الباحث القرآني
(أسرار أحكام المضمرات)
والمضمرات في كلامهم نحو ستين ضميرا، وأحوالها معلومة، لكن ننبه على أسرارها
(من أحكام المضمرات)
اعلم أن المتكلم لما استغنى عن اسم الظاهر في حال الإخبار لدلالة المشاهدة عليه جعل مكانه لفظا يومئ به إليه وذلك اللفظ مؤلف من همزة ونون أما الهمزة فلأن مخرجها من الصدر وهو أقرب مواضع الصوت إلى المتكلم إذ المتكلم في الحقيقة محله وراء حبل الوريد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ ونَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ﴾ ألا تراه يقول: ﴿ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾
يعني ما يلفظ المتكلم فدل على أن المتكلم أقرب شيء إلى حبل الوريد، فإذا كان المتكلم على الحقيقة محله هناك، وأردت من الحروف ما يكون عبارة عنه فأولاها بذلك ما كان مخرجه من جهته، وأقرب المواضع إلى محله، وليس إلا الهمزة أو الهاء، والهمزة أحق بالمتكلم لقوتها بالجهر والشدة، وضعف الهاء بالخفاء، فكان ما هو أجهر أقوى وأولى بالتعبير عن اسم المتكلم الذي الكلام صفة له، وهو أحق بالاتصاف به.
وأما اتصالها بالهاء مع النون فلما كانت الهمزة بانفرادها لا تكون اسما منفصلا كان أولى ما وصلت به النون أو بحرف المد واللين إذ هي أمهات الزوائد، ولم يمكن حروف المد مع الهمزة لذهابها عند التقاء الساكنين نحو: أنا الرجل.
فلو حذف الحرف الثاني لبقيت الهمزة في أكثر الكلام منفردة مع لام التعريف فتلتبس بالألف التي هي أخت اللام، فيختل أكثر الكلام.
فكان أولى ما قرن به النون لقربها من حرف المد واللين ثم ثبتوا النون لخفائها بالألف في حال السكت أو بهاء في لغة من قال (إنهْ) ثم لما كان المخاطب مشاركا للمتكلم في حال معنى الكلام إذ الكلام مبدأه من المتكلم ومنتهاه عند المخاطب ولولا المخاطب ما كان كلام المتكلم لفظا مسموعا ولا احتاج إلى التعبير عنه، فلما اشتركا في المقصود بالكلام وفائدته اشتركا في اللفظ الدال على الاسم الظاهر وهو الألف والنون، وفرق بينهما بالتاء خاصة، وخصت التاء بالمخاطب لثبوتها
علامة الضمير في (قمتَ).
فإن قلت: فهي علامة لضمير المتكلم في (قمتُ) فلم كان المخاطب أولى بها؟
قلت: الأصل في التاء للمخاطب، وإنما المتكلم دخيل عليه، ولما كان دخيلا عليه خصوه بالضم لأن فيه من الجمع والإشارة إلى نفسه ما ليس في الفتحة.
وخصوا المخاطب بالفتح لأن في الفتحة من الإشارة إليه ما ليس في الضمة.
وهذا معلوم في الحس.
وأما ضمير المتكلم المخفوض فإنما كان (ياء) لأن الاسم الظاهر لما ترك لفظه استغناء ولم يكن بد من علامة دالة عليه كان أولى الحروف بذلك حرف من حروف الاسم المضمر، وذلك لا يمكن لاختلاف أسماء المتكلمين، وإنما أرادوا علامة تختص بكل متكلم في حال الخفض، والأسماء مختلفة الألفاظ متفقة في حال الإضافة إلى الياء في الكسرة التي هي علامة الخفض، إلا أن الكسرة لا تستقل بنفسها حتى تمكن فتكون ياء، فجعلوا (الياء) علامة لكل متكلم مخفوض، ثم شركوا النصب مع الحفظ في علامة الإضمار لاستوائها في المعنى، إلا أنهم زادوا نونا في ضمير المنصوب وقاية للفعل من الكسر.
وأما ضمير المتكلم المتصل فعلامته التاء المضمومة.
وأما المتكلمون فعلامتهم (نا) في الأحوال كلها، وسرهم أنهم لما تركوا الاسم الظاهر وأرادوا من الحروف ما يكون علامة عليه أخذوا من الاسم الظاهر ما يشترك جميع المتكلمين فيه في حال الجمع والتثنية وهي (النون) التي في آخر اللفظ وهي موجودة في التثنية والجمع رفعا ونصبا وجرا، فجعلوها علامة للمتكلمين جمعا كانوا أو تثنية، وزادوا بعدها (ألفا) كيلا تشبه التنوين أو النون الخفيفة.
ولحكمة أخرى وهي القرب من لفظ (أنا) لأنها من ضمير المتكلمين، فإنها ضمير متكلم فلم يسقط من لفظة (أنا) إلا الهمزة التي هي أصل في المتكلم الواحد.
وأما جمع المتكلم وتثنيته ففرع طار عن الأصل فلم تمكن فيه الهمزة التي تقدم اختصاصها بالمتكلم حتى خصت به في (أفعل)
وخص المخاطب بالتاء في (تفعل) لما ذكرناه.
وأما ضمير المرفوع المتصل فإنما خص (بالتاء) لأنهم حين أرادوا حرفا يكون علامة على الاسم الظاهر المستغنى عن ذكره
كان أولى الحروف بذلك حرفا من الاسم وهو مختلف كما تقدم، فأخذوا من الاسم ما لا تختلف الأسماء فيه في حال الرفع وهي الضمة، وهي لا تستقل بنفسها ما لم تكن واوا، ثم رأوا الواو لا يمكن تعاقب الحركات عليها لثقلها وهم يحتاجون إلى الحركات في هذا الضمير فرقا بين المتكلم والمخاطب المؤنث والمخاطب المذكر، فجعلوا (التاء) مكان (الواو) لقربها من مخرجها، ولأنها قد تبدل منها في كثير من الكلام كـ (تراث وتجاه) فاشترك ضمير المتكلم والمخاطب في التاء كما اشتركا في الألف والنون من (أنا وأنت) لأنهما شريكان في الكلام، لأن الكلام من حيث كان للمخاطب كان لفظا، ومن حيث للمتكلم كان معنى.
ثم وقع الفرق بين ضميريهما بالحركة دون الحرف لما تقدم.
وأما ضمير المخاطب نصبا وجرا فكان كافا دون الياء، لأن الياء قد اختص بها المتكلم نصبا وخفضا فلو مكنت فيه الحركات أو وجد ما يقوم مقامها في البدل كما كانت التاء مع الواو اشترك المخاطب مع المتكلم في حال الخفض، كما اشترك معه في الباقي حال الرفع، فلما لم يكن ذلك ولم يكن بد من حروف تكون علامة إضمار كان الكاف أحق بهذا الموطن، لأن المخاطبين وإن اختلفت أسماؤهم الظاهرة فكل واحد منهم متكلم، ومقصوده في الكلام الذي هو اللفظ ومن أجله احتيج إلى التعبير بالألفاظ عما في النفس، فجعل الكلام المبدوء بها في لفظ الكلام علامة إضمار المخاطب.
ألا تراه لا يقع علامة إضمار له إلا بعد كلام كالفعل والفاعل نحو: (أكرمتك) لأنهما كلام والفعل وحده ليس كلاما، فلذلك لم تكن علامة الضمير كافا إلا بعد كلام من فعل وفاعل أو مبتدأ وخبر.
فإن قيل: فالمتكلم أيضا هو صاحب الكلام فهو أحق بأن تكون الكاف المأخوذة من لفظ الكلام علامة للاسم؟
قيل: الكاف لفظ فهي أحق بالمخاطب، لأن الكلام إنما لفظ به من أجله.
وأما ضمير الغائب المنفصل فهاء بعدها واو، لأن الغائب لما كان مذكورا بالقلب واستغنى عن اسمه الظاهر بتقدمه كانت الهاء التي مخرجها من الصدر قريبا من محل الذكر أولى بأن تكون عبارة على
مذكور بالقلب، ولم تكن الهمزة لأنها مجهورة شديدة فكانت أولى بالمتكلم الذي هو أظهر، والهاء لخفائها أولى بالغائب الذي هو أخفى وأبطن، ثم وصلت بالواو لأنه لفظ يرمز به إلى المخاطب ليعلم ما في النفس من المذكور والرمز بالشفتين، والواو مخرجها من هناك فخصت بذلك.
ثم طردوا أصلهم في ضمير الغائب المنفرد فجعلوه في جميع أحواله هاء إلا في الرفع، وإنما فعلوا ذلك لأنهم رأوا الفرق بين الحالات واقعا باختلاف حال الضمير، لأنه إذا دخل عليها حرف الجر كسرت الهاء وانقلبت واوه ياء.
وإذا لم يدخل عليه بقي مضموما على أصله، وإذا كان في حال الرفع لم يكن له علامة في اللفظ، لأن الاسم الظاهر قبل الفعل علم ظاهر يغني المخاطب عن علامة إضمار في الفعل بخلاف المتكلم والمخاطب، لأنك تقول في الغائب: (زيد قائم) فتجد الاسم الذي يعود عليه الضمير موجودا ظاهرا في اللفظ.
ولا تقول في المتكلم (زيد قمتُ) ولا في المخاطب (زيد قمتَ)
فلما اختلفت أحوال الضمير الغائب لسقوط علامته في الرفع وتغير الهاء بدخول حروف الخفض قام ذلك عندهم مقام علامات الإعراب في الظاهر، وما هو بمنزلتها في المضمر كالتاء المبدلة من الواو والياء المثبتة والكسرة والكاف المختصة بالمفعول والمجرور الواقعين بعد الكلام التام، ولا يقع بعد الكلام إلا منصوب أو مجرور فكانت الكاف المأخوذة من لفظ الكلام علامة على المنصوب والمجرور إذا كان مخاطبا.
وأما (نحن) فضمير منفصل للمتكلمين تثنية وجمعا، وخصت بذلك لما لم يمكنهم التثنية والجمع في المتكلم المضمر، لأن حقيقة التثنية ضم شيء إلى مثله في اللفظ، والجمع ضم شيء إلى أكثر منه مما يماثله في اللفظ.
فإذا قلت: (زيدان) فمعناه زيد وزيد، و (أنتم) معناه أنت وأنت، والمتكلم لا يمكنه أن يأتي باسم مثنى أو مجموعا في معناه، لأنه لا يمكنه أن يقول (أنا) فيضم إلى نفسه مثله في اللفظ فلما عدم ذلك ولم يكن بد من لفظ يشير إلى ذلك المعنى وإن لم يكنه في الحقيقة جاءوا بكلمة تقع على الاثنين والجمع في هذا الموطن ثم كانت الكلمة آخرها نون، وفي أولها إشارة إلى الأصل المتقدم الذي لم يمكنهم الإتيان به وهو تثنية (أنا) التي هي بمنزلة عطف اللفظ على مثله فإذا لم يمكنهم ذلك في اللفظ مثنى كانت النون المكررة تنبيها عليه وتلويحا عليه، وخصت النون بذلك دون الهمزة لما تقدم من اختصاص ضمير الجمع بالنون وضمير المتكلم بالهمزة، ثم جعلوا بين النون حاء ساكنة لقربها من مخرج الألف الموجودة في ضمير المتكلم قبل النون وبعدها ثم بنوها على الضم دون الفتح والكسر إشارة إلى أنه ضمير مرفوع، وشاهده ما قلناه في الباب من دلالة الحروف المقطعة على المعاني والرمز بها إليها.
{"ayah":"وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق