الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ الخطاب للرسول ﷺ، فيستفاد من هذا ومما سبق أن توجيه الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أن يقول قولًا يدل على عناية الله سبحانه وتعالى بهذا القول؛ لأنه عبارة عن أيش؟ رسالة خاصة، القرآن كله مأمور أن الرسول يقوله للناس كل القرآن، لكن إذا (...) بعض الآيات بكلمة ﴿قُلْ﴾ يدل على عناية الله تعالى بهذا الأمر، حيث أوصاه به، أوصاه بتبليغه وصية خاصة.
* الفائدة الثانية: أنه لا يعلم أحد الغيب إلا الله، كذا؟ اللي في المستقبل ما يعلمه أحد إلا الله بكل حال، والحاضر أو الماضي قد يُعلَم، الحاضر أو الماضي قد يُعلَم، ودعوى علمه ليست من علم الغيب، وعلى هذا! فاللي يحيّرون ويخبرون عما جرى على العبد؛ هؤلاء ليسوا ممن يدَّعون علم الغيب، أيش السبب؟
* طلبة: لأنه ماضٍ.
* الشيخ: لأنه إما ماض أو حاضر وهو معلوم، لكن قد يكون غائبًا عن البشر شاهدًا للجن؛ لأن الجن يعلمون الشيء البعيد، ويخبرون من يصحبهم من الإنس. وعلى هذا فما نحدَّث به عن بعض الناس أنه إذا جاءهم مريض قالوا: أنت أصابك كذا، وأصابك كذا، ويكون الأمر كما أخبر؛ هذا ليس من دعوى الغيب، فتصديقه ليس كفرًا بالله، لكن يبقى النظر في حال هذا الرجل، هل هو مستقيم؟ فإننا حينئذٍ نركن إليه ولا حرج علينا إذا ذهبنا إليه، أما إذا كان غير مستقيم بحيث إن الجن لا تخدمه إلا بشرك وكفر؛ فإنه لا يجوز لنا أن نذهب إليه؛ لما في ذلك من الإعانة على الكفر، وقد ذكر شيخ الإسلام أن الجن يخدمون الإنس لمصالحهم؛ لمصالح الجن، فإذا كانوا كفارًا فإنهم قد يخدمونهم إذا أشرك الإنسي بالله، وقد يكون مثل عشق الإنسي مثلًا، تكون امرأة تعشق هذا الرجل، وتقول: أنا أخدمك بشرط أني أفعل به، أو كذلك رجل من الجن يعشق امرأة من الإنس فيحصل الأمر كذلك، فيكون هذا الأول شرك، اللي أشرك بالله، والثاني فسوق وزنا.
وقد يخدمه بمجرد محبته له بدون أي سبب؛ فهذا لا بأس به، وقد يخدمه لله، يرى أنه عابد وتقي، أو عالم ينفع الناس بعلمه فيخدمه لهذا السبب، فما دام أن خدمة الجن للإنس تتنوع؛ فإن حكم استخدام الإنس للجن يكون بحسب هذا التنوع، ولا يقال: إنه حرام مطلقًا، ولا يقال: إنه جائز مطلقًا، بل على حسب الحال.
وقد بلغنا أن أحد أهل العلم كان يُسمع في حلقته حركات بغير مشاهدة، ويقولون: إن الجن يحضرون العلم عنده، وأنه أحيانًا يسمعون كلامًا وسؤالًا بدون أن يعلموا به، هذا يعني (...) عندنا.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، هذا حادث، ما هو بيحدث.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، (...) جميعًا بس ما يشوفونه، (...) وهذا ليس ببعيد، إذا كان الرسول ﷺ حضره ناس من الجن، وحضروا القرآن، وتأدبوا، ﴿لَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف ٢٩].
وأيضًا لما سمعوا القرآن قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾ [الجن ١-٢]، فورثة الأنبياء من أهل العلم ممكن أن يحضرهم أناس من الجن ينتفعون بعلمهم، وليس هذا ببعيد.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، الغالب أنه ما يراه.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما أعرف، لكن الغالب أنه ما يُرى.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، (...) يرونه، لكنه مثل الملائكة، (...) الأصل أنهم عالم غيب، لكن قد يُرون.
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ فإذن نقول: ما كان قد حدث من قبل أو هو الآن موجود فليس من علم الغيب، فمن ادعى معرفته لم يكن مكذبًا لله ورسوله، واضح؟
وفي قوله: ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ إشارة إلى أن الله تعالى في السماوات، فيفيد أن الله في العلو، وقد خرَّج العلماء ذلك على أن ﴿فِي﴾ بمعنى (على)، أو أن المراد بالسماوات الجهات العليا؛ لأنه تعالى فوق العرش (...) السماء.
قال الله تعالى: (﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي: كفار مكة كغيرهم)؛ ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ قال: (﴿أَيَّانَ﴾ وقت ﴿يُبْعَثُونَ﴾ )؛ يعني: ما يشعر أحد متى يبعث الناس؛ لأن علم الساعة إلى الله عز وجل، فلا أحد يشعر متى تكون الساعة، (...) لو جاءت علاماتها وأشراطها فإننا لا نستطيع أن نحددها بالتعيين، ونقول: بقي عليها كذا سنة، كذا شهرًا، ولا (...) ولهذا قال: ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾.
وقول المؤلف: (وقت ﴿يُبْعَثُونَ﴾ ) فيه إشكال من جهة النحو، ما هو الإشكال؟
* طالب: إضافة (...) إلى الجملة الفعلية.
* الشيخ: ﴿أَيَّانَ﴾ هذه ظرف، لكنها استفهامية، ووقت ظرف مجردة من الاستفهام، ولهذا تفسير ﴿أَيَّانَ﴾ بوقت قصور، ولو قال المؤلف: متى يبعثون، لكان هو المناسب؛ لأن ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ نقول: إنها ظرف، وهي متضمنة للاستفهام، معلِّقة للفعل عن العمل. وين الفعل؟ ﴿يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾، فالجملة: ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ في محل نصب ليشعرون، ولو كان التقدير: وقت يبعثون؛ لم يكن في الجملة التعليق.
فإذن المؤلف بتقديره وقت ضيع علينا مسألتين:
المسألة الأولى: ما تضمنته أيان من الاستفهام أو لا.
والمسألة الثانية: كون الجملة هنا في محل نصب؛ لأنها معلقة بـ﴿أَيَّانَ﴾، وعلى تقديره تكون ﴿أَيَّانَ﴾ نفسها هي المفعول، هذا ما ينبغي التنبه له؛ لأنه ينبغي أن يكون التقدير اللفظي خاصة مطابقًا للمفسَر مطابقًا له في كل الأحوال.
﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾، من ادعى أنه يعلم متى يبعث، فما الحكم؟
* طالب: كافر.
* الشيخ: كافر؟ إي نعم، كافر، اللي يقول: إن القيامة تبغي تكون في سنة ألف وأربع مئة وأربعة عشر.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، ونُشِرَ هذا في صحف لبنان عن واحد يقول كاهن، استنتج أنها ستكون في ألف وأربع مئة وأربعة عشر، يعني ما بقي إلا اثنتا عشرة سنة، هذا اللي يصدقه أو يشك في خبره لو ما صدق يكون عنده تردد يعتبر كافرًا؛ لأنه يجب الجزم بتكذيب هؤلاء، يجب أن نجزم بأن هؤلاء كاذبون؛ لأنه ما يمكن يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله، النبي عليه الصلاة والسلام أعلم البشر وجبريل أعلم الملائكة؛ لما سأله قال: «مَا الْمَسْؤُولُ بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة. ]].
ما حد يدري متى تقوم الساعة إلا الله، وهذه الأشراط أيضًا، هذه الأشراط علامة على قربها، لكن القرب نسبي، لا تظن أن القرب ثلاثين سنة، أربعين سنة، مئة سنة، حدث النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه يوم من الأيام والشمس على رؤوس النخل، فقال: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا»[[أخرجه الترمذي (٢١٩١) من حديث أبي سعيد الخدري. ]].
لأنه يجب الجزم بتكذيب هؤلاء، يجب أن نجزم بأن هؤلاء كاذبون؛ لأنه ما يمكن يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله، النبي عليه الصلاة والسلام أعلم البشر، وجبريل أعلم الملائكة، لما سأله قال: «مَا الْمَسْؤُولُ بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]، ما حد يدري متى تقوم الساعة إلا الله، وهذه الأشراط أيضًا علامة على قربها، لكن القرب نسبي، لا تظن أن القرب ثلاثون سنة، أربعون سنة، مئة سنة، حدث النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه يومًا من الأيام والشمس على رؤوس النخل فقال: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا»[[أخرجه الترمذي (٢١٩١) من حديث أبي سعيد الخدري.]] (...).
من قوله: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [النمل ٦٦] وقبل أن نتكلم على فوائد هذه الآيات؛ رأيت كلامًا للزمخشري جيدًا في هذه الآيات، وهو أن قوله: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ ذكر أن المعنى ما أشرنا إليه أمس: أنه بلغ علمهم في الآخرة غاية وأعلموا بها ولم ينتفعوا، وذكر أن إدارك من الدرك، وهو الهلاك، يعني أنه ضَعُف علمهم في الآخرة، ثم انتقل فقال: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾، ثم انتقل فقال: ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾، فيكون بالإضافة إلى قوله: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل ٦٥] المراتب أربعًا: أولًا: نفي الشعور، ثم ضعف العلم، ثم الشك، ثم العمى. فتكون هذه الآية فيها إضرابات، انتقال من الأدنى إلى الأعلى. مفهوم هذا؟ فإنه يقول: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾، ثم قال: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ انتقالات، فالأول: نفي الشعور، والثاني: ضعف العلم، والثالث: الشك، والرابع: العمى، يعني عمى القلب.
* طالب: (...).
* الشيخ: الرابع أعلاها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، ما عنده علم أبدًا، وأيضًا: قد يكون عنده علم لكنه تركه وتغافل عنه.
* طالب: (...) هذه المراتب.
* الشيخ: هذه المراتب، ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ هذا نفي الشعور، ثم ضعف العلم، علم لكن ضعيف، ثم بعد ذلك الشك، ثم العمى.
* يستفاد من هذه الآيات: أن هؤلاء المكذبين بيوم القيامة أنهم على هذه المراتب.
* ويستفاد منها أيضًا: أن الإنسان الذي لا يريد الحق يكون له باعتبار قبوله مراتب، بعضها أشد من بعض، أي أنه ينتقل من الأدنى إلى الأعلى، ولهذا قال أهل العلم: إن المعاصي بريد الكفر، ومعنى بريد الكفر أنه ينتقل بها الإنسان من مرحلة إلى مرحلة كما ينتقل البريد، والبريد هو الساعي بالمكاتيب إلى بلاد أخرى، وكانوا في الزمن الأول يجعلون الرسل بالكتب يجعلونهم على مراحل، كل بريد فيه منطقة إذا وصل إليها وقف وأعطاه الثاني، ثم يسعى الثاني من هذا البريد رقم واحد إلى البريد رقم اثنين ثم يقف، ثم يأخذها من رقم اثنين إلى رقم ثلاثة حتى ينتهي إلى البلد، يفعلون ذلك لئلا يشق عليهم متابعة السير من البلد إلى البلد، وهذا يكون أسرع، ولذلك سُمِّي البريد بريدًا لهذا السبب؛ لأنهم يجعلون في كل مساحة بريدًا من الأرض، والبريد كما تعرفون كم من فرسخ؟ أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، اضرب ثلاثة في أربعة باثني عشر، إذن اثنا عشر ميلًا، البريد اثنا عشر ميلًا، ولذلك كانوا في الأول يستعملون السرعة في إيصال الخطابات؛ إما بالبريد كما ذكرنا، وإما بالحمام يربي حمامًا يطير من محل إلى محل ويعلق في عنقها أو في أرجلها الرسائل، وطبعًا رسائل ماهش كبيرة، لكن قد تكون مثلًا رموزًا وإشارات وما أشبه ذلك، يعرفها المكتوب إليه.
الشاهد أنا نقول: إن الإنسان إذا فعل معصية، سواء اعتقادية أو عملية فإن الشيطان يتدرج به من أين؟ من الأدنى إلى الأعلى حتى يصل والعياذ بالله إلى الكفر.
* الثالث من فوائد هذه الآيات: أن أهل الإيمان باليوم الآخر أنهم يزدادون بها بصيرة؛ لأنهم عندهم يقين وعلم وطمأنينة بما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله، لكن هؤلاء بالعكس ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ (...) يعني من أجلها ساروا عمين، أي عميت بصائرهم. وسبب ذلك أنهم إذا كذبوا بها والعياذ بالله ازدادوا ضلالًا وظلمًا ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة ١٢٤، ١٢٥]، ولهذا قال: ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا﴾، ما قال: عنها عمون، ﴿مِنْهَا﴾ أي من هذه الآخرة بسب أنهم أنكروها، ازدادوا عمًى وضلالًا والعياذ بالله.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ [النمل ٦٧].
* يستفاد من هذه الآية: أولًا: تلبيس أهل الضلال للحق بالباطل؛ لأنهم أنكروا البعث واحتجوا بشبهة لا تغنيهم من الحق شيئًا، ما هي؟ يقولون: أئذا كنا ترابا نُخرج. هذه الشبهة إنما تنطلي على الجهال، أما على أهل العلم والبصيرة فلا تنطلي.
المهم أنا نأخذ من هذه الآية أو من هذا السلوك: بيان أن أهل الباطل يُلبِّسون باطلهم بالشبهات التي يوردونها.
* الفائدة الثانية: إنكار هؤلاء للبعث؛ لأن الهمزة في قوله: ﴿أَإِذَا كُنَّا﴾ للإنكار.
* الفائدة الثالثة: أنهم احتجوا على تشبيههم هذا بأنهم وعدوا هم وآباؤهم من قبل ولم يروا شيئًا، وهذا من التمويه، وإلا فهم لم يوعدوا أن يُبعث الناس اليوم، متى وعدوا أن يبعثون؟
* طلبة: يوم القيامة.
* الشيخ: يوم القيامة، كما قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية ٢٥] فنقول لهم (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: نقول: ما قلنا لكم: إنكم تبعثون اليوم حتى تقولوا: ﴿ائْتُوا بِآبَائِنَا﴾ قلنا: إنكم تبعثون يوم القيامة وستبعثون، لكن هذا أهل الباطل يُلبّسون ويُشبهون على الناس بالشبهات لإقرار باطلهم.
* الفائدة الرابعة: تأكيد إنكارهم لقولهم: ﴿أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ يعنى أتؤكدون لنا ذلك والأمر بعيد لا يمكن.
* الفائدة الخامسة: أن من لا يريد الحق فإنه لا يتبين له، الإنسان الذي لا يريد الحق يحرم منه فلا يتبين له؛ لقولهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النمل ٦٨] فجعلوا أَبْين الأمور وأصح الأمور وأوكد الأمور جعلوه أساطير، والأساطير كما تعرفون هي عبارة عن كلام لا أصل له، أكاذيب، غالبه أكاذيب، فهذا القول تقدم لنا في التفسير أنه إن كان عن عقيدة فقد لُبّس عليهم الحق، وإن كان عن إنكار فقد جمعوا بين التكذيب بالحق وبين عيب الحق، يعنى جمعوا بين الأمرين أنهم كذبوه وعابوه، وأما إذا كان هذا عن عقيدة بمعنى أنهم لا يرون أن هذا حقيقة وأنه أساطير فيكون هنا قد لبس عليهم الحق بسبب أنهم لا يريدونه، ولا شك أن من لا يريد الحق فإنه لا يوفق له ولا ييسر له.
وبهذا نعرف أنه ينبغي لطالب العلم عندما يبحث عن مسألة أنه يبحث عنها -ونسأل الله العافية- يبحث عنها لأجل أن يصل إلى الحق، لا لأجل أن ينصر قوله، بمعنى أنك عندما.. افرض اختلفت أنت وزميلك في مسألة وأردت أن تحقق ما قلت، فأنت عندما تراجع وتبحث لا تجعل رائدك أن تنتصر لنفسك، فإنك ربما تحرم الوصول إلى الحق، لكن اجعل رائدك أي شيء؟ الوصول إلى الحق، الوصول إلى الحق، عسى أن يكون معك، فتحمد الله تعالى أن يسر لك الوصول إليه، وأن جعل بيان الحق على يدك، أو يكون مع خصمك فتحمد الله تعالى، أن الله تعالى يسر لك الرجوع عن الباطل وهيأ لك الوصول إلى الحق، فأنت على كل تقدير أنت في نعمة، ولكن ليكن رائدك الحق، وهذه مسألة صعبة جدًّا على النفوس، صعبة على النفوس أن يكون الإنسان يُراجع في مثل هذه الأمور لأجل الوصول إلى الحق، فإن كثيرًا من الناس يراجِع لأجل أن ينصر قوله، طيب افرض أنك تعتقد أن قولك هو الصواب مئة في المئة وأنت تراجع لتنصر قولك، فهل هذا ينافي النية الصحيحة؟
* طالب: نعم (...).
* الشيخ: نعم، نقول: إن كان إنك تريد أن تراجع لتنصر قولك؛ لأنه حق، فهذا لا ينافي؛ لأنك إنما تقصد تقوية الحق وإلزام الخصم به، وإن كنت تراجع بنية أن تنصر قولك، ولو كان هو الحق النية فيها دخل، مدخولة، فالحاصل أن هذه مسألة ينبغي للإنسان أن يلاحظها، وهو أن من لا يريد الحق لا يوفق له، بل يلتبس عليه الأمر؛ لأن هؤلاء يقولون في أجلّ الأمور وأحقها يقولون: إنها أساطير الأولين، وانظر إلى بيان السبب في هذا في قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين ١٤]، يعني كلا لو في القرآن أساطير الأولين لكن السبب أنهم جعلوه أساطير الأولين أنه ﴿رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، فعمُوا عن الحق أو تعامَوا عنه، واضح؟
* طالب: يا شيخ (...) طلب الحق يحب أن يكون قوله هو الحق، فيه شيء؟
* الشيخ: ما فيه شيء؛ لأنه يحب قوله، يكون هو الحق، يحب ذلك لأجل أن يكون إظهار الحق على يده، وإن كان قصده أن يكون قوله هو الحق لأجل المغالبة، فالمسألة فيها دخل، إي نعم، ولهذا مسائل النيات صعب جدًّا على الإنسان تحقيقه، تحقيقه صعب على النفس، حتى قال بعض السلف: «إني ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص»[[ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم (١ / ٨٤) عن سهل بن عبد الله التستري أنه قال: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب.]]، وهذا صحيح من أصعب الأمور الإخلاص لله عز وجل، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام لما سأله أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» لكن شرط «خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ»[[أخرجه البخاري (٩٩).]] الشرط هذا صعب على كثير من الناس، وليس كل من قال: لا إله إلا الله فقد سعد بشفاعة الرسول ﷺ، أو كان أسعد الناس بها، بل لا بد أن يكون خالصًا من قلبه، وإذا كان خالصًا فثِقْ أنه سيكون مطيعًا لله.
ولهذا الذين يجادلون أحيانًا يقولون: كيف تكفّرون من ترك الصلاة وهو يقول: لا إله إلا الله، ويؤمن بالله؟ نقول: نعم لو قالها حقًّا ما ترك الصلاة (...) إنه لو كان معتقدًا ذلك حقًّا لطلب هذا الإله؛ لأن معنى (لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق إلا الله، فأين (لا إله إلا الله) من رجل لا يعبد الله بأعظم العبادات.
ثم الإيمان أيضًا ما هو أن تقول بأن الله موجود وأن هذا الكون مخلوق، هذا إيمان حتى الكفار يؤمنون بهذا، أي عاقل لو هو أكفر الناس بيؤمن بأن الحوادث لا بد لها من محدث و(...) الإيمان، الإيمان أن تؤمن بالله سبحانه وتعالى بكل ما تضمنته معاني هذه الكلمة، وقد سبق لنا شرح الإيمان أنه يتضمن أربعة أمور.
الحاصل أن الآن (...) في هذا دليل على أن الإنسان الذي لا يريد الحق لا يوفَّق له، وأنه يلبس عليه، فيظن أن ما جاءت به الرسل من الحقائق يظنها أساطير.
* طالب: من يطلب الحق يصل إليه؟
* الشيخ: نعم إذا سلك طرقه إي نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا (...) قد يكون هناك أشياء منعت من هذا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، على كل حال إنا نقول: هذا سبب، من عمل صالحًا دخل الجنة، وقد لا يكون له ذلك، فالمهم أن هذه الأشياء تذكر على أنها أسباب، والله يقول: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ [القمر ١٧] ويقول: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ﴾، لما قالوا كذبوا بالرسول عليه الصلاة والسلام، قال الله: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [المؤمنون ٦٨، ٦٩]، فالإنسان قد يحرم لأسباب تكون خفية على الناس، إنما من طلب الحق بنية وإخلاص فلا بد أن يصل إليه، أما كون هذا الرجل ما وصله الحق نقول ما.
* طلبة: (...) نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، إي نعم لكن أصل الاجتهاد لا بد أن يصل إلى الحق، يتبين له الحق، إلا أنه قد يكون الاجتهاد قد يكون فيه سبب من الأسباب منع الوصول إلى الحق، هل كل مجتهد يكون معه آلة الاجتهاد على ما ينبغي، نعلم أن الإنسان اللي مجتهد ويسلك طرق الاجتهاد لا بد أن يصل، وإلا لبقي الحق أعمى، ولكن هذا المجتهد إذا بذل جَهده وجُهده قد لا يكون هو السبب الوحيد الذي يوصل إلى الحق، يقول: هذا جهدي وهذه طاقتي، لكن عنده يكون نقص في العلم أو نقص في الفهم، وحينئذ قد يخالفه الصواب من أجل ذلك، من أجل إما نقص علمه وإما نقص فهمه، وإما نقص السبل أيضًا، قد يكون مثلًا إنسان يراجع المسألة في كتاب أو كتابين، بينما إن هناك كتب أخرى تفيده أكثر مما راجع، فيكون هذا فيه نقص، فمعنى اجتهد ما معناه أنه يكون أراد الحق فقط، معناه بذل ما يستطيع من جهد، ولكن هل ما يستطيعه الإنسان من جهد هو الطريق المؤدية للحق؟ لا، قد (...).
* طالب: شيخ، لو واحد طلب الحق ومنع (...) يعاقب على (...).
* الشيخ: الشيء اللي (...) ما يعاقب عليه ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة ٢٨٦].
قال الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [النمل ٦٩]
* يستفاد من هذه الآية: بيان أهمية السير في الأرض، من أين يؤخذ؟ من أمر الله رسوله أن يبلغه إلى الناس، وقد قلنا: إن كل حكم أو خبر يقدر بـ(قل) هو دليل على الاهتمام به، كأن الله تعالى جعل له عناية خاصة بالوصية بإبلاغه، وإلا فجميع الكتاب ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [المائدة ٦٧]، لكن كون هذا الأمر يقدر بـ(قل) إذن ففيه عناية خاصة بتبليغه.
* الفائدة الثانية: فائدة السير في الأرض أن السير في الأرض ذو فائدة عظيمة، ولهذا أُمر به أو بإبلاغه على سبيل الخصوص.
* الفائدة الثالثة: أن السائر في الأرض يجب عليه أن يكون سيره على سبيل التفكر والاتعاظ؛ لقوله: ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ﴾ والأمر للوجوب لا سيما إذا كان هذا المخاطب معاندًا، يعني الآية هنا ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ يخاطب المعاندين الجاحدين، فإنه يجب عليه أن يسير وينظر؛ لأن هذا طريق إلى هدايتهم.
* الفائدة الرابعة: أن عاقبة المجرمين وخيمة؛ لقوله: ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ﴾ و(كيف) هذه للتعظيم، أي أن عاقبتهم عظيمة (...).
* الفائدة الخامسة: أن العبرة بالعاقبة، لا بالمبتدأ؛ لقوله: ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ﴾، فإذا رأيت هذا المجرم قد نُعِّم فلا تظن أنه على حق، بل المعتبر العاقبة، وستكون عاقبته وخيمة.
* الفائدة السادسة: أنه أيضًا لا تعتبر الفرد فقط، فإن من المجرمين من يبقى في تنعيمه حتى يموت، لكن العبرة بالكل، ولهذا قال: ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ فإن المجرمين مهما كانوا لا يمكن أن يستقر لهم قرار، فإذا قال قائل: في الوقت الحاضر الآن ما نرى أن المجرمين عوقبوا، بل إنهم منعمون غاية التنعم، فيقال: إن هذه الأمة قد عهد الله إلى نبيها ﷺ ألا يعذبهم بسَنَة عامة، ولكننا نرى في هؤلاء المجرمين من جعل البأس بينهم وتفرقهم، وكذلك أيضًا عدم استقرارهم ما هو عقوبة، فإن الذي يخرج إلى تلك الأمم يجد أنهم ليسوا مستقرين، حتى إننا نسمع أن الإنسان ما يأمن أن يجعل في جيبه دراهم وأنه لو وُجد في جيبه دراهم قُتل، ولذلك ما يتعاملون هناك إلا بالأوراق؛ أوراق التحويل، هذه يسمونها لها اسم خاص نسيته..
* طالب: (...).
* الشيخ: غير الشيكات لا، فيه..
* طالب: (...).
* الشيخ: أوراق (...) هذه تمثل كذا دولار كذا.. لأنهم ما يمكن يعني يتعاملون بالدراهم، كذا يقتل الإنسان، حدثني إنسان ذهب إلى أمريكا هذا العام يقول: ما تأمن تصحب ثلاثمئة ريال (...) وهذا أبلغ ما يكون من العذاب؛ لأن الله يقول في عقوبة القرية الآمنة المطمئنة: ﴿أَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ [النحل ١١٢] فهب أنهم ما عندهم جوع لكن عندهم خوف.
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النمل ٧٠].
* يستفاد من هذا الآية: أولًا: أن الداعي إلى الله إذا بذل ما يجب عليه فلا ينبغي أن يحزن لمخالفة الناس؛ لقوله: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾، والحكمة من ذلك أن حزن الإنسان على مخالفة الناس يعيقه عن الدعوة إلى الله، ويستحسر من أجله؛ لأنه لا يمكن للنفس أن تمتد وتسير وهي حزينة، أليس كذلك؟ ولكن أنت سر على حسب ما أمرت، إن اهتدى الناس فلك ولهم، وإن لم يهتدوا فلك وعليهم، ولهذا إذا حزن الإنسان في هذه الأمور فإنه ييئس ويستحسر ولا ينشرح صدره ولا تنبسط نفسه.
* الفائدة الثانية: عناية الله تعالى بالرسول ﷺ بالتسلية والتفريج عنه؛ لقوله: ﴿وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾، وجه ذلك أن نهيه عن أن يكون في ضيق معناه أن مكرهم يؤثر عليه ولّا لا؟ يؤثر عليه ولّا ما؟ ما يضره، وإن ضاقت به نفسه فإن ذلك لا يضره؛ لأن الله يقول: ﴿لَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ﴾، أي لا يهمك أمرهم ولا تضق منه، فإن لدينا ما هو أعظم: ﴿يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال ٣٠].
* الفائدة الثالثة: هل هذا الأمر يكون للرسول عليه الصلاة والسلام ولغيره؟ نعم، يكون له ولغيره، كل من يدعو إلى شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، فإننا نوجه إليه هذا الخطاب ونقول: إذا رأيت الناس لم يقبلوا فلا تحزن ولا تكن في ضيق مما يمكرون، وإلا فإن أعداء الرسل سوف يمكرون بالدعاة إلى دين الرسل، سوف يبثون ضدهم الدعايات وسوف يؤذونهم بالقول، يسمعونهم ما يكرهون، وربما يؤذونهم بالفعل، والإنسان عليه أن يصبر.
النبي ﷺ جاء بأبين الأمور وأوذي في بيته وفي بدنه حاذرًا ومصابرًا، إلى حد أنهم يأتون بِسَلَى الجَزور ويضعونه عليه في المسجد الحرام اللي ﴿مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران ٩٧]، يضعونه عليه وهو ساجد لله[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٠)، ومسلم (١٧٩٤ / ١٠٧) من حديث عبد الله بن مسعود. ]]، أبلغ من هذه الأذية: يأتون بالقاذورات والعذرات ويلقونها على عتبة بابه[[ينظر أنساب الأشراف للبلاذري (١ / ١٣١).]]، مع أنهم يجيرون أفسق الناس وأقذر الناس إذا جاء إلى مكة، يجيرونه ولا يجيرون الرسول عليه الصلاة والسلام.
ذهب إلى الطائف ليدعوهم إلى الله فماذا حصل؟ أنهم سخروا به، واستهزؤوا به، واصطفوا صفين من السفهاء والغلمان وغيرهم، وجعلوا يرمون النبي ﷺ بالحجارة حتى أدموا عقبه، أدموا عقبه، ولا أفاق إلا وهو في قرن الثعالب، ومع ذلك صبر؛ جاءه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين، فقال: «بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٣١)، ومسلم (١٧٩٥ / ١١١) من حديث عائشة. ]].
إذن إذا رأينا هذا: نحن ما يصيبنا هذه (...) إلى الآن، ما أصابنا ونسأل الله العافية، نسأل الله العافية، ومع ذلك تجد الإنسان منا يتبتر عندما يسمع كلمة يتبتر، ويقول مثلًا: أنا (...)، هل (...) الناس (...)، نمشى مع العالم، هذا ليس بصحيح، أنت إذا كنت قويًّا في الحق فالحق منصور، ولا يلزم أن يكون نصره في حياتك، وعلى يدك، قد يتأخر النصر، لكن تكون أنت فاتحة خير لدين الله، ولذلك نصر الحق ليس بلازم أن يكون في حياة الإنسان، وليس بلازم أن يكون في عصره، الآن نحن نفرح بانتصار المسلمين في بدر ولّا لا؟ مع أننا ما ذقنا طعم هذا النصر مباشرة، لكن لأن الحق انتصر. نفرح بأن الله أنجى موسى وأهلك فرعون، مع أننا لم نطعم هذا النصر، ولكنه نصر الحق، فالمؤمن يفرح بانتصار الحق، ويرى أنه انتصار له في أي زمان وفي أي مكان إذا كان صادقًا مع الله سبحانه وتعالى، فلذلك يقول: ﴿لَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾؛ لأن العاقبة للمتقين، وعاقبة المسيئين أسوأ عاقبة.
ثم قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [النمل ٧١].
* يستفاد من هذه الآية: بيان سفه هؤلاء، حيث استعجلوا عذاب الله، وقالوا: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾.
* يستفاد من ذلك أيضًا: بيان عتوهم وطغيانهم؛ لأن هذا الاستفهام إن كان على سبيل الاستبعاد فهو سفه، وإن كان على سبيل السخرية من هؤلاء وأنهم يقولون: إنما تعدوننا كذب، بدليل أنه ما وقع ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، فهو دليل أيضًا على عتوهم وطغيانهم؛ حيث تحدوا الرسل عليهم الصلاة والسلام بهذه الكيفية، والظاهر أنه من باب التحدي. أيش يدل عليه؟ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، وهذه مثل هذه العبارة يكون للتحدي.
قال الله عز وجل: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل ٧٢].
* يستفاد من هذه الآية: ما قيل: إن البلاء موكل بالمنطق، وإن الإنسان إذا استعجل الشر وقع فيه؛ لقوله: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ﴾، و(عسى) كما قال ابن عباس: إذا جاءت في كلام الله فهي للوجوب؛ لأن معناها التوقع وأن هذا أمر قد حان وقته؛ إذ إن التردي بالنسبة إلى الله ممكن ولّا لا؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: ليش؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لأن التردي طلب ما فيه عسر، ولا شيء عسير على الله عز وجل.
* الفائدة الثانية من هذه الآية: سعة حلم الله؛ لقوله: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي﴾ ﴿بَعْضُ﴾ دون الجميع، وهذا من حلم الله عز وجل على عباده؛ فإن هؤلاء المكذبين لرسله، المنابذين لهم، المتحدين لهم، يقال لهم: ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾، وليس هذا بأول دليل على حلم الله، بل له أمثلة كثيرة في القرآن، منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج ١٠]، يحرقون أولياءه بالنار، ويعرض عليهم التوبة، أليس هذا من الحلم؟ بلى، من أعظم الحلم؛ لأنه لو رد الأمر إلى مراعاة العدل لكان هؤلاء الذين أحرقوا أولياءه يحرقهم الله بالنار، ما عرض عليهم التوبة، ولكن حلم الله سبحانه وتعالى واسع، ورحمته سبقت غضبه، فهنا قال: ﴿رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي﴾ لا كل ﴿الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾.
ثم قال: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ [النمل ٧٣].
* طالب: (...).
* الشيخ: نقول: هذا فضل، بعض الفضل أبلغ بالكمال.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هو عدل، هذا فضل؛ لأن العدل أن يعاجلهم بالعقوبة، لأنهم فعلوا الذنب، وفاعل الذنب يعاقب عليه، بل هذا فضل، والفضل أعلى من العدل، والله تبارك وتعالى معاملته لعباده دائرة بين الفضل والعدل، وينتفي عنه الأمر الثالث وهو الجور؛ فإن المعاملة قد تكون جورًا وعدلًا وفضلًا، الجور: ممتنع في حق الله: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف ٤٩]، والعدل والفضل: حكمه بين عباده دائر بينهما. ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل ٩٠].
قال: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [النمل ٧٣].
* يستفاد من هذه الآية:
* أولًا: بيان فضل الله على عباده.
* ثانيًا: أنهم -أي العباد- وإن تفضل الله عليهم فأكثرهم لا يشكر.
* ثالثًا: ذم غير الشاكرين؛ لأن (...).
* ورابعًا: يؤخذ منه بالتضمن الثناء على الشاكرين. وقد سبق لنا مرارًا معنى الشكر وأنه ليس مجرد قول اللسان: أشكر الله.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٤) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل ٧٤، ٧٥].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة:
* أولًا: بيان سعة علم الله؛ لقوله: ﴿لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾، وهذا دليل على سعة علم الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يخفى عليه شيء.
* ثانيًا: تحذير هؤلاء وغيرهم أيضًا من أن يُكِنوا في صدورهم ما لا يرضاه الله؛ لأن إخبار الله بأنه يعلم ذلك معناه التحذير؛ أن نحذر من أن نُكِنّ في صدورنا ما لا يرضاه الله عز وجل.
* الفائدة الثالثة: أن علم الله تعالى بما بطن كعلمه بما ظهر؛ لقوله: ﴿مَا تُكِنُّ﴾ ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾، فلا فرق بين هذا وهذا عند الله، وإن كان المخلوق يختلف عنده حكم الغائب والظاهر، الغائب: ما يعلمه المخلوق، والظاهر يعلمه، وحتى لو علم الغائب بطريق من الطرق فإنه لا يستوي مع علم الظاهر، أما الله سبحانه وتعالى فإنهما عنده سواء.
* الفائدة الرابعة: كتابة الله تعالى في اللوح المحفوظ كل شيء؛ لقوله: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل ٧٥]، ويلزم من الكتابة العلم ولّا ما يلزم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يلزم من الكتابة العلم؛ لأنه لا يكتب المجهول، فإذن نقول: زيادة على أن الله علم ذلك، قد كتبه في اللوح المحفوظ.
* والفائدة الخامسة: ما يستفاد من الآية من مرتبتين من مراتب القضاء والقدر؛ وهما: العلم والكتابة.
* الفائدة السادسة: الرد على القدرية، القدرية: الذين ينكرون القدر، القدرية انقسموا إلى قسمين: غلاة ومقتصدون.
فالغلاة أنكروا حتى العلم والتقدير وقالوا: إن الله لا يعلم ما يعمله العباد إلا بعد وقوعه منهم، وأما شيء باطن أو مستقبل ما يعلمه، وبالضرورة لم يكتبه أيضًا.
والثانية المقتصدون منهم: قالوا: لا، إن الله علم ما الخلق عاملون وكتبه، لكنه ليس بمشيئته وخلقه، بل المرء مستقل به.
{"ayahs_start":65,"ayahs":["قُل لَّا یَعۡلَمُ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَیۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَمَا یَشۡعُرُونَ أَیَّانَ یُبۡعَثُونَ","بَلِ ٱدَّ ٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ٰبࣰا وَءَابَاۤؤُنَاۤ أَىِٕنَّا لَمُخۡرَجُونَ","لَقَدۡ وُعِدۡنَا هَـٰذَا نَحۡنُ وَءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ","وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَلَا تَكُن فِی ضَیۡقࣲ مِّمَّا یَمۡكُرُونَ","وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","قُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعۡضُ ٱلَّذِی تَسۡتَعۡجِلُونَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَشۡكُرُونَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَیَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا یُعۡلِنُونَ","وَمَا مِنۡ غَاۤىِٕبَةࣲ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ"],"ayah":"قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق