الباحث القرآني

قالَ قَتادَة أذن سَمِعت وعقلت عَن الله ما سَمِعت. وَقالَ الفراء لتحفظها كل أُذن فَتكون عظة لمن يَأْتِي بعد، فالوعي تُوصَف بِهِ الأذن كَما يُوصف بِهِ القلب. يُقال: قلب واع وأذن واعِيَة لما بَين الأذن والقلب من الارتباط، فالعلم يدْخل من الأذن إلى القلب فَهي بابه، والرَّسُول الموصل إليه العلم كَما أن اللِّسان رَسُوله المُؤَدي عَنهُ. وَمن عرف ارتباط الجَوارِح بِالقَلْبِ علم أن الأذن أحقها أن تُوصَف بالوعي، وأنها إذا وعت وعى القلب. وَفِي حَدِيث جابر في المثل الَّذِي ضَربته المَلائِكَة للنَّبِي ولأمته وقَول الملك لَهُ "اسْمَع سَمِعت أذنك وعقل قَلْبك" فَلَمّا كانَ القلب وعاءا، والأذن مدْخل ذَلِك الوِعاء وبابه كانَ حُصُول العلم مَوْقُوفا على حسن الِاسْتِماع وعقل القلب، والعقل هو ضبط ما وصل إلى القلب وإمساكه حَتّى لا يتفلت مِنهُ. وَمِنه عقل البَعِير والدّابَّة والعقال لما يعقل بِهِ، وعقل الإنسان يُسمى عقلا لأنه يعقله عَن اتِّباع الغي والهلاك، ولِهَذا يُسمى حجرا لأنه يمْنَع صاحبه كَما يمْنَع الحجر ما حواه، فعقل الشَّيْء أخص من علمه ومعرفته، لأن صاحبه يعقل ما علمه فَلا يَدعه يذهب كَما تعقل الدّابَّة الَّتِي يخاف شرودها. وللإدراك مَراتِب بَعْضها أقوى من بعض فأولها الشُّعُور ثمَّ الفَهم ثمَّ المعرفَة، ثمَّ العلم ثمَّ العقل. ومرادنا بِالعقلِ المصدر لا القُوَّة الغريزية الَّتِي ركبها الله في الإنسان، فَخير القُلُوب ما كانَ واعيا للخير ضابطا لَهُ، ولَيْسَ كالقلب القاسي الَّذِي لا يقبله، فَهَذا قلب حجري ولا كالمائع الأخرق الَّذِي يقبل ولَكِن لا يحفظ ولا يضْبط، فتفهيم الأول كالرسم في الحجر، وتفهيم الثّانِي كالرسم على الماء، بل خير القُلُوب ما كانَ لينًا صلبا يقبل بلينه ما ينطبع فِيهِ، ويحفظ صورته بصلابته. فَهَذا تفهيمه كالرسم في الشمع وشبهه. وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتَزَيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية". وذكر أيضا عن الحسن قال: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: وماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضى قدما قدما لا يحاسب نفسه". * (لطيفة) [تَزَوُّجُ المَرْأةِ بِشَرْطِ ألّا يَتَزَوَّجَ عَلَيْها] إذا خاصَمَتْهُ امْرَأتُهُ وقالَتْ: قُلْ " كُلُّ جارِيَةٍ أشْتَرِيها فَهي حُرَّةٌ، وكُلُّ امْرَأةٍ أتَزَوَّجُها فَهي طالِقٌ " فالحِيلَةُ في خَلاصِهِ أنْ يَقُولَ ذَلِكَ ويَعْنِي بِالجارِيَةِ السَّفِينَةَ لِقَوْلِهِ: ﴿إنّا لَمّا طَغى الماءُ حَمَلْناكم في الجارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١] وَيُمْسِكُ بِيَدِهِ حَصاةً أوْ خِرْقَةً ويَقُولُ: " فَهي طالِقٌ " فَيَرُدُّ الكِنايَةَ إلَيْها، فَإنْ تَفَقَّهَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ وَقالَتْ: قُلْ: " كُلُّ رَقِيقَةٍ أوْ أمَةٍ " فَلِيَقُلْ ذَلِكَ ولْيَعْنِ فَهي حُرَّةُ الخِصالِ غَيْرُ فاجِرَةٍ، فَإنَّهُ لَوْ قالَ ذَلِكَ لَمْ تُعْتَقْ كَما لَوْ قالَ لَهُ رَجُلٌ: " غُلامُك فاجِرٌ زانٍ " فَقالَ: ما أعْرِفُهُ إلّا حُرًّا عَفِيفًا، ولَمْ يُرِدْ العِتْقَ، لَمْ يُعْتَقْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب