الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ السَّابِقِينَ أَنَّهُمْ ﴿ثُلَّةٌ﴾ أَيْ: جَمَاعَةٌ ﴿مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ . وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: ﴿الأوَّلِينَ﴾ ، وَ ﴿الآخِرِينَ﴾ . فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِينَ: الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ، وَالْآخِرِينَ: هَذِهِ الْأُمَّةُ. هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَوَاهَا عَنْهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَاسْتَأْنَسَ بِقَوْلِهِ ﷺ: "نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [[لم أجد الحديث في تفسير الطبري والحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم (٨٩٦) ومسلم في صحيحه برقم (٨٨٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] . وَلَمْ يحك غيره ولا عزاه إلى أحد.
وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ، مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عيسى بن الطباع، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ شِقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ أَنْتُمْ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ: شَطْرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ-وَتُقَاسِمُونَهُمُ النِّصْفَ الثَّانِي".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ، بَيَّاعِ الْمِلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ [[المسند (٢/٣٩١) .]] . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُ هَذَا، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رَوَيْمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ ، ذُكِرَ فِيهَا ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَّا؟ قَالَ: فَأُمْسِكَ آخِرُ السُّورَةِ سَنَةً، ثُمَّ نَزَلَ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا عُمَرُ، تَعَالَ فَاسْمَعْ مَا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ آدَمَ إليَّ ثُلَّةً، وَأُمَّتِي ثُلَّةٌ، وَلَنْ نَسْتَكْمِلَ ثُلَّتَنَا حَتَّى نَسْتَعِينَ بِالسُّودَانِ مِنْ رُعَاةِ الْإِبِلِ، مِمَّنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ".
هَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي تَرْجَمَةِ "عُرْوَةَ بْنِ رَوَيْمٍ" [[تاريخ دمشق لابن عساكر (١١/ق٢٧٩) "مصورة معهد المخطوطات".]] ، إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ. وَقَدْ وَرَدَتْ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِقَوْلِهِ ﷺ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ [[منها حديث عمران بن حصين، أخرجه الترمذي في السنن برقم (٣١٦٨) وحديث عبد الله بن مسعود، أخرجه أحمد في المسند (١/٤٢٠) .]] ، وَهُوَ مُفْرَدٌ فِي "صِفَةِ الْجَنَّةِ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا، فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرَّبُونَ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَابَلَ مَجْمُوعُ الْأُمَمِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، هُوَ الرَّاجِحُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ﴾ أَيْ: مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، ﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ أَيْ: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ [[في أ: "بكير" وفي م: "أبي بكر".]] الْمُزَنِيُّ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ: أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ فَقَالَ: أَمَّا السَّابِقُونَ، فَقَدْ مَضَوْا، وَلَكِنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا السُّرِّيّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ﴾ ثُلَّةٌ مِمَّنْ مَضَى من هذه الأمة.
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُغِيرَةِ المَنْقَري، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ، أَوْ يَرْجُونَ، أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. فَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ أَوَّلَ كُلِّ أُمَّةٍ خَيْرٌ مِنْ آخِرِهَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُمَّ الْأَمْرُ [[في م: "الأمة".]] جَمِيعَ الْأُمَمِ كُلُّ أُمَّةٍ بِحَسْبِهَا؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٦٥١) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ أَبُو عُمَرَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ" [[المسند (٤/٣١٩) .]] ، فَهَذَا الْحَدِيثُ، بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الدِّينَ كَمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى أَوَّلِ الْأُمَّةِ فِي إِبْلَاغِهِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، كَذَلِكَ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْقَائِمِينَ بِهِ فِي أَوَاخِرِهَا، وَتَثْبِيتِ النَّاسِ عَلَى السُّنَّةِ وَرِوَايَتِهَا وَإِظْهَارِهَا، وَالْفَضْلُ لِلْمُتَقَدِّمِ. وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ الَّذِي يَحْتَاجُ [[في م: "هو محتاج".]] إِلَى الْمَطَرِ الْأَوَّلِ وَإِلَى الْمَطَرِ الثَّانِي، وَلَكِنَّ الْعُمْدَةَ الْكُبْرَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَاحْتِيَاجُ الزَّرْعِ إِلَيْهِ آكَدُ، فَإِنَّهُ لَوْلَاهُ مَا نَبَتَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا تَعَلَّقَ أَسَاسُهُ فِيهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ". وَفِي لَفْظٍ: "حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَالْمُقَرِّبُونَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهَا وَأَعْلَى مَنْزِلَةً؛ لِشَرَفِ دِينِهَا وَعِظَمِ نَبِيِّهَا. وَلِهَذَا ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَفِي لَفْظٍ: "مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا". وَفِي آخَرَ [[في أ: "آخره".]] مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعُونَ أَلْفًا".
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا هِشَامُ [[في أ: "هاشم".]] بْنُ مَرْثَدٍ [[في هـ وبقية النسخ: "يزيد" والتصويب من المعجم الكبير.]] الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ-حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَم -يَعْنِي ابْنَ زُرْعَة-عَنْ شُرَيْحٍ -هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ-عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُبْعَثَنَّ مِنْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ زُمْرَةٌ جَمِيعُهَا يُحِيطُونَ الْأَرْضَ، تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لَمَا جَاءَ مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ أَكْثَرُ مِمَّا جَاءَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ" [[المعجم الكبير (٣/٢٩٧) وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف لم يسمع من أبيه.]] .
وَحَسَنٌ أَنْ يَذْكَرَ هَاهُنَا [عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ ] [[زيادة من أ.]] الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" حَيْثُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بن مطر، حدثنا جعفر -[هو] [[زيادة من أ.]] بن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسْتَفَاضِ الْفِرْيَابِيُّ -حَدَّثَنِي أَبُو وَهْبٍ الوليد بن عبد الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ [[في م، أ: "عبد الله".]] بْنِ مُسَرِّح الحرَّاني، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْقُرَشِيُّ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ مَسْلَمَةَ [[في م، أ: "مسلم".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعة بْنِ رِبْعِي، عَنْ ابْنِ زَمْل الْجُهَنِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ: "سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا" سَبْعِينَ مَرَّةً، ثُمَّ يَقُولُ: "سَبْعِينَ بِسَبْعِمِائَةٍ، لَا خَيْرَ لِمَنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ". ثُمَّ يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا، ثُمَّ يَقُولُ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا؟ " قَالَ ابْنُ زَمْلٍ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "خَيْرٌ تَلْقَاهُ، وَشَرٌّ تُوَقَّاهُ، وَخَيْرٌ لَنَا، وَشَرٌّ عَلَى أَعْدَائِنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. اقْصُصْ رُؤْيَاكَ". فَقُلْتُ: رَأَيْتُ جَمِيعَ الناس على طريق رحب سهل لا حب، وَالنَّاسُ عَلَى الْجَادَّةِ مُنْطَلِقِينَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ أَشَفَى ذَلِكَ الطَّرِيقُ عَلَى مَرْجٍ لَمْ تَرَ عَيْنِي مِثْلَهُ، يَرِفُّ رَفِيفًا يَقْطُرُ مَاؤُهُ، فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَأِ قَالَ: وَكَأَنِّي بِالرَّعْلَةِ [[في أ: "وكانوا بالرعلة".]] الْأَوْلَى حِينَ أَشَفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا، ثُمَّ أَكَبُّوا رَوَاحِلَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَظْلِمُوهُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا. قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُنْطَلِقِينَ. ثُمَّ جَاءَتِ الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ أَضْعَافًا، فَلَمَّا أَشَفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا، ثُمَّ أَكَبُّوا رَوَاحِلَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَمِنْهُمُ الْمُرْتِعُ، وَمِنْهُمُ الْآخِذُ الضِّغْثَ. وَمَضَوْا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ عِظَمُ النَّاسِ، فَلَمَّا أَشَفَوْا عَلَى الْمَرْجِ كَبَّرُوا وَقَالُوا: (هَذَا خَيْرُ الْمَنْزِلِ) . كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَمِيلُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، لَزِمْتُ الطَّرِيقَ حَتَّى آتِيَ أَقْصَى الْمَرْجِ، فَإِذَا أَنَا بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مِنْبَرٍ فِيهِ سَبْعُ دَرَجَاتٍ وَأَنْتَ فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً، وَإِذَا عَنْ يَمِينِكَ رَجُلٌ آدَمُ شَثْلٌ أَقْنَى، إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ يَسْمُو فَيَفْرَعُ الرِّجَالَ طُولًا وَإِذَا عَنْ يَسَارِكَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ بَاذٌّ [[في م: "بار".]] كَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ، كَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ، إِذَا هُوَ تَكَلَّمَ أَصْغَيْتُمْ إِكْرَامًا لَهُ. وَإِذَا أَمَامَ ذَلِكَ رَجُلٌ شَيْخٌ أَشْبَهُ النَّاسِ بِكَ خَلْقًا وَوَجْهًا، كُلُّكُمْ تَؤُمُّونَهُ تُرِيدُونَهُ، وَإِذَا أَمَامَ ذَلِكَ نَاقَةٌ عَجْفَاءُ شَارِفٌ، وَإِذَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ تَبْعَثُهَا. قَالَ: فَامْتَقَعَ لَوْنُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَمَّا مَا رَأَيْتَ مِنَ الطَّرِيقِ السهل الرحب اللا حب، فَذَاكَ مَا حُمِلْتُمْ [[في أ: "حملتكم".]] عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمَرْجُ الَّذِي رَأَيْتَ، فَالدُّنْيَا [[في م، أ: "فالدنيا ونضارة عيشها".]] مَضَيْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي لَمْ نَتَعَلَّقْ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَلَمْ تَتَعَلَّقْ مِنَّا، وَلَمْ نُرِدْهَا وَلَمْ تُرِدْنَا. ثُمَّ جَاءَتِ [[في م: "ثم كانت".]] الرَّعْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ بَعْدِنَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَّا أَضْعَافًا، فَمِنْهُمُ الْمُرْتِعُ، وَمِنْهُمُ الْآخِذُ الضِّغْثَ، وَنَجَوْا [[في م: "ثم نجوا".]] عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءَ عِظَمُ النَّاسِ، فَمَالُوا فِي الْمَرْجِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَأَمَّا أَنْتَ، فَمَضَيْتَ عَلَى طَرِيقَةٍ صَالِحَةٍ، فَلَنْ تَزَالَ عَلَيْهَا حَتَّى تَلْقَانِي. وَأَمَّا الْمِنْبَرُ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ سَبْعَ دَرَجَاتٍ وَأَنَا فِي أَعْلَاهَا دَرَجَةً، فَالدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، أَنَا فِي آخِرِهَا أَلْفًا. وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي الْآدَمُ الشَّثْلُ، فَذَلِكَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذَا تَكَلَّمَ، يَعْلُو الرِّجَالِ بِفَضْلِ كَلَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ. وَالَّذِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِي الْبَازُّ الرِّبْعَةُ الْكَثِيرُ خِيلَانِ الْوَجْهِ، كَأَنَّمَا حُمِّمَ شَعْرُهُ بِالْمَاءِ، فَذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، نُكْرِمُهُ لِإِكْرَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ. وَأَمَّا الشَّيْخُ الَّذِي رَأَيْتَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَوَجْهًا فَذَاكَ أَبُونَا إِبْرَاهِيمُ، كُلُّنَا نَؤُمُّهُ وَنَقْتَدِي بِهِ. وَأَمَّا النَّاقَةُ الَّتِي رَأَيْتَ وَرَأَيْتَنِي أَبْعَثُهَا، فَهِيَ السَّاعَةُ، عَلَيْنَا تَقُومُ، لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَا أُمَّةَ بَعْدَ أُمَّتِي". قَالَ: فَمَا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ رُؤْيَا بَعْدَ هَذَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ، فَيُحَدِّثُهُ بِهَا مُتَبَرِّعًا [[دلائل النبوة (٧/٣٦) وفي إسناده سليمان بن عطاء بن قيس، قال ابن حبان في المجروحين (١/٣٢٩) : "شيخ يروي عن مسلمة ابن عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعَةَ بن ربعي بأشياء موضوعة لا تشبه حديث الثقات فلست أدري التخليط فيها منه أو من مسلمة بن عبد الله".]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَرْمُولَةٌ بِالذَّهَبِ، يَعْنِي: مَنْسُوجَةٌ بِهِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ السُّدِّيّ: مَرْمُولَةٌ بِالذَّهَبِ وَاللُّؤْلُؤِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مُشَبَّكَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَمِنْهُ سُمِّيَ وَضِينُ النَّاقَةِ الَّذِي تَحْتَ بَطْنِهَا، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ مَضْفُورٌ، وَكَذَلِكَ السُّرُرُ فِي الْجَنَّةِ مَضْفُورَةٌ بِالذَّهَبِ وَاللَّآلِئِ.
وَقَالَ: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ﴾ أَيْ: وُجُوهٌ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، لَيْسَ أَحَدٌ وَرَاءَ أَحَدٍ. ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ أَيْ: مُخَلَّدُونَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا يَكْبُرُونَ عَنْهَا وَلَا يَشِيبُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ، ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ ، أَمَّا الْأَكْوَابُ فَهِيَ: الْكِيزَانُ الَّتِي لَا خَرَاطِيمَ لَهَا وَلَا آذَانَ. وَالْأَبَارِيقُ: التي جمعت الوصفين. والكؤوس: الْهَنَابَاتُ، وَالْجَمِيعُ مِنْ خَمْرٍ مِنْ عَيْنٍ جَارِيَةٍ مَعِين، لَيْسَ مِنْ أَوْعِيَةٍ تَنْقَطِعُ وَتُفْرَغُ، بَلْ مِنْ عُيُونٍ سَارِحَةٍ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ﴾ أي: لا تصدع رؤوسهم وَلَا تُنْزَفُ عُقُولُهُمْ، بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ مَعَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ وَاللَّذَّةِ الْحَاصِلَةِ.
وَرَوَى الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَمْرِ أَرْبَعُ خِصَالٍ: السُّكْرُ، وَالصُّدَاعُ، وَالْقَيْءُ، وَالْبَوْلُ. فَذَكَرَ اللَّهُ خَمْرَ الْجَنَّةِ وَنَزَّهَهَا عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَعَطِيَّةُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّيّ: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا صُدَاعُ رَأْسٍ.
وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا يُنزفُونَ﴾ أَيْ: لَا تَذْهَبُ بِعُقُولِهِمْ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أَيْ: وَيَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَتَخَيَّرُونَ مِنَ الثِّمَارِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْفَاكِهَةِ عَلَى صِفَةِ التَّخَيُّرِ لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ "عِكْراش بْنِ ذُؤَيْبٍ" الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِي، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْراش، عَنْ أَبِيهِ عِكْراش بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ فِي صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِإِبِلٍ كأنها عروق الأرطى، قال: "من الرجل؟ " قُلْتُ: عِكْراش بْنُ ذُؤَيْبٍ. قَالَ: "ارْفَعْ فِي النَّسَبِ"، فَانْتَسَبْتُ لَهُ إِلَى "مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ"، وَهَذِهِ صَدَقَةُ "مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ". فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: هَذِهِ إِبِلُ قَوْمِي، هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِي. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنَّ تُوسَمَ بِمِيسَمِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَتُضَمَّ إِلَيْهَا. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا إِلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: "هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ " فَأُتِينَا بحفنة كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَذَرِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهَا، فَأَقْبَلْتُ أُخَبِّطُ بِيَدِي فِي جَوَانِبِهَا، فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى، فَقَالَ: "يَا عِكْراش، كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ". ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، أَوْ رُطَبٌ -شَكَّ عُبَيْدُ اللَّهِ رُطَبًا كَانَ أَوْ تَمْرًا-فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدِي، وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الطَّبَقِ، وَقَالَ: "يَا عِكْراش، كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ". ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ، فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ وَمَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "يَا عِكْراش، هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ أبي الهزيل الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ، بِهِ [[سنن الترمذي برقم (١٨٤٨) وسنن ابن ماجة برقم (٣٢٧٤) وعبيد الله بن عكراش تكلم فيه، وتكلم في حديثه هذا.
قال البخاري: "لا يثبت حديثه" ونقل العقيلي عنه أنه قال: "في إسناده نظر".]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ وَعَفَّانُ -وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ -قَالُوا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا، فَرُبَّمَا رَأَى الرَّجُلُ الرُّؤْيَا فَسَأَلَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ، فَإِذَا أثني عليه معروف، كَانَ أَعْجَبَ لِرُؤْيَاهُ إِلَيْهِ. فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ فَأُخْرِجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ وَجبَة انْتَحَبَتْ لها الجنة، فنظرت فإذا فلان ابن فلان، وفلان ابن فُلَانٍ، فسَمَّتْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ بَعَثَ سِرِّيَّةً قَبْلَ ذَلِكَ، فَجِيءَ بِهِمْ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ طُلْسٌ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُمْ، فَقِيلَ: اذْهَبُوا بِهِمْ إِلَى نَهْرِ الْبَيْدَخِ -أَوْ: الْبَيْذَخِ-قَالَ: فَغُمِسُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَوُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَأُتُوا بِصَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا بُسر، فَأَكَلُوا مِنْ بُسره مَا شاؤوا، فَمَا يُقَلِّبُونَهَا مِنْ وَجْهٍ إِلَّا أَكَلُوا مِنَ الْفَاكِهَةِ مَا أَرَادُوا، وَأَكَلْتُ مَعَهُمْ. فَجَاءَ الْبَشِيرُ مِنْ تِلْكَ السِّرِّيَّةِ، فَقَالَ: كَانَ [[في م، أ: "فقال: ما كان".]] مِنْ أَمْرِنَا [[في م، أ: "رؤيا".]] كَذَا وَكَذَا، وَأُصِيبَ [[في م، أ: "فأصيب".]] فُلَانٌ وَفُلَانٌ. حَتَّى عَدَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَرْأَةَ فَقَالَ: "قُصِّي رُؤْيَاكِ" فَقَصَّتْهَا، وَجَعَلَتْ تَقُولُ: فَجِيءَ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَمَا قَالَ.
هَذَا لَفْظُ أَبِي يَعْلَى، قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ: وَهَذَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٌ [[المسند للإمام أحمد (٣/١٣٥) ومسند أبي يعلى برقم (٣٢٨٩) (٦/٤٤) وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٧٥) : "رجاله رجال الصحيح".]] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ ثَمَرَةً فِي الْجَنَّةِ، عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى" [[المعجم الكبير (٢/١٠٢) وفي إسناده عباد متكلم فيه.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبُعِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ، يَرْعَى [[في م: "ترعى".]] فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ فَقَالَ: "أَكَلَتُهَا [[في م، أ: "أكلها".]] أَنْعَمُ مِنْهَا -قَالَهَا ثَلَاثًا-وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[المسند (٣/٢٢١) .]] .
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ "صِفَةِ الْجَنَّةِ" مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الخُطَبِيّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الخُيُوطي، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زُرْعَة، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ طُوبَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، هَلْ بَلَغَكَ مَا طُوبَى؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، مَا يَعْلَمُ طُولَهَا إِلَّا اللَّهُ، يَسِيرُ الرَّاكِبُ تَحْتَ غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا، وَرَقُهَا الْحُلَلُ، يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّيْرُ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هُنَاكَ لَطَيْرًا نَاعِمًا؟ قَالَ: "أَنْعَمُ مِنْهُ مَنْ يَأْكُلُهُ، وَأَنْتَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" [[ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور (٤/٦٤٩) .]] .
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَى طَيْرَهَا نَاعِمَةً كَمَا أَهْلُهَا نَاعِمُونَ. قَالَ: "مَنْ يَأْكُلُهَا -وَاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ [[في م: "يا أبا بكر والله".]] -أَنْعَمُ مِنْهَا، وَإِنَّهَا لَأَمْثَالُ الْبُخْتِ، وَإِنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهَا [[في م: "أن آكل منها".]] يَا أَبَا بَكْرٍ" [[وهذا مرسل وقد روى من طريق الحسن مرسلا أيضا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٢/١٣) .]] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم سئل عن الْكَوْثَرِ فَقَالَ: "نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الْجَنَّةِ، أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ طُيُورٌ أَعْنَاقُهَا يَعْنِي كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ". فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا".
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ [[في م: "عبيد" وهو خطأ.]] بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ القَعْنَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَالَ: حَسَنٌ [[سنن الترمذي برقم (٢٥٤٢) وقال فيه: "حسن غريب".]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [[في أ: "عبد الله".]] بْنِ الْوَلِيدِ الوَصَّافي، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَطَيْرًا فِيهِ سَبْعُونَ أَلْفَ رِيشَةٍ، فَيَقَعُ عَلَى صَحْفَةِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَنْتَفِضُ، فَيُخْرِجُ مَنْ كُلِّ رِيشَةٍ -يَعْنِي: لَوْنًا-أَبْيَضَ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ، وَأَعْذَبَ مِنَ الشَّهْدِ، لَيْسَ مِنْهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ صَاحِبَهُ [[في أ: "الآخر".]] ثُمَّ يَطِيرُ" [[ورواه هناد في الزهد برقم (١١٩) حدثنا أبو معاوية به.]] .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، والوَصَّافي وَشَيْخُهُ ضَعِيفَانِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ -كَاتِبُ اللَّيْثِ-حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّ طَائِرَ الْجَنَّةِ أَمْثَالُ الْبُخْتِ، يَأْكُلُ [[في م: "يأكلن".]] مِمَّا خُلِقَ مِنْ ثَمَرَاتِ الْجَنَّةِ، وَيَشْرَبُ [[في م: "يشربن".]] مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، فَيَصْطَفِفْنَ لَهُ، فَإِذَا اشْتَهَى مِنْهَا شَيْئًا أَتَاهُ حَتَّى يَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَأْكُلُ مِنْ خَارِجِهِ وَدَاخِلِهِ ثُمَّ يَطِيرُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. صَحِيحٌ إِلَى كَعْبٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْجَنَّةِ فَتَشْتَهِيهِ فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا" [[جزء الحسن بن عرفة برقم (٢٢) وحميد الأعرج منكر الحديث.]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ قَرَأَ بَعْضُهُمْ بِالرَّفْعِ، وَتَقْدِيرُهُ: وَلَهُمْ فِيهَا حُورٌ عِينٌ. وَقِرَاءَةُ الْجَرِّ تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْإِعْرَابُ عَلَى الْإِتْبَاعِ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ. وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ﴾ ، كَمَا قَالَ ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦] ، وَكَمَا قَالَ: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ [الْإِنْسَانِ:٢١] . وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَطُوفُ بِهِ الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ عَلَيْهِمُ الْحُورُ الْعِينُ، وَلَكِنْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْقُصُورِ، لَا بَيْنَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، بَلْ فِي الْخِيَامِ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْخُدَّامُ بِالْحُورِ الْعِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ أَيْ: كَأَنَّهُنَّ اللُّؤْلُؤُ الرَّطْبُ فِي بَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي "سُورَةِ الصَّافَّاتِ" ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٤٩] وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ "الرَّحْمَنِ" وَصْفُهُنَّ أَيْضًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي أَتْحَفْنَاهُمْ بِهِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى مَا أَحْسَنُوا مِنَ الْعَمَلِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا. إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ أَيْ: لَا يَسْمَعُونَ فِي الْجَنَّةِ كَلَامًا لَاغِيًا، أَيْ: غَثًّا [[في م: "عبثا".]] خَالِيًا عَنِ الْمَعْنَى، أَوْ مُشْتَمِلًا عَلَى مَعْنًى حَقِيرٍ أَوْ ضَعِيفٍ، كَمَا قَالَ: ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً﴾ [الْغَاشِيَةِ:١١] أَيْ: كَلِمَةً لَاغِيَةً ﴿وَلا تَأْثِيمًا﴾ أَيْ: وَلَا كَلَامًا فِيهِ قُبْحٌ [[في م: "قبيحا".]] ، ﴿إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ أَيْ: إِلَّا التَّسْلِيمَ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا قَالَ: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٣] وَكَلَامُهُمْ أَيْضًا سَالِمٌ مِنَ اللَّغْوِ وَالْإِثْمِ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["ثُلَّةࣱ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَقَلِیلࣱ مِّنَ ٱلۡـَٔاخِرِینَ","عَلَىٰ سُرُرࣲ مَّوۡضُونَةࣲ","مُّتَّكِـِٔینَ عَلَیۡهَا مُتَقَـٰبِلِینَ","یَطُوفُ عَلَیۡهِمۡ وِلۡدَ ٰنࣱ مُّخَلَّدُونَ","بِأَكۡوَابࣲ وَأَبَارِیقَ وَكَأۡسࣲ مِّن مَّعِینࣲ","لَّا یُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا یُنزِفُونَ","وَفَـٰكِهَةࣲ مِّمَّا یَتَخَیَّرُونَ","وَلَحۡمِ طَیۡرࣲ مِّمَّا یَشۡتَهُونَ","وَحُورٌ عِینࣱ","كَأَمۡثَـٰلِ ٱللُّؤۡلُوِٕ ٱلۡمَكۡنُونِ","جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","لَا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوࣰا وَلَا تَأۡثِیمًا","إِلَّا قِیلࣰا سَلَـٰمࣰا سَلَـٰمࣰا"],"ayah":"لَا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوࣰا وَلَا تَأۡثِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق