الباحث القرآني
الطالب: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص ٣٤ - ٤٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ هذه الجملة -كما هو معروف- مؤكدة بثلاثة مؤكدات؛ وهي القسم المقدَّر، واللام المؤكدة للقسم، ويسمونها موطئة للقسم، والثالث (قد).
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ أي اختبرناه، والضمير في ﴿فَتَنَّا﴾ يعود على الرب عز وجل، وجاء بضمير الجمع تعظيمًا لا تعديدًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى واحد لكن تارة يُعبِّر عن نفسه بلفظ الإفراد، وتارة يُعبِّر عن نفسه بلفظ الجمع.
يقول: سليمان هو ابن داود، ولم يُبيِّن الله سبحانه وتعالى هذه الفتنة، لا عينها، ولا نوعها؛ ولهذا ينبغي لنا أن نبهم ما أبهمه الله، ونُجمل ما أجمله، ونعلم أنه لو كان هناك فائدة لنا في تعيين ما أبهمه لذكره؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩]، فكل شيء فيه مصلحة فلا بد أن يُبَيِّنه الله عز وجل؛ ولهذا نقول: هذه الفتنة لو سألنا سائل: ما نوعها؟ وما عينها؟ قلنا: الله أعلم؛ لأن الله تعالى لم يُبَيِّنها لنا، ولم ترد في خبر معصوم، فوجب علينا أن نسكت، أما ما ذُكِرَ في هذا الموضع من الإسرائيليات فإنها إسرائيليات كاذبة، لا تليق بمقام النبوة، لكن الإسرائيليون أتوا بها؛ لأنهم لا يعتقدون أن داود وسليمان رسولان، يعتقدون أنهما ملكان، والملك يجوز عليه كل شيء.
يقول: (﴿فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ [ص ٣٤] ابتليناه بسلب ملكه) هذا بدأ المؤلف بالقصة الإسرائيلية (بسلْب ملكه؛ وذلك لتزوجه بامرأة هواها وكانت تعبد الصنم). نسأل الله العافية؛ يعني جعلوا داود وسليمان كليهما عِشِّيقين ليس لهما هَمٌّ إلا النساء، فداود كما مر علينا أنه أراد أن يتزوج امرأة شخص، وكان عند داود تسع وتسعون امرأة، فأراد أن يكمل المئة، أما سليمان فيقول: إنه هوى امرأة، تقول هذه القصة الكاذبة: إنه هوى امرأة وعشقها (وكانت تعبد الصنم في داره من غير علمه) إذن صارت الدار دار كُفْر وشِرْك بدون علمه، وهذا نقطع بأنه كذب؛ لأنه لو كانت هذه كافرة لبيَّن الله ذلك كما بين ذلك في امرأتي نوح ولوط.
قال: (وكان ملكه في خاتَمه، فنزعه عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته، فجاءها جني في صورة سليمان فأخذه منها). هذه القصة، (ملكه في خاتمه)، فإذا أراد دخول الخلاء نَزَعه، ولا أدري ما السبب في نزعه، لماذا ينزعه؟ اسم سليمان ليس فيه لفظ جلالة، ليس فيه اسم من أسماء الله حتى يقول قائل: إنه تحرز من أن يدخل بشيء فيه ذِكْر الله، وأيضًا يضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته.
هذا أيضًا يدل على كذب القصة؛ أولًا: كيف يكون الملك في الخاتم فقط؟! وثانيًا: إذا كان ملكه في خاتمه فهل يُمكن أن يُفرِّط فيه هذا التفريط ويلقيه عند امرأة؟ قد يقول قائل: إنها أمينة ولكن نقول: ما هو الدليل على هذا؟ فجاءها جني في صورة سليمان فأخذه منها، أخذ أيش؟ الخاتم، فلما أخذ الخاتم صار سليمان؛ لأن الملك يتبع هذا الخاتم.
قال الله تعالى: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ (هو ذلك الجني وهو صخر أو غيره) يعني اسمه (صخر أو غيره جلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير وغيرها، فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه وقال للناس: أنا سليمان. فأنكروه). مسكين، لما جاء وجد هذا الجني المسمى بصخر أو غيره على الكرسي، فجعل يقول للناس: أنا سليمان. يقولون: لا، لست سليمان، ارجع ورا، ليش؟ لأن سليمان هو الجالس على كرسي الملك، أما أنت فلست بسليمان، فماذا تكون حسرته؟ ستكون شديدة ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾.
والواقع أن هذه مسألة ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ بعض العلماء يقول: إنه شيطان، لكن بقطع النظر عن كون الملك في الخاتم، وأنه أعطاه امرأته، وأن الجني جاءها فأخذه منها، يقول: إن الله تعالى ألقى على كرسيه جسدًا؛ يعني في غيبة سليمان؛ لأن سليمان ليس دائمًا على الكرسي لكن الله سبحانه وتعالى سلط عليه شيطانًا جلس على الكرسي، وجعل يدبر الدولة، وسليمان لما جاء إلى مكان جلوسه وجده مشغولًا بهذا العفريت، وعجز عن إنزاله عن الكرسي، وعن تولي تدبير شؤون الدولة، فعرف أنه مفتون، وأن الله سلط عليه هذا الشيطان ليختبره سبحانه وتعالى، هذا قول لبعض العلماء، وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه شيطان، ولكن ابن عباس -كما هو معلوم- كان أخذ عن بني إسرائيل كثيرًا، وربما يكون هذا مما أخذه.
المهم هذا قول غير ما قال المؤلف، المؤلف يرى أن هذا القول حصل بسبب أن الْمُلك في الخاتم، وأن هذا الجني أخذه من المرأة المؤتمنة، وجلس على الكرسي وقال: أنا سليمان. هذه واحدة.
الثاني: أن الله سلط شيطانًا بدون أخذ الخاتم، وبدون التصور بالجني، سلَّط شيطانًا جلس على الكرسي وصار يدبر شؤون الدولة، وانتهب السلطان من سليمان؛ لأن سليمان ليس دائمًا على الكرسي.
القول الثالث: أن الجسد هو شِقُّ الولد الذي اختبر الله به سليمان حين قال: «لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً تَلِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨١٩)، ومسلم (١٦٥٤ / ٢٥) من حديث أبي هريرة.]]. حلف أن يطوف؛ يعني يجامع تسعين امرأة، وأن كل امرأة تلد غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل: إن شاء الله. فلم يقل: إن شاء الله اعتمادًا على ما في نفسه من العزم على تنفيذ ما أراد، فنفذ ما أراد، وجامع تسعين امرأة لكن ما أراده الله لم يتمكن منه، وهو أن تلد كل امرأة غلامًا يقاتل في سبيل الله، فولدت منهن واحدة شق إنسان؛ نصف إنسان؛ لأجل أن يعرف سليمان وغير سليمان أن الأمر بيد الله، وأنه لا يجوز أن يتألى أحد على ربه سبحانه وتعالى، يقول بعض المفسرين: إن هذا الولد هو الجسد؛ لأن هذا الولد ليس كامل التدبير، نصف إنسان، كيف يدبر؟ هذا هو الذي ألقي على الكرسي ففتن به سليمان.
القول الرابع: أن قوله: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ يعني به سليمان نفسه، ﴿فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ اختبرناه، ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ يعني ألقيناه هو على الكرسي جسدًا، والجسد هو الذي لا يُدبِّر، وليس عنده تفكير؛ يعني أن الله سَلَبَ من سليمان تفكيره الذي يُدبِّر به شؤون مملكته، فصار لا يحسن التدبير، ومن لا يحسن التدبير كالجسد بلا روح، فيكون المراد بالجسد مَنْ؟ سليمان نفسه، ويكون كأن الكلام: وألقيناه جسدًا على كرسيه لا يحسن التدبير، وهذا أيضًا قريب أن الله سبحانه وتعالى يسلب عن الإنسان عقله وتفكيره حتى يكون جسدًا بلا روح، ومن المعلوم أن مملكة عظيمة كمملكة سليمان إذا فُقِدَ منها المدبِّر سوف تتخلخل وتتزعزع، فهذه أربعة أقوال في معنى قوله: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾. أما ما ذكره المؤلف فهو باطل بلا شك، وأما ما ذُكِرَ من أنه الولد الشق فالظاهر أنه ضعيف، بقي عندنا قولان:
أحدها: أنه شيطان سُلِّط على كرسي سليمان فبقي فيه، وصار يدبر شؤون المملكة.
والثاني: أنه سليمان نفسه سَلَبَ الله منه التفكير وتدبير شؤون المملكة، فصار لا يحسن التدبير.
هذان القولان محتملان، أقربهما اللفظ الأول؛ أي أنه شيطان ألقي على الكرسي؛ لأن ﴿جَسَدًا﴾ هذه نكرة تقتضي أن يكون الملقى غير الملقى على كرسيه، ولكن الثاني أقرب من حيث المعنى؛ يعني أن الله سبحانه وتعالى إذا سَلَبَ الإنسان عقله وتفكيره وسلطته فهو بمنزلة الجسد.
على كل حال هذه الفتنة التي حصلت لسليمان بإلقاء الجسد على كرسيه، سواء أكان هو نفسه أم شيطانًا جلس على الكرسي. لا شك أنها فتنة عظيمة، ولا يتصورها أحد لم تمسه هذه الفتنة؛ لأن ما نسمع من الفتن والمصائب وغيرها نسمعها على أنها تمر علينا مرورًا ذهنيًّا وليس هذا كالذي يُباشر المصيبة أو القضية نفسها، سليمان لما وصل به الأمر إلى هذه الحال أناب إلى الله؛ لأن من طبيعة البشر إذا أُصِيب بمصيبة أن يحاسِب نفسه، أما قبل أن يُصاب فقد يغفل لكن إذا أُصِيب صار يحاسب نفسه، ورجع إلى الله حتى المشركون إذا ركبوا في الفلك وأصابتهم الأمواج التي يضرب بعضها ببعض يلجؤون إلى مَنْ؟ إلى الله سبحانه وتعالى يدعونه مُخلصين له الدين أن ينجيهم، فمن طبيعة البشر أن يعود إلى القوة التي يُمكنها أن تدفع عنه المصيبة التي نزلت به، ومَنْ خرج عن هذه الطبيعة، فقد يخرج عن الطبيعة أُناس كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون ٧٦] قد يخرج ناس عن هذه الطبيعة الفطرية فتصيبه المصائب والنكبات والعذاب، ولكن قلبه يكون قاسيًا لا يتأثر نسأل الله العافية.
قال: (﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ رجع سليمان إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه وجلس على كرسيه) هذا من أبعد ما يكون، تحريف لكلام الله عز وجل. ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ أي: رجع إلى ملكه؟! المتعيِّن أن المعنى أناب إلى الله؛ يعني عرف أن هذا الذي نزل به لأمر حدث منه، فرجع إلى الله، وأناب إليه، وأحسن التوبة، وأصلح العمل.
قال: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ هذا. ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ بدأ بطلب المغفرة قبل طلب الملك العظيم الذي لا ينبغي لأحد من بعده؛ وذلك لأن زوال أثر الذنوب هو الذي يحصل به المقصود، فالذنوب في الحقيقة تتراكم على القلب وتمنعه من كثير من مصالحه، فيسأل الإنسان التخلُّص من آثار هذه الذنوب قبل أن يسأل ما يريد.
﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ المغفرة مأخوذة من (الْمِغْفَر)، وهو الذي يُوضَع على الرأس لاتقاء السهام في حال القتال، وهو شيء من حديد يُسمَّى البيضة، فهو يقي الرأس، وفي نفس الوقت يستره؛ ولهذا نقول: إن مغفرة الذنوب سترُها عن الخلق، ومع التجاوز عن عقوبتها؛ يعني أنه جامع بين معنيين هما الستر، والتجاوز عن الذنب، أي: أن الله تعالى لا يُعاقِب عليه.
﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾ يعني أعطني مُلكًا ﴿لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ ﴿لَا يَنْبَغِي﴾ يعني لا يصلح أن يكون لأحد من بعدي، يعني ملكًا عظيمًا لا يفكر به أحد من بعدي، فغفر الله له، واستجاب له.
قال تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِي﴾ (أي سوايَ نحو ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾ [الجاثية ٢٣] أي سواه) يعني كأن المؤلف يقول: إن معنى قوله: ﴿مِنْ بَعْدِي﴾ أي سواي، وليس المراد من بعدي زمنًا بل لا ينبغي لأحد في زمني ومن بعد زمني، ولكن المراد بـ(البَعْد) هنا السِّوَى، واستشهد لذلك بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾، ومعلوم أنه لا أحد بعد الله، فالله هو الآخر الذي ليس بعده شيء لكن معنى ﴿مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾ أي: من سوى الله.
قال: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾، ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ هذه الجملة تعلُّقها بما قبلها أنها من باب التوسل لما سأل الله أن يهبه ملكًا توسل إلى الله بالاسم الذي يُناسب ما دعا به ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ وأنت في قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ يسميها العلماء ضمير الفصل، وتفيد ثلاثة أشياء: التوكيد، والحصر، والتمييز أو الفصل بين الصفة والخبر.
وقوله: ﴿الْوَهَّابُ﴾ صيغة مبالغة، وذلك لكثرة هِبَات الله، وكثرة من يهبه الله. كل ما في الخلْق من نعمة فهو هِبة من الله، وما أكثر النِّعم على الإنسان نفسه، وما أكثر الإنسان الذي أنعم الله عليه؛ ولهذا جاءت صيغة المبالغة ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
قال الله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ﴾ الفاء للسببية من وجه، وللتعقيب من وجْه آخر، أي: فبسبب دعائه وفور دعائه ليش قدرناها بسبب؟ لأن الفاء للسببية. فور دعائه؛ لأنها للتعقيب، يعني فلما دعا استجاب الله له ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ﴾ يعني ذللناها له، ذللنا الريح له، والريح الهواء.
يقول: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ ﴿تَجْرِي﴾ أي تسير. ﴿بِأَمْرِهِ﴾ أي: على وفق أمره. ﴿رُخَاءً﴾ أي (لينة) ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ يعني: (حيث أراد). وحَيْثُ ظرف متعلقة بقوله: ﴿تَجْرِي﴾ يعني تجري إلى الجهة التي أرادها ﴿رُخَاءً﴾ يعني لينة في سيرها وهبوبها، لينة في طاعتها ما تستعصي، لو كانت الريح جنوبًا الآن مثلًا وهو يريد أن يذهب إلى الجنوب، يأمرها أن تهب شمالًا فتهب شمالًا ويمشي عليها. ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾ حتى لو كان الاتجاه السائد للريح جنوبًا، وأمرها أن تكون شرقًا اتجهت شرقًا، تكون شمالًا اتجهت شمالًا، تمشي حيث أراد.
وقوله عز وجل: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ قد يقول قائل: ما الجمع بين قوله: ﴿رُخَاءً﴾ وقوله في آية أخرى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأنبياء ٨١] للعالمين؟
والجواب: أن الجمع بينهما سهل، فهي رخاء يعني ليس فيها زعزعة، وهي عاصفة سريعة، فالمراد بالعصف في قوله ﴿عَاصِفَةً﴾ أي أنها سريعة ليست بطيئة؛ لأن غدوها شهر ورواحها شهر يعني تمشي في الصباح، ولا يأتي زوال الشمس إلا وقد قَطَعَتْ مسافة شهر، وبعد الزوال تمشي ولا يأتي الغروب إلا وقد قطعت مسافة شهر، وكيف ذلك؟ يعني هل تطير به نفسه؟ لا، قال أهل العلم: إنه يضع شيئًا كالبساط، يضعه على الأرض، ويجلس هو وحاشيته على هذا البساط، ثم يأمر الريح فتحمله، فيطير بين السماء والأرض، ومع ذلك هو رخاء، وكان المتبادر أن مثل هذا الطيران يُزعج الراكبين على هذا البساط، ولكن الله تعالى جعلها رخاء رخية كأنها لا تسير كأنهم لا يطيرون فليس فيه إزعاج، وهذا من آيات الله قال: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ أي: حيثُ أراد.
وقوله عز وجل: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾ [ص 36] قد يقول قائل: ما الجمع بين قوله: ﴿رُخَاءً﴾ وقوله في آية أخرى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء 81]؟
والجواب أن الجمع بينهما سهل؛ فهي رخاء يعني ليس فيها زعزعة، وهي عاصفة سريعة، فالمراد بالعصف في قوله: ﴿عَاصِفَةً﴾ أي أنها سريعة ليست بطيئة؛ لأن غدوها شهر ورواحها شهر؛ يعني تمشي في الصباح ولا يأتي زوال الشمس إلا وقد قطعت مسافة شهر، وبعد الزوال تمشي ولا يأتي الغروب إلا وقد قطعت مسافة شهر، وكيف ذلك؟ يعني: هل تطير به نفسه؟
لا، قال أهل العلم: إنه يضع شيئًا كالبساط يضعه على الأرض ويجلس هو وحاشيته على هذا البساط ثم يأمر الريح فتحمله فيطير بين السماء والأرض، ومع ذلك هو رخاء، وكان المتبادر أن مثل هذا الطيران يزعج الراكبين على هذا البساط، ولكن الله تعالى جعلها رخاء رَخِيَّة كأنها لا تسير، كأنهم لا يطيرون فليس فيه إزعاج وهذا من آيات الله.
قال: ﴿حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص 36] أي: حيث أراد؛ يعني إلى الصوب الذي يريده أي جهة، هذا واحد وهذا لم يحصل لغيره فيما نعلم ما حصل لرسول لا ملك من الملوك أنه يأمر الريح فتسير حيث أراد.
ثانيًا: قال: ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ [ص 37] يعني: وسخرنا له الشياطين، والشياطين جمع شيطان وهم عفاريت الجن.
سخر له (﴿كُلَّ بَنَّاءٍ﴾ يبني الأبنية العجيبة ﴿وَغَوَّاصٍ﴾ [ص 37] في البحر يستخرج اللؤلؤ ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ﴾ [ص 38] منهم مشدودين في ﴿الْأَصْفَادِ﴾ [ص 38] القيود بجمع أيديهم إلى أعناقهم) إلى آخره.
سخر الله له الشياطين ذَلَّلَها له تمتثل بأمره وقد صنفهم ورتَّبَهم حسب قدراتهم واختصاصاتهم؛ منهم من يبنون له البنايات الشامخة العجيبة ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ 13] هذا قسم، قسم آخر غوَّاصٌ يغوصون في البحار يأتون له بأنواع اللؤلؤ والمرجان والدرر وغيرها، كل ما يريد يغوصون ويأتون له ما يريد. فيه قوم مردة من الشياطين يؤذون الناس وربما يتمردون عليه فيعصونه هؤلاء يُقَرِّنُهم في الأصفاد يَشُدُّ أيديهم إلى أعناقهم ويحبسهم في الأصفاد.
قد يقول قائل: هل هذا من التسخير؟ نقول: نعم، هذا من التسخير؛ أن الله جعل له سلطة عليهم فالله تعالى جعلهم يعصونه ويتمردون عليه أو يؤذون مَنْ في مملكته من أجل أن يعمل بهم هذا العذاب حتى يتبين بذلك كمال سلطانه على هؤلاء الشياطين؛ لأنه لا يُعْرَف تمام السلطان إلا بمثل هذه الأشياء؛ يعني إلا بإنزال العقوبات على المتمردين، أما إذا كان السلطان رخيًّا يداهن في المتمردين، فإن هذا يدل على أيش؟ على ضعف السلطان وأنه ليس عنده قدرة على تدبير مملكته، فسليمان جعل الله تعالى هؤلاء يتمردون عليه أو يؤذون مَنْ في مملكته لأجل أن يُنْزِلَ بهم بطشه ويُعْرَف أنه قوي وذو سلطة وسيطرة على هؤلاء الجن، ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾.
قال الله تعالى: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا﴾ [ص 39] ﴿هَذَا﴾ المشار إليه ما سخر الله له من الريح والسلطة على الشياطين.
﴿عَطَاؤُنَا﴾ يعني الذي أعطيناك إياه؛ لأنه قال: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص 35] فأعطاه الله هذا العطاء، والذي فهمنا مما أعطاه الآن تسخير الريح وتسخير الشياطين.
(﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ﴾ أعط منه مَنْ شئت ﴿أَوْ أَمْسِكْ﴾ عن الإعطاء ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي: لا حساب عليك في ذلك).
أعطاه الله تعالى هذا الملك، وقال له: أنت بالخيار؛ امنُنْ على مَنْ شئتَ وأمسك المنة عمن شئت، ولا حساب عليك في ذلك، وهذا من التخيير المطلق في التصرف، وسيأتينا إن شاء الله تعالى في بيان الفوائد أن التخيير قد يكون مطلقًا وقد يكون مقيدًا في بعض الأشياء ففي خصال الكفارة مثلًا تخيير لكن مطلق أو مقيد؟ مقيد بين أشياء معينة وهناك تخيير مطلق يقول: افعل ما شئت واترك ما شئت، هذا التخيير المطلق هو الذي حصل لسليمان عليه الصلاة والسلام.
ثم قال: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ لَمَّا ذكر الله ما مَنَّ عليه في الدنيا ذكر ما مَنَّ عليه في الآخرة، وهو أن له عند الله مرتبة عالية زلفى قريبة من الله.
﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أي: حُسْنَ مرجع؛ لأن مرجعه إلى الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
هنا ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى﴾ ذكرنا فيما سبق أن العندية المضافة إلى الله تنقسم إلى؟
* طلبة: قسمين.
* الشيخ: ما هي؟ عندية الصفة وعندية القرب، عندية القرب مثل هذه الآية، عندية الصفة مثل قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام 59] فإن هذه عندية الصفة، أما عندية القرب فتكون منفصلة عن الله يكون الشيء عند الله أي: قريب منه.
وقول: ﴿لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ الزلفى يعني القربى؛ لأن أعلى مراتب الخلق هم الأنبياء ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء 69].
* طالب: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ [ص 37]، والكل (...) كلهم وآخرين بعضه هذا يدل على (...).
* الشيخ: لا، ﴿كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ هذه بالنسبة للبنائين والغواصين وآخرين غير هؤلاء.
* الطالب: يعني كل (...).
* الشيخ: بإجبار البعض، الشياطين قسَّمهم الله قسمين: قسم بناء وغواص، وقسم آخر غيرهم ﴿وَآخَرِينَ﴾؛ لأن آخر معناه مغاير آخر بالفتح يعني مغاير.
* الطالب: يعني كل من القسم الأول.
* الشيخ: من القسم الأول.
* الطالب: يعني (...) كل من القسم الأول.
* الشيخ: نعم، القسم الأول كل بناء.
* الطالب: القسم الثاني.
* الشيخ: نعم (...).
* * *
* الطالب: (...) ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص 41 - 44].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص 34]، ما المراد بهذه الفتنة؟
* طالب: هذه الفتنة فيها أربعة أقوال، بعض أهل العلم قال: إن سليمان عليه الصلاة والسلام حينما أراد أن (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: الفتنة اختبار.
* طالب آخر: مراده بالفتنة هذا ما بين الله تبارك وتعالى وعلينا السكوت فيه.
* الشيخ: تمام، أحسنت (...) ﴿فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ إذا قيل: ما هذه الفتنة -والله أعلم- ما نعلم.
قوله: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ﴾ ما المراد بهذه الجملة؟
* طالب: هذا الجملة المراد فيها أربعة أقوال: القول الأول على قول المؤلف أنه كان سليمان له امرأة (...) وكانت تعبد صنمًا في بيته، وكان عنده خاتم فعندما دخل الخلاء وضع الخاتم عندها فأتى الشيطان (...).
والقول الثاني: أنه حلف عليه السلام أنه ليطوفن على تسعين أو مئة امرأة ويأتي منها بغلام طفل أو برجل يجاهد في سبيل الله.
* الشيخ: كيف؟ حلف أن يطوف على تسعين امرأة تلد كل واحدة غلامًا يجاهد في سبيل الله.
* الطالب: فلم يُولد له إلا شق رجل. قالوا: هو المقصود (...).
القول الثالث: أنه ألقي شيطان على كرسي سليمان بغض النظر عن القصة اللي ذكرها المؤلف.
القول الرابع: أن سليمان ألقي على كرسيه، ولكنه أخذ منه تدبير الملك..
* الشيخ: والسلطان.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: أحسنت، قوله: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ ما معنى أناب؟
* طالب: ﴿أَنَابَ﴾ أي: يرجع.
* الشيخ: إلى أي شيء؟
* الطالب: قال المؤلف: راجع إلى ملكه (...) الصحيح أنه راجع إلى الله سبحانه وتعالى (...).
* الشيخ: قال: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾، ما معنى ﴿لَا يَنْبَغِي﴾؟
* طالب: ﴿لَا يَنْبَغِي﴾ أي: لا يكون.
* الشيخ: أي: لا يكون، وما المراد بقوله: ﴿مِنْ بَعْدِي﴾ هل هي الـ(بعدَ) الزمنية أو الـ(بعدَ) الشخصية؟
* الطالب: لا، سواى؛ الشخصية.
* الشيخ: سواى. هل لديك شاهد على أن (بعد) تأتي بمعنى سوى؟
* الطالب: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾ [الجاثية 23].
* الشيخ: قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾ [الجاثية 23] هذه ليست (بعدَ) الزمنية؛ لأن الله هو الذي ليس بعده شيء، أي: سوى الله.
ما موقع قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ بما قبلها؟
* طالب: جملة تعليلية.
* الشيخ: تعليلية؛ يعني: إنما سألتك يا رب أن تهبني لأنك أنت الوهاب.
﴿الْوَهَّابُ﴾ هنا صيغة مبالغة أو نسبة؟
* طالب: صيغة مبالغة؟
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: والموهوب له أيضًا.
* الطالب: كثيرون.
* الشيخ: كثيرون. قوله: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً﴾؟
* طالب: ﴿رُخَاءً﴾ يعني لينة.
* الشيخ: لينة.
* الطالب: ليس فيها زعزعة.
* الشيخ: بارك الله فيك، كيف تجمع بين هذا وبين قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً﴾ [الأنبياء 81]؟
* الطالب: هناك بمعناه سريع.
* الشيخ: بمعنى سريع.
* الطالب: وهنا بمعنى لينة ليس (...) يعني ليست هي سريعًا وليست هي زعزعة ولا..
* الشيخ: إذن تكون رخاء وهي سريعة.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: بارك الله فيك. قوله: ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ ما الذي نصبها؟
* طالب: سخَّر له الشياطين.
* الشيخ: يعني: ما الذي نصبه؟
* الطالب: معطوفة.
* الشيخ: على أيش؟
* الطالب: على الريح.
* الشيخ: على الريح. ﴿كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ﴾ [ص 37، 38] كم قَسَّم الله الشياطين بالنسبة له؟
* الطالب: ثلاثة أقسام: بناء، وغواص، وآخرين مُقَرَّنين في الأصفاد.
* الشيخ: هؤلاء المقرنون لماذا كانوا مُقَرَّنِين؟
* طالب: لأنهم متمردون.
* الشيخ: يتمردون عليه.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: ما الفائدة من ذكر هذا؟ لأن تَمَرُّدَهم عليه قد يقال فيه: إن هذا دليل على ضعف سلطانه؟
* الطالب: نقول: هذا مما (...) سلطانه قوة.
* الشيخ: هذا مما يدل على قوة سلطانه، وأن المتمرد منهم ليس له إلا هذا الجزاء.
* الطالب: (...).
* الشيخ: قوله: ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ﴾ معناها؟
* طالب: ﴿فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ﴾ المن معناه (...)، و﴿أَمْسِكْ﴾ معناه: احبس أو امنع.
* الشيخ: إي نعم، يعني أن الله خَيَّره بين؟
* الطالب: بين الإعطاء وكثرة الإعطاء أو أنه يحجز أو يمنع (...).
* الشيخ: وهذا كناية على أن الله أعطاه ملكًا مطلقًا يفعل فيه ما يشاء.
ما الفائدة من قوله: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾؟
* طالب: الله عز وجل لما ذكر منزلته في الدنيا (...) وما تَفَضَّل عليه ذكر منزلته في الآخرة.
* الشيخ: صح لئلَّا يظن أن هذا الملك في الدنيا ينافي ثواب الآخرة.
* * *
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [ص 34].
* من فوائد هذه الآية: أن الله سبحانه وتعالى قد يختبر عباده المصطفين عنده بما شاء من اختبار وينبغي كما قلنا في التفسير أن نُبْهِمَ ما أبهمه الله وألا نبحث عنه بالتكلف الذي يفعله بعض الناس.
* ومن فوائدها: أن لسليمان كرسيًّا يجلس عليه كما يجلس الملوك؛ لأن الله جمع له بين النبوة والملك.
* ومن فوائدها: أن الإنسان قد يُسْلَب بعض النعم؛ إما جزاء على عمل عمله واستحق عليه أن يُسْلَب بعض النعم، وإما من أجل أن يترقى إلى درجة الصابرين؛ لأن الصبر درجة عالية لا ينال إلا بأسباب الصبر فمثلًا الصبر ثلاثة أقسام على طاعة الله وعن معصيته وعلى أقداره؛ أما الصبر على الطاعة وعن المعصية فهي باختيار الإنسان، وأما على أقدار الله فالأقدار بغير اختياره فقد يبتلي الله العبد بأقدار تحتاج إلى صبر ومصابرة من أجل أن يستكمل مراتب الصبر ومنه إلقاء الجسد على كرسي سليمان.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا بد أن يرجعوا إلى الله وينتبهوا؛ لقوله: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ بخلاف غيرهم فإنهم قد يُبْتَلون بالذنوب ولا يرجعوا منها، وهذا هو الفرق بين الأنبياء وغيرهم أن الأنبياء معصومون من الاستمرار في المعاصي، وأما غيرهم فلا، هذا الفرق. ما هو الفرق اللي ذكرته الآن؟
* طالب: الأنبياء معصومون من المعاصي.
* الشيخ: لا.
* طالب: من الاستمرار في المعاصي.
* الشيخ: من الاستمرار في المعاصي بخلاف غيرهم فإن الإنسان يُبتَلى بالمعصية ولا يُوَفَّق للتوبة منها.
* ومن فوائد هذه الآية: أن مسلوب التصرف والسلطة كأنه جسد بلا روح؛ لقوله: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ وهذا على أحد الأقوال الأربعة التي ذكرناها.
ثم قال عز وجل: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي﴾ [ص 35] إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مَعْنِيُّون أكثر بأمور الآخرة؛ ولهذا طلب من الله المغفرة قبل أن يطلب الملك.
* ومن فوائدها: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محتاجون إلى مغفرة الله؛ لقوله: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾.
* ومن فوائدها: أنهم مربوبون وليسوا أربابًا؛ لقوله: ﴿رَبِّ اغْفِرْ﴾.
* ومن فوائدها: جواز الذنوب على الأنبياء، تؤخذ منين؟
* طالب: من قوله: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ وجه ذلك؟
* طالب: أنه كان استغفر من ذنب فعله.
* الشيخ: لأنه لولا أن يكون هناك ذنب لما استغفر.
* ومن فوائد الآية: جواز طلب الإنسان الملك؛ أن تسأل الله أن يملكك شيئًا؛ لقوله: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا﴾، ولكن يُشْتَرط في هذا أن يكون لدى الإنسان استعداد للقيام بما سأل، أما أن يقول: رب هب لي ملكًا وهو بنيته أن يضيعه فإن هذا لا يجوز.
وقد اختلف أهل العلم في جواز سؤال الإمارة؛ هل يجوز للإنسان أن يسأل الإمارة أو القضاء أو ما أشبهها من الولايات؟
فمنهم من قال: إن ذلك جائز ومنهم من قال: إنه محرم، ومنهم من فَصَّل. أما من قال: إنه جائز فاستدلوا بقصة يوسف حيث قال لملك مصر: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف 55] فسأل الولاية، وشرع مَنْ قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه واستدلوا بحديث عثمان بن أبي العاص حين قال للنبي ﷺ اجعلني إمام قومي قال: «أَنْتَ إِمَامُهُمْ»[[أخرجه أبو داود (531)، والنسائي (672) من حديث عثمان بن عفان.]]، وأما من منع ذلك فاستدلوا بحديث عبد الرحمن بن سمرة أن النبي ﷺ قال له: «لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (6622)، ومسلم (1652 / 19) من حديث عبد الرحمن بن سمرة.]] فنهاه النبي ﷺ أن يسأل الإمارة وبيَّن له السبب بأن من أعطيها عن مسألة وُكِلَ إليها ولم يعنه الله ومن أتته بدون مسألة أعانه الله عليها واستدلوا أيضًا بأن رجل طلب من رسول الله أن يكون عاملًا فقال: «إِنَا لَا نُوَلِّي هَذَا الْأَمْرَ أَحَدًا سَأَلَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (2261)، ومسلم (1733 / 14) من حديث أبي موسى الأشعري.]] وهذا يدل على أنه لا يسأل، وأن مَنْ سأل فليس أهلًا لأن يُوَلَّى.
وفصَّل آخرون فقالوا: إن سألها لإصلاح ما فسد منها، فإن ذلك جائز إذا علم من نفسه القدرة، وإلا فلا يجوز؛ لأن السلامة للإنسان أسلم. وهذا القول التفصيلي هو الصحيح؛ لأن به تجتمع الأدلة، فإن الإنسان مثلًا إذا رأى ولاية قام عليها شخصٌ ليس أهلًا لها إما في دينه أو أمانته وتصرفه، إما في دينه أو تصرفه وهو يعلم من نفسه القدرة على القيام بها على أحسن وجه أو على الأقل على وجه أحسن مما كانت عليه فلا بأس أن يسألها؛ لأن غرضه بذلك غرض شخصي أو غرض عملي وإصلاحي؟ عملي وإصلاحي، ما قصد الشخص، أما إذا كان ليس هناك سبب أو كان الإنسان يعرف من نفسه أنه ضعيف لا يستطيع القيام بها فإنه لا يسأل ولا يجوز أن يسأل.
* ومن فوائد هذه الآية: أن سليمان عليه الصلاة والسلام سأل الله مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعده أي ملكًا لا يغلبه عليه أحد، وليس المعنى لا يناله أحد من بعد موته، هذا على أحد القولين، وهو الذي مشى عليه المؤلف، وبناء عليه يحصل الجواب عما قيل: إن قوله: ﴿لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ يدل على أن سليمان حَسود بخيل وإلا فلماذا يتحجر واسعًا ويريد أن يَقْصُر الملك على نفسه.
والقول الثاني أن المراد ﴿لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ أي: من بعدي في الزمن متأخرًا كما ذكرنا في التفسير، وقلنا: إن هذا يؤيده قوله عليه الصلاة والسلام حين تفلت عليه عفريت وهو يصلي وأراد أن يمسكه وأن يربطه بسارية المسجد يلعب به صبيان أهل المدينة قال: «لَوْلَا أَنِّي ذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ لَفَعَلْتُ»[[متفق عليه؛ البخاري (461)، ومسلم (541 / 39) من حديث أبي هريرة.]] فهذا يدل على أن المراد من بعدي أيش؟ زمنًا فيرجح أن يكون سليمان عليه الصلاة والسلام سأل ملكًا عظيمًا لا يكون لأحد من بعده؛ وبناء على هذا القول يحصل الإشكال، لماذا تحجر هذا الملك؟ فكيف يجاب عنه؟
قد نقول: إن القول الأول أصح وأن النبي ﷺ ترك ذلك تورعًا؛ لأنه خاف أن يكون مراد سليمان أيش؟ لا ينبغي لأحد من بعدي زمنا، فترك هذا من باب التورع لكن هذا الجواب فيه أيضًا بعض الشيء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا فسَّر الآية بشيء أو أتى بشيء يقتضي تفسيرها على وجه ما فإنه لا شك أولى من الاحتمال الآخر أن يكون المراد ﴿مِنْ بَعْدِي﴾ أي: من سواي، والله أعلم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على الله تعالى بأنه وهاب يعطي العطاء الكثير.
* ومن فوائدها: التوسل إلى الله تعالى في الدعاء بالاسم المناسب لما يدعو به؛ لأن قوله: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ يناسب قوله: ﴿وَهَبْ لِي﴾ وهذا هو أحد معاني قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف 180]؛ لأن أحد معانيها أن تجعلها وسيلة لما تدعو به فإذا أردت أن تسأل المغفرة تقول: يا غفور. أو الرحمة: يا رحيم وهكذا.
ثم قال الله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ إلى آخره [ص: 36].
* من فوائدها: بيان قدرة الله عز وجل وتمام سلطانه حيث سخَّر الريح وذللها.
* ومن فوائدها: عموم سلطان الله على الجماد والحي وغير ذلك؛ لأنه أمر الريح، والريح جماد فامتثلت.
* ومن فوائدها: أن الله تعالى قد يسخر شيئًا من الكون لعبد من عباده كما سخر الريح لسليمان فإنه من الجائز أن يسخرها لغيره إذا دعي.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الرياح لها شعور واختيار؛ لقوله: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾؛ لأنه إذا كان يأمرها وتشعر بالأمر، ثم تمتثل فهو دليل على أن لها شعورًا ولها إرادة، وهكذا كل شيء في الكون له شعور وله إرادة بحسب ما يليق به لقول الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [الإسراء 44]، ولا تسبيح إلا بإرادة ولا تسبيح إلا بشعور بعظمة المسبح.
ومن هنا نرد على من قالوا: إن المراد بقوله تعالى: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف 77] أنه مجاز لأننا نقول لهم: ما الذي يمنع من إرادة الجدار، الجدار له إرادة لكنها ليست كإرادة البشر أو إرادة الحيوان المتحرك الذي يتحرك بالإرادة، لكن له إرادة وهو ساكن لا يتحرك.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هذه الريح المسخرة تجري بسهولة ولين ليس بعصف مقلق كما هي عادة الرياح، عادة الرياح العاصفة كما تعرفون مقلقة لكن هذه غير مقلقة رخاء لينة سهلة كأنما هم على سطح.
* ومن فوائد هذه الآية: أن من ترك شيئًا لله عَوَّضه الله خيرًا منه؛ لأن كثيرًا من المفسرين جعلوا تسخير الريح لسليمان تنقله حيث شاء عوضًا عن الخيل التي أتلفها غضبًا لله عز وجل حينما ألهته عن ذكر الله، وهذا قد يكون حقيقة أن هذا الذي أعطاه الله من (...) كان جزاء له على فعله بالخيل، ولا شك أن مَنْ ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه، وهذا يقع كثيرًا في مسائل عديدة، وإذا أردت أن تطبق هذا على نفسك فجرب.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هذه الريح تتجه حيث أراد سليمان ولو كانت في الأصل على وجه آخر يعني بمعنى إذا كانت الريح جنوبية وأراد هو أن يذهب إلى الجنوب فإنه يأمرها أن تكون؟
* طلبة: شمالية..
* الشيخ: الريح جنوبية، وهو يريد الجنوب فيأمرها أن تكون شمالية لتحمله إلى الجنوب، لو أمرها أن تكون جنوبية ردته إلى الشمال.
ثم قال تعالى: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾ إلى آخره [ص: 37].
* في هذا أيضًا: بيان ما بسط الله لسليمان من السلطان حيث كانت الشياطين المؤذية لبني آدم مسخرة له على هذا الوجه العظيم وهذا التقسيم.
* ومن فوائدها؛ أي فوائد الآية: حسن تدبير سليمان حيث وزع هذا الجند من الشياطين حسب ما يليق بهم فمنهم البناء ومنهم الغواص.
* ومن فوائدها: جواز تفخيم الأبنية وتكثيرها..
* طلبة: لأن ﴿بَنَّاءٍ﴾ صيغة مبالغة.
* الشيخ: لأن ﴿بَنَّاءٍ﴾ صيغة مبالغة، وبناء تبنيه الشياطين لا بد أن يكون فخمًا محكمًا، ولكن هل يقال: إن هذا كان في شريعة سليمان؛ لأنه مَلِك يحتاج إلى أُبَّهَةٍ وعظمة وإظهار قوة وإظهار غنى وإظهار سلطة، وأما عامة الناس فلا؛ ولهذا جاءت شريعتنا بذم مَنْ يجعل ماله في البناء؟ وربما يقال: إنه يُفَرَّق بين الملك ذو السلطان وبين غيره؛ لأن إظهار الملك السلطان نفسه بمظهر العظمة أمام أعدائه لا شك أن هذا أمر مطلوب.
ويُذْكَر أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان أميرًا على الشام في إمارة عمر بن الخطاب، وكان معاوية إذا أتى الإنسان إليه يجد حجابًا وحُرَّاسًا وشيئًا من الأبهة، وإذا جاء إلى الخليفة الذي فوقه يجد أمرًا بخلاف ذلك يجد رداءًا مُرَقَّعًا وإزارًا مُرَقَّعًا وشخصًا ينام في المسجد يُكَوِّم كتلة من الحصباء ويتوسَّدها وليس بين يديه حاجب ولا حوله جنود، فيتعجب؛ كيف أمير.. هذا الرجل بهذه الأبهة وهذا الخليفة الذي فوقه بهذا الضعف والتواضع؟!
لكن أجاب العلماء عن ذلك بأن معاوية رضي الله عنه كان في بلاد الشام وكانوا لا يخضعون لأمرائهم وسلاطينهم إلا إذا كانوا أمامهم على وجه فيه أبهة وعظمة فرأى معاوية رضي الله عنه أن من المناسب للحال أن يكرم نفسه غاية التكريم وليس قصده أن يتعاظم، والدليل على هذا أنه لما أتاه كتاب عمر أظنه في كسرة عظم في قصة اليهودي الذي أُدْخِل بيته في بيت المال بعد أن أُعْطِيَ عنه عوضًا كثيرًا فرأى أن ذلك ظلم فركب إلى عمر في المدينة يشكو معاوية يقول: إن معاوية غصبني وأخذ بيتي وأدخله في بيت المال، يعني معناه يجعلون بيتًا لبيت المال. فكتب عمر إلى معاوية يأمره بأن يرد إليه بيته، فلما جاءه الكتاب أخذه -كما يقال- معاوية ووضعه على رأسه تعظيمًا للكتاب، وقال لليهودي: الآن افعل ما تشاء؛ تريد أن نعيد إليك بيتك ونبنيه بأحسن، تريد أن تأخذ القيمة، فلما رأى هذا الأمر انبهر كيف معاوية يفعل في كتاب عمر هذا الفعل فتشهَّد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وقال: بيتي لبيت مال المسلمين. لما رأى العدل انبهر.
فالمهم أن نقول: قد يكون سليمان عليه الصلاة والسلام أراد بهذا العمل أن يظهر قوة سلطانه وعظمته أمام أعدائه، وأن يفصل بين ما يكون فيه غرض مقصود وما ليس فيه غرض؛ فالإنسان العامي لا يُشْرَع له أن يذهب ماله ببناء القصور وتفخيمها. وذو السلطة الذي يريد أن يظهر سلطته ليكون مهيبًا أمام الناس حتى يتم له الأمر لا حرج عليه في هذا.
* طالب: (...) يجب أو ينبغي لمن يُسْلَب منه الملك (...) أن يجب عليه الصبر أو ينبغي له الصبر والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى (...).
* الشيخ: نعم (...) ملكه.
* طالب: قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ﴾ ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ فالشياطين إذا سخرها الله تبارك وتعالى له في البناء والغواص وكذلك البواقي مربوطون هل يوسوس للناس في زمانه ولَّا لا..؟
* الشيخ: سمعتم سؤاله؟ يقول: مثلًا إذا كان الشياطين عند سليمان بعضهم يبني وبعضهم يغوص وبعضهم مُقَرَّن في الأصفاد: معناها الناس لا يعصون الله؛ لأن ما عندهم شياطين، كذا؟
نقول: ما هو لازم، الشياطين كثيرون جدًّا، والمراد الجنس، (أل) هنا في قوله: ﴿وَالشَّيَاطِينَ﴾ ليست للاستغراق المراد الجنس؛ يعني: الشياطين اللي عنده قسمهم هذا التقسيم.
* طالب: بارك الله فيك، قول عيسى عليه السلام (...).
* * *
* الطالب: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص 39 - 47].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى في بقية قصة سليمان: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص 39].
قال الله تعالى: ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ [ص 37، 38] سبق لنا أن قلنا: إن في الآية دليلًا على كمال ملك سليمان وسلطانه وتنظيمه لعمله وعماله حيث جعل لكل طائفة ما يختص بها من العمل فمنهم البناء ومنهم الغواص، ومن تمام سلطانه أن العاصي منهم المتمرد قد صَفَّدَهُ وقرَّنَهُ مما يدل على عقوبة هؤلاء المخالفين.
* ومن فوائدها: جواز التعزير بمثل هذا العمل أي بالشدِّ والغَلِّ وذلك أي بالشد والغل؛ وذلك أن التعزير لا يختص بعقوبة معينة؛ لأن المقصود به الإصلاح، فأي عقوبة كان بها الإصلاح فهي الواجبة، قد يكون التعزير بالضرب وبالحبس وبالحرمان من بعض الحقوق وبالتغريم المالي وبالتوبيخ أمام الناس، المهم أن التعزير يقصد به الإصلاح، فأي طريق كان به الإصلاح كان به التعزير.
* ومن فوائد هذه الآيات في قصة سليمان: إن الله تعالى أباح لسليمان العطاء والإمساك كما يشاء بدون أن يحاسبه عليه، ولكننا نعلم أن سليمان لن يتجرأ على الإعطاء في معصية الله، ولا عن الإمساك عما أوجب الله لأنه نبي من الأنبياء لا يُقَرُّ على خطأ، فتكون الإباحة هنا في الأشياء التي يباح له فعلها أو التقوى، ويكون هذا من باب التوسعة الصريحة له بأن يمسك أو يعطي.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الله لما ذكر أن أنعم عليهم في هذه الدنيا وكان الواهم قد يتوهم أن ذلك يُنْقِص من ثوابه في الآخرة بَيَّن أن ثوابه في الآخرة لا ينقص بهذا العطاء الذي أعطيه في الدنيا فقال: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص 40].
* ومن فوائد الآية هذه؛ الأخيرة: أن الناس يختلفون في القرب من الله؛ لقوله: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى﴾ وأقربهم من الله جوارًا يوم القيامة، أقربهم منه عبادة في الدنيا فكلما كان الإنسان في الدنيا أقوم بطاعة الله وأقرب إلى الله كان في الآخرة كذلك؛ لأن الجزاء من جنس العمل، أليس كذلك؟ ما الذي قلت؟
* طالب: الجزاء من جنس العمل.
* الشيخ: وقبلها؟
* الطالب: الذي هو قريب إلى الله في الدنيا بالعبادة من باب أولى أن يكون قريب منه..
* الشيخ: فإنه يكون قريبًا منه في الثواب يوم القيامة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن ينظر إلى مآبه ومآله هل هو حسن أو سيء حتى إن كان سيئًا سعى في إصلاحه، وإن كان حسنًا حَمِدَ الله وازداد من فضل الله.
{"ayahs_start":34,"ayahs":["وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَیۡمَـٰنَ وَأَلۡقَیۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِیِّهِۦ جَسَدࣰا ثُمَّ أَنَابَ","قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَهَبۡ لِی مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِی لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ","فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّیحَ تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦ رُخَاۤءً حَیۡثُ أَصَابَ","وَٱلشَّیَـٰطِینَ كُلَّ بَنَّاۤءࣲ وَغَوَّاصࣲ","وَءَاخَرِینَ مُقَرَّنِینَ فِی ٱلۡأَصۡفَادِ","هَـٰذَا عَطَاۤؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ","وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ"],"ayah":"فَسَخَّرۡنَا لَهُ ٱلرِّیحَ تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦ رُخَاۤءً حَیۡثُ أَصَابَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق