الباحث القرآني
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ أَيِ: اخْتَبَرْنَاهُ بِأَنْ سَلَبْنَاهُ الْمُلْكَ مَرَّةً، ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ: يَعْنِي شَيْطَانًا. ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ أَيْ: [[في ت، س: "ثم".]] رَجَعَ إِلَى مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَأُبَّهَتِهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ صَخْرًا. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: آصِفُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقِيلَ: آصِرُوا. قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَيْضًا. وَقِيلَ: حبقيقُ. قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقَدْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْقِصَّةَ مَبْسُوطَةً وَمُخْتَصَرَةً.
وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ أَمَرَ سُلَيْمَانُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقِيلَ لَهُ: ابْنِهِ وَلَا يُسمَعُ فِيهِ صَوْتُ حَدِيدٍ. فَقَالَ: فَطَلَبَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ شَيْطَانًا فِي الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُ: "صَخْرٌ" شِبْهُ الْمَارِدِ. قَالَ: فَطَلَبَهُ وَكَانَتْ عَيْنٌ فِي الْبَحْرِ يَردهُا فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً فَنُزِحَ مَاؤُهَا وَجُعِلَ فِيهَا خَمْرٌ، فَجَاءَ يَوْمَ ورْده فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ فَقَالَ: إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تُصْبِينَ الْحَلِيمَ، وَتَزِيدِينَ الْجَاهِلَ جَهْلًا. ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا ثُمَّ أَتَاهَا [[في أ: "أتاه".]] فَقَالَ: إِنَّكِ لَشَرَابٌ طَيِّبٌ إِلَّا أَنَّكِ تُصْبِينَ الْحَلِيمَ، وَتَزِيدِينَ الْجَاهِلَ جَهْلًا. ثُمَّ شَرِبَهَا حَتَّى غَلَبَتْ عَلَى عَقْلِهِ، قَالَ: فَأُرِيَ الْخَاتَمَ أَوْ خُتِمَ بِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَذَلَّ. قَالَ: وَكَانَ مُلْكُهُ فِي خَاتَمِهِ فأتي به سليمان فقال: إنه قَدْ أُمِرْنَا بِبِنَاءِ هَذَا الْبَيْتِ وَقِيلَ لَنَا: لَا يُسْمَعَنَّ فِيهِ صَوْتُ حَدِيدٍ. قَالَ: فَأَتَى بِبَيْضِ الْهُدْهُدِ فَجَعَلَ عَلَيْهِ زُجَاجَةً فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَدَارَ حَوْلَهَا، فَجَعَلَ يَرَى بَيْضَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَذَهَبَ فَجَاءَ بِالْمَاسِ فَوَضَعَهُ عَلَيْهِ فَقَطَعَهَا بِهِ حَتَّى أَفْضَى إِلَى بَيْضِهِ. فَأَخَذَ الْمَاسَ فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَةَ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من أ.]] إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ -أَوِ: الْحَمَّامَ-لَمْ يَدْخُلْ بِخَاتَمِهِ فَانْطَلَقَ يَوْمًا إِلَى الْحَمَّامِ وَذَلِكَ الشَّيْطَانُ صَخْرٌ مَعَهُ، وَذَلِكَ عِنْدَ مُقَارَفَةٍ قَارَفَ فِيهِ [[في ت: "فيها".]] بَعْضَ نِسَائِهِ. قَالَ: فَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَأَعْطَى الشَّيْطَانَ خَاتَمَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَالْتَقَمَتْهُ سَمَكَةٌ، وَنُزِعَ مُلك سُلَيْمَانَ مِنْهُ وَأُلْقِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ شَبَه سُلَيْمَانَ. قَالَ: فَجَاءَ فَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَسَرِيرِهِ وسُلِّط عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ كُلِّهِ غَيْرَ نِسَائِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَجَعَلُوا يُنْكِرُونَ مِنْهُ أَشْيَاءَ حَتَّى قَالُوا: لَقَدْ فُتِنَ نَبِيُّ اللَّهِ. وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُشَبِّهُونَهُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُوَّةِ فَقَالَ: وَاللَّهُ لَأُجَرِّبَنَّهُ. قَالَ: فَقَالَ: يَا نَبِيَّ [[في أ: "أنبي".]] اللَّهِ -وَهُوَ لَا يَرَى إِلَّا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ-أَحَدُنَا تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ فَيَدَعُ الْغُسْلَ عَمْدًا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَتُرَى [[في ت: "ترى".]] عَلَيْهِ بَأْسًا؟ فَقَالَ: [[في ت، س: "قال".]] لَا. قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتَّى وَجَدَ نَبِيُّ اللَّهِ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ سَمَكَةٍ فَأَقْبَلَ فَجَعَلَ لَا يَسْتَقْبِلُهُ جِنِّيٌّ وَلَا طَيْرٌ إِلَّا سَجَدَ لَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قَالَ: هُوَ الشَّيْطَانُ صَخْرٌ [[تفسير الطبري (٢٣/١٠١) .]]
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ أَيِ: ابْتَلَيْنَا سُلَيْمَانَ، ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قَالَ: جَلَسَ الشَّيْطَانُ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَالَ: وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِائَةُ امْرَأَةٍ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ يُقَالُ لَهَا: "جَرَادَةُ"، وَهِيَ آثَرُ نِسَائِهِ وَآمَنُهُنَّ عِنْدَهُ وَكَانَ إِذَا أَجْنَبَ أَوْ أَتَى حَاجَةً [[في أ: "حاجته".]] نَزَعَ خَاتَمَهُ وَلَمْ يَأْتَمِنْ [[في ت: "يأمن".]] عَلَيْهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ غَيْرَهَا فَأَعْطَاهَا يَوْمًا خَاتَمَهُ وَدَخَلَ الْخَلَاءَ فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: هَاتِي الْخَاتَمَ. فَأَعْطَتْهُ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى مَجْلِسِ سُلَيْمَانَ وَخَرَجَ سُلَيْمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلَهَا أَنْ تُعْطِيَهِ خَاتَمَهُ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَأْخُذْهُ قَبْلُ؟ قَالَ: لَا. وَخَرَجَ مَكَانَهُ تَائِهًا. قَالَ: وَمَكَثَ الشَّيْطَانُ يُحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ أَحْكَامَهُ فَاجْتَمَعَ قُرَّاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعُلَمَاؤُهُمْ فَجَاءُوا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى نِسَائِهِ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ أَنْكَرْنَا هَذَا فَإِنْ كَانَ سُلَيْمَانَ فَقَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَأَنْكَرْنَا أَحْكَامَهُ. قَالَ: فَبَكَى النِّسَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: فَأَقْبَلُوا يَمْشُونَ حَتَّى أَتَوْا [[في أ: "أتوه".]] فَأَحْدَقُوا بِهِ ثُمَّ نَشَرُوا التَّوْرَاةَ فَقَرَءُوا. قَالَ: فَطَارَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شُرْفَةٍ وَالْخَاتَمُ مَعَهُ. ثُمَّ طَارَ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى الْبَحْرِ فَوَقَعَ الْخَاتَمُ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ فَابْتَلَعَهُ حُوتٌ مِنْ حِيتَانِ الْبَحْرِ. قَالَ: وَأَقْبَلَ سُلَيْمَانُ فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى صَيَّادٍ مِنْ صَيَّادِي [[في ت، س، أ: "صيادين".]] الْبَحْرِ وَهُوَ جَائِعٌ وَقَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ. فَاسْتَطْعَمَهُمْ مِنْ صَيْدِهِمْ وَقَالَ: إِنِّي أَنَا سُلَيْمَانُ. فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَضَرَبَهُ بِعَصًا فَشَجَّهُ فَجَعَلَ يَغْسِلُ دَمَهُ وَهُوَ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَلَامَ الصَّيَّادُونَ صَاحِبَهُمُ الَّذِي ضَرَبَهُ فَقَالُوا بِئْسَ مَا صَنَعْتَ حيث ضربته. قال: إنه زَعَمَ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ. قَالَ: فَأَعْطَوْهُ سَمَكَتَيْنِ مِمَّا قَدْ مَذِرَ عِنْدَهُمْ فَلَمْ يَشْغَلْهُ مَا كَانَ بِهِ مِنَ الضَّرْبِ حَتَّى قَامَ إِلَى شَطِّ الْبَحْرِ فَشَقَّ بُطُونَهُمَا فَجَعَلَ يَغْسِلُ [دَمَهُ] [[زيادة من أ.]] فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَهَاءَهُ وَمُلْكَهُ، وَجَاءَتِ الطَّيْرُ حَتَّى حَامَتْ عَلَيْهِ فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَامَ الْقَوْمُ يَعْتَذِرُونَ مِمَّا صَنَعُوا [بِهِ] [[زيادة من أ.]] فَقَالَ: مَا أَحْمَدُكُمْ عَلَى عُذْرِكُمْ وَلَا أَلُومُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ، كَانَ هَذَا الْأَمْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى أَتَى مُلْكَهُ وَأَرْسَلَ إِلَى الشَّيْطَانِ فَجِيءَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَجُعِلَ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ حَدِيدٍ، ثُمَّ أَطْبَقَ عَلَيْهِ وَقَفَلَ عَلَيْهِ بِقُفْلٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُلْقِي فِي الْبَحْرِ فَهُوَ فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَكَانَ اسْمُهُ حبقيقُ قَالَ: وَسَخَّرَ [[في ت، أ: "وسخرت".]] لَهُ الرِّيحَ وَلَمْ تَكُنْ سُخِّرَتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [[تفسير الطبري (٢٣/١٠١) .]]
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قَالَ: شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ: آصِفُ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: كَيْفَ تَفْتِنُونَ النَّاسَ؟ قَالَ: أَرِنِي خَاتَمَكَ أُخْبِرْكَ. فَلَمَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ نَبَذَهُ آصِفُ فِي الْبَحْرِ فَسَاحَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَ مُلْكُهُ، وَقَعَدَ آصِفُ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَمَنَعَهُ اللَّهُ نِسَاءَ سُلَيْمَانَ فَلَمْ يَقْرَبْهُنَّ -وَلَمْ يَقْرَبْنَهُ وَأَنْكَرْنَهُ. قَالَ: فَكَانَ سُلَيْمَانُ يَسْتَطْعِمُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُونِي؟ أَطْعِمُونِي أَنَا سُلَيْمَانُ فَيُكَذِّبُونَهُ، حَتَّى أَعْطَتْهُ امْرَأَةٌ يَوْمًا حُوتًا فَجَعَلَ يُطَيِّبُ بَطْنَهُ، فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ وَفَرَّ آصِفُ فَدَخَلَ الْبَحْرَ فَارًّا.
وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَمِنْ أَنْكَرِهَا مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] [[زيادة من أ.]] ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ قَالَ: أَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ فَأَعْطَى الْجَرَادَةَ خَاتَمَهُ -وَكَانَتِ الْجَرَادَةُ [[في ت: "جرادة".]] امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ-فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتَمِي. فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ. فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [[في أ: "والجن والطير".]] وَالشَّيَاطِينُ فَلَمَّا خَرَجَ سُلَيْمَانُ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتَمِي. قَالَتْ: قَدْ أَعْطَيْتُهُ سُلَيْمَانَ. قَالَ: أَنَا سُلَيْمَانُ. قَالَتْ: كَذَبْتَ لَسْتَ سُلَيْمَانَ [[في ت: "بسليمان".]] فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ لَهُ: "أَنَا سُلَيْمَانُ"، إِلَّا كَذَّبَهُ حَتَّى جَعَلَ [[في أ: "جاء".]] الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَرَف أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَقَامَ الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى سُلَيْمَانَ سُلْطَانَهُ أَلْقَى فِي قُلُوبِ النَّاسِ إِنْكَارَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَى نِسَاءِ سُلَيْمَانَ فَقَالُوا لَهُنَّ: أَتُنْكِرْنَ مِنْ سُلَيْمَانَ شَيْئًا؟ قُلْنَ: نَعَمْ إِنَّهُ يَأْتِينَا وَنَحْنُ حُيَّضٌ وَمَا كَانَ يَأْتِينَا قَبْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ قَدْ فَطِنَ لَهُ [[في ت: "أنه فطن له".]] ظَنَّ أَنَّ أَمْرَهُ قَدِ انْقَطَعَ فَكَتَبُوا كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ، فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ ثُمَّ أَثَارُوهَا وقرءوها على الناس. وقالوا: بِهَذَا كَانَ يَظْهَرُ سُلَيْمَانُ عَلَى النَّاسِ [وَيَغْلِبُهُمْ] [[زيادة من أ.]] فَأَكْفَرَ النَّاسُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَزَالُوا يُكَفِّرُونَهُ وَبَعَثَ ذَلِكَ الشيطانُ بِالْخَاتَمِ فَطَرَحَهُ فِي الْبَحْرِ فَتَلَقَّتْهُ سَمَكَةٌ فَأَخَذَتْهُ. وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَحْمِلُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ بِالْأَجْرِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَاشْتَرَى سَمَكًا فِيهِ تِلْكَ السَّمَكَةُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ فَدَعَا سُلَيْمَانُ فَقَالَ: تَحْمِلُ لِي هَذَا السَّمَكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِكَمْ؟ قَالَ بِسَمَكَةٍ مِنْ هَذَا السَّمَكِ. قَالَ: فَحَمَلَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ السَّمَكَ ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمَّا انْتَهَى الرَّجُلُ إِلَى بَابِهِ أَعْطَاهُ تِلْكَ السَّمَكَةَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْخَاتَمُ فَأَخَذَهَا سُلَيْمَانُ فَشَقَّ بَطْنَهَا، فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي جَوْفِهَا فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ. قَالَ: فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ وَهَرب الشَّيْطَانُ حَتَّى دَخَلَ جَزِيرَةً [[في ت: "لحق بجزيرة".]] مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ فِي طَلَبِهِ وَكَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَجَدُوهُ يَوْمًا نَائِمًا فَجَاءُوا فَبَنَوْا عَلَيْهِ بُنْيَانًا مِنْ رَصَاصٍ فَاسْتَيْقَظَ فَوَثَبَ فَجَعَلَ لَا يَثِبُ فِي مَكَانٍ من البيت إلا أنماط معه من الرَّصَاصُ قَالَ: فَأَخَذُوهُ فَأَوْثَقُوهُ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُقِرَ [[في ت: "فثقب".]] لَهُ تَخْتٌ مِنْ رُخَامٍ ثُمَّ أُدْخِلَ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ سُدَّ بِالنُّحَاسِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ قَالَ: يَعْنِي الشَّيْطَانَ الَّذِي كَانَ سُلِّطَ عَلَيْهِ.
إِسْنَادُهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَوِيٌّ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَلَقَّاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -إِنْ صَحَّ عَنْهُ-مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَفِيهِمْ طَائِفَةٌ لَا يَعْتَقِدُونَ نُبُوَّةَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا كَانَ فِي السِّيَاقِ مُنْكَرَاتٌ مِنْ أَشَدِّهَا ذِكْرُ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ [[في أ: "فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من السلف أن".]] ذَلِكَ الْجِنِّيَّ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَى نِسَاءِ سُلَيْمَانَ بَلْ عَصَمَهُنَّ اللَّهُ مِنْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا لِنَبِيِّهِ ﷺ، وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مُطَوَّلَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَجَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَكُلُّهَا متُلقًّاة مِنْ قَصَصِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ: وَجَدَ سُلَيْمَانُ خَاتَمَهُ فِي عَسْقَلَانَ، فَمَشَى فِي خِرْقَةٍ [[في أ: "بحرقة".]] إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي صِفَةِ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَبَرًا عَجِيبًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الْمِصْرِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ؛ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ حَدِيثِ "إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ" قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَخْبِرْنِي عَنْ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ؛ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَقَالَ: كَانَ كُرْسِيُّ سُلَيْمَانَ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ مُفَصّصاً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ. وَقَدْ جُعل لَهُ دَرَجَةً مِنْهَا مُفَصّصة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْكُرْسِيِّ فحُفّ مِنْ جَانِبَيْهِ بِالنَّخْلِ، نَخْلٌ مِنْ ذَهَبٍ شَمَارِيخُهَا مِنْ يَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ. وَجُعِلَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ الَّتِي عَنْ يَمِينِ الْكُرْسِيِّ طَوَاوِيسُ مَنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ جُعِلَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ الَّتِي عَلَى يَسَارِ الْكُرْسِيِّ نُسُورٌ مَنْ ذَهَبٍ مُقَابَلَةَ الطَّوَاوِيسِ، وَجُعِلَ على يمين الدرجة الأولى شَجَرَتَا صَنَوْبَرٍ مَنْ ذَهَبٍ، وَعَنْ يَسَارِهَا أَسَدَانِ مَنْ ذَهَبٍ وَعَلَى رُءُوسِ الْأَسَدَيْنِ عَمُودَانِ مِنْ زَبَرْجَدٍ وَجُعِلَ مِنْ جَانِبَيِ الْكُرْسِيِّ شَجَرَتَا كَرْمٍ مَنْ ذَهَبٍ قَدْ أَظَلَّتَا الْكُرْسِيَّ وَجُعِلَ عَنَاقِيدُهُمَا دُرًّا وَيَاقُوتًا أَحْمَرَ. ثُمَّ جُعل فَوْقَ دَرَج الْكُرْسِيِّ أسَدَان عَظِيمَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُجَوَّفَانِ مَحْشُوَّانِ مِسْكًا وَعَنْبَرًا. فَإِذَا أَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ اسْتَدَارَ الْأَسَدَانِ سَاعَةً ثُمَّ يَقَعَانِ [[في ت: "يقفان".]] فَيَنْضَحَانِ مَا فِي أَجْوَافِهِمَا مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ حَوْلَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ يُوضَعُ مِنْبَرَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَاحِدٌ لِخَلِيفَتِهِ وَالْآخِرُ لِرَئِيسِ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ. ثُمَّ يُوضَعُ أَمَامَ كُرْسِيِّهِ سَبْعُونَ مِنْبَرًا مِنْ ذَهَبٍ يَقْعُدُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ قَاضِيًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَهْلِ الشَّرَفِ مِنْهُمْ وَالطَوْلِ وَمِنْ خَلْفِ تِلْكَ الْمَنَابِرِ كُلِّهَا خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْبَرًا مِنْ ذَهَبٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى فَاسْتَدَارَ الْكُرْسِيُّ كُلُّهُ بِمَا فِيهِ وَمَا عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُ الْأَسَدُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَيَنْشُرُ النَّسْرُ جَنَاحَهُ الْأَيْسَرَ ثُمَّ يَصْعَدُ [سُلَيْمَانُ] [[زيادة من ت، أ.]] عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ فَيَبْسُطُ الْأَسَدُ يَدَهُ الْيُسْرَى وَيَنْشُرُ النَّسْرُ جَنَاحَهُ الْأَيْمَنَ فَإِذَا اسْتَوَى سُلَيْمَانُ عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ وَقَعَدَ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَخَذَ نَسْرٌ مِنْ تِلْكَ النُّسُورِ عَظِيمٌ تَاجَ سُلَيْمَانَ فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا وَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ اسْتَدَارَ الْكُرْسِيُّ بِمَا فِيهِ كَمَا تَدُورُ الرَّحَى الْمُسْرِعَةُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمَا الَّذِي يُدِيرُهُ يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟ قَالَ: تِنِّينٌ مِنْ ذَهَبِ ذَلِكَ الْكُرْسِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ عَظِيمٌ مِمَّا عَمِلَهُ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ فَإِذَا أَحَسَّتْ بِدَوَرَانِهِ تِلْكَ النُّسُورُ والأسْدُ وَالطَّوَاوِيسُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْكُرْسِيِّ دُرْنَ إِلَى أَعْلَاهُ فَإِذَا وَقَفَ وَقَفْنَ كُلُّهُنَّ مُنَكِّسَاتٍ رُءُوسَهُنَّ عَلَى رَأْسِ سُلَيْمَانَ [ابْنِ دَاوُدَ] [[زيادة من أ.]] عَلَيْهِ [[في أ: "عليهما".]] السَّلَامُ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يَنْضَحْنَ جَمِيعًا مَا فِي أَجْوَافِهِنَّ مِنَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ عَلَى رَأْسِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. ثُمَّ تَتَنَاوَلُ حَمَامَةٌ مَنْ ذَهَبٍ وَاقِفَةٌ عَلَى عَمُودٍ مِنْ جَوْهَرٍ التوراةَ فَتَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ فَيَقْرَؤُهَا سُلَيْمَانُ عَلَى النَّاسِ.
وَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ [[في ت: "الحديث".]] وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا.
﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أَيْ: لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْلُبَنِيهِ كَمَا كَانَ مِنْ قَضِيَّةِ [[في ت: "في قصة"، وفي أ: "من قصة".]] الْجَسَدِ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ لَا أَنَّهُ يَحْجُرُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ النَّاسِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سَأَلَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مُلْكًا لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْبَشَرِ مِثْلُهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ مِنَ الْآيَةِ وَبِهِ [[في ت، س، أ: "وبذلك".]] وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَالَ [[في ت: "فروى".]] الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ [[في ت: "بإسناده".]] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّت عَلَيَّ الْبَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصبحوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾
قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا [[صحيح البخاري برقم (٤٨٠٨) .]]
وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ [[صحيح مسلم برقم (٥٤١) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٤٠) .]]
وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرَادي حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنِي رَبِيعَةَ بْنِ يَزيد عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ [[في ت: "بإسناده".]] عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ". ثُمَّ قَالَ: "أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ" -ثَلَاثًا-وَبَسَطَ يَدَه كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَرَأَيْنَاكَ بَسَطَتْ يَدَكَ؟ قَالَ: "إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ-ثُمَّ قُلْتُ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ. فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَرَدْتُ أخْذَه وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ صِبْيَانُ [[في ت، س، أ: "ولدان".]] أَهْلِ الْمَدِينَةِ" [[صحيح مسلم برقم (٥٤٢) .]]
وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَاجِبُ سُلَيْمَانَ قَالَ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ قَائِمًا يُصَلِّي، فَذَهَبْتُ أَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَدَّنِي ثُمَّ قَالَ [[في ت: "بإسناده".]] حَدَّثَنِي [[في ت: "عن".]] أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ يُصَلِّي [[في ت: "فصلى".]] صَلَاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ خَلْفُهُ فَقَرَأَ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صِلَاتِهِ قَالَ: "لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ أُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ -الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا-وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ [[في ت: "أصبح".]] مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، يَتَلَاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَلَّا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ".
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْهُ: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَلَّا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيج عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ بِهِ [[المسند (٣/٨٣) وسنن أبي داود برقم (٦٩٩) .]]
وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ [[في ت: "بإسناده".]] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ بِالطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ: "الْوَهْطُ"، وَهُوَ مُخَاصر فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُزَنّ بشُرْب الْخَمْرِ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ أَنَّهُ "مِنْ شَرِبِ شَرْبَةَ خَمْر لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-لَهُ تَوبَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَإِنَّهُ مَنْ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ لا يَنْهَزه إلا الصلاة فيه، خرج مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْفَتَى ذَكْرَ الْخَمْرِ اجْتَذَبَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو [[في أ: "عمرو رضي الله عنهما".]] إِنِّي لَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيّ مَا لَمْ أَقُلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ شَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ شَرْبَةً لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ [[في أ: "وإن".]] عَادَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ عَادَ -قَالَ فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ-فَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدْغَة الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالَ: وَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ نُورِهِ يَوْمَئِذٍ اهْتَدَى وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ [[في أ: "ولذلك".]] أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" وَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى ثَلَاثًا فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَنَا الثَّالِثَةُ: سَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مَنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ [[في ت، س، أ: "مثل يوم".]] وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى [[في ت، س، أ: "عز وجل".]] قَدْ أَعْطَانَا إِيَّاهَا" [[المسند (٢/١٧٦) .]]
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْفَصْلَ الْأَخِيرَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ الدَّيْلِمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خِلَالًا ثَلَاثًا ... " وَذَكَرَهُ [[سنن النسائي (٢/٤٣) وسنن ابن ماجة برقم (١٤٠٨) .]]
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِإِسْنَادٍ وَسِيَاقٍ غَرِيبَيْنِ فَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبة الْعَسْقَلَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْد حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَة عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ [[في ت: "وروى الطبراني بإسناده".]] عَنْ رَافِعِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ. فَبَنَى دَاوُدُ [[في ت: "داود عليه السلام".]] بَيْتًا لِنَفْسِهِ قَبْلَ الْبَيْتِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا دَاوُدُ نَصَبْتَ بَيْتَكَ قَبْلَ بَيْتِي؟ قَالَ: يَا رَبِّ هَكَذَا قَضَيْتَ [[في ت، س، أ: "هكذا قلت فيما قضيت".]] مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ ثُمَّ أَخَذَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا تَمَّ السُّورَ سَقَطَ ثَلَاثًا فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: يَا دَاوُدُ [[في ت، أ: "فأوحى الله إليه"]] إِنَّكَ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَبْنِيَ لِي بَيْتًا قَالَ: وَلِمَ يَا رَبِّ؟ قَالَ: لِمَا جَرَى عَلَى يَدَيْكَ مِنَ الدِّمَاءِ. قَالَ: يَا رَبِّ أَوْ مَا كَانَ [[في ت، س، أ: "أو لم يكن".]] ذَلِكَ فِي هَوَاكَ وَمَحَبَّتِكَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ عِبَادِي وَأَنَا أَرْحَمُهُمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: لَا تَحْزَنْ فَإِنِّي سَأَقْضِي بِنَاءَهُ عَلَى يَدَيِ ابْنِكَ سُلَيْمَانَ. فَلَمَّا مَاتَ دَاوُدُ أَخْذَ سُلَيْمَانُ فِي بِنَائِهِ فَلَمَّا تَمَّ قَرَّبَ الْقَرَابِينَ وَذَبَحَ الذَّبَائِحَ وَجَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: قَدْ أَرَى سرورَك بِبُنْيَانِ بَيْتِي فَسَلْنِي أُعْطِكَ. قَالَ: أَسْأَلُكَ ثَلَاثَ خِصَالٍ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَكَ وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي وَمَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ لَا يُرِيدُ إلا الصلاة فيه خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أما ثِنْتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ" [[المعجم الكبير (٥/٢٤) قال الهيثمي في المجمع (٤/٨) : "فيه محمد بن أيوب بن سويد الرملي وهو متهم بالوضع".]]
وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ رَاشِدٍ الْيَمَامِيُّ، حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَا دُعَاءً إِلَّا اسْتَفْتَحَهُ بِـ "سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّي الْأَعْلَى الْعَلِيِّ الْوَهَّابِ" [[المسند (٤/٥٤) قال الهيثمي في المجمع (١٠/١٥٦) : "فيه عمر بن راشد اليمامي وثقه غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح".]]
وَقَدْ قَالَ [[في ت: "وروى".]] أَبُو عَبِيدٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقان عَنْ صَالِحِ بْنِ مِسْمَارٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُدُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى ابْنِهِ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِمَا [[في ت، أ: "عليه".]] السَّلَامُ: أَنْ سَلْنِي حَاجَتَكَ. قَالَ: أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي قَلْبًا يَخْشَاكَ كَمَا كَانَ قَلْبُ أَبِي وَأَنْ تَجْعَلَ قَلْبِي يُحِبُّكَ كَمَا كَانَ قَلْبُ أَبِي. فَقَالَ اللَّهُ: أَرْسَلْتُ إِلَى عَبْدِي وَسَأَلَتْهُ [[في ت، س: "أسأله".]] حَاجَتَهُ فَكَانَتْ [حَاجَتُهُ] [[زيادة من ت، س.]] أَنْ أَجْعَلَ قَلْبَهُ يَخْشَانِي وَأَنْ أَجْعَلَ قَلْبَهُ يُحِبُّنِي لأهَبَنّ لَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ وَالَّتِي بَعْدَهَا، قَالَ: فَأَعْطَاهُ [اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] مَا أَعْطَاهُ وَفِي الْآخِرَةِ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ.
هَكَذَا أَوْرَدَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَارِيخِهِ [[تاريخ دمشق (٧/٥٦٩) "القسم المخطوط".]]
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ دَاوُدَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من ت، س، أ.]] أَنَّهُ قَالَ: "إِلَهِي كُنْ لِسُلَيْمَانَ كَمَا كُنْتَ لِي": فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ قُلْ لِسُلَيْمَانَ: يَكُونُ لِي كَمَا كُنْتَ لِي، أَكُونُ لَهُ كَمَا كنتُ لَكَ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا عَقَرَ سُلَيْمَانُ الْخَيْلَ غَضَبًا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ عَوَّضَهُ اللَّهُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَسْرَعُ الرِّيحُ الَّتِي غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ أَيْ: حَيْثُ أَرَادَ مِنَ الْبِلَادِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ أَيْ: مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَبْنِيَةِ الْهَائِلَةِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجَفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْبَشَرُ وَطَائِفَةٌ غَوَّاصُونَ فِي الْبِحَارِ يَسْتَخْرِجُونَ مِمَّا [[في ت: "ما".]] فِيهَا مِنَ اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ إِلَّا فِيهَا ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ﴾ أَيْ: مُوثَقُونَ فِي الْأَغْلَالِ وَالْأَكْبَالِ مِمَّنْ قَدْ تَمَرّد وَعَصَى وَامْتَنَعَ مِنَ الْعَمَلِ وَأَبَى أَوْ قَدْ أَسَاءَ فِي صنيعه واعتدى.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ مِنَ الْمُلْكِ التَّامِّ وَالسُّلْطَانِ الْكَامِلِ كَمَا سَأَلْتَنَا فَأَعْطِ مَنْ شِئْتَ وَاحْرِمْ مَنْ شِئْتَ، لَا حِسَابَ عَلَيْكَ، أَيْ: مَهْمَا فعلتَ فَهُوَ جَائِزٌ لَكَ احْكُمْ بِمَا شِئْتَ فَهُوَ صَوَابٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ [[في أ: "الصحيح".]] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا خُيِّر بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا -وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بَيْنَ النَّاسِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ-وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ بِلَا حِسَابٍ وَلَا جُنَاحٍ، اخْتَارَ الْمَنْزِلَةَ الْأُولَى بَعْدَ مَا اسْتَشَارَ جِبْرِيلَ فَقَالَ لَهُ: تَوَاضَعْ فَاخْتَارَ الْمَنْزِلَةَ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَرْفَعُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَعْلَى مَنْزِلَةً فِي الْمَعَادِ وَإِنْ كَانَتِ الْمَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ النُّبُوَّةُ مَعَ الْمُلْكِ عَظِيمَةً أَيْضًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَعْطَى سُلَيْمَانَ فِي الدُّنْيَا نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا، فَقَالَ: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَیۡمَـٰنَ وَأَلۡقَیۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِیِّهِۦ جَسَدࣰا ثُمَّ أَنَابَ","قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَهَبۡ لِی مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِی لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ","فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّیحَ تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦ رُخَاۤءً حَیۡثُ أَصَابَ","وَٱلشَّیَـٰطِینَ كُلَّ بَنَّاۤءࣲ وَغَوَّاصࣲ","وَءَاخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِی ٱلۡأَصۡفَادِ","هَـٰذَا عَطَاۤؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ","وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ"],"ayah":"فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّیحَ تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦ رُخَاۤءً حَیۡثُ أَصَابَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق