، ومع ذلك لا يقتلون الأنبياء لشخصه، يقتلونه لما جاء به من الحق، أي واحد يأتي بهذه النبوة يُقتل.
وقوله: ﴿الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [آل عمران ١٨١] متى؟ يوم القيامة أو في القبر أيضًا، والقول هنا ﴿نَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [آل عمران ١٨١] يُقصد به الإهانة والإذلال، وإلا فإنهم سيذوقون عذاب الحريق قيل لهم ذلك أم لم يُقَل، لكن من باب الإهانة، وانظر إلى الإهانة العظيمة والتهكم في قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩] يقال له وهو يعذَّب في النار: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ إهانة له، أي أن عزك وكرمك لم ينفعك.
﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ * في هذه الآية من الفوائد:
أولًا: إثبات سمع الله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾ [آل عمران ١٨١]، والسمع هنا بمعنى إدراك الصوت وإن خفي، والمراد به هنا التهديد. وليُعلم أن العلماء رحمهم الله قسموا سمع الله إلى قسمين، الأول: بمعنى الاستجابة، والثاني: بمعنى إدراك الأصوات؛ أما السمع بمعنى الاستجابة فهو كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال ٢١]، ﴿سَمِعْنَا﴾ يعني بآذاننا، ﴿وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ أي: لا يستجيبون، وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا﴾ [التغابن ١٦]؛ ﴿اسْمَعُوا﴾ يعني سمع استجابة، ومنه قوله تعالى عن إبراهيم: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩]، أي: لمستجيب الدعاء، ومعلوم أن هذا النوع أو هذا القسم من السمع معلوم أنه من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته.
والقسم الثاني من السمع: سمع الإدراك، قالوا: وينقسم إلى ثلاثة أقسام، هذا النوع الذي هو إدراك الأصوات ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يراد به التهديد؛ وقسم يراد به التأييد؛ وقسم يراد به بيان الإحاطة والشمول لسمع الله.
فأما الذي يراد به التأييد فكقوله تعالى لموسى: ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦]، المراد بالسمع هنا التأييد.
وقد يقول قائل: والتهديد أيضًا بالنسبة إلى فرعون، وأما الذي يراد به التهديد فمثل هذه الآية: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ [آل عمران ١٨١].
وأما الذي يراد به بيان شمول علم الله عز وجل وسعته فمثل قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة ١]، قالت عائشة: «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كنت في طرف الحجرة وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها ـ سبحان الله ـ والله عز وجل فوق عرشه فوق سبع سماوات يسمع كلام هذه المرأة»[[أخرجه النسائي في المجتبى (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨) من حديث عائشة . ]]، ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ تحاور الرسول والمرأة يسمعه، ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة ١٨١].
* طالب: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ﴾ [الزخرف ١٩] يعني الملائكة (...).
* الشيخ: يكتمونها.
* الطالب: طيب ﴿وَيُسْأَلُونَ﴾ الملائكة هم يعني..؟
* الشيخ: يحتمل هذا، المسألة أنها الملائكة أو أن الله يسألهم؛ لأن السؤال ورد في آية أخرى أن الله نفسه يسأل.
* طالب: شيخ، «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٤٤)، ومسلم (٧٩٢ / ٢٣٣) واللفظ له من حديث أبي هريرة.]]، كيف (...)؟
* الشيخ: المعنى «مَا أَذِنَ» : ما سمع، (أذن) بمعنى (سمع) هكذا قال العلماء.
* الطالب: ما فيه إثبات (...)؟
* الشيخ: لا ما فيه تأويل أبدًا ما فيه، ولهذا عدّاه باللام (أذن له).
* طالب: القتل هنا الوعيد يشمل قتل الأنبياء والرسل، نحن دائمًا مر علينا أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا، فما المقصود بالأنبياء؟
* الشيخ: إي نعم، أنا أعطيتكم قاعدة يا إخواني من قبل، أعطيتكم قاعدة أن الأنبياء المذكورين في القرآن رسل، ما تجد نبي ذُكر في القرآن إلا وهو رسول، وذكرت لكم دليلًا من القرآن: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨] فإن استقام هذا فالأمر واضح، وإن لم يستقم فنقول المقصود بالأنبياء الذين لم يوحَ إليهم بشرع جديد يبلغونه الناس.
* طالب: بالنسبة لسماع الأرض (...) تسمع بنفسها (...) ينطقها الله سبحانه وتعالى؟
* الشيخ: نعم، صحيح.
* الطالب: ما يقاس على إثبات السمع للإنسان على الله سبحانه وتعالى؟
* الشيخ: لا، ما هو قصدنا القياس، قصدنا أن الشيء قد يَسمع وإن لم يكن له أذن، فهمت؟ وقد يرى وإن لم يكن له عين أيضًا؛ لأن الأرض ستُحَدِّث ما فُعل عليها.
* طالب: يعني (...) الأنبياء يا شيخ يعني إذا قيل: الأنبياء -في القرآن- ما يعني يقصد، أو ما يكون مقصد من (...) قتل الأنبياء (...) بمعنى أن إحنا الآن إذا قيل: قتل النبي، يصير قتل الرسول، لكن إذا قيل: قتل الرسول، ما بالضرورة يتطلب قتل النبي؟
* الشيخ: لا هو اللي بيقتل رسول بيقتل نبي؛ لأن النبي أدنى مرتبة من الرسول، لكن اللي يقتل الأنبياء لو قيل مثلًا: اللي يقتلون الأنبياء في غير القرآن، لقلنا: إنه لا يشمل قتلهم للرسل؛ لأن الرسول أخص.
* طالب: هل إدريس عليه السلام هل هو نبي قبل نوح؟
* الشيخ: لا يا أخي، ما فيه أحد من الأنبياء قبل نوح أبدًا، وإدريس من بني إسرائيل، الظاهر من سياق الآيات أنه من بني إسرائيل، ولهذا يوجد، أنا أشوف شجرة للأنبياء، مكتوب إدريس قبل نوح، وهذا غلط، غلط لا شك فيه، ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣]، وفي حديث الشفاعة يأتون إلى نوح ويقولون: «أَنْتَ أَوَّلُ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٤٠)، ومسلم (١٩٤ / ٣٢٧) من حديث أبي هريرة.]].
* طالب: الكثير يا شيخ ذكر إدريس قبل نوح.
* الشيخ: غلط، الكثير ما هو..
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [آل عمران ١٨٢ - ١٨٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ وأظننا أخذنا الفوائد؟
* طالب: فائدة واحدة.
* الشيخ: بس، وهي السمع وذكرنا أقسامه.
* من فوائد هذه الآية: بيان ما عليه اليهود من الوقاحة والعدوان؛ حيث اعتدوا على الرب عز وجل بوصفهم إياه بأنه فقير.
* ومن فوائدها: أنهم لشدة عتوّهم وبغيهم لم يقتصروا على أنهم وصفوا الله بأنه فقير، بل قالوا: نحن أغنياء، فأثبتوا الكمال لأنفسهم والنقصَ لله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات الكتابة لله؛ في قوله: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾، ولكننا ذكرنا أن المراد: بأمره، والذي تكتب الملائكة؛ وذكرنا لهذا دليلًا، وهو قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف ٨٠].
* ومن فوائد هذه الآية: أن اليهود كما اعتدوا على الله اعتدوا أيضًا على رسل الله، فقتلوا الأنبياء بغير حق؛ فصار منهم عدوان على مقام التوحيد، ومقام الرسالة، فلم يحققوا شهادة أن لا إله إلا الله، ولا أن رسل الله رسل له.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات القول لله عز وجل، في قوله: ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، والله سبحانه وتعالى قد ثبت له القول بإجماع السلف، أنه يقول ويتكلم بكلام حقيقي بحرف وصوت مسموع، وهذا الكلام صفة، صفة من صفاته ليس بمخلوق، وقالت المعتزلة والجهمية: إنه خلْق من مخلوقاته، هو كلامه لكنه خلق من مخلوقاته. وقالت الأشاعرة ومن ضاهاهم: إنه لا يتكلم بكلام يُسمع، وكلامه هو الكلام القائم بنفسه، والذي يُسمع عبارة عنه أو حكاية وهو مخلوق، المسموع مخلوق، وقد ذكر ابن القيم أن شيخ الإسلام رحمه الله أبطل هذا القول من تسعين وجهًا في رسالة تسمى التسعينية، وأظنها موجودة في الفتاوى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء سوف يذوقون العذاب بالألم البدني والألم النفسي؛ لقوله: و﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، ففي الحريق ألم بدني، وفي قوله: ﴿ذُوقُوا﴾ ألم نفسي؛ لأن هذا توبيخ وإهانة، فالأمر هنا للتوبيخ والإهانة.
* ومن فوائد هذه الآية: الرد على من قال: إن أهل النار لا يذوقون العذاب؛ لأن أجسامهم تأخذ على النار وتتكيف بها فيصبحون لا يذوقون ألَمًا، ونرد عليهم بقوله: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾.
* ومن فوائدها: بيان قدرة الله عز وجل، حيث يحترق هؤلاء وتنضج جلودهم، وكلما نضجت جلودهم بُدِّلوا جلودًا غيرها، ومع ذلك لا يموتون، مع أن مثل هذا الحريق لو أصاب أحدًا من الدنيا لهلك، ولكنهم لا يموتون، كما قال الله تعالى: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [طه ٧٤]، فلا يموت ويستريح، ولا يحيا حياة هنيئة.
ثم قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، هذا من تمام قوله: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، أي يقال لهم زيادة في التوبيخ والندم والحسرة: ﴿ذَلِكَ﴾، أي: ما أصابهم من العذاب والتوبيخ، فالمشار إليه ما سبق من قوله: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، وهنا قال: ﴿ذَلِكَ﴾، مع أنه يتحدث عن جماعة وأتى بالكاف المفردة، كاف المخاطب المفردة؛ لأنه مر علينا قريبًا أن اسم الإشارة أيش؟ بحسب المشار إليه، وأن الكاف بحسب المخاطَب على اللغة الفصحى، أو هي بفتح الكاف مفردة للمذكر، وبكسرها مفردة للمؤنث، أو هي بفتح الكاف مطلقًا، وكلها لغات، لكن الأكثر أنها بحسب المخاطب، وأظن أنكم لم تدركوا تمامًا هذه المسألة، مسألة الفرق بين المشار إليه وبين المخاطب، أدركتَها تمامًا؟ اسم الإشارة بحسب؟
* طالب: بحسب المشار إليه، وكاف الخطاب يراعى فيه المخاطب.
* الشيخ: يراعى فيه المخاطب، فإذا خاطبت اثنين مشيرًا إلى نساء، ماذا أقول؟
* طالب: ذانكما.
* الشيخ: خطأ.
* طالب: ذانك.
* الشيخ: لا، خطأ، تلكما.
* طالب: لا يا شيخ، اثنان يا شيخ.
* الشيخ: إي، خاطبت اثنين مشيرًا إلى نساء؟ تلكما، صح، على كل حال ما حاجة أن نكررها؛ لأنها معروفة تحتاج بس إلى كتابة، واحد يكتب اسم الإشارة والكاف، وهو بنفسه يحولها من هذا إلى هذا.
قال: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، أي: بسبب، فالباء هنا سببية، و(ما) اسم موصول بمعنى (الذي)، أي: بالذي، وقوله: ﴿قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي: في الدنيا، والمراد بالأيدي هنا أنفسهم، لكن أضيف العمل أو المقدم إلى الأيدي؛ لأن الغالب أن الأيدي هي محل البطش والعمل، وإلا فمن المعلوم أنهم قد قدمت أيديهم وألسنتهم وأرجلهم، كل قواهم، كلها عملت بالشرك.
قال: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، و(أن) هنا بالفتح عطفًا على (ما) في قوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ﴾، أي: وذلك بأن الله ليس بظلام للعبيد.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ﴾، (ظلّام) على صيغة المبالغة، ولكنها في نفس الوقت على صيغة النسبة، والفرق بينهما أن صيغة المبالغة تدل على الكثرة، والنسبة تشمل الكثرة والقلة، فهل المراد هنا صيغة المبالغة أو النسبة؟
* طلبة: النسبة.
* الشيخ: المراد النسبة، لماذا؟ لأننا لو قلنا: المراد بذلك صيغة المبالغة، لكان المنفي كثرة الظلم، مع أن الله لا يظلم مثقال ذرة.
وعلى هذا فنقول (ظلام) هنا نسبة، يعني: ليس بذي ظلم، ليس بذي ظلم، كما تقول: فلان ليس نجارًا، يعني ليس بذي نجارة، أي: ليس منسوبًا إلى النجارين.
وقوله: ﴿لِلْعَبِيدِ﴾ جمع (عبد)، و(عبد) اسم مفرد وهو من أكثر المفردات جموعًا، له جموع متعددة كثيرة، مثل (شيخ) اسم مفرد له جموع كثيرة تبلغ إلى عشرة جموع، والعبيد هنا المراد بهم العبيد كونًا، فهو لا يظلم أحدًا من العبيد كونًا، وإنما قلنا: كونًا؛ لندفع أن المراد بذلك العبيد شرعًا، وهم المتعبدون لله، وذلك لأن الله لا يظلم لا الكافر ولا المؤمن، كلٌّ يجازى بحسب عمله، فالعبودية في هذه الآية هي العبودية العامة الشاملة للكافر والمؤمن، فالله لا يظلم كافرًا ولا يظلم مؤمنًا، يجازي كل إنسان بعمله.
* في هذه الآية من الفوائد، أولًا: إثبات الأسباب، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: نفي الظلم عن الله؛ لقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، وهنا نقف لنبين أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالإثبات وموصوف بالنفي؛ أما الإثبات فإن الله تعالى وصف نفسه بإثبات كل صفة كمال، كل صفة كمال فهي ثابتة لله، وما ميزان الكمال؟ هل هو عقولنا القاصرة، أو ميزان الكمال نصوص الكتاب والسنة؟ الثاني، الثاني هو الميزان، ولهذا نحن لا نحكم على الله فنقول: هذه صفة لائقة به وهذه صفة غير لائقة، بل المرجع في هذا إلى الكتاب والسنة في التفصيل، أما في الإجمال فالعقل يدل على أن الرب لا بد أن يكون كاملًا، أما الصفات المنفية فإنه لا يراد بها مجرد النفي، بل المراد انتفاء هذه الصفة؛ لثبوت كمال الضد، فإذا نفى أن يكون ظلّامًا للعبيد فذلك لكمال عدله، وإذا نفى أن تأخذه سِنَة ونوم فذاك لكمال حياته وقيوميّته، وإذا نفى أن يصيبه لغوب فذلك لكمال قوته، وهكذا.
ويجب أن نعلم أنه لا يمكن أن يوجد في صفات الله نفي مجرد، انتبهوا يا جماعة للقاعدة! لا يوجد في صفات الله نفي مجرد، الدليل قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾، والنفي المجرد ليس مثلًا أعلى، المثل الأعلى يعني الوصف الأعلى الأكمل، والنفي المجرد عدم، والعدم ليس بشيء، فضلًا عن أن يكون وصفًا أعلى، ثانيًا: أن نفي المحض قد يكون لعجز الموصوف عنه، وقد يكون لعدم قابليته لهذا المنفي، قد يكون لعجزه وقد يكون لعدم قابليته، يعني معناه نفينا عنه هذا الشيء؛ لأنه عاجز ما يستطيع، لا يستطيع أن يفعل هذا الشيء الذي نفينا عنه، وقد يكون لعدم قابليته لهذا الشيء، فمثلًا إذا قال قائل: فلان رجل حُبَيِّب، حُبَيِّب ما هو بيظلم الناس ولا يعتدي عليهم، ويش نعرف من هذا الكلام؛ لا يظلم الناس ولا يعتدي عليهم؟ عجزه؛ ولهذا قلنا: حُبَيِّب، حُبَيِّب عند الناس كلمة تصغير وتحقير، وهذا كقول الشاعر:
؎قُبَيِّلَـــــــــــــةٌ لَا يَغْـــــدِرُونَبِذِمَّـــــــــــــةٍ ∗∗∗ وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَخَرْدَلِ
آدم إذا سمع مثل هذا الكلام ويش يقول؟ مدح ولّا ذم؟ تراه يقول: لا يغدرون بذمة؛ ما يمكن يغدرون بالعهد أبدًا، ولا يمكن يظلمون الناس أبدًا؟
* الطالب: ذم.
* الشيخ: ذم؟ سبحان الله، لو أقول لك: أنت لا تغدر بالعهود ولا تظلم أحدًا، ويش يكون هذا؟
* الطالب: هذا مدح.
* الشيخ: مدح، يعني لما كان لك صار مدح، ولما كان للقبيلة صار ذمًّا، سبحان الله!
* طالب: هذا ذم.
* الشيخ: من أين أخذنا أنها ذم؟
* طالب: (...) قوله: قُبَيِّلَة.
* الشيخ: تصغير.
* الطالب: الثاني: لا يظلمون بذمتهم؛ أنهم لعجزهم لا يظلمون الناس.
* الشيخ: إنما فهمنا أنه ذم من التصغير، والتصغير في الأصل يدل على التحقير، كذا؟ على كل حال لا يمكن يوجد في صفات الله نفي محض، وقد يكون النفي إذا لم يتضمن كمالًا قد يكون لعدم القابلية، يعني أن ما نُفي عنه هذا الوصف ليس لكماله ولكنه لا يقدر، ومثَّل العلماء لذلك بأن تقول: إن جداري لا يظلم، الجدار لا يظلم، هذا مدح؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: ليش؟ أصلًا ليس بقادر، لو أراد يظلم ما يمكنه، كذا؟ إذن خذوا هذه القاعدة: لا يوجد في صفات الله تعالى نفي محض، بل كل ما نفى الله عن نفسه فهو متضمن لكمال، هذه القاعدة.
* من فوائد هذه الآية: أن الله تعالى يخبر عما يخبر من صفاته لتطمين الخلق؛ لقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، حتى يطمئن الإنسان أنه لن يجازى إلا بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
* ومن فوائدها: جواز إطلاق البعض على الكل إذا وُجدت قرينة تدل عليه، من أين نأخذها؟ جواز إطلاق البعض على الكل إذا وجدت قرينة تدل عليه؟ الآية اللي معنا؟
* طالب: (...) للعبيد؟
* الشيخ: لا.
* طالب: قوله: ﴿أَيْدِيكُمْ﴾ قد يدفعه مثلًا.
* الشيخ: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ المراد بما قدمتم، واليد بعض من الإنسان، لكنه القرينة تدل على أن المراد الكل، يعني بما قدمتم، ونظيرها في صفات الله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس ٧١] الإبل مثلًا، قال الله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ هل نقول: إن الله خلق الإبل بيده كما خلق آدم؟ لا، نقول: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾: مما عملنا؛ لأن الله لم يخلق الإبل مثلًا بيده، فيكون المراد: مما عملنا، لكن ليس معنى هذا أن الآية ليس فيها دلالة على ثبوت اليد لله، بل فيها دلالة على ثبوت اليد لله عز وجل.
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ القائل ليس الملائكة الإنسان هو اللي..
* الشيخ: إي، الدليل؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ﴾..
* الشيخ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الزمر ٧١- ٧٢].
* طالب: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا﴾.
* طالب آخر: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (٤٩) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر ٤٩، ٥٠] التوبيخ مع العذاب.
* الشيخ: حتى من الله عز وجل، في سورة المؤمنون: ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون ١٠٨].
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، هذه عندنا دليل، ﴿سَنَكْتُبُ﴾ عندنا دليل، وهو قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف ٨٠]، ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار ٩-١١] على كل حال ابحث، أنا معك بأن فيه احتمال أن يكون المراد الملائكة، ﴿نَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ لأن الملائكة..
* طالب: ونقول بالنون والياء (...) في الآخرة على لسان الملائكة.
* الشيخ: إيه، ما (...)، على كل حال إذا وُجد دليل على العين والرأس.
* طالب: قلنا يا شيخ: إن اليهود اعتدوا على الرسل كما اعتدوا على الله عز وجل؟
* الشيخ: لا، في حق الله، المراد على الله يعني: في حقه.
* طالب: هل هذا يا شيخ فيه تأييد لمن يقول بالمجاز: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ لغة؟
* الشيخ: يا أخ -بارك الله فيك- قاله من قاله؛ لأنهم يرون أن الكلمات لها معنى ذاتي، وأما من قال: إن الكلمات ليس لها معنى ذاتي وإنما معناها حسب السياق، فليس عندهم مجاز، فيقولون مثلًا: ﴿اخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ﴾ ليس فيه مجاز؛ لأن من المعلوم أن الذل ليس له جناح حقيقي، لكن المراد: لا تترفع، الطائر عادته أن يرتفع، لكن أنت ذُلّ لهم حتى تنخفض، ويكون اللي يعين هذا السياق.
* الطالب: كيف يا شيخ نرد عليهم (...) يقولون هنا بعض (...).
* الشيخ: نعم نعم، نقول: اللغة العربية تعبر عن البعض بالكل وعن الكل بالبعض ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ﴾ ما هو كل أصبع يدخل في الأذن.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران ١٨٣-١٨٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾، إلى آخر الآية، من هؤلاء القائلون؟
* طالب: اليهود.
* الشيخ: وهل تحفظ لهم شيئًا آخر مما وصفوا الله به من العيوب؟
* طالب: نعم، قالوا: يد الله مغلولة.
* الشيخ: أي؟
* طالب: بخيل.
* الشيخ: أي: بخيل، وغير؟
* طالب: قالوا: إن الله سبحانه وتعالى لما خلق السماوات والأرض استراح.
* الشيخ: تعب فاستراح، طيب، قوله: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ ما المراد بالكتابة، هل يكتبها الله بيده؟
* طالب: المراد الملائكة نُسِب إلى الله لأنهم جنود الله.
* الشيخ: ما الدليل على أن المراد كتابة الملائكة؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾.
* الشيخ: أحسنت.
قال: ﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾، هل في قتل الأنبياء حق حتى يخرج بالقيد؟ يعني كونه يقيد بغير حق هل معناه أن قتل الأنبياء يكون تارة بحق وتارة بغيره؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أجل، لماذا قال: بغير حق؟
* الطالب: لأنه فعلا بغير حق.
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: لأن الواقع أنه بغير حق.
* الشيخ: يعني لبيان الواقع؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: نعم.
* طالب: صفة كاشفة.
* الشيخ: صفة كاشفة، كاشفة يعني تبين الواقع، وأيضًا فيها فائدة أخرى غير هذه؟
* طالب: التوكيد؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: لئلا يكون أنهم قتلوهم بحقهم، لئلا يكون قالوا أنهم قتلوا الأنبياء بحق، فالله أكد على أن تقتيلهم بغير حق.
* الشيخ: نعم.
* طالب: التسجيل على هؤلاء والوصل بأن حالهم ليس فيها حق.
* الشيخ: إيه، يعني معناها المبالغة في الشناعة عليهم أو في التشنيع عليهم أنهم قتلوهم بغير حق.
قوله: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ الأمر هنا يراد به؟
* طالب: يراد به هنا التوبيخ.
* الشيخ: والإهانة. هل لك دليل على أن مثل هذا الأمر يراد به الإهانة؟
* طالب: إي نعم، من ذلك قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩].
* الشيخ: نعم، ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾، قال بعض العلماء المعاصرين: إن النار لا تحرق أهلها، ولهذا لا يموتون فيها ولا يحيون، فهل في الآية ما يرد عليهم؟
* طالب: نعم، قوله: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، وذلك يستلزم أنهم مستمرين في أنهم يذوقوا العذاب ولا يموتون.
* الشيخ: ويحترقون.
* طالب: يحترقون وتنضج جلودهم ثم يبدلهم الله جلودًا غيرها.
* الشيخ: ولا يموتون، بخلافهم في الدنيا؛ فإن الإنسان إذا احترق في الدنيا يموت.
ما معنى قوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾؟
* طالب: يعني بما كسبت أيديكم.
* الشيخ: لكن الباء هنا؟
* طالب: الباء للسببية.
* الشيخ: الباء للسببية، هل يستفاد من الآية بأن أفعال الله مقرونة بالحكمة؟
* طالب: نعم؛ لأن الباء للسببية.
* الشيخ: وكل شيء للسببية فهو يفيد العلّية، والعلة هي الحكمة.
قوله: ﴿لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، (ظلام) هنا صيغة مبالغة ولّا نسبة؟
* طالب: مبالغة.
* الشيخ: مبالغة، يعني أن الله يظلم قليلًا لكن كثيرًا لا؟
* طالب: ظلام بالنسبة للصيغة يعني.
* الشيخ: نعم (ظلام) الصيغة صيغة مبالغة، صحيح، لكن هذه الصيغة تأتي للنسبة، يقال: نجار وحداد وبنّاء، فهل هي هنا للنسبة أو للمبالغة؟
* طالب: للنسبة.
* الشيخ: للنسبة، تمام؛ لأننا لو قلنا: للمبالغة، لكان المنفي كثرة الظلم.
(العبيد) هنا هل هو بالمعنى الخاص أو بالمعنى العام؟
* طالب: بالمعنى العام.
* الشيخ: بالمعنى العام، يعني حتى الكافر لا يظلمه الله؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: صحيح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: طيب، ثم قال الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ قَالُوا﴾، هذا صفة لقوله: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا﴾.
* طالب: الفوائد يا شيخ.
* الشيخ: من أين، فوائد أيش؟
* الطالب: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أربع فوائد أخذناهم بالأمس.
* الشيخ: وقفنا على دي؟
* الطالب: جواز الحكم بعض على الكل إذا وجدت (...) بعدها، تؤخذ من قوله تعالى: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾.
* الشيخ: إذن كمّل.
* من فوائد الآية الكريمة: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ انتفاء الظلم عن الله؛ لقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.
* ومن فوائدها: إمكان الظلم من الله لولا أن الله نفاه عن نفسه؛ لقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ﴾؛ لأنه لو كان الظلم غير ممكن في حقه لم يصح أن يتمدح به عز وجل؛ إذ لا يتمدح بشيء إلا إذا كان تركه اختيارًا، أما لو كان مستحيلًا في حقه لم يكن للتمدح به فائدة، صح؟
وبناء على هذه الفائدة: يكون فيها رد على من؟
* طالب: الأشاعرة.
* الشيخ: لا.
* طالب: على الجبرية.
* الشيخ: لا، على الجهمية، الجهمية يقولون: إن الظلم محال على الله، محال لذاته لا لأن الله نفاه عن نفسه؛ لأنهم يقولون: إنه مهما تصرف فقد تصرف في ملكه، والمتصرف في ملكه يفعل ما يشاء، فالظلم عندهم المحال لذاته، كما قال ابن القيم في النونية:
؎وَالظُّلْمُ عِنْدَهُمُ الْمُحَالُ لِذَاتِهِ ∗∗∗ .......................
ونحن نقول: الظلم ليس محالًا لله، لو شاء الله أن يظلم لظلم، ولكنه نفاه عن نفسه تمدحًا بذلك؛ ولهذا قال في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر.]] وهذا يدل على إمكانه منه لكنه لا يفعل.
فإن قال قائل: قد جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنَّ اللهَ لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ»[[أخرجه أبو داود (٤٦٩٩)، وابن ماجه (٧٧) من حديث أبي بن كعب وزيد بن ثابت.]]
فالجواب أن نقول: لا معارضة بين هذا الحديث وبين الآية؛ لأن الله لو عذبهم لم يمكن أن يعذبهم وهو ظالم لهم، إذن لا يعذبهم إلا وهم مستحقون للعذاب، وعلى هذا فيكون الحديث مطابقًا للآية، أو يقال وجه آخر: إن الله لو عذب أهل السماوات والأرض لعذبهم وهو غير ظالم لهم، إذا أراد أن يناقش العباد، فإنّ من نوقش الحساب عُذِّب؛ لأنه لو ناقشهم لكانت نعمة واحدة من نعمه تقابل جميع أعمالهم، وحينئذ يستحقون أن يعذَّبوا، فلنا في هذا الحديث مخرجان؛ المخرج الأول: أنه يعذبهم وهو غير ظالم لهم، أي لا يعذبهم إلا بذنب، فيكون مطابقًا للآية، والثاني: أن المراد بذلك المناقشة، مناقشة الحساب؛ لأن الله لو ناقشهم سبحانه وتعالى لكان نعمة واحدة من نعمه تحيط بجميع أعمالهم، فيبقون وليس عندهم رصيد.
فإذا قال قائل: هذه صفة سلبية كما يقولون، وهل توجد الصفات السلبية في صفات الله؟
فالجواب: لا؛ لكن المراد بالصفات السلبية ثبوت كمال ضدها، فهو لا يظلم لا لعجزه عن الظلم ولكن لكمال عدله.
{"ayahs_start":181,"ayahs":["لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِیرࣱ وَنَحۡنُ أَغۡنِیَاۤءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُوا۟ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِیَاۤءَ بِغَیۡرِ حَقࣲّ وَنَقُولُ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡحَرِیقِ","ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّامࣲ لِّلۡعَبِیدِ"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّامࣲ لِّلۡعَبِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق