الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي﴾ إلى آخره [الكهف: ٥٦]، هذه وظيفة الرسل ﴿مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ﴾ من أولهم -وهو نوح- إلى آخرهم -محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلا لهذين الغرضين، ﴿مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ يعني: ولم نرسلهم من أجل أن يجبروا الناس على الإيمان أو يهدوا الناس، هم مبشر ومنذر، مبشر من؟ مبشر المؤمنين، كما جاء في أول السورة، ومنذر الكافرين ﴿وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [الكهف٤]. ﴿إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ (مبشرين) منصوبة، و(منذرين) منصوبة، على أيش؟ على الحال من المرسلين؛ يعني إلا حال كونهم مبشرين ومنذرين. ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ﴾ المجادلة: المخاصمة، وسميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كل واحد يجدل حجته للآخر، وتعرفون الجدل هو فتل الحبل حتى يشتد ويقوى، هذا أصل المجادلة، إذن يجادل يعني يخاصم، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ﴾ والمخاصمة بالباطل باطلة، مثال ذلك يقولون: ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ [التغابن ٦]، البشر يهدوننا؟! يقولون: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ؛ لأنزَلَ مَلائِكَةً﴾ [المؤمنون ٢٤]، يقول: إذا كان المشركون وما يعبدون من دون الله حصب جهنم فعيسى من حصب جهنم، وما أشبه ذلك من المجادلة، يجادلون، فيقول: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس ٧٨]، وأنواع المجادلة كثيرة. في مجادلة عيسى قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾ [الأنبياء ١٠١] ومنهم عيسى عليه الصلاة السلام ﴿أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾. * ويستفاد من الآية: أن كل إنسان يجادل من أجل أن يدحض الحق فإن له نصيبًا من هذه الآية؛ يعني فيه نصيب من الكفر والعياذ بالله؛ لأن الكافرين هم الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق. فإذا قال قائل: الشبهات التي يوردها من يوردها من الناس كيف يقال: إنها باطل، وهي شبهة؟ قلنا: ينظر للغرض، ما غرضهم بها؟ أن يدحضوا الحق، فمثلًا في الذين ينكرون استواء الله على العرش يقولون: لو استوى على العرش لكان جسمًا. ما قصدهم بهذا؟ إنكار حقيقة الاستواء. نقول: إذن هؤلاء جادلوا بباطل من أجل إدحاض الحق، وأما مسألة أن الله جسم أو غير جسم فهذا شيء آخر، لكن هم أتوا بهذه الكلمة لأجل أيش؟ إدحاض الحق، ونحن لا ننكر عليهم مسألة أنه جسم أو غير جسم، ننكر أنهم أنكروا حقيقة الاستواء، أما الجسم أو غير الجسم فهذا له بحث آخر، وهو أنه لا ننكر اللفظ ولا نثبت اللفظ، أما المعنى فنقول: إن الله تعالى قائمٌ بذاته موصوف بصفاته، يفعل ما يشاء، يستوي على عرشه، ينزل إلى السماء الدنيا، يأتي للفصل بين عباده، يعجب، ويفرح، ويضحك، وقل ما شئت، لكن مسألة اللفظ هذا ما نقره إثباتًا ولا نفيًا، المهم أنكم كلما رأيتم شخصًا يريد أن يبطل الحق فله نصيب من هذه الآية. قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا﴾، اتخذوها: أي صيروها، ﴿آيَاتِي﴾ يعني القرآن، ﴿وَمَا أُنْذِرُوا﴾ أي: ما أنذروا به من العذاب، اتخذوها هزوًا، مثلًا استهزأ الكفار لما أخبر الله عز وجل عن شجرة الزقوم: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات٦٤] في قعره، فهم يضحكون، كيف تكون شجرة وتخرج في أصل الجحيم؟ وهي أبعد ما يكون عن النار؟ النار حارة جافة، والشجرة رطبة وباردة، كيف يكون هذا؟ فجعلوا يستهزئون ويقولون: هذا من هذيان محمد عليه الصلاة والسلام، فاتخذوا آيات الله واتخذوا ما أنذروا به هزوًا، والله عز وجل قال: ﴿فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ﴾ [الصافات ٦٦]، ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ [الواقعة٥٤، ٥٥]، أعوذ بالله، يملؤون بطونهم من هذا الزقوم ملئًا تامًا ثم تحترق من العطش، وماذا يسقون؟ يسقون ماءً حارًا، ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ﴾ أي على ما في بطونهم من الحميم، ومع ذلك شربًا ليس عاديًا بالنسبة للبشر، ولكنه شرب الإبل الهيم؛ الهائمة العاطشة، هذه الشجرة التي يستهزئون بها هي التي يملؤون منها بطونهم في نار جهنم. ﴿اتَّخَذُوا آيَاتِي﴾ يعني: القرآن، ﴿وَمَا أُنْذِرُوا﴾ أي ما أنذروا به من الوعيد سواءٌ جاء الإنذار في القرآن أو في السنة اتخذوه هزوًا، أي أضحوكة ولعبًا وسخرية.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب