الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: فَسَدِّدْ وَجْهَكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لَكَ، مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هَدَاكَ اللَّهُ لَهَا، وَكَمَّلَهَا لَكَ غَايَةَ الْكَمَالِ، وَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ لَازِمْ فِطْرَتَكَ السَّلِيمَةَ، الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى فَطَرَ خَلْقَهُ عَلَى [مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٧٢] ، وَفِي الْحَدِيثِ: "إني خلقت عِبَادِي حُنَفاء، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ". وَسَنَذْكُرُ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَرَ خَلْقَهُ عَلَى] [[زيادة من ت، أ.]] الْإِسْلَامِ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَى بَعْضِهِمُ الْأَدْيَانُ الْفَاسِدَةُ كَالْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوِ الْمَجُوسِيَّةِ [[في ت، ف: "والنصرانية والمجوسية".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ لَا تُبَدِّلُوا خَلْقَ اللَّهِ، فَتُغَيِّرُوا النَّاسَ عَنْ فِطْرَتِهِمُ الَّتِي فَطَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا. فَيَكُونُ خَبَرًا بِمَعْنَى الطَّلَبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٩٧] ، وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ خَبَرٌ عَلَى بَابِهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ تَعَالَى سَاوَى بَيْنَ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ فِي الْفِطْرَةِ عَلَى الْجِبِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، لَا يُولَدُ أَحَدٌ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعي، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَمُجَاهِدٌ، وعِكْرِمة، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ [[في ت: "وسعيد بن حبير وغيرهم".]] فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أَيْ: لِدِينِ اللَّهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُهُ: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ : لِدِينِ اللَّهِ، خَلْقُ الْأَوَّلِينَ: [دِينُ الْأَوَّلِينَ] ، [[زيادة من ت، أ.]] وَالدِّينُ وَالْفِطْرَةُ: الْإِسْلَامُ. حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [[في ت: "ثم روى بسنده".]] أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانه أَوْ يُنَصِّرانه أَوْ يُمَجسانه، كَمَا تَنْتِج الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعاء، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ"؟ ثُمَّ يَقُولُ: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأيْلي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٧٧٥) وصحيح مسلم برقم (٢٦٥٨) .]] . وَأَخْرَجَاهُ -أَيْضًا -مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ [[صحيح البخاري برقم (٦٥٩٩) وصحيح مسلم برقم (٢٦٥٨) .]] . وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمِنْهُمُ الأسودُ بْنُ سَرِيع التَّمِيمِيُّ. قَالَ [[في ت: "فروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ [[في ت: "بإسناده".]] عَنِ الْأُسُودِ بْنِ سَرِيع [التَّمِيمِيِّ] [[زيادة من ف.]] قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَغَزَوْتُ مَعَهُ، فَأَصَبْتُ ظَهْرًا [[في ت، ف: "ظفرا".]] ، فَقُتِلَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ، حَتَّى قَتَلُوا الْوِلْدَانَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ جَاوَزَهُمُ الْقَتْلُ الْيَوْمَ حَتَّى قَتَلُوا الذُّرِّيَّةَ؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا هُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: "أَلَا إِنَّمَا خِيَارُكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ". ثُمَّ قَالَ: "لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً". وَقَالَ: "كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، حَتَّى يُعرب عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا أو ينصرانها". وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ هُشَيْم، عَنْ يُونُسَ -وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ -عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، بِهِ [[في ت: "وروى أيضا بإسناده".]] [[المسند (٣/٤٣٥) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٨٦١٦) .]] . وَمِنْهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، حَتَّى يُعرب عَنْهُ لِسَانُهُ، فَإِذَا عَبَّرَ [[في ف: "عرب".]] عَنْهُ لِسَانُهُ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" [[المسند (٣/٣٥٣) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢١٨) "وفيه أبو جعفر الرازي وهو ثقة وفيه خلاف، وبقية رجاله ثقات".]] . وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [[في ت: "وروى أيضا بإسناده".]] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئل عَنِ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ إِذْ خَلَقَهُمْ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ اليَشْكُرِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِذَلِكَ [[المسند (١/٣٢٨) وصحيح البخاري برقم (١٣٨٣) وصحيح مسلم برقم (٢٦٦٠) .]] . وَقَدْ قَالَ [[في ت: "وروى".]] أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ -أَنْبَأَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى عليَّ زَمَانٌ وَأَنَا أَقُولُ: أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ. حَتَّى حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ [[في ت، ف: "ابن".]] فُلَانٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ [[في أ: "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه سئل".]] عَنْهُمْ فَقَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". قَالَ: فَلَقِيَتُ الرَّجُلَ فَأَخْبَرَنِي. فَأَمْسَكْتُ عَنْ قَوْلِي [[المسند (٥/٧٣) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢١٨) "رجاله رجال الصحيح".]] . وَمِنْهُمْ عِيَاضُ بْنُ حِمار الْمُجَاشِعِيُّ، قَالَ [[في ت: "وقال".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرّف، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "إِنَّ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي فِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عِبَادِي حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَأَضَلَّتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدْعُوهُ خبُزَةً. قَالَ [[في ت، ف: "فقال".]] : اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نَغْزُك، وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ فَسَنُنْفِقُ عَلَيْكَ. وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثُ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ". قَالَ: "وَأَهْلُ الْجَنَّةِ: ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقسط مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ بِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ عَفِيفٌ فَقِيرٌ مُتَصَدِّقٌ. وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا، لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا. وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ. وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ [[في ت: "على".]] أَهْلِكَ وَمَالِكَ" وَذَكَرَ الْبَخِيلَ، أَوِ الْكَذَّابَ، وَالشَّنْظِيرُ: الْفَحَّاشُ [[في ت، ف: "الفاحش".]] . انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ، فَرَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ [[المسند (٤/١٦٢) وصحيح مسلم برقم (٢٨٦٥) .]] . * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أَيِ: التَّمَسُّكُ بِالشَّرِيعَةِ [[في ت: "المتمسك بالشرعة".]] وَالْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ هُوَ الدِّينُ الْقَوِيمُ الْمُسْتَقِيمُ، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: فَلِهَذَا لَا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَهُمْ عَنْهُ نَاكِبُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يُوسُفَ: ١٠٣] ، ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ: ١١٦] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ جُرَيْج: أَيْ رَاجِعِينَ إِلَيْهِ، ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ أَيْ: خَافُوهُ وَرَاقَبُوهُ، ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ وَهِيَ الطَّاعَةُ الْعَظِيمَةُ، ﴿وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أَيْ: بَلْ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُخْلِصِينَ لَهُ الْعِبَادَةَ، لَا يُرِيدُونَ بِهَا سِوَاهُ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: [حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيد] [[زيادة من ف، أ، والطبري.]] ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ [[في أ: "زيد".]] بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: مَرَّ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَقَالَ: مَا قِوَامُ هَذِهِ الْأُمَّةِ [[في ت: "الآية".]] ؟ قَالَ مُعَاذٌ: ثَلَاثٌ، وَهُنَّ [مِنَ] [[زيادة من ت.]] الْمُنْجِيَاتِ: الْإِخْلَاصُ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ، فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَالصَّلَاةُ وَهِيَ الْمِلَّةُ، وَالطَّاعَةُ وَهِيَ الْعِصْمَةُ. فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابة: أَنَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِمُعَاذٍ: مَا قِوَامُ هَذَا الْأَمْرِ؟ فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ [[تفسير الطبري (٢١/٢٦) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ أَيْ: لَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ فَرَّقُوا دِينَهُمْ أَيْ: بَدَّلُوهُ وَغَيَّرُوهُ وَآمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "فَارَقُوا دِينَهُمْ" أَيْ: تَرَكُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وعَبَدة الْأَوْثَانِ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ، مِمَّا عَدَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٥٩] ، فَأَهْلُ الْأَدْيَانِ قَبْلَنَا اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى آرَاءٍ وملَل بَاطِلَةٍ، وَكُلُّ فُرْقَةٍ مِنْهُمْ تَزْعُمُ أَنَّهُمْ عَلَى شيء، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ [[في ت: "الآية".]] أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى نَحِلٍ كُلُّهَا ضَلَالَةٌ [[في أ: "ضالة".]] إِلَّا وَاحِدَةً، وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، الْمُتَمَسِّكُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ [[في ف: "رسوله".]] ﷺ، وَبِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ، وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرِكِهِ أَنَّهُ سُئِلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [[في ف، أ: "صلى الله عليه وسلم".]] عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: "مَا أَنَا عليه [اليوم] [[زيادة من: أ، والمستدرك.]] وأصحابي" [[المستدرك (١/١٢٨،١٢٩) ، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف ص (٦٣) : "إسناده حسن".]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب