الباحث القرآني
فَأمّا سَماعُ الإدْراكِ فَفي قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْ مُؤْمِنِي الجِنِّ قَوْلَهم ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنّا بِهِ﴾
وَقَوْلِهِ: ﴿ياقَوْمَنا إنّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسى﴾ [الأحقاف: ٣٠] الآيَةَ.
فَهَذا سَماعُ إدْراكٍ اتَّصَلَ بِهِ الإيمانُ والإجابَةُ.
* (فصل: في الطبقة الثامنة عشرة: طبقة الجن)
وقد اتفق المسلمون على أن منهم المؤمن والكافر والبر والفاجر قال تعالى إخبارًا عنهم: ﴿وَأنّا مِنّا الصّالِحُونَ ومِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: ١١]
قال مجاهد: يعنون مسلمين وكافرين.
وقد اتفق المسلمون على أن كفار الجن في النار وقد دل على ذلك القرآن في غير موضع كقوله: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣]
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ [الأعراف: ١٧٩].
وبالجملة فهذا أمر معلوم بالاضطرار من دين الإسلام وهو يستلزم تكليف الجن بشرائع الأنبياء ووجوب اتباعهم لهم، وأجمع المسلمون على أن محمدًا ﷺ بعث إلى الجن والإنس وأنه يجب على الجن طاعته كما يجب على الإنس.
وأما حكم مؤمنيهم في الدار الآخرة فجمهور السلف والخلف على أنهم في الجنة وترجم على ذلك البخاري في صحيحه فقال: باب ثواب الجن وعقابهم لقوله تعالى: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَقُصُّونَ عَلَيْكم آياتِي﴾ [الأنعام: ١٣٠]
فهذه مذاهب الناس في أحكامهم في الآخرة.
وأما أحكامهم في الدنيا فاختلف الناس هل هم مُكلَّفون بالأمر والنهي أم لا؟
والصواب الذي عليه جمهور أهل الإسلام أنهم مأمورون منهيون مُكلَّفون بالشريعة الإسلامية وأدلة القرآن والسنة على ذلك أكثر من أن تُحصر، ومما يدل على تكليفهم قوله تعالى: ﴿وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ ولَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٩ إلى: ٣٢] فهذا يدل على تكليفهم من وجوه متعددة:
١ - أن الله سبحانه وتعالى صرفهم إلى رسوله يستمعون القرآن ليؤمنوا به ويأتمروا بأوامره وينتهوا عن نواهيه.
٢ - أنهم ولوا إلى قومهم منذرين والإنذار هو الإعلام بالخوف بعد انعقاد أسبابه فعلم أنهم منذرون لهم بالنار إن عصوا الرسول.
٣ - أنهم أخبروا أنهم سمعوا القرآن وعقلوه وفهموه وهذا يدل على تمكنهم من العلم الذي تقوم به الحجة وهم قادرون على امتثال ما فيه والتكليف إنما يستلزم العلم والقدرة.
٤ - أنهم قالوا لقومهم: ﴿يا قَوْمَنا أجِيبُوا داعِيَ اللهِ وآمِنُوا بِهِ﴾ وهذا صريح في أنهم مُكلَّفون مأمورون بإجابة الرسول، وهي تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر.
٥ - أنهم قالوا: ﴿يَغْفِرْ لَكم مِن ذُنُوبِكُمْ﴾ والمغفرة لا تكون إلا عن ذنب وهو مخالفة الأمر.
٦ - أنهم قالوا: ﴿وَيُجِرْكم مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ وهذا يدل على أن من لم يستجب منهم لداعي الله لم يجره من العذاب الأليم وهذا صريح في تعلق الشريعة الإسلامية بهم.
٧ - أنهم قالوا: ﴿وَمَن لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ في الأرْضِ ولَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أوْلِياءُ﴾ وهذا تهديد شديد لمن تخلف عن داعي الله منهم.
وقد صحَّ أن رسول الله ﷺ قرأ عليهم القرآن وأنهم سألوه الزاد لهم ولدوابهم فجعل لهم كل عظم ذكر اسم الله عليه وكل بعرة علف لدوابهم ونهانا عن الاستنجاء بهما (١) ولو لم يكن في هذا إلا قوله تعالى: ﴿وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]
وقد أخبر أنه يعذب كفرة الجن لكفى به حجة على أنهم مكلفون باتباع الرسل.
فإذا علم تكليفهم بشرائع الأنبياء ومطالبتهم بها وحشرهم يوم القيامة للثواب والعقاب علم أن محسنهم في الجنة كما أن مسيئهم في النار.
وإذا ثبت تكليفهم بانقسامهم إلى المسلمين والكفار والصالحين ودون ذلك - كما تضمنته سورة الجن - فهم في الموازنة على نحو طبقات الإنس المتقدمة إلا أنهم ليس فيهم رسول بل فيهم النذر وأفضل درجاته درجة الصالحين ولو كان لهم درجة أفضل منها لذكروها، فقد دل القرآن على انقسامهم إلى ثلاثة أقسام صالحين ودونهم وكفار وزاد عليهم الإنس بدرجة الرسالة والنبوة ودرجة المقربين والله أعلم.
فهذا ما وصل إليه الإحصاء من طبقات المكلفين في الدار الآخرة وهي ثماني عشرة طبقة وكل طبقة منها لها أعلى وأدنى ووسط وهم درجات عند الله والله تعالى يحشر الشكل مع شكله والنظير مع نظيره ويقرن بينهما في الدرجة والحمد لله رب العالمين.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["قُلۡ أُوحِیَ إِلَیَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرࣱ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَقَالُوۤا۟ إِنَّا سَمِعۡنَا قُرۡءَانًا عَجَبࣰا","یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَاۤ أَحَدࣰا"],"ayah":"یَهۡدِیۤ إِلَى ٱلرُّشۡدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشۡرِكَ بِرَبِّنَاۤ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق