الباحث القرآني
قال: ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾.
(أما) شرطية، وجوابها قوله: ﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ﴾.
قوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ﴾، التوبة تقدم لنا أنها الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى من معصيته إلى طاعته، وأن لها شروطًا خمسة: الندم، والإقلاع، والعزم على ألا يعود، وأن تكون قبل الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها[[أخرج أبو داود (٢٤٧٩) بسنده عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».]].
* طالب: والإخلاص.
* الشيخ: نعم، والإخلاص، وأن تكون في زمن تقبل فيه وهو قبل الموت وقبل طلوع الشمس من مغربها.
وقوله: (من الشِّرْك)، لعل المؤلف أوجب له أن يقيد التوبة هنا بالتوبة من الشرك في قوله: ﴿وَآمَنَ﴾؛ لأن الإيمان بعد الشرك، فإن العاصي مؤمن ولو كان عاصيًا، فهذا هو الذي أوجب للمؤلف أن يُقيِّد التوبة من الشرك.
وقوله: (﴿وَآمَنَ﴾ صدَّق بتوحيد الله)، هذا نقص في تفسير الإيمان؛ لأن الإيمان ليس هو التصديق في الشرع، صحيح أن الإيمان في اللغة يُراد به التصديق، لكنه في الشرع هو أيش؟
* طالب: التصديق.
* الشيخ: التصديق شرط أن يتضمن القبول والإذعان، فلا بد من قبول وإذعان، وإلا فليس بمؤمن، لا يصدق. فأبو طالب مثلًا مُصدِّق برسالة الرسول ﷺ، ومع ذلك فهو كافر؛ لأنه لم يقبل ولم يذعن[[أخرج البخاري (٣٨٨٤) ومسلم (٢٤/٣٩) من حديث المسيب بن حزن قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ، فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله ﷺ: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله»، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ: «أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك». فأنزل الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾، وأنزل الله تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله ﷺ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.]].
وقول المؤلف: (صدَّق بتوحيد الله) أيضًا فيه قصور؛ لأنه ليس الإيمان هو أن تصدق بوحدانية الله، لكن أن تصدق بكل ما يجب الإيمان به، وقد بين الرسول ﷺ أن الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره[[كما في حديث جبريل الذي أخرجه مسلم (٨/١) عن عمر رضي الله عنه، وفيه: «قال: فأخبرني عن الإيمان». قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره...».]]. فلا بد من هذه الأركان الستة في الإيمان.
وقوله: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، قال المؤلف: (أدى الفرائض)، وفي هذا أيضًا قصور، بل المراد: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، أي: عمل عملًا صالحًا يشمل الفرائض، وأيش بعد؟ والنوافل.
والعمل الصالح هو الذي جمع بين أمرين: الإخلاص والمتابعة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة ٥]، ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ هذا الإخلاص. و﴿حُنَفَاءَ﴾ هذه المتابعة؛ لأن الحنيف الذي ليس بمائل، ومن خرج عن المتابعة فهو مائل.
فالعمل الصالح إذن: كل عمل تضمن الإخلاص والمتابعة، ضده: الفاسد، وهو الذي اشتمل على الشرك أو على البدعة، على الشرك أو البدعة، فهذا ليس بعمل صالح.
من جمع هذه الأوصاف الثلاثة: ﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾.
﴿فَعَسَى﴾، (عسى) من أفعال؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، الترجي، من أفعال الترجي، لكنها بالنسبة لله سبحانه وتعالى ما تكون للترجي، تكون للتعليل، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (عسى) من الله واجبة[[أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (٥٠٤٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: عسى من الله واجب.]]؛ لأن العلة ملازمة للمعلول، فإذا وُجِدت العلة ثبت المعلول، فالعلة للفلاح هي التوبة والإيمان والعمل الصالح، فإذا وُجِدت هذه وُجِد الفلاح.
﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ﴾، ﴿أَنْ يَكُونَ﴾ أي الذي ﴿تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [القصص ٦٧] ﴿مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ قال المؤلف: (الناجين بوعد الله) يعني الناجين بوعد الله، أي: بما وعدهم الله به. ولكن الفلاح ليس كما قال المؤلف هو النجاة فقط، بل النجاة من المرهوب والفوز بالمطلوب؛ هذا هو الفلاح: أن ينجو الإنسان مما يهرب وأن يحصل له ما يحب.
وقوله: ﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾، لو قلنا بأنها للترجي مثلًا، لكان تتضمن فائدة: وهي أن الإنسان وإن عمل هذا العمل فليكن راجيًا لا قاطعًا، فليكن راجيًا للفلاح لا قاطعًا به؛ لأنه لا يدري قد يكون هناك موانع أو خلل لا يحصل معه الفلاح، فكأن الآية ترشد إذا قلنا: إن (عسى) للترجي، (...)، للترجي باعتبار العامل لا باعتبار الجازم أنها للترجي، تكون الفائدة منها أيش؟ هو أن الإنسان وإن عمل فلا يقطع، بل يكن راجيًا، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون ٦٠]، فهنا المقام ليس مقام جزم، بل هو مقام رجاء، فليكن راجيًا.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [القصص ٦٨].
هذه الآية تعليل لبطلان آلهة المشركين وإثبات الألوهية لله، وذلك عن طريق إثبات الخلق؛ فإن الخالق هو الذي يجب أن يُعبد؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ٢١]، فإن هذا الوصف تعليل للأمر، فإن الخالق يجب أن يكون هو الإله المعبود، كما قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل ٢٠، ٢١]، فإذا كانوا لا يخلقون كيف يستحقون أن يعبدوا؟ وقال إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم ٤٢].
هنا قال: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾؛ لإلزام هؤلاء المشركين بعبادته وحده.
وقوله: ﴿يَخْلُقُ﴾، الخلق هو الإبداع المبني على التقدير، الله سبحانه وتعالى يقدر، ثم يخلق، فخلقه مبني على الحكمة.
﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾، ولم يقل: من يشاء، مع أن في المخلوقات ما هو عاقل، فلماذا قال: ﴿مَا يَشَاءُ﴾ دون (من يشاء)؟ تغليبًا؟
* طالب: تغليبًا لغير العاقل.
* الشيخ: تغليبًا لغير العاقل؛ لأنه أكثر، ثم من أجل أن يشمل الأعيان والأوصاف، والأوصاف معلوم أنها ليست من العقلاء، وإذا رُويت الأوصاف أتي بـ(ما)، وانظروا إلى قوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣] ولم يقل: من ﴿طَابَ﴾، مع أن المنكوح عاقل، لكنه لما كانت المرأة تُنكح لصفاتها قال: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ﴾، يعني معناه: راعوا الصفة. فهنا ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ عبر بـ﴿مَا﴾ تغليبًا لغير العاقل لكثرته، أيش بعد؟ وليشمل الأعيان والأوصاف، الله تعالى خالق كل شيء، الأعيان والأوصاف؛ ولهذا من مذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خالق للعبد، ولأفعال العبد التي هي أوصافه، فالله تعالى يخلق ما يشاء.
وقوله: ﴿مَا يَشَاءُ﴾ أي ما يشاء خلقه، فالمفعول إذن محذوف، وهذه المشيئة كل ما ذكر الله تعالى عن فعل من أفعاله أنه تابع للمشيئة فإنه مقرون بالحكمة؛ لأن من أسماء الله تعالى (الحكيم)، فلا يخلق شيئًا عبثًا، ولا يحكم بشيء عبثًا، كل ما شاءه فهو مقرون بحكمة.
وقوله: ﴿وَيَخْتَارُ﴾ [القصص ٦٨]، قال المؤلف: (﴿وَيَخْتَارُ﴾ ما يشاء)، والاختيار: الأخذ بخير الأمرين، فهو سبحانه وتعالى أيضًا يأخذ بما يراه خيرًا من أفعاله وأحكامه، فتصوير الخلق عائد لأصل التكوين، والاختيار عائد للتعيين المبني على الإرادة التامة، فهو لا معقب لحكمة ولا راد لقضائه، فيختار ما يريد سبحانه وتعالى، يخلق الآدمي على هذا الوجه، اختار أن يكون على هذا الوجه، خلق البهيم المركوب، واختار أن يكون على هذا الوجه، نعم، كذلك أيضًا اختار أن يكون شرعه كذا -وإن لم يكن مخلوقًا - على هذا الوجه.
فإذن الاختيار أعم من الخلق من وجه؛ حيث يشمل المخلوق وغير المخلوق، فهو يختار سبحانه وتعالى ما يريده من شرع، أي أعم من هذا الوجه، وأما الخلق فإنه أعم من حيث إنه يشمل الأعيان والأوصاف.
وقوله: (﴿مَا كَانَ لَهُمُ﴾ للمشركين ﴿الْخِيَرَةُ﴾ الاختيار).
قوله: ﴿مَا كَانَ﴾ هل هي نافية أو اسم موصول؟ قال بعضهم: إنها اسم موصول يعني: ﴿وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾، يعني ما يكون فيه خير لهم، يختار الذي فيه خير لهم، وعلى هذا فقوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ موصول بقوله: ﴿وَيَخْتَارُ﴾؛ لأنه مفعول به، وهذا القول ذهب إليه المعتزلة الذين يقولون: إنه يجب على الله فِعْل الأفضل أو الصلاح، فقالوا: إنه تعالى ما يختار إلا ما كان فيه الْخِيرة، أما ما لم يكن فيه خيرة فلا يختاره، وهذا معناه أنه سبحانه وتعالى يفعل ما هو أصلح أو ما هو صلاح.
ولكن أكثر المفسرين، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهما يقولون: إن ﴿مَا﴾ نافية، وكما قال المؤلف والمعنى: لا يكون الخيرة لهؤلاء المشركين ولا لأصنامهم أيضًا، فأصنامهم لا تخلق ولا تختار، وكذلك هم ليس لهم حق الاختيار فيما أراد الله. وهذا القول هو الصواب، وعلى هذا فيكون الوقف على قوله: ﴿وَيَخْتَارُ﴾ تقف، ثم تبدأ: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾، وهذا هو القول الصحيح في هذه الآية: أن الله هو الذي له الاختيار المطلق وليس لأحد خِيَرة، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب ٣٦]، فلا يختارون من أمرهم إلا ما اختار الله.
وقد تقدم لنا في كتاب العقيدة تفصيل القول: هل يجب على الله فعل الأصلح والصلاح أو لا يجب؟ وذكرنا أنه واجب عليه بمقتضى الحكمة وليس بمقتضى عقولنا، فإن الله تعالى بمقتضى كونه حكيمًا ما يفعل إلا ما هو صالح أو أصلح، لا يمكن أن يفعل ما ليس بصالح ولا أصلح؛ لأنه حكيم، ولكن هل معنى ذلك أننا نحن نُوجِب على الله ونقول: هذا أصلح من هذا ويجب أن يفعل كذا؟ لا، ولكنه سبحانه وتعالى يفعله وقد لا نعلم نحن بوجه الأصلحية أو بوجه الصلاحية، ما يلزم أننا نعلم، وكم من أشياء نظن أن الحكمة في مخالفة ما أمر الله به أو ما وقع قدرًا ويكون الحكمة فيما جاء به الشرع وقضى به الله تعالى في قدره.
﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ [القصص ٦٨]، ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ أي: (الاختيار في شيء)، فسر المؤلف ﴿الْخِيَرَةُ﴾ بالاختيار، إذن فهي اسم مصدر، كذا؟ لماذا؟ لأن كل كلمة تضمنت معنى المصدر دون حروفه فهي اسم مصدر. ونظير ﴿الْخِيَرَةُ﴾ الطيرة؛ فإن الطيرة اسم مصدر بمعنى التطير، وهكذا ﴿الْخِيَرَةُ﴾ اسم مصدر بمعنى: الاختيار.
(﴿سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص ٦٨] عن إشراكهم).
قوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تقدم لنا أكثر من مرة أنها اسم مصدر بمعنى التسبيح، والتسبيح تنزيه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به، والذي لا يليق به؟ ما الذي لا يليق بالله، ويجب أن يُنزَّه عنه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: وغيره؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...)، النقص ومشابهة المخلوقين، مشابهة المخلوقين ممتنعة على الله، والنقص ممتنع عليه سبحانه وتعالى، فعليه ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تنزيهًا لله عن كل ما لا يليق به من نقص أو مشابهة المخلوقين.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا؛ لأنه قد تكون صفة كمال، فإذا شابه الله بها صار نقصًا، وقد تكون المسألة ما فيها مشابهة للمخلوقين إطلاقًا ولا (...) الشبه يعني من الصفات الخاصة بالله، هذه الصفات الخاصة به مُنزَّه بها عن النقص؛ ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] فنص على نفي الناقص، وقال: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨] فنص على نفي النقص.
وقوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُون﴾ [القصص ٦٨]، يقول: (عن إشراكهم).
استفدنا من تقدير المؤلف أن (ما) مصدرية، فيكون التنزيه عن فعلهم، ويحتمل أن تكون (ما) اسمًا موصولًا ويكون العائد محذوفًا، والتقدير: عما يشركونه به، فيكون منزهًا عن الشركاء التي هي الأصنام.
وقوله: ﴿وَتَعَالَى﴾ [القصص ٦٨] مأخوذة من العلو، لكنها تفيد معنى التنزه مع العلو، يعني (تعالى) معناها ترفع وتنزه بعلو، فهي أبلغ من قولك: (علا)؛ لأن (علا) تفيد العلو، لكن (تعالى) تفيد مع العلو التنزه والتحاشي عما يشركونه به أو عن إشراكهم به، ولما بين الله تبارك وتعالى عموم خلقه، وأنه هو الذي له الاختيار المطلق وليس لأحد من خلقه اختيار، فالاختيار له وحده -وانتبهوا إلى قوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص ٦٨] سيكون فيها نقاش إن شاء الله في ذكر الفوائد - ذكر أنه عالم بكل شيء؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، (تطير، يتطير، تطيرًا).
* الطالب: إذن؟
* الشيخ: اسم مصدر، معنى التطيُّر.
﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ [القصص ٦٩]، ﴿وَرَبُّكَ﴾ الخطاب فيها وفي التي قبلها إما للرسول ﷺ، وإما لكل من يصح توجيه الخطاب إليه.
(﴿يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ تسر قلوبهم من الكفر وغيره).
﴿تُكِنُّ﴾ بمعنى: تسر وتخفي. ﴿صُدُورُهُمْ﴾ أي: قلوبهم، وإنما عبر عن الصدور؛ لأن القلب فيه، والقلب متصل بأي شيء؟ بالصدر؛ فلهذا الصدر هو الْمُكِنُّ للقلب الساتر له، وما في القلب أيضًا من الأشياء المستورة فالله تعالى يعلمه ﴿يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾.
وقول المؤلف: (من الكفر وغيره) صحيح، من الكفر وغير الكفر، فلا يخفى عليه شيء مما في القلب، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ق ١٦]. ﴿تُوَسْوِسُ بِهِ﴾ أي: تُحَدِّث به، فهو سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء، بل هو يعلم ما لا تعلم أنت أيضًا، يعلم مثلًا بأنك سوف توسوس في اليوم الفلاني بكذا وكذا قبل أن يقع منك، أليس كذلك؟
* طالب: بلى.
* الشيخ: (﴿مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [القصص ٦٩] بألسنتهم من ذلك)، ﴿يُعْلِنُونَ﴾ يظهرون، وتخصيص المؤلف الإظهار بالألسن فيه قصور؛ لأن الإعلام قد يكون باللسان وقد يكون بغيره من الجوارح، قد يكون باللسان فيتكلم، وقد يكون بغيره من الجوارح فيفعل بيديه أو قدميه أو عينيه أو غير ذلك، فهو أعم ما قال المؤلف.
ثم قال: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ﴾ [القصص ٧٠].
﴿وَهُوَ﴾ الضمير يعود على (رب) يعني: وذلك الرب الذي يخلق والذي يعلم هو ﴿اللَّهُ﴾، ﴿اللَّهُ﴾ أصلها الإله، حُذفت الهمزة تخفيفًا؛ لكثرة الاستعمال، كما في (أُناس) فيُقال فيها: (الناس)، فتُحذف الهمزة للتخفيف، فـ﴿اللَّهُ﴾ تعالى معناها (الإله) أصله، ثم حُذِفت الهمزة للتخفيف وصارت: ﴿اللَّهُ﴾.
فما معنى الإله؟ (إله) بمعنى: (مألوه)، وليست بمعنى: آلِه، فهي بمعنى: مألوه، مثل (غراس) بمعنى: مغروس، (وبناء) بمعنى: مبني، و(فراش) بمعنى: مفروش، وأمثلتها كثيرة.
فـ(إله) بمعنى: مألوه، أي معبود؛ وسمي المعبود مألوهًا؛ لأن القلب يألهه، (يألهه) أي: يميل إليه، وتجدون أن (أله) موافِقة في الاشتقاق الأصغر لـ(أهل) ولَّا لا؟ موافقة للاشتقاق الأصغر لـ(أهل)، إذ إن فيها الهمزة والهاء واللام، ففي الألوهية -وهي العبادة- نوع من التأهل والاطمئنان؛ لأن الآلِه للشيء مطمئن إليه، فإذن (الإلَه) بمعنى المعبود؛ لأن العابد يألهه، أي: يميل إليه ويطمئن إليه الاطمئنان، وليس (الإله) بمعنى: الآله، حيث قال المتكلمون: إن الإله بمعنى الآله، أي القادر على الاختراع؛ يعني القادر على الخلْق، لكن هم عندهم تعبيرات فلسفية: القادر على الخلق. لو فسرنا الإله بمعنى القادر على الخلق، لكان المشركون الذين قاتلهم النبي عليه الصلاة والسلام مُوحِّدين، ولَّا لا؟ لأنهم يقولون: لا خالق ولا قادر على الخلق إلا الله، ولا ريب أن هذا يؤدي إلى إبطال الرسالة والتوحيد.
ومن ثم نعلم خطأ بعض المؤلفين الآن في التوحيد؛ حيث يُركزون على توحيد الربوبية، ويتناسون توحيد الألوهية، وهذا خطأ عظيم؛ لأن التوحيد ليس الإقرار بالخالق والاعتراف به فقط، إذ إن هذا حاصل من المشركين الذين استباح النبي عليه الصلاة والسلام دماءهم وأموالهم، لكن (الإله) بمعنى المعبود، وهو أمر فوق القادر أو الخالق.
ويقول تعالى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص ٧٠]، لما قرر ألوهيته بصيغة الجملة الاسمية: ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾، هذه جملة اسمية طرفاها معرفة، والمعروف عند البلاغيين أن الجملة الاسمية إذا كان طرفاها معرفة فإنها تفيد الحصر.
أكد ذلك بقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، فهذا حصر أيضًا للألوهية في الله وحده، فليس معه إله، قال الله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ [المؤمنون ٩١]، فدل هذا على أن الإله هو المعبود الذي يخلق؛ ولهذا قال: ﴿لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾، ولا تظن أن هذه الآية تؤيد تفسير المتكلمين لما قال: ﴿لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ أن هذا دليل على أن المراد بالإله الخالق، وإلا لقال: لذهب كل إله بمن عبده. لا، لكن؛ لأنه لما كان الإله الحق هو الإله الخالق قال: ﴿لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾.
وهنا الحصر حقيقي ولَّا إضافي؟ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص ٧٠]؟ الحصر حقيقي، وقد يشتبه على بعض الناس فيقول: إنه إضافي؛ وذلك لأن هذا الحصر إذا جعلناه حقيقيًّا يُشكل عليه كثيرًا أن الله أثبت آلهةً سواه؛ حيث قال: ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [هود ١٠١]، وقال سبحانه وتعالى عن إبراهيم أنه قال لقومه: ﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ [الصافات ٨٦].
وكذلك الكافرون قالوا للرسول ﷺ، قالوا فيه: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص ٥]، فيظن الظان أننا لا يمكن أن نجمع بين هذه الآية وبين إثبات ألوهية الأصنام إلا إذا جعلنا الحصر إضافيًا؛ بمعنى أننا نثبت الألوهية لكن على وجه آخر، ويكون النفي هنا على وجه آخر مخالف لما أثبتنا، فنقول في ذلك: أصل الإله حقًّا هو الخالق، الإله الحق هو الخالق، وأما هذه الآلة التي عبدت من دون الله فهي آلهة باطلة كذب؛ ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿أَئِفْكًا آلِهَةً﴾، فجعل ذلك إفكًا وليس بحقيقة، فهي وإن عبدت وأُلِّهَت فليست بآلهة؛ ولهذا تجدون أن الرسل صلى الله عليهم وسلم كل منهم يقول لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه﴾ [المؤمنون ٣٢]، يعني من إله يُعبد ويستحق أن يُعبد، يُعبد بحق سوى الله عز وجل.
وقال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا﴾ [الأنبياء ٩٨، ٩٩]، أيش معنى ﴿آلِهَةً﴾؟ أي معبودة بحق، وإلا أثبت الله لها العبادة: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾.
على هذا نقول: إن الجمع بين هذا الحصر وبين ما ذكر من إثبات الألوهية للأصنام هو أن الإله هو المعبود بحق، هذا الإله هو المعبود بحق، وهذا لا ينطبق إلى على الله سبحانه وتعالى، وأما ما عُبِد بغير حق فهو وإن سُمِّي إلهًا، لكنه لا يستحق أن يكون إلهًا، وكما قال الله: ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء ٩٩].
وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، هل هو ذكر على انفراده؛ بمعنى أنك يُشرع أن تقول: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؟ أو ليس ذكرًا على انفراده ما لم يسبق الضمير مرجع؟
* طالب: على مرجع.
* الشيخ: هذا هو المتعيِّن، ما يمكن تقول: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، إلا إذا سبق لهذا الضمير مرجع مذكور أو ملفوظ، مذكور مثل: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة ٢٥٥]، أو ملفوظ مثل أن يأتي شيء من أفعال الله فتقول: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، وأما ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ﴾ [الأنبياء ٨٧] فيصح؛ لأنك تخاطب الله، فهو متعيِّن.
وإنما قلنا ذلك في الأول، يعني: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ لا بد من مرجع، خلافًا للصوفية، الصوفية يقولون: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، فهم يعيدونه فيقولون: هو، هو، هو، هو... إلى آخره، فيعبدون الله، بلفظ، ويذكرون الله بلفظ الضمير فقط، ويحذفون ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، فيظلون يقولون: هو، هو، هو، فإذا وجدتهم في مجتمعاتهم إذا هم يهزون الرؤوس ويضربون الطبول، ويغبرون بالأصوات ويقولون: هو، هو، وربما يجرحون أنفسهم من شدة الانفعال والغيبوبة، نسأل الله العافية.
الحاصل أن هذا لا يكون إلا بسبق مرجع.
قال: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص ٧٠].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ [القصص ٧٠] فقط. (...)
﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ [القصص ٦٧].
* في هذا: فضيلة هذه الأوصاف الثلاثة؛ التوبة والإيمان والعمل الصالح.
* ومن فوائدها: أن هذه الأوصاف الثلاثة سبب للفلاح؛ لقوله: ﴿فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾.
* ومنها: أن الفلاح مرتبة عالية لا ينالها إلا ذوو الأوصاف الحميدة: التائبون المؤمنون العاملون صالحًا.
* ومن فوائد الآية: أن العمل لا ينفع إلا إذا كان صالحًا، وهو ما جمع شرطين كما سبق: الإخلاص، والمتابعة للرسول ﷺ.
وقوله: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص ٦٨].
* مِن فوائدها: إثبات أن الله وحده هو الذي يخلق؛ لقوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾؛ لأن من لا اختيار له طبعًا لا خلْق له.
* ومِنها: أن الله تعالى قادر على كل شيء؛ لأن (من يخلق ما يشاء) معناه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أنه قادر، كيف يريد يخلقه؟
* ومنها: إثبات الإرادة لله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿وَيَخْتَارُ﴾، والإرادة هنا الشرعية ولَّا الكونية؟
* طالب: الشرعية.
* طالب آخر: كلاهما.
* الشيخ: إن نظرنا إلى قرنها بالخلق قلنا: هي الكونية، وإن نظرنا إلى لفظها بقطع النظر عن اقترانها بالخلق قلنا: إنها شاملة للكونية والشرعية، وأنه سبحانه وتعالى يختار كونًا وشرعًا ما يشاء، وهذا أولى، العموم أولى، أن تكون شاملة للاختيار الكوني والشرعي.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، (...)، لكن هل هو يختار فيما يخلق؟ أو عام؟ السياق يقتضي أن تكون يختار ما يخلق، معنى المغايرة (...)، معنى الاختيار غير معنى الخلق.
* ومن فوائدها: أن الإنسان لا اختيار له، وقد تمسك بهذا الجبرية؛ لقوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾، فقالوا: هذه الآية تدل على أن الإنسان ما له اختيار، وأنه مجبر على فعله، والجواب على ذلك أن يقال: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ المطلقة، يعني التي تكون بدون الله، فالله يختار وهم يختارون، والدليل على هذا - أنه ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ المطلقة - آيات كثيرة وأحاديث تدل على أن الإنسان له إرادة: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران ١٥٢]، ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير ٢٨]، نعم، فهو سبحانه وتعالى أثبت للإنسان مشيئة، وأثبت له إرادة، والواقع يشهد بذلك ولَّا لا؟ الواقع يشهد بذلك، والإنسان يُفرِّق بين الفعل الاختياري والفعل غير الاختياري، أليس كذلك؟ فالإنسان إذا نزل من السطح بالدَّرَج، نزوله اختياري، ولكن إذا دفعه أحد من أعلى الدرج وصار يتدحرج نزوله غير اختياري.
فإذن قوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص ٦٨]، النفي هنا مُسلَّط على أي شيء؟ على مطلق الخيرة ولَّا على الخيرة المطلقة؟
* طالب: على الخيرة المطلقة.
* الشيخ: على الخيرة المطلقة التي لا تعارض، هذا ما هو للإنسان، بل الإنسان مُدَبَّر وله إرادة.
وأما أن يكون نفيًا لمطلق الخيرة فهذا لا يمكن؛ لأن الآيات والواقع يشهد بأن للإنسان خيرة، أليس كذلك؟ هنا العلماء يقولون في كثير من الكفارات: يُخَيَّر بين كذا وكذا، أو لا؟
* طالب: إي.
* طالب آخر: (...)؟
* ومنها أيضًا، ومن فوائدها: انفراد الله تبارك وتعالى بالإرادة، المطلقة ولا مطلق الإرادة؟ بالإرادة المطلقة، لا مُعقِّب لحكمة ولا راد لقضائه.
* ومنها: تنزيه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به؛ لقوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ [القصص ٦٨].
* ومنها أيضًا، من فوائد الآية: تعاليه وتنزهه عن هؤلاء المشركين، سواء قدرنا (ما) مصدرية أو قدرناها موصولة، فهو سبحانه وتعالى متعالٍ عن المشركين؛ عن أصنامهم وعن شركهم.
* ومنها أيضًا: أن الإنسان إذا سب إنسانًا (...) وصار منه الزنا، من السرقة، وصار منه شرب الخمر، فهذا في الحقيقة عيب للمخاطب، فإذا نَزَّه الله نفسه عن ذلك عن النقص فالمعنى أن هذه الأصنام ناقصة.
﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [القصص ٦٩]. في هذا إثبات العلم لله، وأنه شامل بما يسر وما يعلن.
* ومن فوائدها: التحذير والترغيب، كيف التحذير والترغيب؟ تحذير الإنسان أن يُضمِر أو يعلن سوءًا؛ لأن الله يعلم به، وترغيبه في أن يُضمِر أو يُعلِن خيرًا؛ لأن الله يعلمه، والله أعلم بما أضمر من خير أو شر؛ معناه أنه لن يضيع، فهو معلوم كما قال الله تبارك وتعالى في آيات كثيرة أنه يعلم ويخبر يوم القيامة بما عمل هؤلاء، ففي الآية ترغيب وتحذير، فمن أضمر خيرًا وأعلنه فهو له ترغيب، ومن أضمر شرًا أو أعلنه فهو له تحذير.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص ٧٠].
قال الله تعالى: ﴿لَهُ الْحَمْدُ﴾، ﴿لَهُ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، فـ﴿لَهُ﴾ وحده ﴿الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ﴾، أما غيره فليس له الحمد الذي يستحقه الله، لا في الأولى ولا في الآخرة.
وقوله: ﴿الْحَمْدُ﴾، (أل) هذه للاستغراق، أي جميع أنواع الحمد وما يتعلق به من خير أو شر، فالله تعالى له الحمد كله، فهو الذي لا يُحمد على سوء سواه، يُحمد على كل حال كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٨٠٣) من حديث عائشة رضي الله عنها.]].
وقوله: ﴿لَهُ﴾، اللام هنا هل هي للاختصاص أو للاستحقاق؟
* طالب: كلاهما.
* الشيخ: هي للاختصاص ولَّا للاستحقاق؟
* طالب: كلاهما.
* الشيخ: للاستحقاق، إي.
الآن ما مر عليكم (...) للاستحقاق أو للاختصاص؟
* طالب: كلاهما يا شيخ.
* الشيخ: اللام ذكرنا أنها للاختصاص وللاستحقاق، فالحمد المطلق مختص بالله، والمستحق للحمد حقيقةً هو الله؛ لأن غيره وإن استحق أن يحمد فإن ما أتى به من أسباب الحمد هو من الله سبحانه وتعالى، وغاية ما يكون أن يكون وسيلة، فالإنسان مثلًا يُحمد على ما له من الصفات الكاملة والإحسان إلى الخلق وما أشبه ذلك، لكن هذا منين؟ منين هذا اللي حصل؟
* طالب: مِنَ الله.
* الشيخ: من الله، إذن فالحمد حقيقةً لله، فالذي يستحق الحمد هو الله، والذي يختص بالحمد الْمُطلق على جميع الأحوال مَنْ؟ هو الله سبحانه وتعالى، فهو إذن للاستحقاق والاختصاص.
و(﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى﴾ الدنيا)، يُحمد في الدنيا على ما أجراه سبحانه وتعالى من أحكام كونية، وما شرعه من أحكام شرعية، يُحمد عليها حمدًا كاملًا.
كذلك أيضًا له الحمد في الآخرة، قال المؤلف: (الجنة)، وليس كذلك، (الآخرة) تشمل منذ يبعث الناس إلى أن يصلوا إلى منازلهم، فإنه سبحانه وتعالى يحمد، بل إن الله تعالى يفتح على نبيه في ذلك اليوم من المحامد ما لم يفتحه عليه من قبل[[جاء في حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه الشيخان؛ البخاري (٤٧١٢) ومسلم (١٩٤/٣٢٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه قول النبي ﷺ «فأقع ساجدًا لربي عز وجل، ثم يفتح الله عليَّ من محامده، وحسن الثناء عليه شيئًا، لم يفتحه على أحد قبلي...» الحديث.]]، فهو سبحانه وتعالى في يوم القيامة يظهر حمده لكل أحد، فإنه يظهر عدله ويظهر فضله وإحسانه وتظهر حكمته وتظهر قدرته، إلى غير ذلك من الصفات العظيمة التي تظهر في ذلك اليوم ويستحق عليها الحمد.
فليس المعنى أنه ما يحمد إلا في الجنة؛ هذا قصور جدًّا من المؤلف رحمه الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ﴾ [القصص ٧٠]، (الآخرة) تشمل من حين يُبعث الناس إلى أن ينتهي كل إنسان إلى داره.
(في الآخرة) يحمد قلنا: يحمد على ما يظهر في ذلك اليوم، منين؟
* طالب: العدل.
* الشيخ: من العدل، والقدرة، والرحمة، والحكمة، والفضل، والإحسان، وغير ذلك من أشياء كثيرة اللي تظهر، ما تظهر الآن في الدنيا، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يستأذن من الله عز وجل في الشفاعة، ويسجد تحت العرش، فيفتح الله عليه من المحامد ما لم يفتحه عليه من قبل[[جاء في حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه الشيخان؛ البخاري (٤٧١٢) ومسلم (١٩٤/٣٢٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه قول النبي ﷺ: «فأقع ساجدًا لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا، لم يفتحه على أحد قبلي...» الحديث.]]، وهذا قبل دخول الجنة، بل قبل أن يُحاسب الخلق، فالله سبحانه وتعالى له الحمد في الآخرة.
﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾، (له) خبر مقدم، وتقديم الخبر يفيد الحصر. ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ قال المؤلف: (القضاء النافذ في كل شيء). و﴿الْحُكْمُ﴾ يشمل القضاء وهو الحكم الكوني كما قال المؤلف، ويشمل الحكم الشرعي، فالحكم لله قضاءً وشرعًا. لا حاكم إلا الله سبحانه وتعالى، فمن ابتغى الحكم من غيره ضل، من ابتغى الحكم من غير الله فإنه يضل، ومن اتبع هدى الله فإنه لا يضل ولا يشقى.
وهنا ذكرنا أن تقديم الخبر يفيد الحصر؛ لأن الحكم لله وحده، وهو كذلك إذا كان المراد الحكم المطلق، فالحكم المطلق لله ما يشاركه أحد، هو الذي يوجب الشيء ويحرمه ويندب إليه ويبيحه، وكذلك في الأمور الكونية هو الذي ينزل الغيث، وهو الذي يزيل القحط، وهو الذي يحيي ويميت ويرزق، كل هذا من الأحكام الكونية.
هل أحد نازَع الله في هذين الحكمين؟ نعم، الإنسان نازَع ربه في الحكم الكوني وفي الحكم الشرعي، ففيه مثلًا من أثبت مع الله خالقًا، وفيه من زعم أنه رب يتصرف كما يشاء، والمخالفات في الحكم الشرعي أكثر وأبين، فما أكثر الذين يشرعون ويرون أن تشريعاتهم نافذة كشرع الله أو أعلى! وهؤلاء سبق أنهم كفار، حتى لو صلوا وزكوا وصاموا وحجوا فهم كفار.
وكذلك أيضًا مما يتعلق بالحكم مثل مَنْ؟
* طالب: مثل فرعون.
* الشيخ: مثل فرعون؛ لأنه نازعه في الحكم القدري، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص ٣٨]، وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات ٢٤].
هذا الحكم المطلق فهمنا أنه لله، لكن هل هناك حكم مقيد؟ نقول: نعم، فيه حكم مقيد لكنه بأمر الله، ولهذا نحن نرى في كتب أهل العلم: (يذهبون إلى الحاكم)، و(قال الحاكم الشرعي)، و(بإذن الحاكم)، وما أشبه ذلك، هذا الحكم الذي يستفيده هذا الإنسان مقيد ولَّا غير مقيد؟ مقيد محصور، مقيد بأن يكون تحت حكم الله، محصور في مكان معين، وفي زمن معين، فإذن الحكم المطلق لمن؟ لله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة.
وأما الحكم المقيد فهذا يكون لغير الله، مثل أيش؟ مثل ما يقول العلماء: الحاكم الشرعي ويحكم بينهم الحاكم وما أشبه ذلك، هذا الحكم مقيد في زمانه ومكانه ونوعه، أما في الزمان فمعلوم أنه مقيد، هل الحاكم الشرعي هذا يبقى أبد الآبدين؟ لا، في مكانه أيضًا هو ما يحكم إلا في بُقْعة من الأرض، ما يحكم في الأرض وفي السماء، في نوعه؛ لأنه مُقيَّد بأن يكون تحت حكم الله، ما حكمه مطلقًا، يكون تحت حكم الله، فلا يملك أن يغير شيئًا من أحكام الله سبحانه وتعالى.
﴿وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص ٧٠]، ﴿إِلَيْهِ﴾ أيضًا قدم المعمول؛ لأن ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلقة بأيش؟ ﴿تُرْجَعُونَ﴾، وتقديم المعمول يدل على الحصر، فالرجوع إلى الله مهما طالت الدنيا ومهما بعُد الإنسان، ومهما كان الإنسان أيضًا فإن مرجعه إلى الله، قال المؤلف: (﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بالنشور)، والنشور متى يكون؟
* طالب: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة، فالناس، بل كل الخلائق مرجعها إلى الله سبحانه وتعالى، وذلك في يوم القيامة، ما (...)، ما يبقى شيء لا يُحشر، حتى النمل؟
* طالب: إي.
* الشيخ: كل شيء يُحْشر حتى يتبين أن الأمر كله مرجعه إلى الله عز وجل.
* * *
(﴿قُلْ﴾ لأهل مكة ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أخبروني). الخطاب للنبي ﷺ: ﴿قُلْ﴾، لكن مَنِ المخاطَب؟ المؤلف يقول: (أهل مكة). والصواب أنه عام لكل أحد: (﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أي: أخبِروني)، تفسير المؤلف لها بـ(أخبروني) تفسير بالمعنى لا باللفظ؛ لأن (رأى) من الرؤية البصرية، والمعنى: أأبصرتم ذلك فأخبروني عنه. ولكن المؤلف فسره وغيره من أهل العلم يفسرونه باللازم؛ لأن من لازَمَ الرؤية إخبار الإنسان عما يرى.
﴿أَرَأَيْتُمْ﴾، و(رأيتم) يقولون: إنها تنصب مفعولين هنا، مع العلم أنه يكون بصرية، تنصب مفعولين، المفعول الأول قد يكون موجودًا وقد يكون محذوفًا، وأكثر ما يأتي محذوفًا، ولكنه قد يكون موجودًا، مثلًا: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس ٥٩]، هنا المفعول الأول موجود: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ إلى آخره [الأحقاف: ٤]، هذا المفعول الأول محذوف. هنا: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ﴾ [القصص ٧١]، المفعول الأول محذوف، نحن قلنا: ﴿أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ المفعول الأول قلناه؟ موجود، ﴿أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ﴾، ﴿مَا﴾ هو المفعول الأول.
هنا: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ﴾، المفعول الأول محذوف، والتقدير: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ حالَكم؟ يعني: أخبروني عن حالكم ماذا تكون لو أنه حصل كذا وكذا؟ فالمفعول الأول محذوف، وجملة ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [القصص ٧١] في محل نصب وهي المفعول الثاني.
(﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾ دائمًا)، ﴿جَعَلَ﴾ بمعنى: صير، فمفعولها الأول ﴿اللَّيْلَ﴾، ومفعولها الثاني ﴿سَرْمَدًا﴾، أن يُصيِّر الله ﴿عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾.
و﴿اللَّيْلَ﴾: من غروب الشمس إلى طلوعها؛ هذا الليل، يعني معناه: اختفاء الشمس بالأفق هو الليل، وظهورها هو النهار، والنور الذي يخلفها بعد الغروب أو يتقدمها بعد الفجر، هذا من مقدمات النهار، أو من مؤخراته، وإلا فحقيقة الأمر أن الليل يكون بغروب الشمس إلى طلوعها.
وقوله: ﴿سَرْمَدًا﴾، قيل: إن أصلها سردًا، والسرد التتابع، يعني: متتابعًا، وعلى هذا التفسير فالنون زائدة، ويكون وزنه الصرفي؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، ﴿سَرْمَدًا﴾؟
* الطالب: (فعملًا).
* الشيخ: (فَعْمَلًا)؛ لأنه النون زائدة، وقيل: إن النون أصلية وأنها من (سَرْمَد) إذا استمر، وعلى هذا فيكون وزنه الصرفي: (فَعْللًا)؛ لأنه تكون النون أصلية.
الذي يهمنا معنى السرمد، معناه: الدائم المستمر.
﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾، لو كان الليل سرمدًا إلى يوم القيامة، أحد يستطيع أن يأتي بنهار؟ ما أحد يستطيع، بل ما أحد يستطيع أن يُقدِّم النهار قبل وقته، ولا أن يؤخره بعد وقته، الآن لو اجتمع العالم، مثلًا الشمس تخرج على اثنتي عشرة مثلًا، لو اجتمع العالم كلهم على أن تخرج اثنتي عشرة إلا دقيقة يستطيعون؟ ما يستطيعون، كيف (...) مرة؟ أو على أن تتأخر إلى الساعة اثنتي عشرة ودقيقة ما يستطيعون، أو على أن يزحزحوها قليلًا عن مكانها؟ ما يستطيع (...).
إذن اللي ما يستطيع يغيرها لا زمانًا ولا مكانًا، ما يستطيع أن يجلبها ويأتي بنهار أبدًا، ولهذا قال سبحانه وتعالى: (﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ بزعمكم ﴿يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾ نهار تطلبون فيه المعيشة).
﴿مَنْ﴾ مبتدأ، و﴿إِلَهٌ﴾ خبره، و﴿غَيْرُ اللَّهِ﴾ صفته، و﴿يَأْتِيكُمْ﴾ حال من ﴿إِلَهٌ﴾. يعني (...)، يعني: أي إله ﴿يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾.
وقول المؤلف: (على زعمكم) هذا ما يفطن له إلا إنسان فاهم في اللغة العربية؛ لأن ﴿مَنْ﴾ يستفهم بها عن التعيين، فتقبل التعدد؛ لأن التعيين إنما يُطلب متى؟ عند التعدد، إذا تعددت الأشياء طلب التعيين، فإذا قلت: من قام؟ فأنا الآن أثبتُّ بهذا الاستفهام أن عددًا من الناس قد قام، ولكني أستفهم عن تعيين هذا القائم، فإذا قال: ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ معناه الآن هو أثبت بالآية أن هناك آلهة، والمطلوب بـ﴿مَنْ﴾ أيش؟ التعيين، عينوا لي الإله الذي يأتيكم؟
هل حقيقة الأمر أن هناك آلهة متعددة؟ ولهذا قال المؤلف: (بزعمكم)، يعني: إذا كنتم تزعمون أن هناك آلهة فمن الإله الذي يأتيكم بضياء؟ ويكون هذا أبلغ في التحدي. لو قال: (هل إله غير الله؟) صار هنا الاستفهام عن وجود إله، لا عن تعيين الإله، لكن الاستفهام عن تعيينه أبلغ في التحدي؛ يعني: حتى على زعمكم أن هذه آلهة فإننا نتحداكم، أين الإله الذي يأتي بهذا الشيء؟ إذا قلتم: والله ما عندنا أحد من الآلهة يفعل هذا، تبين أن ألوهيتها باطلة؛ لأن الإله لا بد أن يكون قادرًا سميعًا بصيرًا... إلى آخر (...).
الظاهر أني أتكلم باللغة الإنجليزية الآن! ﴿مَنْ﴾ يُطلب بها؟
* طالب: التعيين.
* الشيخ: يُطلب منها التعيين للمتعدد. وهنا ﴿مَنْ إِلَهٌ﴾ يقتضى أن هناك آلهة متعددة، وهذا ليس على حقيقته، بل على زعم هؤلاء المشركين، زعمهم أنه فيه إله مستحق، وإذا كان كذلك على زعمكم مستحقًا للعبادة فلتكن قادرة، إذا لم تقدر فليست مستحقة للعبادة.
﴿يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾ [القصص ٧١]، الباء هنا للتعدية؛ يعني يجلب إليكم الضياء، وقال: (ضياء)؛ لأنه علامة النهار، بل إنه هو النهار في الواقع، إما علامته أو هو هو النهار.
(﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ ذلك سماع تفهم فترجعون عن الإشراك).
﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ يعني أصمت آذانكم فلا تسمعون، والمراد بالاستفهام هنا سمع التفهم الذي يرتدع به المرء عن غيه، أما مجرد سمع الإدراك اللي (...).
هنا قد يقول قائل: لماذا لم يقل: (أفلا تبصرون)؟ لأن النهار هو، والإبصار فيه أظهر (...)، بل قال: ﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾؟
نقول: لأنه تبيين لقوله: ﴿عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾، و﴿اللَّيْلَ﴾ محل رؤية ولا محل سمع؟ محل سمع، ولهذا قال: ﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾، وليس تبيين على آخر الآية التي ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ﴾، بل هو تبيين على أول الآية.
المعنى: أنكم لا تسمعون سمعًا تستفيدون منه؛ لأن الليل هو محل السمع وليس محل الرؤية (...)
التوحيد المطلق لله وحده؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما الفائدة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [القصص ٧٠].
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿لَهُ الْحَمْدُ﴾؟
* الطالب: إي (...).
* الشيخ: عليهم (...) بهذا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: وأيش يقول؟
* الطالب: أي (...)؟
* الشيخ: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾؟
* الطالب: فضيلة (...).
* الشيخ: لا، هذا (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [القصص ٦٩].
* طالب: (...).
* الشيخ: إذن العموم، صار ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ ﴾ * يستفاد منها: إثبات ألوهية الله.
* وثانيًا: انفراده بالألوهية؛ لقوله: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾.
* الفائدة الثالثة: اختصاص الله تعالى بالحمد المطلق؛ لقوله: ﴿لَهُ الْحَمْدُ﴾، الحمد المطلق الشامل للدنيا والآخرة.
* ومن فوائد الآية: ظهور كمال صفات الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة؛ لأن الحمد وصف المحمود بالكمال.
* من فوائد الآية: اختصاص الله تعالى بالحكم أنه وحده الحاكم؛ لقوله: ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾، وما ذكر من إثبات الحكم لغيره فهو أمر مقيد، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء ٥٨]، فهذا مقيد.
* ومن فوائد الآية: إثبات البعث؛ لقوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ إلى آخره.
* من فوائد الآية: تحدي هؤلاء المشركين أن تكون أصنامهم جالبة للخير أو دافعة للشر.
* ثانيًا: بيان قدرة الله سبحانه وتعالى؛ حيث لا يعجزه أن يجعل الليل سرمدًا إلى يوم القيامة.
* ثالثًا: تذكير نعمة الله سبحانه وتعالى، تذكير العباد بنعمة الله، فإن الأشياء إنما تتبين بضدها.
* ومن فوئد الآية: أنه لا يستطيع أحد أن يُغَيِّر سُنَّة الله في الكون، لو جعله سرمدًا ما استطاع أحد أن يزيله.
* ومنها؛ من فوائد الآية: الحث على سماع ما يُتلى من كتاب الله سمع تفهم وقبول؛ لقوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾.
* ومنها؛ من فوائد الآية: بيان نعمة الله على العباد في ضياء النهار، كم طاقةً يوفر هذا الضياء؟
* طالب: ما يحصى.
* الشيخ: ما يحصى، يعني يسقط الآن مثلًا كل الإضاءة اللي في الليل تسقط بالنهار؟ وكم تستهلك الأمة من طاقة في إضاءة الليل؟ مع أنه ما يكون مثل إضاءة النهار، ففي هذا نعرف قدْر نعمة الله سبحانه وتعالى بهذا الضياء الذي يصل الناس بكميات كبيرة (...).
آخر فائدة؟ بيان؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) النهار.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القصص ٧٢].
* طالب: قوله تعالى: (...)؟
* الشيخ: لا، هو المقصود الحد.
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص ٧٢].
* هذه الآية يستفاد منها ما يُستفاد من الآية التي قبلها، إلا أن فيها زيادة وهي: بيان نعمة الله سبحانه وتعالى. يستفاد من الآية ما يستفاد مما قبلها فيما اتفقتا فيه.
* ومنها: بيان نعمة الله تعالى في الليل الذي جعله سكنًا؛ لقوله: ﴿بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾.
* ومنها: أن نوم الليل أفيد للجسم من نوم النهار؛ حيث جعل الله الليل محل السكن ووقته، وهذا أمر مشاهد.
* ومنها: الحث على التبصر في آيات الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾؛ لأن هذا يفيد حث الإنسان على أن يتبصر فيما جعله الله سبحانه وتعالى من هذه الآيات، حتى يستدل بها على كمال قدرة الخالق.
أما بيان قدرة الله وما أشبه ذلك فقد سبق.
قال تعالى: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [القصص ٧٣].
* طالب: ألا تفيد الآية هذه (...)؟
* الشيخ: نعم، (...) ذكرنا أن نوم الليل أنفع للبدن من النهار؛ لأن فيه السكون، لكن ما (...) من الليل، الإنسان يحس بالراحة، لكن ليس كالليل.
* الطالب: يعني (...)؟
* الشيخ: ما هو بعلى كل حال، مع اعتبار الصحة (...).
{"ayahs_start":67,"ayahs":["فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَعَسَىٰۤ أَن یَكُونَ مِنَ ٱلۡمُفۡلِحِینَ","وَرَبُّكَ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ وَیَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ","وَرَبُّكَ یَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا یُعۡلِنُونَ","وَهُوَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِی ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ","قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمُ ٱلَّیۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَنۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَأۡتِیكُم بِضِیَاۤءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ","قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَنۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَأۡتِیكُم بِلَیۡلࣲ تَسۡكُنُونَ فِیهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ"],"ayah":"وَهُوَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِی ٱلۡأُولَىٰ وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَلَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق