الباحث القرآني
* (فصل)
ويضاد الصبر الهلع وهو الجزع عند ورود المصيبة، والمنع عند ورود النعمة قال تعالى ﴿إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وإذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا﴾
وهذا تفسير الهلوع
قال الجوهرى: الهلع أفحش الجزع وقد هلع بالكسر فهو هلع وهلوع
وفى الحديث:
"شر ما في العبد شح هالع وجبن خالع".
قلت هنا أمران: أمر لفظي وأمر معنوي.
فأما اللفظي فإنه وصف الشح بكونه هالعا والهالع صاحبه وأكثر ما يسمى هلوعا ولا يقال هالع له فإنه لا يتعدى ففيه وجهان:
أحدهما: أنه على النسب كقولهم ليل نائم وسر كاتم ونهار صائم ويوم عاصف كله عند سيبويه على النسب أي ذو كذا كما قالوا تامر ولابن
والثاني: أن اللفظه غيرت عن بابها للازدواج مع خالع وله نظير.
وأما المعنوي: فإن الشح والجبن أردى صفتين في العبد ولا سيما إذا كان شحه هالعا.
أي ملق له في الهلع وجبنه خالعا أي قد خلع قلبه من مكانه فلا سماحة ولا شجاعة ولا نفع بماله ولا ببدنه كما يقال لا طعنة ولا جفنة ولا يطرد ولا يشرد بل قد قمعه وصغره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع وإذا أردت معرفة الهلوع فهو الذي إذا أصابه الجوع مثلا أظهر الاستجاعه واسرع بها وإذا أصابه الالم اسرع الشكايه وأظهرها وإذا أصابه القهر أظهر الاستطامه والاستكانه وباء بها سريعا وإذا أصابه الجوع أسرع الانطراح على جنبه وأظهر الشكايه وإذا بدا له مأخذ طمع طار إليه سريعا وإذا ظفر به أحله من نفسه محل الروح فلا احتمال ولا إفضال.
وهذا كله من صغر النفس ودناءتها وتدسيسها في البدن وإخفائها وتحقيرها والله المستعان.
* وقال في (شفاء العليل)
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وإذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا﴾
وهذا تفسير الهلوع وهو شدة الحرص الذي يترتب عليه الجزع والمنع.
فأخبر سبحانه أنه خلق الإنسان كذلك، وذلك صريح في أن هلعه مخلوق لله، كما أن ذاته مخلوقة.
فالإنسان بجملته ذاته وصفاته وأفعاله وأخلاقه مخلوق لله، ليس فيه شيء خلق لله وشيء خلق لغيره، بل الله خالق الإنسان بجملته وأحواله كلها.
فالهلع فعله حقيقة، والله خالق ذلك فيه حقيقة، فليس الله سبحانه بهلوع، ولا العبد هو الخالق لذلك.
* [فصل: الفرق بين رقة القلب والجزع]
والفرق بين رقة القلب والجزع أن الجزع ضعف في النفس، وخوف في القلب يمده شدة الطمع والحرص، ويتولد من ضعف الإيمان بالقدر، وإلا فمتى علم أن المقدر كائن ولا بدّ كان الجزع عناء محضا ومصيبة ثانية قال اللّه تعالى ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكم إلّا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكم ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ﴾
فمتى آمن العبد بالقدر وعلم أن المصيبة مقدرة في الحاضر والغائب لم يجزع ولم يفرح.
ولا ينافي هذا رقة القلب فإنها ناشئة عن صفة الرحمة التي هي كمال، واللّه سبحانه إنما يرحم من عباده الرحماء.
وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أرق الناس قلبا وأبعدهم من الجزع، فرقّة القلب رأفة ورحمة وجزعه مرض وضعف، فالجزع حال قلب مريض بالدنيا قد غشيه دخان النفس الأمّارة فأخذ بأنفاسه، وضيق عليه مسالك الآخرة وصار في سجن الهوى والنفس وهو سجن ضيق الأرجاء مظلم المسالك، فانحصار القلب وضيقه يجزع من أدنى ما يصيبه ولا يحتمله.
فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد، وامتلأ من محبة اللّه وإجلاله رق، وصارت فيه الرأفة والرحمة فتراه رحيما رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، يرحم النملة في جحرها، والطير في وكره فضلا عن بني جنسه.
فهذا أقرب القلوب من اللّه.
قال أنس كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أرحم الناس بالعيال.
واللّه سبحانه إذا أراد أن يرحم عبدا أسكن في قلبه الرأفة والرحمة.
وإذا أراد أن يعذبه نزع من قلبه الرحمة والرأفة وأبدله بهما الغلظة والقسوة.
وفي الحديث الثابت
"لا تنزع الرحمة إلا من شقي"
وفيه "من لا يرحم لا يرحم"
وفيه "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"
وفيه "أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال"
والصديق رضي اللّه عنه إنما فضل الأمة بما كان في قلبه من الرحمة العامة، زيادة على الصديقية، ولهذا أظهر أثرها في جميع مقاماته حتى في الأسارى يوم بدر، واستقر الأمر على ما أشار به وضرب له صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلا بعيسى وإبراهيم، والرب سبحانه وتعالى هو الرءوف الرحيم، وأقرب الخلق إليه أعظمهم رأفة ورحمة، كما أن أبعدهم منه من اتصف بضد صفاته وهذا باب لا يلجه إلا الأفراد في العالم.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["۞ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا","إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا","وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا","إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ"],"ayah":"إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق