الباحث القرآني
﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى العَذابِ المُحَقَّقِ المُنْزَلِ مَنزِلَةِ المَحْسُوسِ المُشاهَدِ، ولِلْإشارَةِ إلى عِظَمِ شَأْنِهِ، وبُعْدِ مَنزِلَتِهِ في الهَوْلِ والفَظاعَةِ أتى بِاسْمِ الإشارَةِ مَقْرُونًا بِاللّامِ والكافِ، وهو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ﴾ أيْ بِسَبَبِ أعْمالِكُمُ الَّتِي قَدَّمْتُمُوها؛ كَقَتْلِ الأنْبِياءِ، وهَذا القَوْلُ الَّذِي تَكادُ السَّمَواتُ يَتَفَطَّرُنَّ مِنهُ، والمُرادُ مِنَ الأيْدِي الأنْفُسُ، والتَّعْبِيرُ بِها عَنْها مِن قَبِيلِ التَّعْبِيرِ عَنِ الكُلِّ بِالجُزْءِ الَّذِي مَدارُ جُلِّ العَمَلِ عَلَيْهِ، يَجُوزُ أنْ لا يُتَجَوَّزَ في الأيْدِي بَلْ يُجْعَلُ تَقْدِيمُها الَّذِي هو عَمَلُها عِبارَةً عَنْ جَمِيعِ الأعْمالِ الَّتِي أكْثَرُها أوِ الكَثِيرُ مِنها يُزاوَلُ بِاليَدِ عَلى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ، ﴿وأنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ عَطْفٌ عَلى ما قَدَّمَتْ فَهو داخِلٌ تَحْتِ حُكْمِ باءِ السَّبَبِيَّةِ، وسَبَبِيَّتُهُ لِلْعَذابِ مِن حَيْثُ أنَّ نَفْيَ الظُّلْمِ يَسْتَلْزِمُ العَدْلَ المُقْتَضِي إثابَةَ المُحْسِنِ، ومُعاقَبَةَ المُسِيءِ، -وإلَيْهِ ذَهَبَ الفُحُولُ مِنَ المُفَسِّرِينَ- وتَعَقَّبَهُ مَوْلانا شَيْخُ الإسْلامِ بِقَوْلِهِ: وفَسادُهُ ظاهِرٌ فَإنَّ تَرْكَ التَّعْذِيبِ مِن مُسْتَحَقِّهِ لَيْسَ بِظُلْمٍ شَرْعًا ولا عَقْلًا حَتّى يَنْتَهِضَ نَفْيُ الظُّلْمِ سَبَبًا لِلتَّعْذِيبِ.
وخُلاصَتُهُ المُعارَضَةُ بِطَرِيقِ القِياسِ الِاسْتِثْنائِيِّ بِأنَّهُ لَوْ كانَ تَرْكُ التَّعْذِيبِ ظُلْمًا لَكانَ نَفْيُ الظُّلْمِ سَبَبًا لِلتَّعْذِيبِ، لَكِنَّ تَرْكَ التَّعْذِيبِ لَيْسَ بِظُلْمٍ، فَنَفْيُ الظُّلْمِ لا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ، وأُجِيبَ بِأنَّ مَنشَأ هَذا الِاعْتِراضِ عَدَمُ الفَرْقِ بَيْنَ السَّبَبِ والعِلَّةِ المُوجِبَةِ، والفَرْقُ مِثْلَ الصُّبْحِ ظاهِرٌ، فَإنَّ السَّبَبَ وسِيلَةٌ مَحْضَةٌ لا يُوجِبُ حُصُولَ المُسَبِّبِ كَما أنَّ القَلَمَ -سَبَبُ الكِتابَةِ- غَيْرُ مُوجِبٍ إيّاها، والعَدْلُ اللّازِمُ مِن نَفْيِ الظُّلْمِ سَبَبٌ لِعَذابِ المُسْتَحِقِّ وإنْ لَمْ يُوجِبْهُ.
فالِاسْتِدْلالُ بِعَدَمِ الإيجابِ عَلى عَدَمِ السَّبَبِيَّةِ فاسِدٌ جِدًّا، وأمّا قَوْلُهم في العَدْلِ المُقْتَضِي إلَخْ فَهو بَيانٌ لِمُقْتَضاهُ إذا خَلى وطَبْعَهُ، وتَقْرِيرٌ لِكَوْنِهِ وسِيلَةً، ولا يَلْزَمُ مِنهُ إيجابُ الإثابَةِ والمُعاقَبَةِ عَلى ما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» وخُلاصَةُ هَذا أنَّ المُلازِمَةَ بَيْنَ المُقَدَّمِ والتّالِي في القِياسِ الِاسْتِثْنائِيِّ مَمْنُوعَةٌ بِأنَّهُ لِمَ لا يَجُوزُ أنْ لا يَكُونَ تَرْكُ التَّعْذِيبِ ظُلْمًا، ويَكُونَ نَفْيُ الظُّلْمِ سَبَبًا بِأنْ يَكُونَ السَّبَبُ سَبَبًا غَيْرَ مُوجِبٍ ولا مَحْذُورٍ حِينَئِذٍ.
لا يُقالُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَبْنى ذَلِكَ الِاعْتِراضِ عَلى المَفْهُومِ المُعْتَبَرِ عِنْدَ الشّافِعِيِّ لا عَلى كَوْنِ السَّبَبِ مُوجِبًا لِأنّا نَقُولُ: إنْ أُرِيدَ بِالمَفْهُومِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وأنَّ اللَّهَ﴾ إلَخْ فَنَقُولُ: حاصِلُهُ أنَّ العَدْلَ سَبَبٌ لِعَذابِ المُسْتَحِقِّينَ، والمَفْهُومُ مِنهُ أنَّ العَدْلَ لا يَكُونُ سَبَبًا لِعَذابِ غَيْرِ المُسْتَحِقِّينَ، وهو مَعْنًى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لا نِزاعَ فِيهِ، وإنْ أُرِيدَ أنَّ المَفْهُومَ مِن قَوْلِنا سَبَبُ تَعْذِيبِهِمْ كَوْنُهُ تَعالى غَيْرُ ظالِمٍ أنَّهُ تَعالى لَوْ لَمْ يُعَذِّبْهم لَكانَ ظالِمًا، فَنَقُولُ: هو مَعَ بُعْدِهِ عَنْ سِياقِ كَلامِ المُعْتَرِضِ مِن قُبَيْلِ الِاسْتِدْلالِ بِانْتِفاءِ السَّبَبِ عَلى انْتِفاءِ المُسَبِّبِ، فَيَكُونُ مَبْنِيًّا عَلى كَوْنِ المُرادِ بِالسَّبَبِ السَّبَبُ المُوجِبُ كَما قُلْنا ويُرَدُّ عَلَيْهِ ما أوْرَدْناهُ، ولا يَكُونُ مِن بابِ المَفْهُومِ في شَيْءٍ، وإنْ أُرِيدَ غَيْرُ هَذا وذاكَ فَلْيُبَيَّنْ حَتّى نَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، ومِنَ النّاسِ مَن دَفَعَ الِاعْتِراضَ بِأنَّ حاصِلَ مَعْنى الآيَةِ وقْعُ العَذابِ (p-143)عَلَيْكم ولَمْ يُتْرَكْ بِسَبَبِ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَيْسَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ، وهو بِمَنطُوقِهِ يَدُلُّ عَلى أنَّ نَفْيَ الظُّلْمِ لا يَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ التَّعْذِيبِ مِن مُسْتَحِقِّهِ، ولا يَدُلُّ عَلى كَوْنِ الظُّلْمِ سَبَبًا لِتَرْكِ التَّعْذِيبِ، بَلْ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ، وهو لُطْفُهُ تَعالى فَلا يُرَدُّ الِاعْتِراضُ، وأنْتَ تَعْلَمُ بِأنَّ هَذا ذُهُولٌ عَنْ مَقْصُودِ المُعْتَرِضِ أيْضًا، فَإنَّ دَلالَةَ الكَلامِ عَلى كَوْنِ الظُّلْمِ سَبَبًا لِتَرْكِ التَّعْذِيبِ، وعَدَمَها خارِجٌ عَنْ مَطْمَحِ نَظَرِهِ عَلى ما عَرَفْتَ مِن تَقْرِيرِ كَلامِهِ، عَلى أنَّهُ إذا كانَ المُرادُ بِالسَّبَبِ السَّبَبَ المُوجِبَ عَلى ما هو مَبْنى كَلامِ ذَلِكَ المَوْلى، فَدَلالَتُهُ عَلَيْهِ ظاهِرَةٌ؛ فَإنَّ وُجُودَ السَّبَبِ المُوجِبِ كَما يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِ المُسَبِّبِ يَكُونُ عَدَمُهُ سَبَبًا لِعَدَمِهِ -كَما في طُلُوعِ الشَّمْسِ ووُجُودِ النَّهارِ، فالعَدْلُ أعْنِي نَفْيَ الظُّلْمِ إذا كانَ سَبَبًا لِتَعْذِيبِ المُسْتَحِقِّ يَكُونُ عَدَمُهُ أعْنِي الظُّلْمَ سَبَبًا لِعَدَمِ التَّعْذِيبِ، وقِيلَ: إنَّهُ عَطْفٌ عَلى ما قَدَّمْتُ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ سَبَبِيَّةَ ذُنُوبِهِمْ لِعَذابِهِمْ مُقَيَّدَةٌ بِانْتِفاءِ ظُلْمِهِ تَعالى إذْ لَوْلاهُ لَأمْكَنَ أنْ يُعَذِّبَهم بِغَيْرِ ذُنُوبِهِمْ لا أنْ لا يُعَذِّبَهم بِذُنُوبِهِمْ.
وتَعَقَّبَهُ أيْضًا مَوْلانا شَيْخُ الإسْلامِ بِقَوْلِهِ: وأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّ إمْكانَ تَعْذِيبِهِ تَعالى لِعَبِيدِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، بَلْ وُقُوعُهُ لا يُنافِي كَوْنَ تَعْذِيبِ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ حَتّى يَحْتاجَ إلى اعْتِبارِ عَدَمِهِ مَعَهُ، وإنَّما يَحْتاجُ إلى ذَلِكَ إنْ كانَ المُدَّعِي أنَّ جَمِيعَ تَعْذِيباتِهِ تَعالى بِسَبَبِ ذُنُوبِ المُعَذَّبِينَ انْتَهى، ولا يَخْفى عَلَيْكَ أنَّ أنْ لا يُعَذِّبَهم بِذُنُوبِهِمْ في كَلامِ القِيلِ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: أنَّ يُعَذِّبَهم، والمَعْنى أنَّ ذِكْرَ هَذا القَيْدِ رَفْعُ احْتِمالِ أنْ يُعَذِّبَهم بِغَيْرِ ذُنُوبِهِمْ لِاحْتِمالِ أنْ لا يُعَذِّبَهم بِذُنُوبِهِمْ؛ فَإنَّهُ أمْرٌ حَسَنٌ شَرْعًا وعَقْلًا، وقَوْلُهُ: لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ سَبَبِيَّةَ ذُنُوبِهِمْ لِعَذابِهِمْ مُقَيَّدَةٌ إلَخْ، أرادَ بِهِ أنَّ تَعَيُّنَهُ لِلسَّبَبِيَّةِ إنَّما يَحْصُلُ بِهَذا القَيْدِ إذْ بِإمْكانِ تَعْذِيبِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ سَبَبُ التَّعْذِيبِ إرادَةَ العَذابِ بِلا ذَنْبٍ، فَيَكُونُ حاصِلُ مَعْنى الآيَةِ إنَّ عَذابَكم هَذا إنَّما نَشَأ مِن ذُنُوبِكم لا مِن شَيْءٍ آخَرَ، فَإذا عَلِمْتَ هَذا ظَهَرَ لَكَ أنَّ تَزْيِيفَ المَوْلى كَلامَ صاحِبِ القِيلِ بِأنَّ إمْكانَ تَعْذِيبِهِ تَعالى إلَخْ ناشِئٌ عَنِ الغَفْلَةِ عَنْ مُرادِهِ؛ فَإنَّ كَلامَهُ لَيْسَ في مُنافاةِ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ بِحَسَبِ ذاتِهِما، بَلْ في مُنافاةِ احْتِمالِ التَّعْذِيبِ بِلا ذَنْبٍ لِتَعَيُّنِ سَبَبِيَّةِ الذُّنُوبِ لَهُ، وكَذا قَوْلُهُ عَقِيبَ ذَلِكَ، وإنَّما يُحْتاجُ إلى ذَلِكَ إنْ كانَ المُدَّعِي إلَخْ ناشِئٌ عَنِ الغَفْلَةِ أيْضًا؛ لِأنَّ الِاحْتِياجِ إلى ذَلِكَ القَيْدِ في كُلٍّ مِنَ الصُّورَتَيْنِ إنَّما هو لِتَقْرِيعِ المُخاطَبِينَ وتَبْكِيتِهِمْ في الِاعْتِرافِ بِتَقْصِيراتِهِمْ بِأنَّهُ لا سَبَبَ لِلْعَذابِ إلّا مِن قِبَلِهِمْ.
فالقَوْلُ بِالِاحْتِياجِ في صُورَةِ وعَدَمُهُ في صُورَةٍ رَكِيكٌ جِدًّا، ثُمَّ إنَّهُ لا تَدافُعَ بَيْنَ هَذا القِيلِ، وبَيْنَ ما نُقِلَ أوَّلًا عَنْ فُحُولِ المُفَسِّرِينَ حَيْثُ جُعِلَ المَعْطُوفُ هُناكَ سَبَبًا وهَهُنا قَيْدًا لِلسَّبَبِ؛ لِأنَّ المُرادَ بِالسَّبَبِ الوَسِيلَةُ المَحْضَةُ، كَما أشَرْنا إلَيْهِ فِيما سَبَقَ، فَهو وسِيلَةٌ سَواءٌ اعْتُبِرَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا، أوْ قَيْدًا لِلسَّبَبِ، نَعَمْ بَيْنَهُما عَلى ما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى تَدافُعٌ يَتَراءى مِن وجْهٍ آخَرَ، لَكِنَّهُ أيْضًا غَيْرُ وارِدٍ كَما سَنُحَقِّقُهُ بِحَوْلِهِ تَعالى.
والحاصِلُ أنَّ العَطْفَ هُنا مِمّا لا بَأْسَ بِهِ وهو الظّاهِرُ -وإلَيْهِ ذَهَبَ مَن ذَهَبَ- ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ -وإلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الإسْلامِ - (أنْ) وما بَعْدَها في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ اعْتِراضٌ تِذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها، أيْ: والأمْرُ أنَّهُ تَعالى لَيْسَ بِمُعَذِّبٍ لِعَبِيدِهِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ مِن قِبَلِهِمْ، والتَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِنَفْيِ الظُّلْمِ مَعَ أنَّ تَعْذِيبَهم بِغَيْرِ ذَنْبٍ لَيْسَ بِظُلْمٍ عَلى ما تُقَرِّرُ مِن قاعِدَةِ أهْلِ السُّنَّةِ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ ظالِمًا بالِغًا لِبَيانِ كَمالِ نَزاهَتِهِ تَعالى عَنْ ذَلِكَ بِتَصْوِيرِهِ بِصُورَةِ ما يَسْتَحِيلُ صُدُورُهُ عَنْهُ تَعالى مِنَ الظُّلْمِ، كَما يُعَبِّرُ عَنْ تَرْكِ الإثابَةِ عَلى الأعْمالِ بِإضاعَتِها مَعَ أنَّ الأعْمالَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلثَّوابِ حَتّى يَلْزَمَ مِن تَخَلُّفِهِ عَنْها إضاعَتُها، وصِيغَةُ المُبالَغَةِ لِتَأْكِيدِ هَذا المَعْنى بِإبْرازِ ما ذُكِرَ مِنَ التَّعْذِيبِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ في صُورَةِ المُبالَغَةِ في الظُّلْمِ، ومِن هُنا يُعْلَمُ الجَوابُ عَمّا قِيلَ: إنَّ نَفْيَ نَفْسِ الظُّلْمِ أبْلَغُ مِن نَفْيِ كَثْرَتِهِ، ونَفْيَ الكَثْرَةِ لا يَنْفِي أصْلَهُ، بَلْ رُبَّما يُشْعَرُ بِوُجُودِهِ، وأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ أيْضًا بِأنَّهُ نَفْيٌ لِأصِلِ (p-144)الظُّلْمِ وكَثْرَتِهِ بِاعْتِبارِ آحادِ مَن ظُلِمَ، فالمُبالَغَةُ في ( ظَلّامٍ ) بِاعْتِبارِ الكِمِّيَّةِ لا الكَيْفِيَّةِ، وبِأنَّهُ إذا انْتَفى الظُّلْمُ الكَثِيرُ انْتَفى القَلِيلُ؛ لِأنَّ مَن يَظْلِمْ يَظْلِمْ لِلِانْتِفاعِ بِالظُّلْمِ، فَإذا تُرِكَ كَثِيرُهُ مَعَ زِيادَتِهِ نَفَعَهُ في حَقِّ مَن يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّفْعُ والضُّرُّ كانَ لِقَلِيلِهِ مَعَ قِلَّةِ نَفْعِهِ أكْثَرُ تَرْكًا، وبِأنَّ ( ظَلّامٍ ) لِلنَّسَبِ كَعَطّارٍ، أيْ: لا يُنْسَبُ إلَيْهِ الظُّلْمُ أصْلًا، وبِأنَّ كُلَّ صِفَةٍ لَهُ تَعالى في أكْمَلِ المَراتِبِ، فَلَوْ كانَ تَعالى ظالِمًا سُبْحانَهُ لَكانَ ظَلّامًا، فَنَفْيُ اللّازِمِ لِنَفْيِ المَلْزُومِ، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن كَوْنِ صِفاتِهِ تَعالى في أقْصى مَراتِبِ الكَمالِ كَوْنَ المَفْرُوضِ ثُبُوتَهُ كَذَلِكَ، بَلِ الأصْلُ في صِفاتِ النَّقْصِ عَلى تَقْدِيرِ ثُبُوتِها أنْ تَكُونَ ناقِصَةً، وأُجِيبَ بِأنَّهُ إذا فُرِضَ ثُبُوتُ صِفَةٍ لَهُ تَعالى تُفْرَضُ بِما يَلْزَمُها مِنَ الكَمالِ، والقَوْلُ بِأنَّ هَذا في صِفاتِ الكَمالِ دُونَ صِفاتِ النَّقْصِ إنَّما يُوجِبُ عَدَمَ ثُبُوتِها لا ثُبُوتُها ناقِصَةً، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى تَتِمَّةُ الكَلامِ في هَذا المَقامِ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَیۡسَ بِظَلَّامࣲ لِّلۡعَبِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق