الباحث القرآني
وَمَعْلُومٌ أنَّهم ما سَوَّوْهم بِهِ سُبْحانَهُ في الخَلْقِ، والرِّزْقِ، والإماتَةِ، والإحْياءِ، والمُلْكِ، والقُدْرَةِ، وإنَّما سَوَّوْهم بِهِ في الحُبِّ، والتَّألُّهِ، والخُضُوعِ لَهم والتَّذَلُّلِ، وهَذا غايَةُ الجَهْلِ والظُّلْمِ، فَكَيْفَ يُسَوى التُّرابُ بِرَبِّ الأرْبابِ، وكَيْفَ يُسَوى العَبِيدُ بِمالِكِ الرِّقابِ، وكَيْفَ يُسَوى الفَقِيرُ بِالذّاتِ الضَّعِيفُ بِالذّاتِ العاجِزُ بِالذّاتِ المُحْتاجُ بِالذّاتِ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِن ذاتِهِ إلّا العَدَمُ، بِالغَنِيِّ بِالذّاتِ، القادِرِ بِالذّاتِ، الَّذِي غِناهُ، وقُدْرَتُهُ ومُلْكُهُ وجُودُهُ، وإحْسانُهُ، وعِلْمُهُ، ورَحْمَتُهُ، وكَمالُهُ المُطْلَقُ التّامُّ مِن لَوازِمِ ذاتِهِ؟
فَأيُّ ظُلْمٍ أقْبَحُ مِن هَذا؟ وأيُّ حُكْمٍ أشَدُّ جَوْرًا مِنهُ؟ حَيْثُ عَدَلَ مَن لا عِدْلَ لَهُ بِخَلْقِهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ - ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١].
فَعَدَلَ المُشْرِكُ مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ، بِمَن لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ولا لِغَيْرِهِ مِثْقالَ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ، فَيا لَكَ مِن عَدْلٍ تَضَمَّنَ أكْبَرَ الظُّلْمِ وأقْبَحَهُ.
* (فصل)
وهذه التسوية إنما كانت في الحب والتأليه واتباع ما شرعوا، لا في الخلق والقدرة والربوبية وهي العدل الذي أخبر به عن الكفار، كقوله:
٦: ١ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.
وأصح القولين: أن المعنى: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، فيجعلون له عدلا يحبونه ويقدسونه ويعبدونه، كما يعبدون الله ويعبدونه، ويعظمون أمره.
وقال في طريق الهجرتين:
وهذه التسوية لم تكن منهم في الأفعال والصفات، بحيث اعتقدوا أنها مساوية لله سبحانه في أفعاله وصفاته. وإنما كانت تسوية منهم بين الله وبينها في المحبة والعبودية والتعظيم، مع إقرارهم بالفرق بين الله وبينها. فتصحيح هذه: هو تصحيح شهادة أن لا إله إلّا الله.
فحقيق لمن نصح نفسه، وأحب سعادتها ونجاتها: أن يتيقظ لهذه المسألة علما وعملا، وتكون أهم الأشياء عنده، وأجلّ علومه وأعماله، فإن الشأن كله فيها، والمدار كله عليها، والسؤال يوم القيامة عنها. قال تعالى: {١٥: ٩٢ - ٩٣ فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهم أجْمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ قال غير واحد من السلف: هو عن قول «لا إله إلا الله» وهذا حق. فإن السؤال كله عنها، وعن أحكامها وحقوقها، وواجباتها ولوازمها. فلا يسأل أحد قط إلا عنها وعن واجباتها، ولوازمها وحقوقها. قال أبو العالية: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟
فالسؤال عما ذا كانوا يعبدون: هو السؤال عنها نفسها. والسؤال عما ذا أجابوا المرسلين: سؤال عن الوسيلة والطريق المؤدية إليها: هل سلكوها وأجابوا الرسل لما دعوهم إليها؟ فعاد الأمر كله إليها. وأمر هذا شأنه حقيق بأن تثنى عليه الخناصر، ويعضّ عليه بالنواجذ، ويقبض فيه على الجمر.
ولا يؤخذ بأطراف الأنامل، ولا يطلب على فضلة، بل يجعل هو المطلب الأعظم، وما سواه إنما يطلب على الفضلة. والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه.
* [فَصْلٌ: الشِّرْكُ نَوْعانِ أكْبَرُ وأصْغَرُ]
وَأمّا الشِّرْكُ، فَهو نَوْعانِ: أكْبَرُ وأصْغَرُ، فالأكْبَرُ لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ إلّا بِالتَّوْبَةِ مِنهُ، وهو أنْ يَتَّخِذَ مِن دُونِ اللَّهِ نِدًّا، يُحِبُّهُ كَما يُحِبُّ اللَّهَ، وهو الشِّرْكُ الَّذِي تَضَمَّنَ تَسْوِيَةَ آلِهَةِ المُشْرِكِينَ بِرَبِّ العالَمِينَ، ولِهَذا قالُوا لِآلِهَتِهِمْ في النّارِ ﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ - إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٧-٩٨] مَعَ إقْرارِهِمْ بِأنَّ اللَّهَ وحْدَهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، ورَبُّهُ ومَلِيكُهُ، وأنَّ آلِهَتَهم لا تَخْلُقُ ولا تُرْزَقُ، ولا تُحْيِي ولا تُمِيتُ، وإنَّما كانَتْ هَذِهِ التَّسْوِيَةُ في المَحَبَّةِ والتَّعْظِيمِ والعِبادَةِ كَما هو حالُ أكْثَرِ مُشْرِكِي العالَمِ، بَلْ كُلُّهم يُحِبُّونَ مَعْبُوداتِهِمْ ويُعَظِّمُونَها ويُوالُونَها مِن دُونِ اللَّهِ، وكَثِيرٌ مِنهم - بَلْ أكْثَرُهم - يُحِبُّونَ آلِهَتَهم أعْظَمَ مِن مَحَبَّةِ اللَّهِ، ويَسْتَبْشِرُونَ بِذِكْرِهِمْ أعْظَمَ مِنِ اسْتِبْشارِهِمْ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وحْدَهُ، ويَغْضَبُونَ لِمُنْتَقِصِ مَعْبُودِيهِمْ وآلِهَتِهِمْ - مِنَ المَشايِخِ - أعْظَمَ مِمّا يَغْضَبُونَ إذا انْتَقَصَ أحَدٌ رَبَّ العالَمِينَ، وإذا انْتُهِكَتْ حُرْمَةٌ مِن حُرُماتِ آلِهَتِهِمْ ومَعْبُوداتِهِمْ غَضِبُوا غَضَبَ اللَّيْثِ إذا حَرِدَ، وإذا انْتُهِكَتْ حُرُماتُ اللَّهِ لَمْ يَغْضَبُوا لَها، بَلْ إذا قامَ المُنْتَهِكُ لَها بِإطْعامِهِمْ شَيْئًا رَضُوا عَنْهُ، ولَمْ تَتَنَكَّرْ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وقَدْ شاهَدْنا هَذا نَحْنُ وغَيْرُنا مِنهم جَهْرَةً، وتَرى أحَدَهم قَدِ اتَّخَذَ ذِكْرَ إلَهِهِ ومَعْبُودِهِ مِن دُونِ اللَّهِ عَلى لِسانِهِ دَيْدَنًا لَهُ إنْ قامَ وإنْ قَعَدَ، وإنْ عَثَرَ وإنْ مَرِضَ وإنِ اسْتَوْحَشَ، فَذِكْرُ إلَهِهِ ومَعْبُودِهِ مِن دُونِ اللَّهِ هو الغالِبُ عَلى قَلْبِهِ ولِسانِهِ، وهو لا يُنْكِرُ ذَلِكَ، ويَزْعُمُ أنَّهُ بابُ حاجَتِهِ إلى اللَّهِ، وشَفِيعُهُ عِنْدَهُ، ووَسِيلَتُهُ إلَيْهِ.
وَهَكَذا كانَ عُبّادُ الأصْنامِ سَواءً، وهَذا القَدْرُ هو الَّذِي قامَ بِقُلُوبِهِمْ، وتَوارَثَهُ المُشْرِكُونَ بِحَسَبِ اخْتِلافِ آلِهَتِهِمْ، فَأُولَئِكَ كانَتْ آلِهَتُهم مِنَ الحَجَرِ وغَيْرُهُمُ اتَّخَذُوها مِنَ البَشَرِ، قالَ اللَّهُ تَعالى، حاكِيًا عَنْ أسْلافِ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهم في ما هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: ٣]
ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِمْ بِالكُفْرِ والكَذِبِ، وأخْبَرَ أنَّهُ لا يَهْدِيهِمْ فَقالَ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾.
فَهَذِهِ حالُ مَنِ اتَّخَذَ مِن دُونِ اللَّهِ ولِيًّا، يَزْعُمُ أنَّهُ يُقَرِّبُهُ إلى اللَّهِ، وما أعَزَّ مَن يَخْلُصُ مِن هَذا؟ بَلْ ما أعَزَّ مَن لا يُعادِي مَن أنْكَرَهُ!.
والَّذِي في قُلُوبِ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ وسَلَفِهِمْ أنَّ آلِهَتَهم تَشْفَعُ لَهم عِنْدَ اللَّهِ، وهَذا عَيْنُ الشِّرْكِ، وقَدْ أنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ في كِتابِهِ وأبْطَلَهُ، وأخْبَرَ أنَّ الشَّفاعَةَ كُلَّها لَهُ، وأنَّهُ لا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أحَدٌ إلّا لِمَن أذِنَ اللَّهُ أنْ يَشْفَعَ فِيهِ، ورَضِيَ قَوْلَهُ وعَمَلَهُ، وهم أهْلُ التَّوْحِيدِ، الَّذِينَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ يَأْذَنُ لِمَن شاءَ في الشَّفاعَةِ لَهُمْ، حَيْثُ لَمْ يَتَّخِذْهم شُفَعاءَ مِن دُونِهِ، فَيَكُونُ أسْعَدَ النّاسِ بِشَفاعَةِ مَن يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ صاحِبُ التَّوْحِيدِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ شَفِيعًا مِن دُونِ اللَّهِ رَبِّهِ ومَوْلاهُ.
والشَّفاعَةُ الَّتِي أثْبَتَها اللَّهُ ورَسُولُهُ هي الشَّفاعَةُ الصّادِرَةُ عَنْ إذْنِهِ لِمَن وحَّدَهُ، والَّتِي نَفاها اللَّهُ هي الشَّفاعَةُ الشِّرْكِيَّةُ، الَّتِي في قُلُوبِ المُشْرِكِينَ، المُتَّخِذِينَ مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ، فَيُعامَلُونَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ مِن شُفَعائِهِمْ، ويَفُوزُ بِها المُوَحِّدُونَ.
وَتَأمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ لِأبِي هُرَيْرَةَ - وقَدْ سَألَهُ مَن أسْعَدُ النّاسِ بِشَفاعَتِكَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ - قالَ «أسْعَدُ النّاسِ بِشَفاعَتِي مَن قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ خالِصًا مِن قَلْبِهِ» كَيْفَ جَعَلَ أعْظَمَ الأسْبابِ الَّتِي تُنالُ بِها شَفاعَتُهُ تَجْرِيدَ التَّوْحِيدِ، عَكْسَ ما عِنْدَ المُشْرِكِينَ أنَّ الشَّفاعَةَ تُنالُ بِاتِّخاذِهِمْ أوْلِياءَهم شُفَعاءَ، وعِبادَتِهِمْ ومُوالاتِهِمْ مِن دُونِ اللَّهِ، فَقَلَبَ النَّبِيُّ ﷺ ما في زَعْمِهِمُ الكاذِبِ، وأخْبَرَ أنَّ سَبَبَ الشَّفاعَةِ هو تَجْرِيدُ التَّوْحِيدِ، فَحِينَئِذٍ يَأْذَنُ اللَّهُ لِلشّافِعِ أنْ يُشَفَّعَ.
وَمِن جَهْلِ المُشْرِكِ اعْتِقادُهُ أنَّ مَنِ اتَّخَذَهُ ولِيًّا أوْ شَفِيعًا أنَّهُ يَشْفَعُ لَهُ، ويَنْفَعُهُ عِنْدَ اللَّهِ، كَما يَكُونُ خَواصُّ المُلُوكِ والوُلاةِ تَنْفَعُ شَفاعَتُهم مَن والاهُمْ، ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ لا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أحَدٌ إلّا بِإذْنِهِ، ولا يَأْذَنُ في الشَّفاعَةِ إلّا لِمَن رَضِيَ قَوْلَهُ وعَمَلَهُ، كَما قالَ تَعالى في الفَصْلِ الأوَّلِ ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلّا بِإذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]
وَفِي الفَصْلِ الثّانِي ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى﴾ [الأنبياء: ٢٨] وبَقِيَ فَصْلٌ ثالِثٌ، وهو أنَّهُ لا يَرْضى مِنَ القَوْلِ والعَمَلِ إلّا التَّوْحِيدَ، واتِّباعَ الرَّسُولِ، وعَنْ هاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ يَسْألُ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، كَما قالَ أبُو العالِيَةِ: كَلِمَتانِ يُسْألُ عَنْهُما الأوَّلُونَ والآخِرُونَ: ماذا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ وماذا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ؟
فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أُصُولٍ، تَقْطَعُ شَجَرَةَ الشِّرْكِ مِن قَلْبِ مَن وعاها وعَقَلَها لا شَفاعَةَ إلّا بِإذْنِهِ، ولا يَأْذَنُ إلّا لِمَن رَضِيَ قَوْلَهُ وعَمَلَهُ، ولا يَرْضى مِنَ القَوْلِ والعَمَلِ إلّا تَوْحِيدَهُ، واتِّباعَ رَسُولِهِ، فاللَّهُ تَعالى لا يَغْفِرُ شِرْكَ العادِلِينَ بِهِ غَيْرَهُ، كَما قالَ تَعالى ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١] وأصَحُّ القَوْلَيْنِ أنَّهم يَعْدِلُونَ بِهِ غَيْرَهُ في العِبادَةِ والمُوالاةِ والمَحَبَّةِ، كَما في الآيَةِ الأُخْرى ﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ - إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٧-٩٨] وكَما في آيَةِ البَقَرَةِ ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥].
وَتَرى المُشْرِكَ يُكَذِّبُ حالَهُ وعَمَلَهُ قَوْلُهُ، فَإنَّهُ يَقُولُ: لا نُحِبُّهم كَحُبِّ اللَّهِ، ولا نُسَوِّيهِمْ بِاللَّهِ، ثُمَّ يَغْضَبُ لَهم ولِحُرُماتِهِمْ - إذا انْتُهِكَتْ - أعْظَمَ مِمّا يَغْضَبُ لِلَّهِ، ويَسْتَبْشِرُ بِذِكْرِهِمْ، ويَتَبَشْبَشُ بِهِ، سِيَّما إذا ذُكِرَ عَنْهم ما لَيْسَ فِيهِمْ مِن إغاثَةِ اللَّهَفاتِ، وكَشْفِ الكُرُباتِ، وقَضاءِ الحاجاتِ، وأنَّهُمُ البابُ بَيْنَ اللَّهِ وبَيْنَ عِبادِهِ، فَإنَّكَ تَرى المُشْرِكَ يَفْرَحُ ويُسَرُّ ويَحِنُّ قَلْبُهُ، وتَهِيجُ مِنهُ لَواعِجُ التَّعْظِيمِ والخُضُوعِ لَهم والمُوالاةِ، وإذا ذَكَرْتَ لَهُ اللَّهَ وحْدَهُ، وجَرَّدْتَ تَوْحِيدَهُ لَحِقَتْهُ وحْشَةٌ، وضِيقٌ، وحَرَجٌ ورَماكَ بِنَقْصِ الإلَهِيَّةِ الَّتِي لَهُ، ورُبَّما عاداكَ.
رَأيْنا واللَّهِ مِنهم هَذا عِيانًا، ورَمَوْنا بِعَداوَتِهِمْ، وبَغَوْا لَنا الغَوائِلَ، واللَّهُ مُخْزِيهِمْ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ولَمْ تَكُنْ حُجَّتَهم إلّا أنْ قالُوا، كَما قالَ إخْوانُهُمْ: عابَ آلِهَتَنا، فَقالَ هَؤُلاءِ: تَنَقَّصْتُمْ مَشايِخَنا، وأبْوابَ حَوائِجِنا إلى اللَّهِ، وهَكَذا قالَ النَّصارى لِلنَّبِيِّ ﷺ، لَمّا قالَ لَهُمْ: إنَّ المَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ، قالُوا: تَنَقَّصْتَ المَسِيحَ وعِبْتَهُ، وهَكَذا قالَ أشْباهُ المُشْرِكِينَ لِمَن مَنَعَ اتِّخاذَ القُبُورِ أوْثانًا تُعْبَدُ، ومَساجِدَ تُقْصَدُ، وأمَرَ بِزِيارَتِها عَلى الوَجْهِ الَّذِي أذِنَ اللَّهُ فِيهِ ورَسُولُهُ، قالُوا: تَنَقَّصْتَ أصْحابَها.
فانْظُرْ إلى هَذا التَّشابُهِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، حَتّى كَأنَّهم قَدْ تَواصَوْا بِهِ ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِ ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ولِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧].
وَقَدْ قَطَعَ اللَّهُ تَعالى كُلَّ الأسْبابِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِها المُشْرِكُونَ جَمِيعًا، قَطْعًا يَعْلَمُ مَن تَأمَّلَهُ وعَرَفَهُ أنَّ مَنِ اتَّخَذَ مِن دُونِ اللَّهِ ولِيًّا، أوْ شَفِيعًا، فَهو كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وإنَّ أوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ فَقالَ تَعالى ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ وما لَهم فِيهِما مِن شِرْكٍ وما لَهُ مِنهم مِن ظَهِيرٍ - ولا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إلّا لِمَن أذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٢-٢٣].
فالمُشْرِكُ إنَّما يَتَّخِذُ مَعْبُودَهُ لِما يَعْتَقِدُ أنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ، والنَّفْعُ لا يَكُونُ إلّا مِمَّنْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِن هَذِهِ الأرْبَعِ إمّا مالِكٌ لِما يُرِيدُهُ عِبادُهُ مِنهُ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ مالِكًا كانَ شَرِيكًا لِلْمالِكِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا لَهُ كانَ مُعِينًا لَهُ وظَهِيرًا، فَإنْ لَمْ يَكُنْ مُعِينًا ولا ظَهِيرًا كانَ شَفِيعًا عِنْدَهُ.
فَنَفى سُبْحانَهُ المَراتِبَ الأرْبَعَ نَفْيًا مُتَرَتِّبًا، مُتَنَقِّلًا مِنَ الأعْلى إلى ما دُونَهُ، فَنَفى المِلْكَ، والشِّرْكَةَ، والمُظاهَرَةَ، والشَّفاعَةَ، الَّتِي يَظُنُّها المُشْرِكُ، وأثْبَتَ شَفاعَةً لا نَصِيبَ فِيها لِمُشْرِكٍ، وهي الشَّفاعَةُ بِإذْنِهِ.
فَكَفى بِهَذِهِ الآيَةِ نُورًا، وبُرْهانًا ونَجاةً، وتَجْرِيدًا لِلتَّوْحِيدِ، وقَطْعًا لِأُصُولِ الشِّرْكِ ومُوَدّاهُ لِمَن عَقَلَها، والقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِن أمْثالِها ونَظائِرِها، ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْعُرُونَ بِدُخُولِ الواقِعِ تَحْتَهُ، وتَضَمُّنِهِ لَهُ، ويَظُنُّونَهُ في نَوْعٍ وفي قَوْمٍ قَدْ خَلَوْا مِن قَبْلُ ولَمْ يُعْقِبُوا وارِثًا، وهَذا هو الَّذِي يَحُولُ بَيْنَ القَلْبِ وبَيْنَ فَهْمِ القُرْآنِ.
وَلَعَمْرُ اللَّهِ إنْ كانَ أُولَئِكَ قَدْ خَلَوْا، فَقَدْ ورِثَهم مَن هو مِثْلُهُمْ، أوْ شَرٌّ مِنهُمْ، أوْ دُونَهُمْ، وتَناوُلُ القُرْآنِ لَهم كَتَناوُلِهِ لِأُولَئِكَ، ولَكِنَّ الأمْرَ كَما قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّما تُنْقَضُ عُرى الإسْلامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إذا نَشَأ في الإسْلامِ مَن لا يَعْرِفُ الجاهِلِيَّةَ.
وَهَذا لِأنَّهُ إذا لَمْ يَعْرِفِ الجاهِلِيَّةَ والشِّرْكَ، وما عابَهُ القُرْآنُ وذَمَّهُ وقَعَ فِيهِ وأقَرَّهُ، ودَعا إلَيْهِ وصَوَّبَهُ وحَسَّنَهُ، وهو لا يَعْرِفُ أنَّهُ هو الَّذِي كانَ عَلَيْهِ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ، أوْ نَظِيرُهُ، أوْ شَرٌّ مِنهُ، أوْ دُونَهُ، فَيَنْقُضُ بِذَلِكَ عُرى الإسْلامِ عَنْ قَلْبِهِ، ويَعُودُ المَعْرُوفُ مُنْكَرًا، والمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، والبِدْعَةُ سُنَّةً، والسُّنَّةُ بِدْعَةً، ويَكْفُرُ الرَّجُلُ بِمَحْضِ الإيمانِ وتَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ، ويُبَدَّعُ بِتَجْرِيدِ مُتابَعَةِ الرَّسُولِ ﷺ ومُفارَقَةِ الأهْواءِ والبِدَعِ، ومَن لَهُ بَصِيرَةٌ وقَلْبٌ حَيٌّ يَرى ذَلِكَ عِيانًا، واللَّهُ المُسْتَعانُ.
* فَصْلٌ وأمّا الشِّرْكُ الأصْغَرُ فَكَيَسِيرِ الرِّياءِ، والتَّصَنُّعِ لِلْخَلْقِ، والحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، كَما ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ «مَن حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أشْرَكَ» وقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: ما شاءَ اللَّهُ وشِئْتَ، وهَذا مِنَ اللَّهِ ومِنكَ، وإنّا بِاللَّهِ وبِكَ، وما لِي إلّا اللَّهُ وأنْتَ، وأنا مُتَوَكِّلٌ عَلى اللَّهِ وعَلَيْكَ، ولَوْلا أنْتَ لَمْ يَكُنْ كَذا وكَذا، وقَدْ يَكُونُ هَذا شِرْكًا أكْبَرَ، بِحَسَبِ قائِلِهِ ومَقْصِدِهِ، وصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ قالَ لَهُ ما شاءَ اللَّهُ وما شِئْتَ: أجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ: ما شاءَ اللَّهُ وحْدَهُ» وهَذا اللَّفْظُ أخَفُّ مِن غَيْرِهِ مِنَ الألْفاظِ.
وَمِن أنْواعِ الشِّرْكِ سُجُودُ المُرِيدِ لِلشَّيْخِ، فَإنَّهُ شِرْكٌ مِنَ السّاجِدِ والمَسْجُودِ لَهُ، والعَجَبُ أنَّهم يَقُولُونَ: لَيْسَ هَذا بِسُجُودٍ، وإنَّما هو وضْعُ الرَّأْسِ قُدّامَ الشَّيْخِ احْتِرامًا وتَواضُعًا، فَيُقالُ لِهَؤُلاءِ: ولَوْ سَمَّيْتُمُوهُ ما سَمَّيْتُمُوهُ، فَحَقِيقَةُ السُّجُودِ وضْعُ الرَّأْسِ لِمَن يُسْجَدُ لَهُ، وكَذَلِكَ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ، ولِلشَّمْسِ، ولِلنَّجْمِ، ولِلْحَجَرِ، كُلُّهُ وضْعُ الرَّأْسِ قُدّامَهُ.
وَمِن أنْواعِهِ رُكُوعُ المُتَعَمِّمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ عِنْدِ المُلاقاةِ، وهَذا سُجُودٌ في اللُّغَةِ، وبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿ادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا﴾ [النساء: ١٥٤] أيْ مُنْحَنِينَ، وإلّا فَلا يُمْكِنُ الدُّخُولُ بِالجَبْهَةِ عَلى الأرْضِ، ومِنهُ قَوْلُ العَرَبِ: سَجَدَتِ الأشْجارُ، إذا أمالَتْها الرِّيحُ.
وَمِن أنْواعِهِ حَلْقُ الرَّأْسِ لِلشَّيْخِ، فَإنَّهُ تَعَبُّدٌ لِغَيْرِ اللَّهِ، ولا يُتَعَبَّدُ بِحَلْقِ الرَّأْسِ إلّا في النُّسُكِ لِلَّهِ خاصَّةً.
وَمِن أنْواعِهِ التَّوْبَةُ لِلشَّيْخِ، فَإنَّها شِرْكٌ عَظِيمٌ، فَإنَّ التَّوْبَةَ لا تَكُونُ إلّا لِلَّهِ، كالصَّلاةِ، والصِّيامِ، والحَجِّ، والنُّسُكِ، فَهي خالِصُ حَقِّ اللَّهِ.
وَفِي المُسْنَدِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِأسِيرٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أتُوبُ إلَيْكَ، ولا أتُوبُ إلى مُحَمَّدٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَرَفَ الحَقَّ لِأهْلِهِ».
فالتَّوْبَةُ عِبادَةٌ لا تَنْبَغِي إلّا لِلَّهِ، كالسُّجُودِ والصِّيامِ.
وَمِن أنْواعِهِ: النَّذْرُ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَإنَّهُ شِرْكٌ، وهو أعْظَمُ مِنَ الحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإذا كانَ مَن حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أشْرَكَ فَكَيْفَ بِمَن نَذَرَ لِغَيْرِ اللَّهِ؟ مَعَ أنَّ في السُّنَنِ مِن حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ عَنْهُ ﷺ «النَّذْرُ حَلْفَةٌ».
وَمِن أنْواعِهِ: الخَوْفُ مِن غَيْرِ اللَّهِ، والتَّوَكُّلُ عَلى غَيْرِ اللَّهِ، والعَمَلُ لِغَيْرِ اللَّهِ، والإنابَةُ والخُضُوعُ، والذُّلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ، وابْتِغاءُ الرِّزْقِ مِن عِنْدِ غَيْرِهِ، وحَمَدُ غَيْرِهِ عَلى ما أعْطى، والغُنْيَةُ بِذَلِكَ عَنْ حَمْدِهِ سُبْحانَهُ، والذَّمُّ والسَّخَطُ عَلى ما لَمْ يَقْسِمْهُ، ولَمْ يَجْرِ بِهِ القَدَرُ، وإضافَةُ نِعَمِهِ إلى غَيْرِهِ، واعْتِقادُ أنْ يَكُونَ في الكَوْنِ ما لا يَشاؤُهُ.
وَمِن أنْواعِهِ طَلَبُ الحَوائِجِ مِنَ المَوْتى، والِاسْتِغاثَةُ بِهِمْ، والتَّوَجُّهُ إلَيْهِمْ.
وَهَذا أصْلُ شِرْكِ العالَمِ، فَإنَّ المَيِّتَ قَدِ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وهو لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرّا ولا نَفْعًا، فَضْلًا عَمَّنِ اسْتَغاثَ بِهِ وسَألَهُ قَضاءَ حاجَتِهِ، أوْ سَألَهُ أنْ يَشْفَعَ لَهُ إلى اللَّهِ فِيها، وهَذا مِن جَهْلِهِ بِالشّافِعِ والمَشْفُوعِ لَهُ عِنْدَهُ، كَما تَقَدَّمَ، فَإنَّهُ لا يَقْدِرُ أنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ إلّا بِإذْنِهِ، واللَّهُ لَمْ يَجْعَلِ اسْتِغاثَتَهُ وسُؤالَهُ سَبَبًا لِإذْنِهِ، وإنَّما السَّبَبُ لِإذْنِهِ كَمالُ التَّوْحِيدِ، فَجاءَ هَذا المُشْرِكُ بِسَبَبٍ يَمْنَعُ الإذْنَ، وهو بِمَنزِلَةِ مَنِ اسْتَعانَ في حاجَةٍ بِما يَمْنَعُ حُصُولَها، وهَذِهِ حالَةُ كُلِّ مُشْرِكٍ، والمَيِّتُ مُحْتاجٌ إلى مَن يَدْعُو لَهُ، ويَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، ويَسْتَغْفِرُ لَهُ، كَما أوْصانا النَّبِيُّ ﷺ إذا زُرْنا قُبُورَ المُسْلِمِينَ أنْ نَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ، ونَسْألَ لَهُمُ العافِيَةَ والمَغْفِرَةَ،
فَعَكَسَ المُشْرِكُونَ هَذا، وزارُوهم زِيارَةَ العِبادَةِ، واسْتِقْضاءِ الحَوائِجِ، والِاسْتِغاثَةِ بِهِمْ، وجَعَلُوا قُبُورَهم أوْثانًا تُعْبَدُ، وسَمَّوْا قَصْدَها حَجًّا، واتَّخَذُوا عِنْدَها الوَقْفَةَ وحَلَقَ الرَّأْسِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ بِالمَعْبُودِ الحَقِّ، وتَغْيِيرِ دِينِهِ، ومُعاداةِ أهْلِ التَّوْحِيدِ، ونِسْبَةِ أهْلِهِ إلى التَّنَقُّصِ لِلْأمْواتِ، وهم قَدْ تَنَقَّصُوا الخالِقَ بِالشِّرْكِ، وأوْلِياءَهُ المُوَحِّدِينَ لَهُ، الَّذِينَ لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا بِذَمِّهِمْ وعَيْبِهِمْ ومُعاداتِهِمْ، وتَنَقَّصُوا مَن أشْرَكُوا بِهِ غايَةَ التَّنَقُّصِ، إذْ ظَنُّوا أنَّهم راضُونَ مِنهم بِهَذا، وأنَّهم أمَرُوهم بِهِ، وأنَّهم يُوالُونَهم عَلَيْهِ، وهَؤُلاءِ هم أعْداءُ الرُّسُلِ والتَّوْحِيدِ في كُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ، وما أكْثَرَ المُسْتَجِيبِينَ لَهُمْ! ولِلَّهِ خَلِيلُهُ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَيْثُ يَقُولُ ﴿واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ - رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ﴾ [إبراهيم: ٣٥-٣٦].
وَما نَجا مِن شَرَكِ هَذا الشِّرْكِ الأكْبَرِ إلّا مَن جَرَّدَ تَوْحِيدَهُ لِلَّهِ، وعادى المُشْرِكِينَ في اللَّهِ، وتَقَرَّبَ بِمَقْتِهِمْ إلى اللَّهِ، واتَّخَذَ اللَّهَ وحْدَهُ ولِيَّهُ وإلَهَهُ ومَعْبُودَهُ، فَجَرَّدَ حُبَّهُ لِلَّهِ، وخَوْفَهُ لِلَّهِ، ورَجاءَهُ لِلَّهِ، وذُلَّهُ لِلَّهِ، وتَوَكُّلَهُ عَلى اللَّهِ، واسْتِعانَتَهُ بِاللَّهِ، والتِجاءَهُ إلى اللَّهِ، واسْتِغاثَتَهُ بِاللَّهِ، وأخْلَصَ قَصْدَهُ لِلَّهِ، مُتَّبِعًا لِأمْرِهِ، مُتَطَلِّبًا لِمَرْضاتِهِ، إذا سَألَ سَألَ اللَّهَ، وإذا اسْتَعانَ اسْتَعانَ بِاللَّهِ، وإذا عَمِلَ عَمِلَ لِلَّهِ، فَهو لِلَّهِ، وبِاللَّهِ، ومَعَ اللَّهِ.
والشِّرْكُ أنْواعٌ كَثِيرَةٌ، لا يُحْصِيها إلّا اللَّهُ.
وَلَوْ ذَهَبْنا نَذْكُرُ أنْواعَهُ لاتَّسَعَ الكَلامُ أعْظَمَ اتِّساعٍ، ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُساعِدَ بِوَضْعِ كِتابٍ فِيهِ، وفي أقْسامِهِ، وأسْبابِهِ ومَبادِيهِ، ومَضَرَّتِهِ، وما يَنْدَفِعُ بِهِ.
فَإنَّ العَبْدَ إذا نَجا مِنهُ ومِنَ التَّعْطِيلِ وهُما الدّاءانِ اللَّذانِ هَلَكَتْ بِهِما الأُمَمُ فَما بَعْدَهُما أيْسَرُ مِنهُما، وإنْ هَلَكَ بِهِما فَبِسَبِيلِ مَن هَلَكَ، ولا آسى عَلى الهالِكِينَ.
{"ayahs_start":96,"ayahs":["قَالُوا۟ وَهُمۡ فِیهَا یَخۡتَصِمُونَ","تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ","إِذۡ نُسَوِّیكُم بِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"إِذۡ نُسَوِّیكُم بِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق