يَقُولُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ، تَسْخِيرُهُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ فِيهِ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ، وَهِيَ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ، أَيْ: كَالْجِبَالِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالضَّحَّاكُ، أَيْ: هِيَ [[في أ: "هذه".]] فِي الْبَحْرِ كَالْجِبَالِ فِي الْبَرِّ،.
﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾ أَيِ: الَّتِي تَسِيرُ بِالسُّفُنِ [[في ت: "تسير بها السفن".]] ، لَوْ شَاءَ لَسَكَّنَهَا حَتَّى لَا تَتَحَرَّكَ [[في ت: "يتحرك".]] السُّفُنُ، بَلْ تَظَلَّ رَاكِدَةً لَا تَجِيءُ وَلَا تَذْهَبُ، بَلْ وَاقِفَةً عَلَى ظَهْرِهِ، أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾ أَيْ: فِي الشَّدَائِدِ ﴿شَكُورٍ﴾ أَيْ: إِنَّ فِي تَسْخِيرِهِ الْبَحْرَ وَإِجْرَائِهِ الْهَوَى بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِسَيْرِهِمْ، لَدَلَالَاتٍ عَلَى نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾ أَيْ: فِي الشَّدَائِدِ، ﴿شَكُورٍ﴾ فِي الرَّخَاءِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ أَيْ: وَلَوْ شَاءَ لَأَهْلَكَ السُّفُنَ وَغَرَّقَهَا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا الَّذِينَ هُمْ رَاكِبُونَ عَلَيْهَا [[في ت، م، أ: "فيها".]] ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ أَيْ: مِنْ ذُنُوبِهِمْ. وَلَوْ أَخَذَهُمْ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ لِأَهْلَكَ كُلَّ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ [[في م: "كل من يركب في البحر"، وفي أ: "كل من يركب البحر".]] .
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ أَيْ: لَوْ شَاءَ لَأَرْسَلَ الرِّيحَ قَوِيَّةً عَاتِيَةً، فَأَخَذَتِ السُّفُنَ وَأَحَالَتْهَا [[في ت، أ: "فأجالتها"ن وفي م: "فاجتالتها".]] عَنْ سَيْرِهَا الْمُسْتَقِيمِ، فَصَرَفَتْهَا ذَاتَ الْيَمِينِ أَوْ ذَاتَ الشِّمَالِ، آبِقَةً لَا تَسِيرُ عَلَى طَرِيقٍ، وَلَا إِلَى جِهَةِ مَقْصِدٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ يَتَضَمَّنُ هَلَاكَهَا، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْأَوَّلِ [[في ت، أ: "للقول الأول".]] ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَسَكَّنَ الرِّيحَ فَوَقَفَتْ، أَوْ لَقَوَّاهُ فَشَرَدَتْ وَأَبْقَتْ وَهَلَكَتْ. وَلَكِنْ مِنْ لُطْفِهِ [[في أ: "لطف الله".]] وَرَحْمَتِهِ أَنَّهُ يُرْسِلُهُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ، كَمَا يُرْسِلُ الْمَطَرَ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَلَوْ أَنْزَلَهُ كَثِيرًا جِدًّا لَهَدَمَ الْبُنْيَانَ، أَوْ قَلِيلًا لَمَا أَنْبَتَ الزَّرْعَ [[في ت، م: "الزروع".]] وَالثِّمَارَ، حَتَّى إِنَّهُ يُرْسِلُ إِلَى مِثْلِ بِلَادِ مِصْرَ سَيْحًا مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى غَيْرِهَا [[في أ: "عليها".]] ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مَطَرٍ، وَلَوْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ لَهَدَمَ بُنْيَانَهُمْ، وَأَسْقَطَ جُدْرَانَهُمْ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ﴾ أَيْ: لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْ بَأْسِنَا وَنِقْمَتِنَا، فَإِنَّهُمْ مَقْهُورُونَ بِقُدْرَتِنَا.
{"ayahs_start":32,"ayahs":["وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ","إِن یَشَأۡ یُسۡكِنِ ٱلرِّیحَ فَیَظۡلَلۡنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهۡرِهِۦۤۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورٍ","أَوۡ یُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُوا۟ وَیَعۡفُ عَن كَثِیرࣲ","وَیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِیصࣲ"],"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلۡجَوَارِ فِی ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَـٰمِ"}