الباحث القرآني
* (فائدة)
قالوا: الشكر مراد لنفسه، والصبر مراد لغيره، والصبر إنما حمد لإفضائه وإيصاله إلى الشكر فهو خادم الشكر.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: "أفلا أكون عبدا شكورا"
وثبت في المسند والترمذي أن النبي قال لمعاذ:
"والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا أبو معاوية وجعفر بن عون عن هشام بن عروة قال كان من دعاء النبي ﷺ:
"اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
قال وحدثنا محمود بن غيلان حدثنا المؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمه حدثنا حميد الطويل عن طلق بن حبيب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال:
"أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وبدنا على البلاء صابرا، وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا في ماله"
وذكر أيضا من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي قال:
"ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها، وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفره، وإن الرجل يشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له".
وقد ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال:
"إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكله فيحمده عليها، ويشرب الشربه فيحمده عليها"
فكان هذا الجزاء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى ﴿وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ﴾ في مقابلة شكره بالحمد.
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن صالح حدثنا أبو زهير يحيى بن عطارد القرشي عن أبيه قال قال رسول الله:
"لا يرزق الله عبدا الشكر فيحرمه الزيادة"
لأن الله تعالى يقول ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزِيدَنَّكُمْ﴾
وقال الحسن البصري:
"إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا"
ولهذا كانوا يسمون الشكر الحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة والجالب لأنه يجلب النعم المفقودة.
وذكر ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لرجل من همذان:
"إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"
وقال عمر بن عبد العزيز:
"قيدوا نعم الله بشكر الله"
وكان يقول: الشكر قيد النعم.
وقال مطرف بن عبد الله "لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر"
وقال الحسن "أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر"
* (فصل)
مَن بَذَلَ لِلَّهِ شَيْئًا أعاضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنهُ.
وَمِنها: قَوْلُهُ تَعالى ﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكم واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ﴾.
وَمِنها: قَوْلُهُ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ «مَن ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، ومَن ذَكَرَنِي في مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَأٍ خَيْرٍ مِنهُ».
وَمِنها: قَوْلُهُ «مَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنهُ ذِراعًا» الحَدِيثَ.
فالعَبْدُ لا يَزالُ رابِحًا عَلى رَبِّهِ أفْضَلَ مِمّا قَدَّمَ لَهُ، وهَذا المُتَقَرِّبُ بِقَلْبِهِ ورُوحِهِ وعَمَلِهِ يَفْتَحُ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِحَياةٍ لا تُشْبِهُ ما النّاسُ فِيهِ مِن أنْواعِ الحَياةِ، بَلْ حَياةُ مَن لَيْسَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلى حَياتِهِ، كَحَياةِ الجَنِينِ في بَطْنِ أُمِّهِ بِالنِّسْبَةِ إلى حَياةِ أهْلِ الدُّنْيا ولَذَّتِهِمْ فِيها، بَلْ أعْظَمُ مِن ذَلِكَ.
فَهَذا نَمُوذَجُ مَن بايَنَ شَرَفَ هَذِهِ الحَياةِ وفَضْلَها، وإنْ كانَ عِلْمُ هَذا يُوجِبُ لِصاحِبِهِ حَياةً طَيِّبَةً، فَكَيْفَ إنِ انْصَبَغَ القَلْبُ بِهِ، وصارَ حالًا مُلازِمًا لِذاتِهِ؟ فاللَّهُ المُسْتَعانُ.
فَهَذِهِ الحَياةُ: هي حَياةُ الدُّنْيا ونَعِيمُها في الحَقِيقَةِ، فَمَن فَقَدَها فَفَقْدُهُ لِحَياتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ أوْلى بِهِ.
؎هَذِي حَياةُ الفَتى فَإنْ فُقِدَتْ ∗∗∗ فَفَقْدُهُ لِلْحَياةِ ألْيَقُ بِهِ
فَلا عَيْشَ إلّا عَيْشَ المُحِبِّينَ، الَّذِينَ قَرَّتْ أعْيُنُهم بِحَبِيبِهِمْ، وسَكَنَتْ نُفُوسُهم إلَيْهِ، واطْمَأنَّتْ قُلُوبُهم بِهِ، واسْتَأْنَسُوا بِقُرْبِهِ، وتَنَعَّمُوا بِحُبِّهِ، فَفي القَلْبِ فاقَةٌ لا يَسُدُّها إلّا مَحَبَّةُ اللَّهِ والإقْبالُ عَلَيْهِ والإنابَةُ إلَيْهِ، ولا يُلَمُّ شَعَثُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ ألْبَتَّةَ، ومَن لَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ: فَحَياتُهُ كُلُّها هُمُومٌ وغُمُومٌ، وآلامٌ وحَسَراتٌ، فَإنَّهُ إنْ كانَ ذا هِمَّةٍ عالِيَةٍ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ عَلى الدُّنْيا حَسَراتٍ، فَإنَّ هِمَّتَهُ لا تَرْضى فِيها بِالدُّونِ وإنْ كانَ مَهِينًا خَسِيسًا، فَعَيْشُهُ كَعَيْشِ أخَسِّ الحَيَواناتِ، فَلا تَقَرُّ العُيُونُ إلّا بِمَحَبَّةِ الحَبِيبِ الأوَّلِ.
؎نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الهَوى ∗∗∗ ما الحُبُّ إلّا لِلْحَبِيبِ الأوَّلِ
؎كَمْ مَنزِلٍ في الأرْضِ يَأْلَفُهُ الفَتى ∗∗∗ وحَنِينُهُ أبَدًا لِأوَّلِ مَنزِلِ
* (فصل: مبْنى الدّين على قاعدتين الذّكر والشُّكْر)
قالَ تَعالى ﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكم واشْكُرُوا لِي ولا تكفرون﴾
وَقالَ النَّبِي لِمعاذ والله إنِّي لَأحبك فَلا تنسى أن تَقول دبر كل صَلاة اللَّهُمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولَيْسَ المُراد بِالذكر مُجَرّد الذّكر اللِّسان بل الذّكر القلبي واللساني وذكره يتَضَمَّن ذكر أسْمائِهِ وصِفاته وذكر أمره ونَهْيه وذكره بِكَلامِهِ وذَلِكَ يسْتَلْزم مَعْرفَته والإيمان بِهِ وبصفات كَماله ونعوت جَلاله والثناء عَلَيْهِ بأنواع المَدْح وذَلِكَ لا يتم إلّا بتوحيده فَذكره الحَقِيقِيّ يسْتَلْزم ذَلِك كُله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه.
وَأما الشُّكْر فَهو القيام بِطاعَتِهِ والتقرب إلَيْهِ بأنواع محابه ظاهرا وباطنا وهَذانِ الأمْرانِ هما جماع الدّين فَذكره مُسْتَلْزم لمعرفته وشكره مُتَضَمّن لطاعته وهَذانِ هما الغايَة الَّتِي خلق لأجلها الجِنّ والإنْس والسَّماوات والأرْض ووضع لأجلها الثَّواب والعِقاب وأنزل الكتب وأرْسل الرُّسُل وهِي الحق الَّذِي بِهِ خلقت السَّماوات والأرْض وما بَينهما وضدها هو الباطِل والعبث الَّذِي يتعالى ويتقدس عَنهُ وهو ظن أعدائه بِهِ قالَ تَعالى وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْض وما بَينهما باطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذين كفرُوا وقالَ وما خَلَقْنا السَّماوات والأرْض وما بَينهما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ وقالَ وما خَلَقْنا السَّماوات والأرْض وما بَينهما إلّا بِالحَقِّ وإنَّ السّاعَة لآتية وقالَ بعد ذكر آياته في أول سُورَة يُونُس ﴿ما خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلّا بِالحَقِّ﴾ وقالَ ﴿أيَحْسَبُ الأِنْسانُ أنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ وقالَ ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ وقالَ ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والأِنْسَ إلّا ليعبدون﴾ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سبع سموات ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ على كل شَيْء قَدِيرٌ وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاَطَ بِكُلِّ شَيْء علما﴾
وَقالَ ﴿جَعَلَ اللَّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرامَ قِيامًا لِلنّاسِ والشَّهْرَ الحَرامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في السَّماوات وما في الأرْضِ وأنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْء عليم﴾
فَثَبت بِما ذكر أن غايَة الخلق والأمر أن يذكر وأن يشْكر يذكر فَلا ينسى ويشكر فَلا يكفر وهو سُبْحانَهُ ذاكر لمن ذكره شاكر لمن شكره فَذكره سَبَب لذكره وشكره سَبَب لزيادته من فَضله فالذكر للقلب واللِّسان والشُّكْر للقلب محبَّة وإنابة وللسان ثناد وحمد وللجوارح طاعَة وخدمة.
{"ayah":"فَٱذۡكُرُونِیۤ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لِی وَلَا تَكۡفُرُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق